الشافعية - قالوا : يشترط في ملتزم العوض المالي أن يكون مطلق التصرف المالي فلا يكون محجورا عليه حجر سفه سواء كانت الملتزمة الزوجة أو غيرها سواء كان قابلا أو ملتمسا فإذا قالت الزوجة لزوجها : خالعني على عشرين كانت ملتزمة ملتمسة لقبول عوضها وإذا قال الزوج خالعتك على ذلك كان قابلا وإذا قال الزوج لأجنبي : خالعت زوجتي على كذا في ذمتك فقال الأجنبي قبلت كان الزوج ملتمسا والأجنبي والملتزم قابلا وبالعكس إذا قال الأجنبي خالع زوجتك على مائة جنيه في ذمتي فقال الزوج : خالعتها على ذلك فإن الأجنبي يكون ملتزما ملتمسا والزوج قابلا وعلى كل حال فيشترط في ملتزم المال سواء كانت الزوجة أو الأجنبي وسواء كان ملتمسا أو قابلا أن يكون مطلق التصرف المالي . فإذا كان محجورا عليه لسفه فإنه لا يصح التزامه لعوض الخلع ولو بإذن وليه فلو أذن ولي الزوجة المحجور عليها لسفه هذه الزوجة في مخالعة زوجها على مال ففعلت لا يلزمها المال لأنها ليست من أهل الالتزام وليس لوليها أن يبذل مالها في مثل عوض الخلع إلا إذا خشي ضياع مالها بواسطة الزوج فأذنها بالاختلاع منه صيانة لمالها فإنه يصح في هذه الحالة .
وبهذا تعلم أن خلع المحجور عليها لسفه لا يلزم به مال ولكن يقع به الطلاق رجعيا إلا في صورة واحدة فإنه يقع به الطلاق البائن ويلزم العوض وهي ما إذا أذنها وليها بالخلع على مال معين خوفا من أن يبدد زوجها مالها .
هذا إذا كانت الزوجة مدخولا بها . أما إذا كانت غير مدخول بها فإنه يقع طلاقا بائنا لأن الطلاق قبل الدخول بائن كما تقدم فإن كانت محجورا عليها لفلس لا لسفه فإن خلعها يصح ويقع به الطلاق البائن أما التزامها للمال فإن له صورتين : .
الصورة الأولى : أن تلتزم بمال غير معين كأن تقول له : خالعني على عشرين جنيها وفي هذه الحالة يلزمها مبلغ العشرين دينا في ذمتها تدفعها له بعد رفع الحجر .
الصورة الثانية : أن تخالعه على عين من مالها المحجور عليه كأن تقول له : خالعتك على هذه الفرس مثلا وفي هذه الحالة تبين منه بمهر المثل دينا في ذمتها .
وهل المريضة مرض الموت مطلقة التصرف في مالها فيصح لها أن تخالع زوجها بالعوض الذي تريده . أو لا ؟ الجواب : أن المريض مرض الموت له التصرف في ماله بغير التبرع أما التبرع فليس له أن يتبرع ما يزيد على الثلث وعلى هذا يكون في الجواب تفصيل وهو أن العوض إن كان يساوي مهر المثل فإنه ينفذ بلا كلام . لأن مهر المثل في نظير حل العصمة فليس فيه تبرع أما إن كانت الزيادة على مهر المثل فإن الزيادة على مهر المثل تكون تبرعا وفي هذه الحالة ينظر إن كانت الزيادة أقل من الثلث فإن له أخذها بدون اعتراض وإن كانت أكثر وأجازت الورثة فإنه يأخذها فإن لم تجز الورثة أو كان الثلث أقل منها فسخ العوض المسمى ورجع بمهر المثل فقط وعلى هذا يقال : إن المريضة . مرض الموت مطلقة التصرف في العوض الذي يساوي مهر المثل أما أنها تكون وصية فتجري عليها أحكام الوصية . بقي حكم الأمة إذا خالعت زوجها فهل يصح أو لا ؟ والجواب : أن الأمة وإن كانت غير مطلقة التصرف ولكنها ليست كالسفيه لأنها إذا خالعت زوجها بإذن سيدها بمال عينه لها وقع الطلاق بائنا ولزمت العين التي عينها من ماله وإذا زادت على ما عينه صح الخلع وتعلقت الزيادة بكسبها من ذلك المال وإذا لم يأذنها سيدها فإن الخلع يصح ويقع الطلاق بائنا بمهر المثل ويتعلق العوض بذمتها على الوجه المتقدم .
