- تنقسم كنايات الطلاق إلى أقسام مفصلة في المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : تنقسم الكنايات إلى ثلاثة أقسام : القسم الأول ما يكون معناه جواب طلب التطليق فلا يصح سبا للمرأة ولا ردا لها عن طلب التطليق وهذا يشتمل على ألفاظ : منها اعتدى وهو تخيير بين الأمر بالعدة أو الأمر بعد أيادي الزوج ونعمه عليها ومنها استبرئي رحمك واستبراء الرحم معناه تعرف طهارته من ماء الرجل وهو كناية عن العدة لأن تعرف براءة الرحم تكون بالعدة ومنها أنت واحدة وهذا اللفظ يحتمل أنت طالق تطليقة واحدة ويحتمل أنت واحدة بمعنى منفردة في القبح . أو في الحسن وعلى هذا يكون لفظ واحدة منصوبا لأنه وصف للمصدر فهل إذا قال : أنت واحدة بالرفع ونوى الطلاق يقع أو لا ؟ والجواب : أنه يقع الطلاق ولو لحنا لأن الإعراب لا يعتبر في هذه الباب خصوصا إذا صدر من العامي على أن الرفع قد يحمل على وجه صحيح من الإعراب فيقال : معناه أنت تطليقة واحدة فجعل المرأة نفس التطليقة مبالغة ومنها أنت حرة فإنها تحتمل الاخبار بحريتها في تصرفها وتحتمل إنشاء تحريرها من قيد النكاح ومنها سرحتك من السراح - بفتح السين - وهو الإسال فكأنه قال لها : أرسلتك . والإرسال إما لأنه طلقها أو لتمكث يوما في دار أبيها أو نحو ذلك .
وقد عرفت أن سرحتك عند الشافعية من الصريح ومنها فارقتك وهي مثل سرحتك لأن فراقها إما أن يكون لتطليقها . وإما أن يكون فراقا مؤقتا بالانصراف من المنزل مثلا .
هذا وقد ذكر بعض الشراح . والفتاوى الكبيرة لفظين في هذا القسم : أحدهما اختاري . ثانيهما : أمرك بيدك وهما كنايتان عن تفويض الطلاق للمرأة لأن كلا منهما يحتمل معنيين فاختار نفسك يصح أن يراد به اختاري نفسك بالطلاق . أو اختاري نفسك في عمل من الأعمال وكذلك أمرك بيدك فإنه يصح أن يراد به أمرك بيدك في الطلاق . أو في تصرفاتك المختصة بك ولكن الصواب عدم ذكرهما هنا وذلك لأنه لا يقع بهما طلاق إلا إذا طلقت المرأة نفسها وإنما يصح تفويض الطلاق بهذين اللفظين بشرط أن ينوي الزوج الطلاق لها أو يدل الحال على أنه فوض كما إذا طلبت منه أن يطلقها في حالة الغضب فإذا فوض لها في هذه الحالة وطلقت نفسها بانت منه أما إذا لم تطلق فإنها لا تبين فمن عد هذين اللفظين في كنايات الطلاق فقد أوهم أن الطلاق يقع بهما بمجرد نية الزوج وهو خطأ واضح .
ويتعلق بهذا القسم حكمان : أحدهما أن الألفاظ الثلاثة الأولى وهي : اعتدي . واستبرئي رحمك وأنت واحدة يقع بها طلقة واحدة رجعية وإن نوى أكثر منها . أو نوى البائن .
ثانيهما : أن الذي ينطق بكلمة من هذه الكلمات لا يخلو حاله عن ثلاثة أمور : الأمر الأول أن يكون في حالة غضب . الأمر الثاني : أن يكون في حالة رضا . الأمر الثالث : أن يكون في حالة مذاكرة الطلاق بمعنى أن المرأة سألته الطلاق . أو سأله شخص طلاقها فإذا كان في حالة غضب وقال لزوجته اعتدي أو استبرئي رحمك . أو أنت واحدة الخ وقع عليه الطلاق قضاء سواء نوى أو لم ينو فإذا قال : لم أنو الطلاق لم يصدق ولكن لا يقع عليه ديانة بينه وبين الله ومثل ذلك ما إذا كان في حالة مذاكرة الطلاق فإذا سألته الطلاق فقال لها : اعتدي أو استبرئي رحمك الخ وقع عليه الطلاق قضاء سواء نوى أو لم ينو وسواء كان في حالة غضب أو في حالة رضا . أما إذا كان في حالة رضا بدون مذاكرة طلاق وقال كلمة من هذه الكلمات فإنه لا يقع بها طلاق إلا بالنية وإذا قال : لم أنو بها الطلاق فإنه يصدق بيمينه .
