وكذا يصح الخلع على إسقاط الحضانة فإذا قالت له : خالعني على إسقاط حقي في حضانة ولدي منك فقال : خالعتك على ذلك فإنه يصح وتبين منه ويسقط حقها في الحضانة وينتقل إلى الأب ولو كان هناك من يستحقها غيره ولكن بشرط أن لا يخشى على الولد المحضون ضرر بمفارقة أمه أو يكون الأب لا يستطيع حضانته وإلا وقع الطلاق ولم تسقط الحضانة باتفاق . وبعضهم يقول : إذا خالعت على إسقاط حضانتها لا تنتقل الحضانة للأب ولكن تنتقل لمن لها حق الحضانة بعد الأم وهذا هو الذي عليه العمل وبه الفتوى . وإن كان الأول وهو انتقاله للأب المشهور وإذا خالعته على إسقاط الحضانة ومات الأب فهل تعود الحضانة للأم أو لا ؟ والجواب : نعم تعود للأم وقد يقال أن الأم أسقطت حقها فإذا مات الأب تنتقل الحضانة لمن يستحقها بعد الأم ولكن الظاهر أن الأم أسقطت حقها للأب فإذا مات عاد الحق لها لأنها أولى بالحضانة فالظاهر أنها تعود للأم فإذا ماتت الأم والأب موجود فهل تنتقل الحضانة إلى من لها حق الحضانة بعد الأم أو تستمر للأب على القول المشهور ؟ والجواب : أن الظاهر استمرارها للأب لأنها انتقلت به بوجه جائز وبعضهم يقول : أنها تنتقل لمن لها حق الحضانة بعد الأم قياسا على من أسقط حقه في وقف الأجنبي ثم مات فيعود حقه لمن بعده ممن رتبه الواقف . وهل إذا سقط حقها في حضانة حملها قبل الولادة يصح أو لا ؟ والجواب : يصح ولا يقال أنه إسقاط للشيء قبل وجوده لأن سبب الوجود ظاهر وهو الحمل .
ويصح الخلع على أجرة رضاع الحمل الذي في بطنها مدة رضاعة فإذا قالت له خالعني على أجرة رضاع ولدي الذي في بطني فقال لها : خلعتك على ذلك وقبلت فإنها تبين منه وعليها رضاع ولده مدة الرضاع مجانا فإذا مات الولد قبل الحولين سقط ما بقي من أجرة الرضاع فلا يرجع عليها أبوه بشيء ما لم تكن عادتهم الرجوع فإن له مطالبتها بالباقي أما إذا ماتت هي أو جف لبنها فعليها مقدار ما بقي من أجرة رضاعه ويؤخذ من تركتها إن كانت قد ماتت .
وهل تسقط نفقتها مدة الحمل تبعا لسقوط أجرة الرضاع من غير أن ينص عليها أو لا ؟ والراجح أنها لا تسقط لأنهما حقان أسقطت أحدهما ولم تسقط الآخر . وإذا خالعها على أجرة رضاع ابنه مدة الرضاع وعلى أن تنفق عليه في هذه المدة . أو على ولده الكبير هذه المدة فإن فيه خلافا فبعضهم يقول : يسقط الزائد على مدة الرضاع سواء حدد مدة الانفاق بزمن الرضاع أو زاد عليها أو خالعها على الإنفاق عليه مدة أو على غيره منقطعة عن الرضاع وبعضهم يقول : لا يسقط مطلقا فإذا اشترط أن تنفق عليه أو على ولده الكبير مدة الرضاع لزمها ذلك فإذا مات الولد كان للأب أن يأخذ نفقته التي ضمها إلى أجرة الرضاع يوما فيوما أو شهرا فشهرا طول المدة وكذا إذا لم يقيد بمدة معينة فإنه يلزمها الإنفاق عليه ما دام موجودا ولا يضر الغرر في الخلع وهذا هو الراجح وبعضهم يقول : إن كانت المدة معينة فإنه يصح وإلا فإن النفقة تسقط عنها .
