ثانيها : معنى - مع - فكأنه قال لها : أنت طالق واحدة مع ثنتين فإذا نوى هذا المعنى لزمه ثلاث طلقات مطلقا سواء كانت مزوجة مدخولا بها . أو لا وذلك لأنه أوقع الثلاث دفعة واحدة فحلت عصمة الزوجية في المدخول بها وغيرها بدون فرق فلم تبن غير المدخول بها بواحدة وتصبح غير محل للحوق ما بعدها .
ثالثها : معنى الضرب . وتحته صورتان : الصورة الأولى أن يتكلم بعرف أهل الحساب كما هو المفروض وفي هذه الحالة يلزمه ثنتان وذلك لأن عرف أهل الحساب تضعيف أحد العددين بعدد آخر فقوله : واحدة في ثنيتن معناه تضعيف الواحدة بجعلها ثنتين فيلزمه الثنتان وهذا هو التحقيق لأن هذا اللفظ في عرف علماء الحساب صريح في هذا المعنى فمتى أراد بكلامه عرفهم لزمه معناه فلا يقال : إن لفظ - في - معناه الظرفية الحقيقية والثنتان لا تصلح ظرفا فالعبارة في ذاتها لا تصلح لإرادة التطليقتين منها حتى ولو نواهما كما إذا قال : اسقني ونوى به الطلاق فإنه لا يلزمه به شيء وذلك لأنك قد عرفت أن لفظ واحدة في ثنتين في عرف أهل الحساب مستعمل في تضعيف العدد صريحا . الصورة الثانية : أن لا يتكلم بعرف أهل الحساب بل ينوي تكثير أجزاء الطلقة الواحدة كما هو المتبادر من اللفظ وحين إذ يلزمه طلقة واحدة لأن تكثير أجزاء الطلقة الواحدة لا يخرجها عن كونها واحدة ومثل ذلك ما إذا لم ينو شيئا فإنه يلزمه طلقة واحدة بقوله أنت طالق لأنه يقع به واحدة وإن لم ينو .
أما إذا قال لها : أنت طالق ثنتين في ثنتين فإنه إذا نوى به معنى الواو فكأنه قال : ثنتين وثنتين وفي هذه الحالة يلزمه ثلاث في المدخول بها وثنتان في غيرها وإذا نوى معنى - مع - لزمه الثلاث في المدخول بها وغيرها وإذا نوى الضرب على عرف أهل الحساب لزمه الثلاث وإلا لزمه ثنتان .
هذا كله إذا قيد الطلاق الصريح بعدد صريح أما إذا قيده بإشارة تدل على العدد فإن هذه المسألة على ثلاثة أوجه : .
الوجه الأول : أن يذكر ما يدل على الإشارة لفظا ويشير إلى العدد بأصابعه وتحت هذا صورتان الصورة الأولى أن ينطق بلفظ - هكذا - فيقول : أنت طالق هكذا ويشير بأصابعه الثلاث وفي هذه الحالة يقع العدد الذي أشار إليه بقوله : هكذا من أصابعه فإن أشار إلى أصبع واحد وقعت واحدة وإن أشار إلى أصبعين وقع ثنتان وإن أشار إلى ثلاثة وقع ثلاث فإن فتح ثلاثة أصابع من أصابع يده وضم ثنتين وقال : إنه أشار إشارة إلى المضمومتين فإنه لا يصدق قضاء بل يقع عليه الثلاث لأن الظاهر يقتضي أنه أشار إلى أصابعه المنشورة لا المضمومة ولكنه يصدق ديانة فيقع عليه ثنتان بينه وبين الله تعالى ومثل ذلك ما إذا قال : إنه نوى الإشارة إلى كفه فإنه لا يصدق قضاء وتقع عليه واحدة رجعية إن كان صادقا بينه وبين الله تعالى نعم إذا نشر أصابعه الخمسة كلها وقال : أنه أراد الكف فإنه يصدق قضاء لأن الطلاق ثلاث فقط فنشر الخمسة قرينة على أنه لم يرد العدد فيصدق قضاء بأنه أراد التشبيه بالكف فتلزمه واحدة رجعية ومثل ذلك ما إذا ضم أصابعه فإنه يصدق قضاء في قوله : انه أراد التشبيه بالكف فقط .