القسم الثاني : ما يصح جوابا للسؤال عن التطليق . وما يصح ردا أي دفعا لهذا السؤال وهذا لقسم يشتمل على ألفاظ منها اخرجي فإذا قالت له : طلقني فقال لها : اخرجي فإنه يحتمل أن يكون جوبا لها عن سؤال الطلاق ويحتمل أن يكون مراده اخرجي الآن من المنزل حتى يهدأ الغضب وتنصرفي عن طلب الطلاق ومنها اذهبي فهو مثل اخرجي ومنها قومي . أو انتقلي أو انطلقي ومثل اخرجي ومنها تقنعي أو تبرقعي أي ضعي القناع - وهو البرقع - على وجهك ومنها تخمري أي البسي الخمار وهو الملاءة - أو استتري - فأمرها بلبس البرقع أو الخمار . أو الستر يحتمل أمرين : أن يكون ذلك من أجل تطليقها إذ لا يحل له النظر إليها بعد . أو لئلا ينظرها أحد وهي غضبانة فيكون على الأول جوابا لسؤال الطلاق ويكون على الثاني ردا لطلب الطلاق ومنها اغربي - بالغين والراء - ومعناه ابتعدي وهو مثل اخرجي يحتمل أن يكون جوابا عن طلب التطليق ويحتمل أن يكون الغرض منه البعد المؤقت الذي ينكسر به الشر . ومنها اعزبي - بالعين والزاي - من العزوبة بمعنى البعد وهي مثل اعزبي .
وحكم هذا القسم أن الطلاق لا يقع به إلا بالنية سواء كان في حالة غضب . أو في حالة رضا أو في حالة مذاكرة الطلاق . فإذا قال : لم أنو الطلاق فإنه يصدق بيمينه قضاء وهو وشأنه فيما بينه وبين الله وذلك لأنها تحتمل ردها عن طلب الطلاق وتحتمل إجابتها إلى طلبها فإذا نوى الرد فقد نوى ما يحتمله اللفظ فيقبل قوله قضاء في حالة مذاكرة الطلاق وفي حالة الغضب بخلاف القسم الأول فإنه لا يحتمل سوى إجابتها عن سؤال الطلاق فيقع حال المذاكرة . وحال الغضب مطلقا ولا يسمع منه أنه لم ينو الطلاق أما في حال الرضا . وعدم المذاكرة فإنه يحتمل إرادة غير الطلاق .
القسم الثالث : ما يصلح جوابا للمرأة عن سؤال الطلاق وما يصلح شتما لها ويشتمل هذا القسم على ألفاظ : منها خلية بمعنى خالية عن النكاح . أو خالية عن الأدب والخير فالمعنى الأول يصلح جوابا لسؤال الطلاق والمعنى الثاني يصلح شتما للمرأة كما هو ظاهر . ومنها : برية . أو بريئة بمعنى منفصلة عن النكاح . أو منفصلة عن الأدب وحسن الخلق فهي كالأول تصلح جوابا وسببا ومنها كلمة بائن من بان الشيء انفصل فقوله لها : أنت بائن يحتمل أنها منفصلة من النكاح أو منفصلة عن الخير والأدب كما في الأول ومنها كلمة بتة بمعنى منقطعة فإذا قال لها : أنت بتة كان معناه أنت منقطعة إما عن النكاح أو الأدب ومنها كلمة بتلة وهي مثل بتة بمعنى منقطعة ومنه فاطمة البتول أي منقطعة النظير عن نساء العالمين نسبا ودينا Bها .
وحكم هذا القسم أنه لا يقطع به الطلاق إلا بالنية في حالة الغضب وفي حالة الرضا . أما في حالة مذاكرة الطلاق فإنه يقع قضاء بدون نظر إلى نية .
فتحصل من هذا أنه في حال مذاكرة الطلاق يقع الطلاق قضاء بدون نظر إلى نية إلا في القسم الثاني وهو ما يصلح جوابا وردا فإنه لا يقع في الأقسام الثلاثة إلا بالنية أما في حالة الرضا فإن الطلاق لا يقع في الأقسام الثلاث إلا بالنية وأما في حالة الغضب فإنه لا يقع الطلاق إلا بالنية في القسمين الأخرين أما القسم الأول وهو ما يصلح جوابا ولا يصلح شتما فإنه يقع به الطلاق حال الغضب قضاء بدون نظر إلى نية .
