- وأما عوض الخلع فيشترط فيه شروط : منها أن يكون مالا له قيمة فلا يصح الخلع باليسير الذي لا قيمة له كحبة من بر ومنها أن يكون طاهرا يصح الانتفاع به فلا يصح بالخمر . أو بالخنزير والميتة والدم وهذه الأشياء لا قيمة لها في نظر الشريعة الإسلامية وإن كان لبعضها قيمة مالية عند غيرهم كما تقدم في المهر ومنها أن لا يكون مغصوبا ومنها غير ذلك .
ويصح الخلع بالمال سواء كان نقدا أو عرض تجارة . أو مهرا . أو نفقة . أو أجرة رضاع . أو حضانة . أو نحو ذلك وفي ذلك تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : ما جاز أن يكون مهرا جاز أن يكون بدلا في الخلع وقد عرفت تفصيل ذلك في شروط المهر فارجع إليها .
فإذا خالعت زوجها على خمر أو خنزير وقبل منها فإن كان يلفظ الخلع ونحوه بانت منه ولا شيء له عليها ولا يسقط شيء من مهرها وإن كان بلفظ الطلاق وقع الطلاق رجعيا بعد الدخول وبائنا قبله .
وإذا خالعته على مال مغصوب ليس ملكا لها فإن الخلع يصح والتسمية تصح ثم إذا أجازه المالك أخذه الزوج وإن لم يجزه كان له قيمته وإذا خالعته على شيء محتمل كأن قالت له : خالعتك على ما في الدار أو قالت خالعتك على ما في بطون هذه الغنم فإنه يصح ثم إن كان في الدار أو في بطون الغنم شيء فهو للزوج وإن لم يكن فلا شيء له لأنه قبل أن يخالعها على ما يحتمل أن يكون مالا أو لا يكون فإذا سمت مالا معينا ولكنه ليس بموجود حالا وإنما يوجد بعد كما إذا قالت له : خالعني على ثمر نخلي في هذا العام . أو على كسبي في هذا الشهر فإن الخلع يصح وعليها أن ترد له ما قبضت من مهر سواء وجد الثمر والكسب أو لم يوجد ثم إن وجد يكون حقا له وإذا سمت مالا موجودا بالفعل كما إذا خالعته على ما في بيتها من المتاع . أو على ما في نخيلها من الثمار . أو على ما في بطن ناقتها من ولد أو على ما في ضروع غنمها من اللبن . فإن الخلع يصح ثم إن وجد ما سمت كان له وإن لم يوجد لزمها رد ما قبضت من المهر .
والحاصل أنها إذا خالعته على مال غير معين فذلك على ثلاثة أوجه : أحدها : أن لا تذكر مالا أصلا ولكن تذكر عبارة تحتمل المال وعدمه كما إذا قالت له : خالعني على ما في بيتي أو ما في يدي فإنه يحتمل أن يكون فيه شيء وأن لا يكون وحكمه أن الخلع يصح وإن وجد شيء أخذه وإلا فلا شيء له . ثانيها : أن تذكر مالا ليس موجودا في الحال ولكن يوجد بعد كما إذا قالت له : خالعني على ما تنتجه نخيلي من ثمر في هذا العام وحكم هذا أن الخلع يصح وعليها أن ترد ما قبضته من مهر وإن لم تكن قبضت سقط مالها سواء وجد الثمر أو لم يوجد . ثالثها : أن تذكر مالا مجهولا ولكنه موجود في الحال كما إذا قالت له خالعني على الولد الذي في بطن هذه الناقة أو على الثمر الموجود على النخيل أو المتاع الموجود في الدار وحكمه أن الخلع صحيح ثم إن وجد شيء كان للزوج وإن لم يوجد ردت له ما قبضت من مهر . وإذا خالعته على جمل شارد . أو فرس تائه فإن الخلع يصح وعليها تسليم عينه إن قدرت وإن عجزت وجبت عليها قيمته ولا ينفعها أن تشترط البراءة من ضمانه . فإنه لازم لها أو قيمته على كل حال وإذا خالعته على حيوان موصوف كفرس مسكوفي أو جمل يقدر على الحمل أو نحو ذلك فإن الخلع يصح ويلزمها أن تعطيه الوسط أو تعطيه قيمة الوسط أما إذا خالعته على حيوان غير موصوف وقع الطلاق . ووجب عليها أن ترد له المهر والنفقة التي استحقتهما عليه بعقد النكاح .