ويصح الخلع مع البيع كأن تخالعه على فرس على أن تأخذ منه خمسة جنيهات مثلا ففي هذه الحالة يكون نصف الفرس في مقابلة العصمة . والنصف الآخر مبيعا بالخمسة جنيهات وهو صحيح فإذا فرض وكانت الفرس تساوي الخمسة التي دفعها فإن الخلع يصح أيضا لأن عين الفرس تعتبر عوضا بصرف النظر عن الخمسة التي دفعها فيقع الطلاق بائنا على الراجح وبعضهم يقول : في هذه الحالة يقع الطلاق رجعيا لأن الزوجة لم تدفع عوضا فإن الفرس أخذت عوضها المساوي لها فإذا خالعته على جمل شارد فإن البيع يكون فاسدا والخلع يكون صحيحا وعلى هذا فيجب على الزوجة أن ترد الخمسة التي أخذتها لفساد البيع ويجب عليه أن يرد هو عليها نصف الجمل الذي اشتراه بهذه الخمسة ويبقى النصف الآخر ملكا له في نظير حل العصمة وإذا خالعته على ما في يدها وهي مضمومة أو ما في صندوقها وهو مغلق فلو وجد بهما شيء ولو تافه كزبيبة فإنه يكون له ويصح الخلع وكذا إذا لم يكن فيهما شيء أصلا أو فيهما شيء ليس بمال كتراب فإنها تبين منه على القول الأقرب المستحسن .
أما إذا خالعته على شيء معين وتبين أنه ليس ملكا لها فإن الخلع لا يصح حتى ولو أجازه الغير . وهذا بخلاف ما إذا خالعته على شيء غير معين كما إذا خالعته على قطنية بلدية ثم جاءته فتبين أنها ملك لغيرها فإن الخلع يصح وتلزم بإحضار واحدة مثلها وإذا قال لها : إن أعطيتني ما أخالعك به فأنت طالق فأعطته شيئا تافها لا يساوي ما يخالع به مثله فإنها لا تطلق .
الشافعية - قالوا : يشترط في العوض أن يكون مقصودا أي له قيمة وأن يكون راجعا إلى جهة الزوج وأن يكون معلوما وأن يكون مقدورا على تسليمه وأن يكون حلالا غير فاسد .
وبالجملة فيشترط في الخلع الشروط المتقدمة في الصداق فكل ما يصلح صداقا يصلح أن يكون بدلا في الخلع . ويرد عليه أن الصداق يصح على تعليم بعض القرآن بنفسه فإنه يصح أن يكون صداقا ولا يكون بدل خلع . لأنها لو خالعته على أن تعلمه بعض القرآن بنفسها فإنه لا يصح لأنها تكون بعد الخلع أجنبية لا يجوز لها أن تعلمه . والجواب : أن عدم الصحة جاءت من تعذر تعليمه بنفسها وإلا فهو صحيح في ذاته . فخرج بالعوض الطلاق بلا ذكر عوض فإن فيه تفصيلا لأنه لم يذكر المال فلا يخلو إما أن ينويه أو ينفيه . أو لا ينوي ولا ينفي وسيأتي بيان ذلك في الصيغة وقوله : مقصود أي له قيمة مالية خرج به العوض الذي لا قيمة له فإذا طلقها في نظير حشرة أو دم فإنه يقع عليه الطلاق رجعيا وقوله : راجع لجهة الزوج خرج به ما إذا كان لها مال عند شخص غير الزوج فطلقها زوجها على براءة ذلك الشخص من دينه فإنه يقع الطلاق رجعيا أيضا فإذا كان لها عند زوجها دين ولها عند أخيه دين فطلقها على البراءة من دينه ودين أخيه وقع الطلاق بائنا في نظير البراءة من دين الزوج ولا يضر ضم أخيه إليه وصحت براءتهما ولا تجب على المرأة مهر المثل بعد ذلك وإذا كان للزوجة قصاص على زوجها فأبرأته على ما ثبت لها من ذلك القصاص فإنه يصح ويقع الطلاق بائنا وإذا كان لها عليه حد قذف أو تعزير فأبرأته منهما وطلقها على ذلك وقع الطلاق بائنا ولزمها أن تدفع لزوجها مهر مثلها وذلك لأن العوض يشترط فيه أن يكون من الأشياء التي يصح جعلها صداقا وحد القذف والتعزير إن كان لا يصح جعلهما صداقا ولكنهما كالمال المقصود لأنهما لهما قيمة في ذاتهما . والمراد بالمقصود هو ما له قيمة وإن كان لا يقابل بمال فلهذا يلزم الطلاق البائن بالخلع عليهما ويجب على الزوجة أن تدفع مهر المثل ولا يسقط الحد عنه وقيل : يسقطان لأن الخلع عليهما يتضمن العفو عنهما ولكن هذا ضعيف لأنه لو صح لما وجب على الزوجة مهر المثل .
والحاصل أن العوض إذا كان مالا مقصودا صح الخلع ووجب المال . فإن لم يكن له قيمة مالية أصلا وقع عليه الطلاق رجعيا وإن كان مقصودا ولكنه فاسد كالخمر والخنزير وقع الطلاق بائنا بمهر المثل ومثله ما إذا كان مقصودا ولكنه لا يقابل بمال كحد القذف والتعزير أما المقصود الذي يقابل بمال كالقصاص فإنه يصح ويرتفع القصاص .
