- يبطل حق الزوج في الرجعة بانقضاء عدة الزوجة بالحيض ثلاث مرات إن كانت من ذوات الحيض وبوضع الحمل كاملا أو سقطا وبثلاثة أشهر من تاريخ طلاقها إن كانت آيسة من الحيض لكبر أو صغر وإنما تنقضي العدة بأمارات مفصلة في المذاهب ( 1 ) .
فإذا اختلف الزوجان في انقضاء العدة بأن ادعى الزوج أنها باقية وادعت الزوجة أنها انقضت ولا حق له في الرجعة أو ادعى الزوج انه راجعها في العدة قبل أن تنقضي ولم يخبرها إلا بعد انقضائها وأنكرت الزوجة ذلك فإن فيه أيضا تفصيلا تعلمه من الاطلاع على المكتوب تحت الخط الموجود أمامك .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : يبطل حق الزوج بانقضاء العدة بواحد من الأمور الثلاثة المذكورة فأما الحيض فإن الرجعة تبطل به إذا ادعت أنه انقطع بعد شهرين من تاريخ الطلاق لأن أقل ما تنقضي به العدة شهران عند الإمام فإذا ادعت أنها حاضت ثلاث مرات قبل الشهرين فإنها لا تصدق وذلك لأنه إذا طلقها في أول مدة طهر لم يطأها فيه تحتاج إلى ثلاث حيض وثلاثة أطهار الطهر الذي طلقها فيه وطهران بعد الحيضتين حتى ترى دم الحيضة الثالثة في آخر الطهر الثاني وأقل الطهر خمسة عشر يوما فيكون مجموع الأطهار خمسة وأربعين يوما وتحتاج إلى ثلاث حيض ويعتبر في الحيضة الوسط وهو خمسة أيام فيكون مجموع الحيض خمسة عشر يوما مضافة إلى خمسة وأربعين يوما فالمجموع ستون يوما وإنما يعتبر في الحيض أقله وهو ثلاثة أيام لأن اجتماع أقل الطهر وأقل الحيض في مدة واحدة نادر لا يعول عليه وبعضهم يبينه بوجه آخر فيقول : إن المفروض أن يطلقها في آخر الطهر الذي لا وطء فيه كي لا تطول عليها المدة . فتحيض وتطهر ثم تحيض وتطهر ثم تحيض فيتم لها بذلك طهران وثلاث حيض لأن الطهر الذي طلقها فيه لم يحسب لأنه طلقها في آخر جزء منه وأقل الطهر خمسة عشر يوما فيكون الطهران ثلاثين يوما أما الحيض فيحسب أكثره وهو عشرة أيام فالثلاثة حيض بثلاثين يوما أيضا وهما الشهران وإنما اعتبر أكثر الحيض ليتعادل مع أقل الطهر ولا يخفى أن المآل واحد من الأمرين وأنه لا فرق بين أن يطلقها في أول الطهر أو في آخره بالنسبة لحسبان الشهرين فلا بد من انقضاء الشهرين من تاريخ طلاقها وإلا فلا تصدق بأن عدتها قد انقضت بالحيض فإذا ادعت أنها حاضت ثلاث حيض بعد شهرين فإن حق الزوج في الرجعة يبطل بانقطاع دم الحيضة الأخيرة التي تنتهي بها عدتها فإن كانت حرة تبطل رجعتها وانقطاع الحيضة الثالثة وإن كانت أمة تبطل رجعتها بانقطاع دم الحيضة الثانية لأن عدة الأمة حيضتان ثم إن الدم لأكثر الحيض وهو عشرة أيام . فإن عدتها تنقضي وإن لم تغتسل فإذا مكثت حائضة عشرة أيام ولم ينقطع الدم فإنه ينظر إن كانت لها عادة ينقطع عندها الدم . كان لها حق الرجعة إلى انقطاعه عند عادتها وإن لم يكن لها عادة بطل حقه في الرجعة . وإن لم ينقطع عندها الدم كان له حق الرجعة إلى انقطاعه عند عادتها . وإن لم يكن لها عادة بطل حقه في الرجعة . وإن لم ينقطع الدم لأن أكثر مدة الحيض عشرة أيام . فعند انقضائها تبطل الرجعة إذا لم توجد لها عادة أما إذا انقطع دم الحيضة الأخيرة لأقل من عشرة أيام . فإن حقه في الرجعة لا يبطل إلا بأحد أمرين : .
الأمر الأول : أن تغتسل بماء طهور ولو كان مشكوكا في طهوريته . كما إذا كان الماء سؤر حمار ولكن إذا اغتسلت به مع وجود الماء المطلق فإنه لا يصح لها أن تصلي به أو تتزوج فهو يقطع حق الرجعة فقط .