ويصح الخلع على نفقة العدة والمتعة ولكن يشترط لإسقاط النفقة أن ينص عليها في الخلع وذلك لأن الخلع يسقط عن الزوجين حقوق الزوجية الثابتة لكل منهما وقت الخلع ولو لم ينص عليها إلا إذا خالعته على كل مهرها فإنها ترد له ما قبضته منه فلا يسقط بالخلع لأنه هو الذي به الخلع أما نفقة العدة فلا تسقط إلا إذا نص عليها وذلك لأنها تثبت يوما فيوما فلا تكون حقا للمرأة واجبا على الزوج ولهذا لو قالت له : أنت بريء من نفقتي أبدا مادمت امرأتك فإنه لا يبرأ من نفقتها لأن إبراء شخص من حق لا يصح إلا إذا وجب عليه أولا والنفقة لمستقبله لا تجب عليه الآن لأن سبب النفقة هو عدم خروج المرأة من دار زوجها إلا بإذنه وهذا السبب يحدث يوما فيوما وهذا بخلاف ما إذا جعلت عوضا عن الخلع فإنه يصح . وذلك لأن الخلع سبب في وجوب العدة والزوج يستوفي العوض ولا يلزم استيفاؤه دفعه .
والحاصل أن الإبراء من النفقة قبل الخلع أو بعد لا يصح لأنها لم تجب فلا معنى لإبرائه منها وأما جعل النفقة عوضا عن الخلع فإنه يصح لأن الخلع سبب في وجوب العدة والنفقة عوض يستوفيه شيئا فشيئا . وأما المتعة فإنها تسقط بدون ذكر فإذا قال لزوجته غير المدخول بها التي لم يسم لها مهرا : خالعتك فقالت : قبلت سقطت متعتها وإذا خالعته على السكنى فإنها لا تسقط وذلك لأنها ملزمة شرعا بالسكنى في البيت الذي طلقت فيه فإذا سكنت في غيره ارتكبت معصية وحينئذ تكون السكنى حق الشرع فلا يصح اسقاطها نعم إذا كانت ساكنة في بيت مملوك لها أو كانت تعطي أجرة السكن من مالها وخالعته على الأجرة فإنها تسقط ويكون الخلع في نظير المال لا في نظير السكن ولا يلزم بأن تصرح بأجرة السكني فإذا قالت له خالعتك على السكني فإنه يصح ويحمل على الأجرة فإذا فرض وكانت ساكنة في منزل الزوج وقت الطلاق وخالعته على السكني فيه والخروج منه فإنها لا تسقط .
واعلم أن في سقوط الزوجين بالخلع ثلاثة أوجه : الوجه الأول : أن لا يذكر البدل كأن يقول لها : خالعتك ناويا به الطلاق ولم يذكر بدلا وقالت : قبلت فإنها تبين منه لوجود الإيجاب والقبول ثم يسقط حق كل منهما قبل الآخر على المعتمد فإذا كان لها معجل صداق سقط حقها فيه وإذا قبضت كل الصداق وخالعها قبل الدخول سقط حقه في نصفه ومن باب أولى إذا قبضته كله ثم خالعها بعد الدخول فإنه لا يستحق فيه شيئا وكذا إذا لم تقبض من الصداق شيئا فإن حقها يسقط فيه بالخلع .
