- يشترط في كل من ملتزم العوض والزوج أن يكون أهلا للتصرف فأما ملتزم العوض فيجب أن يكون أهلا للتصرف المالي وأما الزوج فيجب أن يكون أهلا للطلاق وهو العاقل المكلف الرشيد فلا يصح للصغيرة أو المجنونة أو السفيهة أن تخالع زوجها بمال كما لا يصح للصغير أو المجنون أن يطلق زوجته بخلاف السفيه فإنه يصح أن يطلق ولا يصح أن يلتزم المال وفي كل ذلك تفصيل في المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : لا يصح للصغيرة أن تلتزم العوض المالي فإذا قال لها الزوج : خالعتك على عشرين جنيها وقالت : قبلت وهي مميزة تعرف أن الطلاق يوجب الفرقة بينهما ويحرمها من زوجها فإنها تبين منه ولكن لا يلزمها العوض المالي لأنها ليست أهلا لالتزامه ومثل ذلك ما إذا قال لها هو : خالعتك على كذا فقبلت فإنها تبين ولا يلزمها المال لأنه تبرع والصغير ليس أهلا للتبرعات . هذا إذا خالعها بلفظ الخلع ونحوه من الكنايات المتقدمة أما إذا قال لها : طلقتك على عشرين وقبلت أو قالت له : طلقني على عشرين فقال لها طلقتك . فإنه يقع رجعيا لأنه طلاق صريح لا في نظير عوض لأن الصغيرة لا يلزمها العوض كما قلنا فيقع رجعيا ومثل ذلك ما إذا قال لها : طلقتك بمهرك فقبلت فإنها تطلق رجعيا ولا يسقط المهر وهل للأب أن يختلع بنته الصغيرة ؟ والجواب : أنه إذا اختلعها بمالها أو بمهرها وقع الطلاق ولا يلزمها شيء كما لا يلزم الأب شيء في الأصح وذلك لأنه معلق بقبول الأب وقد وجد وبعضهم يرى أنه معلق بلزوم المال فإذا لم يلزم فلا طلاق .
هذا وإذا اختلعها الأب على مالها وهي صغيرة ثم كبرت وأجازت صح الخلع ولزمها البدل أما إذا اختلعها الأب بماله فإنه يصح الخلع ويلزمه المال بلا كلام وكذا إذا اختلعها على مال وضمنه فإنه يلزمه . وليس للأب أن يختلع بنته الكبيرة سواء كانت بكرا أو ثيبا فإذا فعل ذلك وقع الخلع موقوفا على إجازتها فإن أجازته فإنه يصح ويلزمها المال وإن لم تجزه لا يقع ولا يلزمها المال فإن ضمن الأب أو الأجنبي المال كما إذا قال له : اخلع بنتي أو فلانة بألف علي . أو اخلعها بألف على أني ضامن . أو اخلعها على جملي هذا . فقال الزوج : خلعتها على ذلك صح الخلع ولزم الأب أن يدفع البدل فإن لم يكن الجمل ملكا له لزمته قيمته ولا يتوقف على قبول المرأة وهذا بخلاف ما إذا قال له : اخلعها بألف . أو اخلعها على هذا الجمل فإنه لا يصح الخلع إلا إذا قبلت فإن قبلت لزمها العوض وإن عجزت عن تسليمه لزمتها قيمته فإن لم تقبل لا يلزمها البدل باتفاق وهل تطلق أو لا ؟ فبعضهم يقول : أنها تطلق لأن الطلاق موقوف على القبول وقد قبل أبوها أو الأجنبي . وبعضهم يقول : لا تطلق لأن الطلاق معلق على قبول الزوجة ولزم المال ووجهة نظر الأول أنه يقول : إن الطلاق بيد الزوج وقد رضي أن يعلقه على قبول الأب أو الأجنبي للعوض . وقد تحقق ذلك القبول فينبغي أن يقع عليه الطلاق أما كون التزام العوض صحيحا أو لا فتلك مسألة مالية خارجة عن ماهية الخلع فإذا قبلته المرأة لزمها المال وإذا لم تقبله لا يلزمها المال ووقع عليه الطلاق وهو وجيه ويظهر من كلامهم ترجيحه . وكما لا يصح للصغيرة أن تخالع زوجها بمال فكذلك لا يصح للسفيهة والسفيهة هي التي تبلغ مبذرة مفسدة لمالها تضيعه في غير وجهه الشرعي فإذا خالعت السفيهة زوجها على مال وقع الطلاق ولا يلزمها المال ثم إن كان بلفظ الخلع ونحوه من ألفاظ كنايات الخلع كان بائنا وإن كان بلفظ الطلاق كان رجعيا .