ومن هذا تعلم أن نفقة العدة والحضانة ونحوهما مال مقصود يصح بهما الخلع وقوله : معلوم خرج به ما إذا خالعها على شيء مجهول فلو قالت له خالعني على دابة . أو ناقة . أو ثوب ولم تعينه له فخالعها وقع الطلاق بائنا ولزمها مهر المثل وقوله : غير فاسد خرج ما إذا خالعها على مال فاسد كالخمر . والخنزير فإنه يقع به الطلاق البائن ويلزمها أن تدفع له مهر المثل وإذا خالعها بمعلوم ومجهول كما إذا خالعها على فرسه ودابة أخرى معينة فإنه يفسد ويجب عليها مهر المثل أما إذا خالعها بصحيح وفاسد معلوم كما إذا قال لها : خالعتك على عشرين جنيها وعلى هذا الدن من الخمر فإنه يصح في الصحيح ويجب في مقابل الفاسد مهر المثل ولو خالعها على ما ليس موجودا كما إذا قالت له : خالعني بما في داري أو بما في كفي ولم يكن فيهما شيء بانت بمهر المثل ولو علم الزوج أن ليس فيهما شيء ومثل ذلك ما إذا خالعته على مال مغصوب أو غير مقدور على تسليمه وكذا إذا خالعها على شيء مجهول في ذاته كما إذا قال لها : خالعتك على ثوب في ذمتك فإنها تبين بمهر المثل وهذا بخلاف ما إذا علق الخلع على مجهول فإن فيه تفصيلا وهو أنه إن أمكن إعطاء المعلق عليه فإنها تبين بمهر المثل أيضا وذلك إذا قال لها : إن أعطيتني ثوبا فأنت طالق فأعطته ثوبا فإنها تبين بذلك بمهر المثل وإن كان لا يمكن إعطاء المعلق عليه فإنها لا تطلق منه وذلك كأن يقول لها : إن أعطيتني ما في كفك فأنت طالق وليس في كفها شيء يمكن إعطاؤه فإنها في هذه الحالة لا تطلق وإن علق طلاقها على البراءة من معلوم فإنه يصح الخلع ويلزم العوض كما إذا قال لها : إن أبرأتني من صداقك المعروف لهما فأنت طالق فقالت له : أبرأتك فإنه يصح فإذا قالت له : إن طلقتني فأنت بريء من صداقي وهي جاهلة بصداقها فإن كان يظن أن صداقها مال مقصود غير فاسد وقع بمهر المثل وإن علم أن صداقها فاسد فإنها تطلق رجعيا وإن قالت له : أبرأتك . ولم تذكر مالا فقال لها : إن صحت براءتك فأنت طالق فإن كان الذي أبرأته منه معلوما وقع الطلاق رجعيا لأنه لم يقع في مقابل عوض لأنه علقه بصحة البراءة وصحة البراءة متحققة قبل طلاقه لأنها أبرأته حقا وإن أبرأته من شيء مجهول فلا يقع شيء .
وإذا قال لها : إن أبرأتني من دينك فأنت طالق وكان دينها مجهولا فقالت له : أبرأتك فإنه لا يقع به شيء وذلك لأنه علق البراءة على دين مجهول فلم تتحقق البراءة فلم يوجد المعلق عليه .
وإذا خالع عن الزوجة غيرها على مال فاسد وصرح بالفساد فإنه يقع رجعيا كما إذا قال له : خالع زوجتك على هذا المال المغصوب أو على هذا الخمر وذلك لأن الأجنبي لا مصلحة له بل هو متبرع بدون فائدة تعود عليه فإذا صرح بفساد العوض كان معنى ذلك عدوله عن التبرع بخلاف الزوجة فإن لها منفعة وهي ملك نفسها فإذا صرحت بالفساد أو ذكرت مالا فاسدا مقصودا فإنه يلزمها مهر المثل . أما إذا لم يصرح الأجنبي بالفساد كما إذا قال له : خالع زوجتك على هذا الجمل وكان في الواقع مغصوبا فإنه يصح الخلع وعليها مهر المثل .