الوجه الثاني : أن ينفي البدل كأن يقول لها : اخلعي نفسك مني بدون شيء فقالت خلعت نفسي بدون شيء فإنها تبين منه ويبقى لكل منهما حقه قبل صاحبه فإذا كان لها معجل صداق أو نفقة زوجية فإنها تبقى . وإذا كان له نصف صداقها كما إذا فعل ذلك قبل الدخول فإنه يبقى له . الوجه الثالث : أن يكون البدل معينا معروفا كما إذا خالعها على عشرين جنيها ولم يذكر الصداق وفي هذه الحالة إن كانت المرأة مدخولا بها وقبضت كل الصداق فإنه لا يلزمها إلا العشرون جنيها وتذهب بما قبضت فلا يرجع عليها بشيء كما لا ترجع عليه بشيء بعد الطلاق وإن لم تقبض الصداق فقد ضاع عليها فعليها البدل ولا ترجع على الزوج بشيء أما إذا كانت غير مدخول بها فإن كان المهر مقبوضا فإن الزوج لا يستحق فيه شيئا بل يأخذ البدل ويضيع عليه نصف المهر وإن لم يكن مقبوضا فإنها لا تستحق فيه شيئا بل يضيع عليها نصفه زيادة على بدل الخلع الذي سمته ومثل ذلك ما إذا بارأها بمال معلوم سوى المهر وقد عرفت أنه إذا خالعها على مهرها وكانت مدخولا بها فإن كانت قبضته فإنه يجب عليها رده وإن لم تكن قبضته فإنه يسقط عن الزوج جميع المهر ولا يتبع أحدهما الآخر بشيء ومثل ذلك ما إذا لم يكن مدخولا بها .
هذا وهل إذا التزم الرجل ببدل في الخلع يصح أو لا ؟ مثلا إذا قالت له : خالعتك على مهري ونفقة عدتي بشرط أن ترد لي عشرة جنيهات فقال : قبلت فهل يلزمه أن يرد العشرة أو لا ؟ والجواب : نعم يلزمه أن يرد ولكن لا يصح أن يعتبر هذا مالا يدفعه هو لها في مقابل الخلع لأن البدل خاص بها هي إذ به تملك نفسها وإنما يعتبر استثناء من بدل الخلع مثلا إذا كان صداقها عشرين جنيها ونفقة عدتها خمسة فإنه يطرح منها عشرة ويكون عوض الخلع خمسة عشر فإن كان المبلغ الذي طلبته يزيد عن عوض الخلع تجعل الزيادة مضافة إلى المهر قبل الخلع تصحيحا للقاعدة .
ويصح الخلع على نفقة الولد مدة معينة سواء كان رضيعا أو فطيما على المعتمد حتى ولو كانت حاملا به فإذا قالت له : خالعتك على نفقة ولدي الذي في بطني مدة رضاعه سقط حقها في أجرة الرضاع ولزمها أن ترضعه حولين بعد ولادته وبعضهم يقول : لا يلزم تعيين المدة في الرضيع فإنها إذا قالت له : خالعتك عل نفقة الولد وهو رضيع كان معنى ذلك أن لا حق لها في أجرة الرضاع في مدة الرضاع ولا يخفى أن الأول أظهر في حسم مادة النزاع أما إذا كان فطيما فإنه ينبغي فيه تحديد المدة لأن نفقته هي طعامه وشرابه وهذا لازم له في كل حياته فلا تصح التسمية بدون توقيت فإذا قالت له : خالعتك على نفقة ولدك مدة حياتي فإنه لا يصح ويسقط بذلك مهرها وإذا كانت قبضته فإنه يجب عليها أن ترده فإذا خالعته على نفقته مدة معينة فإنها تلزمها وإذا مات الولد أو هرب لزمها أن تدفع ما بقي من نفقته للزوج إلا إذا شرطت براءتها منها بعد موته وذلك بأن يقول الزوج : خالعتك على أني بريء من نفقة الولد إلى ثلاث سنين فإن مات الولد قبلها فلا رجوع لي عليك فتقول : قبلت فإنه يصح وإذا مات قبلها فلا رجوع له والخلع على البراءة من النفقة لا يستلزم الكسوة فلا تدخل إلا إذا نص عليها وإذا خالعته على أن تمسك البنت إلى البلوغ فإنه يصح . أما الغلام فلا لأنه في حاجة إلى أن يتعلم من أبيه أخلاق الرجولة فلا يصح الخلع على إمساكه إلا مدة لا يبلغ فيها كمدة الحضانة وهي سبع سنين ولها أن تخالعه على إمساكه نحو عشر سنين لأن الولد ينبغي أن يتصل بأبيه قبل البلوغ ليتعلم منه أخلاق الرجولة .