ثم اعلم أن جميع الألفاظ التي ذكرت في الأقسام الثلاثة يقع بها الطلاق بائنا ما عدا الألفاظ الثلاثة المذكورة في القسم الأول وهي : اعتدي استبرئي رحمك أنت واحدة فإنه يقع بكل لفظ منها طلاق رجعي فإذا نوى بالبائن ثنتين فإنه لا يقع به إلا واحدة . أما إذا نوى به الثلاث فإنه يصح ويقع به الثلاث وذلك لأن المراد بلفظ البائن بينونة المرأة من الزواج والبينونة لا تحتمل التثنية لأنها مصدر لا يراعى فيه العدد فإما أن يراعى فيه الوحدة فيكون مقيدا بها أو يراعى فيه الجنس المستغرق لأفراده فيشتمل الثلاث ويستثنى لفظ اختاري فإنه لا يصح فيها تفويض الثلاث لها .
هذا وبقيت ألفاظ أخرى من الكنايات يقع بها الطلاق رجعيا منها أن يقول لها : أنت مطلقة - بتخفيف اللام - فإن هذا اللفظ يحتمل إطلاقها من القيد ويحتمل إطلاقها من عقد النكاح فيقع به الطلاق بالنية ولكن لما كان مشتملا على مادة الصريح فإنه لا يقع به إلا واحدة رجعية ومنها أن يقول لها : أنت أطلق من امرأة محمد إذا كانت امرأة محمد مطلقة فقوله : أنت أطلق منها أفعل تفضيل يحتمل أنها أكثر إطلاقا منها في شؤونها ويحتمل أنها أشد منها تطليقا من عقد الزواج فإذا نوى الثاني طلقت واحدة رجعية كما علمت وإنما تلزم النية إذا لم تقل له امرأته : إن محمدا طلق زوجته فإذا قالت له ذلك وأجابها هو بقوله : أنت أطلق منها وقع الطلاق بدون نية قضاء ديانة لأن دلالة الحال تجعله من باب الصريح لا من باب الكناية فيقع بدون نية أما إذا لم تقم قرينة فإنه يكون كناية لا يقع إلا بالنية كما علمت ومنها أن ينطق بالطلاق بحروف الهجاء كأن يقول : أنت ط ا ل ق وذلك لأن الحروف المقطعة لا تستعمل فيه اللفظ الصريح فلا بد لوقوع الطلاق بها من النية وإذا نوى يقع واحدة رجعية ومنها أن يقول لها : الطلاق عليك أو الطلاق لك أو أنت طال - بضم اللام وفتحها - أما بكسرها فإنه يكون صريحا لا يحتاج إلى نية على المعتمد وذلك لأن حذف آخر الكلمة مشهور في العرف فإذا حذف الآخر مع بقاء شكل الحرف الذي قبله على حاله فإن معنى الكلمة لا يتغير أما إذا غير شكله بالرفع أو النصب فإنه يحتمل أن يكون المراد به أمرا آخر فإذا قال لها : أنت طال يحتمل أن يكون طال فعل أي طال عمرك مثلا وبالرفع يحتمل أن يكون المراد تشبيها باسم ومنها أن يقول لها : وهبتك طلاقك أو أعرتك طلاقك وفي هذه الحالة يكون أمر طلاقها بيدها إذا نوى به الطلاق وكذا أقرضتك طلاقك أو قد شاء الله طلاقك أو شئت طلاقك أو قضي الله طلاقك أو طلقك الله ففي كل هذه الألفاظ يقع بالنية طلقة واحدة رجعية وأما إذا قال لها : خذي طلاقك فإنه صريح على المعتمد ومنها لست لي بامرأة وما أنا لك بزوج وإذا قال لها : أنا بريء من طلاقك ونوى به الطلاق هل يقع أو لا ؟ .
قال بعضهم : إنه لا يقع به شيء ولو نوى وذلك لأن البراءة من الطلاق ترك له ولا معنى لأن يراد من الشيء ضده .