وهل يشترط لثبوت السفه حكم القاضي بالحجر أو لا يشترط بل يكفي أن تكون مبذرة لمالها تضيعه في غير وجوه الشرع ؟ خلاف والمعتمد الثاني وهو أنه متى ثبت كونها مبذرة فإنه لا يصح خلعها ولو لم يحكم الحاكم بثبوت سفهها .
وإذا اختلعها الأب فإن ضمن المال صح الخلع ولزم المال وإلا فلا كالتفصيل المتقدم في خلع الكبيرة الرشيدة .
وحاصل هذا كله أنه يشترط لصحة الخلع أن يكون ملتزم العوض بالغا رشيدا فإن التزمت الزوجة الصغيرة بعوض الخلع لا يلزمها العوض ثم إن كانت مميزة تدرك آثار الطلاق وقبلت وقع الطلاق و .
إن لم تقبل لا يقع وكذا إذا كانت صغيرة غير مميزة فإنه لا يقع طلاقها ولو قبلت وقع الطلاق رجعيا إن كان بلفظ الطلاق وبائنا إن كان بلفظ الخلع ونحوه من الكنايات وقد عرفت أنه إذا ذكر البدل لا تسمع منه دعوى عدم نية الطلاق قضاء وهل للأب أن يخالع عنها أو لا ؟ والجواب : أنه إذا خالع عن الصغيرة من مالها وقع الطلاق ولا يلزمها مال وإن كان ماله فإنه يصح وتطلق بائنا ومثل ذلك ما إذا ضمن المال ومثلها الكبيرة السفيهة . فإنها إذا خالعت وقع طلاقها ولا يلزمها شيء وليس للأب أن يخالع عنها فإن كان من ماله صح . ولا يتوقف على قبولها ومثل الأب الأجنبي أما الكبيرة الرشيدة فلا يصح لأحد أن يخالع عنها من مالها بدون إذنها فإذا خالع عنها الأب من ماله بدون إذنها فإنه يصح ويلزمه المال ولا يتوقف على قبولها . ومثل الأب الأجنبي في ذلك .
هذا إذا كانت الكبيرة الرشيدة صحيحة فإن كانت مريضة مرضا ماتت فيه وخالعته على مال في ذلك المرض الذي ماتت فيه فإنه يصح بشرط أن يكون من الثلث لأنه تبرع وليس لها أن تتبرع بما يزيد عن الثلث فإذا خالعته على مال فإنه ينظر إلى الثلث وإلى ما يستحقه من الميراث إذا ماتت وهي في العدة فإن كان الثلث أكثر من ذلك المال ينظر إلى ما يستحقه من الميراث فإن كان ما يستحقه من الميراث أكثر فإنه يأخذ ذلك المال الذي خالعته عليه لأنه أقل من ثلث المال ومن الميراث وإن كان الثلث أقل من المال الذي خالعته عليه فإنه ينظر هل الثلث أيضا أقل مما يستحقه من الميراث ؟ فإن كان كذلك أخذ الثلث أما إن كان ما يستحقه من الميراث أقل فإنه يأخذ ما يستحقه من الميراث فهو دائما يأخذ الأقل سواء كان الأقل هو الثلث أو المبلغ الذي خالعته عليه أو الميراث . مثلا إذا خالعته على ستين وكان يستحق ميراثا خمسين وكان ثلث المال مائة فإنه يأخذ الخمسين لأنها أقل فإذا خالعته على ستين وكان يستحق من الميراث خمسين وكان ثلث المال أربعين أخذ الأربعين وعلى هذا القياس .