الحنابلة - قالوا : يشترط في عوض الخلع أن يكون مالا حلالا فإذا خالعها على خمر . أو خنزير . ونحوهما وهما يعلمان تحريمه فإن الخلع يقع فاسدا لأن الرضاء به يدل على الرضاء بغير عوض ولا بد من العوض لأنه ركن الخلع فلا يتحقق بدونه أما إن كانا لا يعلمان التحريم فإنه يصح الخلع وتلزم المرأة بدفع قيمة العوض أو مثله إن كان له مثل من حلال وذلك لأن الخلع معاوضة بالبضع فلا يفسد العوض كعقد النكاح فإذا قال : إن أعطيتني خمرا أو خنزيرا فأنت طالق فأعطته وقع الطلاق لوجود الإعطاء ولكنه يكون رجعيا لعدم صحة العوض ولا شيء على الزوجة لرضائه بغير العوض فإن قلت : إنكم قلتم في النكاح : إذا أصدقها مهرا فاسدا صح العقد ولزمه مهر المثل فلماذا لم تقولوا : إذا خالعها على مال فاسد صح الخلع ولزمها مهر المثل ؟ والجواب : أن خروج البضع من ملك الزوج ليست له قيمة مالية بخلاف دخوله في ملكه . فإنه متقوم بالصداق ولهذا قلنا : إن الخلع يفسد بخلاف النكاح بمهر المثل ولا يشترط في العوض أن يكون معلوما فيصح الخلع بالمجهول فإذا خالعها على ما في بيتها من المتاع صح الخلع . وله ما في بيتها قليلا كان أو كثيرا فإن لم يكن في بيتها شيء كان له الحق في أقل شيء يصدق عليه اسم المتاع وكذا إذا خالعها على ما في يدها فإن لم يكن في يدها شيء كان له أقل ما يصح أن يكون فيها وهو ثلاثة دراهم وإن كان في يدها شيء فهو له قليلا كان أو كثيرا .
وكذا لا يشترط في العوض أن يكون موجودا فيصح الخلع بالمعدوم الذي ينتظر وجوده كما إذا خالعها على حمل ناقتها . أو حمل غنمها . أو بقرها أو نحو ذلك فإذا كان هناك حمل كان للزوج وإن لم يكن حمل وجب عليها إرضاؤه فإن لم يتراضيا لزمها أن تعطيه ما يتناوله اسم الحمل ومثل ذلك ما إذا خالعته على ما تحمل شجرتها من الثمر . أو خالعته على ما في ضروع ماشيتها من الغنم فإنه يصح على الوجه المذكور .
ويصح الخلع بذكر العوض عاما غير موصوف كما إذا قالت له : خالعني على جمل أو على بقرة أو على ثوب أو شاة ولم تعينه فإن الخلع يصح ويلزمها أن تدفع له أقل جمل أو بقرة أو شاة وإن قالت : خالعني على هذا الجمل فخالعها ثم ظهر أنه مغصوب فإنها لا تطلق ومثل ذلك ما إذا ظهر أنه مرهون فإنها لا تطلق .
ويصح الخلع على سكنى دار معينة مدة معلومة كما إذا قالت له : خالعني على أن تسكن في هذه الدار سنتين أو أكثر أو أقل فقال لها : خالعتك على ذلك فإنه يصح وله السكنى فإن هدمت الدار رجع عليها بأجرة مثل هذه الدار .
وكذا يصح الخلع على أن ترضع ولده منها أو من غيرها مدة معينة فإن مات الولد قبل استيفائهم كان له الحق في المطالبة بأجرة رضاع مثله فيما بقي له . ومثل ذلك ما إذا ماتت هي أو جف لبنها . وإذا خالعته على إرضاع ابنه ولم تذكر مدة فإنها تلزم بإرضاعه المدة المقررة للرضاع شرعا وهي الحولان سواء كان الخلع قبل الوضع أو بعده مباشرة أو كان في أثناء المدة فإن كان قد مضى على ولادته سنة لزمها أن ترضعه الحول الباقي . ويصح أن تخالعه على كفالة ولده مدة معينة كما يصح أن تخالعه على نفقته مدة معينة كعشر سنين ونحوها ويحسم أن يذكر مدة الرضاع من هذه المدة إن كان الولد رضيعا وأن يذكر صفة الطعام الذي تطعمه للولد بأن يقول : خالعتك على نفقة ولدي عشر سنين فترضعيه منها سنتين أو أقل حسبما يتفقان عليه وأن تطعميه خبزا من الحنطة مثلا كل يوم ثلاثة أرغفة أو رغيفين أو نحو ذلك ويذكر الأدم ونحو ذلك فإن لم يذكر فإن الخلع يصح وتحمل مدة الرضاع على المدة الشرعية والنفقة على ما جرى به العرف والعادة وللوالد أن يأخذ منها قيمة النفقة ويباشر الإنفاق عليه هو وإذا مات الولد فله الحق في الرجوع عليها بقيمة النفقة في المدة الباقية ويصح للحامل أن تخالعه على نفقة حملها لأنها واجبة عليه بسبب موجود وهو الحمل ولا يضر جهالة قدر المدة وتسقط نفقتها ونفقة الولد حتى تفطمه فلها الحق في المطالبة بنفقته )