الصورة الثانية : أن ينطق - مثل - فيقول : أنت طالق مثل هذا ويشير إلى أصابعه الثلاث المنشورة وفي هذه الحالة ينظر إلى نيته فإن نوى تشبيه الطلاق بعدد الأصابع الثلاث لزمه ثلاث أما إذا نوى المثلية في الشدة أو لم ينو شيئا فإنه يلزمه طلقة واحدة بائنة لأنه وصفها بالشدة والفرق بين قوله : أنت طالق هكذا وأنت طالق مثل هذا أن الكاف للتشبيه في الذات . ومثل للتشبيه بالوصف فقوله : هكذا معناه مثل الأصابع الثلاث في العدد أما قوله مثل هذا فمعناه مثل هذا في شدته فإذا نوى به الثلاث لزمته .
الوجه الثاني : أن يقول أنت طالق ويشير بأصابعه الثلاث ولكن لم يقل هكذا . أو مثل هذا ويقع بهذا طلقة واحدة ولو نوى الثلاث وذلك لأن الطلاق لا يتحقق بدون لفظ فكذلك عدده لا يتحقق بدون لفظ يدل عليه .
الوجه الثالث : أن يقول : أنت هكذا مشيرا بأصابعه ولكنه لم يقل : طالق وقد اختلف في هذا فبعضهم قال : إنه لغو لا يقع به شيء ولو نوى به الثلاث وحجة هذا القائل أن الطلاق لا يتحقق عند الحنفية إلا باللفظ الذي يشعر به ولو نوى به الطلاق والإشارة بالأصابع الثلاث ليس فيها أي إشعار بالطلاق لا صريحا ولا كناية فلا يلزمه بذلك شيء ولو نواه كما لا يلزمه بقوله : كلي واشربي . ونحو ذلك إذا نوى به الطلاق .
وعندي أن هذا التعليل وجيه وقد عرفت في الوجه الثاني أن الطلاق لا يتحقق بدون لفظ يدل عليه أو يشعر به فإن لم يوحد لفظ كذلك فإن النية لا يعول عليها .
وبعضهم قال : إنه يقع به ما نواه فإذا نوى الثلاث لزمته وعلل ذلك بأن الإشارة بالأصابع الثلاث قائمة مقام عدد الطلاق المقدر فكأنه قال : أنت طالق ثلاثا ولا يخفى ما في هذا من تعسف وخروج عن القاعدة الأولى وهو أن الطلاق لا يتحقق إلا باللفظ الذي يدل عليه أما كونه يقدر لفظا نواه فإنه يصح أن يدعي ذلك في كل لفظ فالقواعد تؤيد الرأي الأول .
هذا وقد عرفت أن النية لا تعمل في الصريح فإذا قال لها : أنت طالق ونوى به ثنتين أو ثلاثا فإنه لا يقع به إلا واحدة وقد عرفت أيضا أنه إذا نوى بالطلاق معنى الطلاق من القيد ونحوه فإنه لا يعتبر قضاء وينفع ديانة .
هذا إذا ذكر لفظ طالق أما إذا ذكر المصدر كأن قال لها : أنت الطلاق أو أنت طلاق فإنه يقع به واحدة رجعية كذلك إن لم ينو أو نوى واحدة وكذا إذا نوى اثنتين فإنه يقع واحدة بخلاف ما إذا نوى به الثلاث فإنه يقع عليه ما نواه وذلك لأن قوله : أنت طلاق أو أنت الطلاق مصدر موضوع للوحدة . أو للجنس الصادق بالكثير والقليل فلا يصح تقييده بالاثنينية لأن الاثنين عدد محض ينافي الوحدة فصح إرادة الثلاث منه دون الاثنين . أما الكنايات فقد عرفت أقسامها وأحكامها فيما مضى ومنها أن جميع ألفاظ الكنايات يقع بها الطلاق بائنا ما عدا ألفاظ ذكرت هناك فإن الطلاق يقع بها رجعيا ثم إن بعضها لا يقع بها إلا بالنية فإن ذكر لفظا منها ولم ينويه طلاقا وقرنه بعدد اثنين أو ثلاثة فإنه يكون مهدرا وإن نوى به طلاقا ووصفه بعد صريح لفظا فإنه يلزمه ما نواه وما نطق به كما إذا قال لها : أنت بائن ثنتين أو ثلاثا ونوى ببائن الطلاق فإنه يلزمه ما نطق به أما إذا نوى بلفظ بائن الطلاق ونوى به أكثر من واحدة فإن نوى ثنتين فإنه لا يلزمه إلا واحدة وإن نوى ثلاثا تلزمه الثلاث . وقد تقدم تعليل ذلك في القسم الثالث من الكنايات فارجع إليه .