هذا إذا كانت مدخولا بها ماتت وهي في العدة أما إذا كانت غير مدخول بها فإنها تبين بمجرد طلاقها فلا يكون له حق في إرثها فلا ينظر إلى ما يستحقه من الميراث بل ينظر إلى العوض الذي خالعته عليه وإلى الثلث فيأخذ الأقل فإن خالعته على ستين وكان ثلث مالها مائة أخذ الستين وإن كان الثلث خمسين أو أربعين أخذ الثلث ومثل ذلك ما إذا كانت مدخولا بها لكنها ماتت بعد انقضاء العدة لأنه في هذه الحالة لا يكون له حق في ميراثها فإذا برئت من المرض كان له كل المال الذي خالعته عليه . أما إذا خالعها زوجها وهو مريض ثم مات في ذلك المرض الذي طلقها فيه فإنها ترثه لأن الذي يطلق امرأته في مرض موته يعتبر فارا من ميراثها فلا يسقط حقها وإذا طلقها وهو صحيح ثم مات وهي في العدة فإنها ترث وإلا فلا .
وبهذا تعلم حكم خلع الصغيرة والسفيهة والمريضة وتعلم أنه لا يلزمهن العوض وتعلم حكم ما إذا باشر الأب أو الأجنبي الخلع عنهما وتعلم توضيح اشتراط أهلية ملتزم العوض .
أما اشتراط أهلية الزوج المخالع أو المطلق فهي ضرورية فلا يصح طلاق الصغير ولا المجنون ولا المعتوه بخلاف السفيه فإن طلاقه يقع لأنه محجور عليه في التصرف المالي فقط وهل للأب أن يخالع عن ابنه الصغير ؟ والجواب : لا يصح فلو قالت زوجة الصغير للأب : خالعني على عشرين جنيها . أو على صداقي نيابة عن ولدك فقال لها : خالعتك على ذلك كان ذلك لغوا من القول لا أثر له وإذا خالع الصغير زوجته أو طلقها فخلعه أو طلق فطلاقه باطل لا يصح ولا تتوقف صحته على إجازة الولي أصلا ومثله المجنون والمعتوه . المالكية - قالوا : لا يصح للصغيرة ولا للسفيهة ولا للرقيقة أن يباشرن مخالعة الزوج بعوض مالي ومثلهن الأجنبي المتصف بهذه الصفات فإن خالعهن الزوج على مال وقبضه فلا يصح الخلع ويجب عليه رد المال الذي قبضه إلا إذا أذن الولي أو السيد في الخلع فإن أذن فإنه يصح الخلع ويلزم العوض فإن كانت السفيهة لا ولي لها - ويقال لها : المهملة - والتزمت العوض فإنه لا يصح أيضا كما لو كان لها ولي لم يأذنها وهو المعتمد وقيل : إن بانت من زوجها عاما فإنه يصح وهو ضعيف فإذا خلع الزوج زوجته الصغيرة على مال بدون إذن الولي وقع عليه طلاق بائن ولا حق له في العوض وإذا قبضه يجب عليه رده ومثلها السفيهة إذا كان لها ولي لم يأذنها أو كانت مهملة لا ولي لها سواء مكثت عند زوجها عاما أو أعواما . أو لا على المعتمد ومثلهما الرقيقة إذا خالعت بدون إذن سيدها فإن اشترط الزوج في هذه الحالة صحة البراءة أو إيصال المال له كما إذا قال للصغيرة ونحوها : إن تم لي هذا المال فأنت طالق . أو إن صحت براءتك فأنت طالق فإنه لا يقع عليه الطلاق ولا يلزمها العوض . وإن قبضه لزمه رده بشرط أن يشترط قبل التلفظ بالطلاق فيقول : إن صحت براءتك فأنت طالق أما إذا نطق بالطلاق أولا كما إذا قالت له : خالعتك على عشرين جنيها . فقال لها : أنت طالق على ذلك إن تم ذلك المال فإنه يقع الطلاق ويلغو شرطه وهذا هو المعتمد .
وللولي المجبر وهو الأب ووصيه - بعد موته - والسيد أن يخالع عمن له عليها ولاية الجبر إذا طلقت وهي البكر إذا طلقت قبل الدخول . والثيب الصغيرة . ومن زالت بعارض فإذا كان لها مال فله أن يخالع عنها من مالها ولو بدون إذنها أما الوصي غير المجبر فله أن يخالع عنها بإذنها فإذا كانت غير مجبرة بأن كانت ثيبا بوطء الزوج ولكنها كانت سفيهة فهل له أن يخالع عنها من مالها بغير إذنها ؟ في ذلك خلاف والمشهور أنه لا يصح بغير إذنها أما بإذنها فإنه يجوز وكذا إذا خالع بدون إذنها من ماله فإنه يصح . وقد اعترض على الأول بأن إذن السفيهة لا قيمة له فكيف يتوقف خلعه على إذنها ؟ وهو وجيه لا جواب له .