وقال بعضهم : يقع به واحدة رجعية وعلل ذلك بأن قوله : أنا بريء من طلاقك معناه ترك الطلاق عجزا عنه لعدم فائدته وهذا لا يتحقق إلا إذا كانت المرأة غير محل للطلاق بأن كانت بائنة بينونة صغرى أو كبرى فيحتمل أنه أراد من البراءة من الطلاق بينونتها ولكن هذه العلة تنتج وقوع الطلاق البائن لا الرجعي لأن الذي يفيد العجز عن الطلاق هو البراءة منه لا لفظ الطلاق إلا أن يقال : إضافة البراءة إلى لفظ الطلاق الصريح جعل اللفظ في حكم الصريح الذي تقع به واحدة رجعية ومثل أنا بريء من طلاقك قوله لها : تركت طلاقك . ومن الكنايات التي يقع بها الطلاق بالنية لفظ العتق فإذا قال لها : أعتقتك ونوى به الطلاق بانت منه وكذا إذا سألته الطلاق فأجابها بقوله : أعتقتك وإن لم ينو لأن دلالة الحال تقوم مقام النية أما إذا قال لجاريته : طلقتك ونوى بذلك عتقها فإنها لا تعتق لأن لفظ الطلاق ليس موضوعا لإزالة الملك خلافا للشافعية .
المالكية - قالوا : تنقسم الكناية إلى قسمين : كناية خفية وكناية ظاهرة .
فالكناية الخفية ما كانت دلالتها على الطلاق غير ظاهرة وهي ثلاثة أقسام : قسم يوجد فيه حروف الطلاق ولكن العرف لم يستعمله في إنشاء الطلاق وهو ثرثرة ألفاظ : منطلقة مطلوقة مطلقة بفتح اللام مخففة - وقسم يحتمل الدلالة على الطلاق مع بعد نحو اذهبي انصرفي لم أتزوجك أنت حرة الحقي بأهلك ومثل ذلك ما إذا سأله شخص هل لك امرأة فقال : لا أو قال لها : لست لي بامرأة من غير تعليق على شيء أما إذا قال لها : إن دخلت الدار فلست لي بامرأة فإن لم ينو به شيئا . أو نوى الطلاق بدون عدد فإنه يلزمه ثلاث وإن نوى غير الطلاق فإنه يصدق بيمينه قضاء ويصدق بدون يمين في الإفتاء . والقسم الثالث : أن يكون بين اللفظ وبين الطلاق علاقة ما نحو كلي واشربي وادخلي واسقني الماء وغير ذلك من الألفاظ التي يقصد بها تطليق زوجته . وليست من الطلاق الصريح . ولا الكناية الظاهرة الآتي بيانها .
وقد اعترض بعض المحققين على هذا بأن الكناية استعمال اللفظ في لازم ما وضع له والطلاق ليس لازما لمثل هذه الألفاظ فكيف تسمى مستعملة في الطلاق ؟ والجواب : أن الكلام هنا في اصطلاح الفقهاء وما ذكره اصطلاح البيانيين ولا مشاحة في الاصطلاح وحكم الكناية الخفية يتبع النية فإن لم تكن له نية أصلا . أو نوى عدم الطلاق فإنه لا يلزمه بها شيء وإن نوى الطلاق لزمه ثم إذا نوى واحدة لزمه واحدة وإن نوى أكثر لزمه الأكثر فلو قال لامرأته : ادخلي الدار ونوى به ثلاث طلقت منه ثلاثا فالمدار فيها على النية واختلف فيما إذا نوى بها الطلاق ولكنه لم ينو عددا فقال بعضهم : إنه يلزمه الثلاث ولكنهم اعترضوا على هذا بأن الطلاق الصريح إذا لم ينو به عددا لا يلزمه إلى واحدة فكيف تلزمه الثلاث بالكناية الخفية ؟ وأجيب بالفرق بين الحالتين وذلك لأن عدوله عن الصريح أوجب ريبة عنده في ذلك فعومل بالثلاث احتياطا ولا فرق في ذلك بين المدخول بها وغيرها . وبعضهم قال : إنه لا يجب به إلا طلقة واحدة بائنة في غير المدخول بها ورجعية في المدخول بها أما الكناية الظاهرة فإنها تنقسم إلى خمسة أقسام : .
القسم الأول : ما يلزم فيه الطلاق الثلاث سواء كانت الزوجة مدخولا بها أو لا بدون نظر إلى نية وهو لفظان : أحدهما أن يقول لها : أنت بتة فإذا قال لها هذه الكلمة طلقت منه ثلاثا سواء قال : إنه نوى الطلاق أو لا وسواء قال إنه نوى واحدة أو أكثر وذلك لأن البت معناه القطع فكأنه قطع عقدة النكاح التي بينهما بتاتا . ثانيهما : أن يقول لها : حبلك على غاربك فهذا كناية عن أنه ألقى عصمتها من يده على كتفها فلا شأن له بها فيقع عليه الطلاق الثلاث .
( يتبع . . . )