المالكية قالوا : إذا قيد الطلاق الصريح بعدد صريح كقوله : أنت طالق ثنتين أو ثلاثا لزمه العدد الذي صرح به طبعا وكذا إذا نواه بأن قال : أنت طالق ونوى به ثلاثا أو ثنتين فإنه يلزمه ما رواه أما إذا لم ينو فإنه واحد كما تقدم في الصريح فإن كرر الطلاق لفظا فإنه يحتمل حالتين : الحالة الأولى أن يكرره بدون عطف . الحالة الثانية : أن يكرره بحرف العطف فأما الحالة الأولى ففيها ثلاث صور : .
الصورة الأولى : أن يقول لها : أنت طالق طالق طالق بدون عطف وبدون تعليق وحكم هذه الصورة أنه يقع بها واحدة إذا نوى بالثانية والثالثة التأكيد سواء كانت الزوجة مدخولا بها أو لا . ويصدق في قوله بيمين في القضاء وبغير يمين في الفتوى ثم إن كانت الزوجة مدخولا بها فإنه يصدق ولو فصل فاصل بين قوله : طالق الأولى وطالق الثانية أو الثالثة ولو طال الفصل أما في غير المدخول بها فإنه يلزمه الثاني إلا إذا ذكر ألفاظ الطلاق متتابعة بدون فاصل ولا يضر الفصل بنحو السعال وهذا هو المذهب عند بعضهم وبعضهم يشترط أن يذكر ألفاظ الطلاق منسقة أي متتابعة بدون فصل في المدخول بها وغيرها فإذا قال : أنت طالق ثم سكت مدة وقال : أنت طالق ثم قال : أنه نوى بالثانية التأكيد فإنه لا يصدق وفي هذه الحالة إن كانت مدخولا بها وقع عليه ثنتان أو ثلاث إن ذكر ثلاثة ألفاظ وإن كانت غير مدخول بها لزمته واحدة بائنة لأن الثانية لا تلحق .
الصورة الثانية : أن لا ينوي التأكيد سواء نوى بكل واحدة طلقة على حدة . أو لم ينو شيئا وفي هذه الحالة يلزمه الثلاث في المدخول بها سواء ذكر الألفاظ الثلاثة متتابعة أو فصل بينها بفاصل أما إذا كانت غير مدخول بها فإنه يلزمه الثلاث إن ذكرها متتابعة وإذا فصل بينها فلا يلزمه إلا واحدة لما عرفت من أنها تبين بها فلا يلحقها ما بعدها .
الصورة الثالثة : أن يعلق الطلاق المكرر بدون عطف على شيء وتحت هذه الصورة أمران : .
الأمر الأول : أن يعلقه على شيء متحد كأن يقول : أنت طالق طالق طالق إن كلمت زيدا بكلمة وحكم هذا إن نوى التأكيد لزمته طلقة واحدة وإن لم ينو التأكيد بأن نوى الثلاث أو لم ينو شيئا لزمته الثلاث .
الأمر الثاني : أن يعلقه على شيء متعدد كأن يقول : أنت طالق إن كلمت زيدا . أنت طالق إن دخلت الدار . أنت طالق إن سافرت مع أبيك وحكم هذا أنه يلزمه الثلاث ولا ينفعه نية التأكيد لتعدد المحلوف عليه .
أما الحالة الثانية وهي ما إذا كرره بحرف العطف سواء كان بالواو أو الفاء أو ثم كأن قال لها : أنت طالق طالق طالق أو ثم طالق وطالق الخ فإن كانت مدخولا بها فإنه يلزمه الثلاث ولا يصدق في قوله : أنه نوى التأكيد سواء ذكر الألفاظ متتابعة منسقة أو لا وسواء لم يكرر لفظ أنت كما مثلنا أو كرره بأن قال : أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق أما إذا كانت غير مدخول بها يلزمه الثلاث إن ذكر الألفاظ متتابعة بدون فاصل وإلا لزمته واحدة .
هذا وإذا جزأ عدد الطلاق كما إذا قال لها : أنت طالق نصف طلقة أو جزء طلقة لزمه طلاق كامل ولو قال لها : أنت طالق نصف طلقتين لزمته طلقة واحدة لأن نصف الطلقتين طلقة كاملة ومثل ذلك ما إذا قال لها : أنت طالق نصفي طلقة فإنه يقع به واحدة لأن للنصفين طلقة كاملة فإذا زادت الأجزاء عن طلقة لزمه طلقتان أو أكثر بحسب زيادة الأجزاء فإذا قال لها : أنت طالق نصف وثلثا طلقة لزمه طلقتان لأن النصف والثلثين أكثر من الواحدة ومثل ذلك ما إذا قال لها : أنت طالق ثلاثة أنصاف طلقة لأن ثلاثة أنصاف طلقة تشتمل على طلقة ونصف فيقع بها ثنتان لأن الجزء يقع به واحدة كاملة وكذا إذا قال لها : أنت طالق أربعة أثلاث طلقة لأن أربعة أثلاث تشتمل على واحدة وثلث وهكذا .