هذه شروط ملتزم العوض وأما الزوج المخالع فيشترط فيه الشروط المتقدمة في الطلاق وهو أن يكون مكلفا فلا يصح الخلع من الصبي والمجنون . والمعتوه إلا السكران فإنه يصح خلعه تغليظا عليه وإذا خالع السفيه المحجور عليه أو الرقيق فإن خلعهما يصح ولكن لا يبرأ ملتزم العوض بالدفع للولي والسيد إلا إذا قيد أحدهما الطلاق بالدفع له كما إذا قال : إن دفعت لي كذا فأنت طالق فإنها تدفع له وتبرأ بذلك .
الحنابلة - قالوا : يشترط في ملتزم العوض أن يكون أهلا للتصرفات المالية فلا يصح الخلع بعوض من الصغيرة والمجنونة والمحجور عليها لسفه ولو بإذن الولي لأن مال الخلع تبرع ولا إذن للولي في التبرعات وهذا هو المشهور .
وقال بعضهم : إن الأظهر صحته بإذن الولي إذا كان فيه مصلحة فإن خالعت الصغيرة أو السفيهة أو المجنونة زوجها فإن كان الطلاق كأن قالت له : طلقني على كذا فقال لها : طلقت وقع طلاق رجعي وإن لم يكن بلفظ الطلاق بل بلفظ الخلع وغيره مما تقدم كان كناية إن نوى به الطلاق طلقت وإلا فلا وإن كان بلفظ الطلاق الثلاث لا رجعة فيه كما تقدم أما الأمة فإنه يصح أن تخالع بإذن سيدها ويكون العوض الذي أذنها فيه في ذمة السيد وليس للأب أن يخالع عن بنته الصغيرة من مالها وكذلك المجنونة والسفيهة وليس له طلاقها كذلك وإذا فعل الأب لم يقع ولا طلاق إلا أن ينوي الزوج به الطلاق أو يكون بلفظ الطلاق فإنه يقع رجعيا كما ذكرنا .
وللأب والأجنبي أن يلتزم عوض الخلع من ماله بأن يقول : اخلع زوجتك على ألف أو طلقها على ألف أو بألف أو على سلعتي هذه فيجيبه الزوج فيصح الخلع ويلزم الأب أو الأجنبي بأن يدفع للزوج عوضا دون الزوجة .
وإذا قال له : اخلع زوجتك على مهرها . أو على سلعتها وأنا ضامن فإنه يصح ويلزمه العوض دون الزوجة لأنه ضمن بغير إذنها أما إذا قال له : اخلع زوجتك على جملها هذا أو على ألف منها ولم يضمن فأجابه الزوج فإن الخلع لا يصح لأنه بدل مال غيره بدون إذنه العوض فبطل الخلع .
وإذا قالت له الزوجة : خالعني على جمل أخي فلان وأنا ضامنة صح الخلع ولزمها العوض أو قيمته إن عجزت أما إذا لم تقل له : وأنا ضامنة فالخلع لم يصح وإذا خالعته الزوجة وهي مريضة مرض الموت فإن كان العوض أكثر من ميراثه منها فإنه لا يملك إلا ما يساوي ميراثه أما إذا كان أقل من ميراثه فإنه يأخذه بدون زيادة لأنه أسقط الزيادة باختياره فلا يستحقها فتعين استحقاقه للأقل فإن صحت من مرضها الذي خالعته فيه كان له الحق في كل المبلغ الذي خالعته عليه .
وإن طلقها بائنا في مرض موته فإنها تستحق ميراثها ولو أوصى لها بشيء أكثر فإنها لا تستحقه فهذا شرط ملتزم العوض وأما شرط الزوج المطلق فهو شرط الطلاق المتقدم فيصح الخلع من كل زوج يصح طلاقه . فيصح خلع المسلم والذمي والبالغ والصبي المميز الذي يعرف معنى الطلاق ويفعله والرشيد والسفيه والحر والعبد لأن كل واحد منهم زوج يصح طلاقه فيصح خلعه وكما يصح الخلع من الزوج أو نائبه يصح ممن له الولاية كالحكم في الشقاق وكطلاق والحاكم في الإيلاء أو العنة ونحوهما ويقبض الزوج عوض الخلع ولو كان محجورا عليه لفلس أما إن كان محجورا عليه لسفه أو كان مميزا فإنه لا يصح لهما قبض العوض بل الذي يقبضه الولي وإن كان رقيقا بدله السيد لأنه ملكه )