وهل للمرأة المريضة مرضا مخوفا أن تخالع زوجها على مال وإذا خالعته يقع الطلاق ويلزم العوض . أو لا ؟ والجواب : أنه يحرم على الزوجين أن يتخالعا في زمن المرض ولكن إذا وقع الخلع بينهما في مرض الزوجة فإن الطلاق البائن ينفذ ولا يتوارثان ولو ماتت وهي في العدة لأن الطلاق البائن يقطع علاقة الزوجة أما المال الذي التزمت الزوجة به فإنه ينظر فيه فإن كان يساوي ميراثه منها يوم وفاتها لا يوم الخلع أو ينقص عنه ويملكه الزوج ولا يتوارثان بعد ذلك كما ذكرنا أما إن زاد على ميراثه فإن الزيادة لا تكون حقا له ويجب عليه ردها إن كان قد قبضها ويجب أن لا يتصرف الزوج في المال قبل موتها لأن المعتبر في تقدير المال يوم وفاتها لا يوم الخلع وحينئذ يوضع المال الذي خالعته به تحت يد أمين إلى وفاتها ثم ينظر فيه بعد وموتها إن كان يساوي ما يستحقه من الميراث أو أقل أخذه وإلا أعطي ما يستحقه فقط ورد الزائد على أن المال الذي يلزم وضعه تحت يد أمين إنما هو المال الذي يساوي ميراثه فقط وقت الخلع دون الزيادة مثلا إذا كانت تركتها تساوي ثمانمائة جنيه يوم الخلع وخالعته بما يساوي ثلاثمائة جنيه وكان من ميراثه الربع وهو يساوي مائتين وضع الربع فقط تحت يد أمين أما الزيادة وهي المائة فلا توضع حتى إذا ماتت ينظر هل مجموع مالها الذي بقي يستحق فيه المائتين . أو يستحق أقل ؟ فإن كان يستحق المائتين فقط أخذها وإن كان يستحق أقل رد الزيادة وهذا التفصيل هو المعتمد وبعضهم يقول : إن الزوج لا يستحق شيئا من البدل ويجب عليه أن يرده - إن كان قبضه - للمرأة أو لورثتها إن كانت قد ماتت وقد عرفت أنه غير المعتمد .
أما الزوج المريض مرضا مخوفا فإنه إذا خالع زوجته فإن الخلع ينفذ والعوض يلزم ولكنه حرام كما تقدم إلا أن الزوجة ترث منه إذا مات سواء كانت في العدة أو انقضت عدتها حتى ولو تزوجت غيره عدة أزواج أما هو فلا يرثها إذا ماتت قبله لأنه هو الذي أضاع ما بيده .
هذا ما يتعلق بملتزم العوض المالي من التفصيل أما ما يتعلق بالزوج المخالع فيشترط فيه الشروط التي تقدمت في الطلاق ومنها أن يكون مسلما فلا يصح خلع الكافر ومنها أن يكون مكلفا فلا يصح خلع الصبي والمجنون وهل لأب الصغير والمجنون أن يخالع زوجتيهما ؟ والجواب : نعم يصح بشرط أن يكون الخلع في مصلحتهما ومثل الأب السيد والوصي والحاكم ونائبه فإن لهم أن يخالعوا عنهما إذا كان في الخلع مصلحتهما . وهل لأب الصغير والمجنون أن يطلق عنهما بغير عوض ؟ خلاف وبعضهم يقول : أنه لا يصح وبعضهم يقول : يصح إن كان في طلاقه عنهما مصلحة كما إذا فسدت أخلاق الزوجة وهو ظاهر .
أما السفيه البالغ فإنه يصح أن يتولى الخلع بنفسه ثم إن كان المال الذي خالع به يساوي المال الذي يخالع به مثله فذاك وإن خالع بدونه يجب على ملتزم العوض أن يكمله له ولكن المال الذي يخالع به السفيه لا يسلم له فإذا سلم له لا تبرأ ذمة الزوجة أو ملتزم العوض منه بل لا بد من تسليمه لوليه . وليس لأب السفيه أن يخالع عنه لأن السفيه البالغ يملك الطلاق ومثله العبد البالغ فإنه لا يصح لسيده أن يخالع عنه .
( يتبع . . . )