الأمر الثاني : أن يمضي عليها وقت صلاة كامل بعد انقطاع الدم بحيث تكون الصلاة دينا في ذمتها مثلا إذا انقطع الدم عقب دخول وقت الظهر ولم تغتسل فإن له أن يراجعها حتى يدخل وقت العصر وكذا إذا انقطع الدم عند شروق الشمس فإن له أن يراجعها حتى يدخل وقت العصر . لأن الوقت من شروق الشمس إلى الظهر مهمل لا تجب عليها فيه صلاة . فمن شروق الشمس إلى العصر لا يجب عليها إلا وقت واحد وهو الظهر فإذا انقطع الدم في أخر وقت الظهر يعني قبل العصر بنصف ساعة مثلا فإن كان ذلك الوقت يمكنها أن تغتسل فيه وتكبر تكبيرة الإحرام قبل خروجه فإنه يعتبر وقتا كاملا لأنه بذلك يجب عليها دينا في ذمتها . أما إن كان ذلك الوقت لا يمكنها أن تغتسل وتكبر فيه فإن رجعته لا تبطل إلا إذا انقضى الزمن الباقي من وقت الظهر وانقضى زمن العصر بتمامه ودخل في وقت المغرب وعلى هذا القياس فإذا لم تجد ماء فإنه يقوم التيمم مقام الغسل وقيل : لا يكفي التيمم إلا إذا صلت به صلاة كاملة ولو نفلا والراجح الأول : لأن التيمم مقام الغسل طهارة كاملة عند فقد الماء . هذا إذا كانت مسلمة أما الكتابية فرجعتها تبطل بمجرد الانقطاع بدون اغتسال أو مضي وقت صلاة وهل لو انقطع دم حيضها لأقل المدة ثم اغتسلت بماء طهور غير مشكوك فيه ثم تزوجت بآخر وعاد لها الدم ثانية يبطل الزواج وتعود الرجعة أو تبطل الرجعة ويستمر الزوج ؟ في هذه المسألة خلاف فبعضهم يقول : إن بطلان الرجعة منوط بانقطاع الدم فإذا انقطع لأقله ثم عاد لا يكون قد انقطع حقيقة فتعود الرجعة ويبطل عقد الزواج . أما الغسل فقد شرط ليقوي الانقطاع لأقل الحيض على معنى أنه إذا وجد الانقطاع والاغتسال حكم الشارع بطهارتها فإذا عاد الدم حكم بعدم طهارتها وبعضهم يقول : إن بطلان الرجعة منوط بالاغتسال بعد انقطاع الدم فمتى اغتسلت حلت للأزواج وبطلت الرجعة فإذا تزوجت ثم عاد الدم فإن تزوجها يستمر صحيحا ولا يبطله عودة الدم .
ومثل ذلك ما إذا انقطع دمها لأقل المدة ولم تغتسل ولكن مضى عليها وقت صلاة كامل بدون دم فإنها تحل للأزواج بذلك ويبطل حق الزوج في الرجعة فإذا عاد لها الدم عاد الخلاف المذكور فبعضهم يقول : يعود الحق في الرجعة ويبطل الزواج لأن مناط بطلان الرجعة انقطاع الدم وبعودته تبين أنه لم ينقطع وبعضهم يقول : لا يبطل الزواج ولا يعود الحق في الرجعة لأن مناط بطلان الرجعة مضي وقت الصلاة بعد انقطاع الدم .
والمعقول الذي تنضبط به الأحكام هو أن حق الرجعة يبطل وأن الزواج يستمر صحيحا ولو عاد الدم سواء كان ذلك بعد الغسل أو بعد مضي وقت صلاة إذ لا معنى للحكم بصحة تزوجها عند هذه الأمارة فإذا تزوجت ووطئها الزوج الجديد مثلا وعاد الدم فهل يصح أن يقال له : أنها ليست زوجة لك فإن زوجها القديم قد راجعها ؟ إن ذلك ليس من الأمور الهينة التي يسهل على النفوس أن تسيغها فمتى جعل الشارع هذه الأمارة دليلا على طهارة الزوجة وأباح لها أن تتزوج بالغير فلا يصح أن يقال بعد ذلك : أن للشارع إبطال هذه الأمارة وانتزاع الزوجة من حضن القديم على أن ذلك يفضي إلى تعليم النساء الكذب وعدم الصدق فإن المرأة التي تتزوج زوجا جديدا إذا علمت أنها ستنزع منه لا بد أن تكتم الدم الذي عاد لها وهذا مما لا معنى له ومن أجل ذلك جرت متون المذاهب على أن الزواج الثاني صحيح وأن الرجعة لا تعود بعودة الدم نعم لو قالوا : أن الاحتياط أن لا يحل لها التزوج إلا بعد أن ينقطع الدم لأكثر الحيض مع ملاحظة عادتها إن كانت لها عادة بعد مضي أكثر المدة كان ذلك حسنا ولكنهم لم يفعلوا .