ذلك ما عللوا به الفرق بين الأنثى والذكر . والظاهر أنه إذا كانت البيئة التي فيها أمه أفضل له من هذه الناحية فإنه يصح إمساكه كالأنثى على أنه إذا تزوجت أمه فللزوج أخذ الولد وإن اتفقا على تركه لأنه حق الوالد ويرجع الزوج عليها بنفقته في المدة الباقية ما لم تشترط البراءة في الأول كما ذكرنا . وإذا خالعته على نفقة الولد مدة معينة وهي معسرة فلها مطالبة أبيه بالنفقة ويجبر عليها ولكنه يرجع عليها إذا أيسرت .
المالكية - قالوا : يشترط في العوض أن يكون حلالا فلا يصح الخلع على خمر أو خنزير أو مال مغصوب علم الزوج بأنه مغصوب ومثله المسروق فإن خالعته على شيء من ذلك وقع الطلاق البائن ويبطل العوض فإن كان مغصوبا وجب عليه أن يرده لصاحبه وإن كان خمرا وجبت إراقته وإن كان خنزيرا وجب إعدامه على المعتمد وقيل : يسرح ولا شيء للزوج على الزوجة في مقابل ذلك ومثل ذلك ما إذا خالعته على شيء بعضه حلال وبعضه حرام كما إذا خالعته على خمر وثوب . فإن الخلع ينفذ والعوض يبطل فلا شيء للزوج مطلقا .
والحاصل أن العوض إذا كان خمرا وجب على الزوج المسلم أن يريقه ولكن آنيته لا يكسرها لأنها تطهر بالجفاف وإذا كان خنزيرا وجب عليه أن يقتله وقيل : بل يسرحه لحال سبيله وإن كان مغصوبا أو مسروقا وجب عليه أن يرده إلى أصحابه وينفذ الطلاق البائن ولا شيء له في مقابل هذه الأشياء ولا يشترط أن يكون العوض محقق الوجود فيصح الخلع بالغرر كالجنين في بطن أمه مثلا إذا خالعته على ما في بطن هذه الناقة التي تملكها من حمل فقبل فإنها تطلق بذلك طلاقا بائنا ثم إن ولدت الناقة كان الولد ملكا له وإن نزل ميتا فقد ضاع عليه ولا شيء له قبل زوجته وإن كانت لا تملك الناقة فإن الطلاق البائن يقع عليه لا شيء له لأنه قد قبل الخلع على شيء غير محقق فيعتمل لأن يقبض أو لا يقبض وكذا لا يشترط أن يكون العوض غير معين فيصح الخلع على عرض تجارة غير موصوف كمقطع من القماش أو جمل أو جاموسة غير موصوفة بصفة فإذا قالت له : خالعني على جاموسة صح الخلع وبانت منه وله عليها جاموسة وسطى لا صغيرة ولا كبيرة ومثل ذلك ما إذا قالت له : خالعني على مقطع من القماش فإن له الحق في مقطع وسط من جنس القماش وهكذا .
وكذا لا يشترط أن يكون مقدورا على تسليمه فيصح أن تخالعه على جمل شارد أو ثمرة لم يبد صلاحها ثم إن حضر الجمل وصلحت الثمرة فهما له وإلا فلا شيء له ويقع الطلاق بائنا .
ويصح الخلع على نفقتها مدة الحمل فإذا كان بها حمل ظاهر أو محتمل وخالعته على نفقة عدتها وهي مدة حملها فإنه يصح ولكنها إذا أعسرت في هذه المدة وجب عليه أن ينفق عليها وتكون هذه النفقة دينا عليها يأخذه منها إذا أيسرت .
( يتبع . . . )