فإذا ذكر أجزاء أقل من واحدة بحرف العطف وأضافها إلى طلقة واحدة فإنه يلزم بها واحدة كما إذا قال لها : أنت طالق نصف وثلث طلقة أما إذا أضاف كل جزء إلى لفظ طلقة كما إذا قال لها : أنت طالق نصف طلقة وثلث طلقة فإنه يقع بكل لفظ منها طلقة فيلزمه ثنتان وهكذا والفرق أنه في العبارة الأولى أضاف الكسرين إلى طلقة واحدة وهما أقل من واحدة فلزمه واحدة وفي العبارة الثانية أضاف كل كسر إلى طلقة . فكان اللفظ مستقلا بالعبارة فيقع بكل لفظ طلقة . وإذا كان عالما بالحساب وقال لها : أنت طالق في واحدة لزمته طلقة واحدة لأن نتيجة ضرب طالق واحدة وواحدة وإذا قال لها : أنت طالق واحدة في ثنتين وكان عالما بالحساب لزمه ثنتان لأنهما نتيجة ضرب الواحدة في اثنتين وإلا فإنه يلزمه ثلاثة فكأنه قال : واثنتين وإذا قال لها : أنت طالق اثنتين في اثنتين لزمه ثلاث طلقات عرف الحساب أو لم يعرف .
هذا أما نية العدد مع الكناية فقد تقدمت مفصلة فارجع اليها .
الشافعية - قالوا : إذا قيد الطلاق الصريح بعدد لزمه فإذا قال لها : أنت طالق ثلاثا أو ثنتان لزمه ذلك العدد وقد تقدم في الكناية أنه لو نوى بقوله : أنت طالق أكثر من واحدة لزمه ما نواه حتى لو قال : أنت طالق واحدة ونوى به ثنتين أو ثلاثا لزمه ما نواه وكذا إذا قال لها : أنت طالق ثنتين فإنه إذا نوى به ثلاثا وقع الثلاث وبعضهم يرى أنه إذا قيد اللفظ بواحدة أو ثنتين فإن نية الزائد تلغو ولا يعمل بها حملا للفظ على ظاهره وقد تقدم الكلام على الكنايات فارجع إليه .
أما إذا كرر الطلاق كأن قال : أنت طالق أنت طالق أنت طالق أو قال : أنت طالق طالق ولم يكرر لفظ - أنت - فإن له ثلاث حالات : .
الحالة الأولى : أن يذكر الكلمات المكررة بدون حرف العطف متتابعة بحيث لا يفصل بين كل كلمة وأخرى بفاصل بل يكون الكلام متصلا في العرف فلا يعتبر الفصل سكتة التنفس وانقطاع الصوت والعي لأن الفصل بمثل هذا لا يخرج الكلام عن كونه متصلا عرفا أما الذي يخرجه عن كونه متصلا فهو أن يفصل باختياره بحيث ينسب إليه أنه قطع الكلام عرفا وتحت هذه الحالة أربع صور : .
الصورة الأولى : أن يقصد بالتكرار تأكيد قوله : أنت طالق الأولى بقوله أنت طالق الثاني وأنت طالق الثالث بمعنى أنه ينوى تأكيد اللفظ الأول باللفظين الأخيرين معا وفي هذه الصورة تلزمه طلقة واحدة لأنه نوى تأكيد الأول بالثاني و الثالث فلم ينشئ طلاقا جديدا والتأكيد مهم في جميع اللغات .
الصورة الثانية : أن يؤكد الأول بالثاني فقط ثم ينشئ طلاقا بالثالث . أو لم ينو به شيئا وفي هذه الصورة يلزمه طلقتان : طلاق بالعبارة الأولى . وطلاق بالعبارة الثالثة التي استأنف بها طلاقا . أو طلق ولم ينو بها شيئا أما العبارة الثانية فإنها لا تحسب عليه لأنه نوى بها التأكيد .
الصورة الثالثة : أن يؤكد الثاني بالثالث وبأن ينوي الطلاق بالعبارة الأولى والعبارة الثانية أو يطلق ولم ينو شيئا ثم ينوي بالثالث تأكيد الثاني وفي هذه الحالة يلزمه طلقتان أيضا بالعبارة الأولى والثانية وتلغى الثالثة لأنه قصد التأكيد .
( يتبع . . . )