وأما وضع الحمل فإنه يبطل حق الرجعة ثم إن كان كاملا فإن العدة تنقضي بخروج أكثره إذ لا يشترط خروجه جميعه على أنها لا يحل أن تتزوج إلا بخروجه جميعه احتياطا إذا كانت حاملا في اثنين فإن العدة تنقضي بخروج الثاني وتبطل الرجعة بخروج أكثره ولا فرق في انقضاء العدة وبطلان الرجعة بين أن تكون حاملا به من الزوج المطلق أو من غيره فلو تزوج حبلى من الزنا وهو عالم بها ثم طلقها فولدت بعد الطلاق انقضت عدتها منه فإذا ادعت أنها ولدت حملها وأنكر الزوج الولادة فلا يخلو إما أن يكون حملها ظاهرا بأن كانت بطنها كبيرة مثلا ثم صغرت فإن دعواها يثبت بشهادة القابلة لأن ظهور الحمل يؤيد شهادتهما أما إذا لم يكن بها حمل ظاهر فإن الولادة لا تثبت إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين كما سيأتي في المسألة التالية .
ويتعلق بها مسائل : المسألة الأولى : إذا طلق شخص زوجته وهي حامل ولكنه ادعى أنه لم يطأها أصلا فلم يحبلها فهل يصح له أن يراجعها قبل وضع الحمل أو لا يصح ؟ وإذا راجعها فهل تكون الرجعة صحيحة قبل الوضع أو لا ؟ والجواب : أنه يصح له أن يراجعها قبل الوضع ولكن لا تكون زوجة له إلا بعد وضع الحمل في مدة تقل عن ستة أشهر من تاريخ الطلاق وستة أشهر فأكثر من تاريخ عقد الزواج وذلك لأنه ادعى أنه لم يطأها . وهذه الدعوى تفيد أنه طلقها قبل الدخول وأنه لا عدة له عليها فلا رجعة له فإذا راجعها قبل وضع الحمل الذي تنقضي به العدة على كل حال كان مكذبا لنفسه وهذا التكذيب لا يقره الشارع إلا إذا ثبت وهو لا يثبت إلا إذا ولدت امرأة في مدة تقل عن ستة أشهر من تاريخ الطلاق لأنها إن ولدت بعد ستة أشهر من تاريخ الطلاق احتمل أن يكون الولد من وطء حديث بعد الطلاق لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر فلا يكون منه وكذا ينبغي أن يكون في مدة ستة أشهر فأكثر من تاريخ عقد الزواج لأنها إن جاءت به في مدة تقل عن ذلك لا يكون ابنه بل يكون من غيره لولادته قبل انقضاء ستة أشهر من تاريخ الزواج فإذا ولدته في المدة المذكورة كان ابنه وكان قوله : أنه لم يطأها كذبا حقا أما إذا ولدته في غير هذه المدة فإنه يكون صادقا في قوله : أنه لم يطأها وتكون مطلقة قبل الدخول حقيقة فتبطل رجعته والحاصل أنه إذا أنكر وطأها وظهر أنها حامل وأراد تكذيب نفسه بمراجعتها فإن له أن يراجعها قبل وضع الحمل لأنها إذا وضعت فلا حق له في الرجعة على أي حال لما علمت أن الوضع تنفضي به العدة ولو من غيره ثم تنتظر بعد الرجعة فإن ولدت في مدة يثبت فيها نسب الولد منه ظهرت صحة الرجعة وإلا فلا على أن المشايخ اختلفوا في هل توصف الرجعة بالصحة قبل الوضع في المدة المذكورة أولا مع اتفاقهم أنها لا تكون زوجة له بالرجعة إلا بعد ظهور صحتها بالوصف ؟ فبعضهم قال : إنها توصف بالصحة . وبعضهم قال : لا . وقد استدل من قال : أنها توصف بالصحة بأمرين : أحدهما أنه لو كان الشخص يملك جارية وباعها وادعى المشتري أنها حامل كان الحمل عيبا فيها يصح له ردها به ويثبت حملها بظهوره للنساء التي تعرف الحبل فإذا قالت امرأة خبيرة بالحمل : إنها حامل ثبت الحبل وكان عيبا ترد به . الأمر الثاني أنهم صرحوا في باب ثبوت النسب أن النسب يثبت بالحمل الظاهر وحيث أنه يصح الحكم بظهور الحبل قبل ولادته ويصح ثبوت النسب بظهور الحبل قبل الولادة فإنه يصح الحكم بصحة الرجعة قبل الولادة فإذا ولدت فقد ظهرت صحة الرجعة بيقين .
( يتبع . . . )