( تابع . . . 2 ) : - طلاق المكره - طلاق السكران - الطلاق بالإشارة والكتابة - طلاق .
هذا وتهمل إشارة الأخرس المفهومة في ثلاثة مواضع : الأول الصلاة فإذا كان يصلي وأشار إشارة مفهومة فإن صلاته لا تبطل بها . الثاني : الشهادة فإذا شهد على شخص بإشارة مفهومة فإنها لا تقبل . الثالث : الحنث فإذا أشار بأنه حلف أن لا يتكلم ثم تكلم بالإشارة فإنه لا يحنث وبعضهم يقول : إنه يحنث بذلك .
أما كتابة الطلاق فإنها تقوم مقام اللفظ ويقع بها الطلاق بشروط : .
الشرط الأول : أن تقترن بالنية فإن كتب لزوجته أنت طالق ولم ينو به الطلاق فلا يقع وذلك لأن الكتابة تعتبر طلاقا بالكناية سواء كانت صادرة من قادر على النطق أو صادرة من أخرس على أنها إن كانت .
صادرة من أخرس فإنه يلزمه أن يكتب مع لفظ الطلاق قوله : إني قصدت الطلاق ليتبين أنه نوى الطلاق بكتابته .
الشرط الثاني : أن يكون المكتوب عليه مما تثبت عليه الكتابة كالورق واللوح والرق والقماش والحائط ونحو ذلك سواء كتب بحبر أو بغيره أو نقش عبارة طلاق زوجته على حجر أو خشب أو خطها على أرض فإذا رسمها في الهواء أو رقمها على الماء فلا تعتبر ولا يقع بها طلاق ولو نواه .
الشرط الثالث : أن يكتب الزوج الطلاق بنفسه فلو أمر غيره بكتابته ونوى هو الطلاق بكتابة الغير فإنه لا يعتد به ولا يقع به طلاق لأنه يشترط أن تكون الكتابة والنية من شخص واحد .
هذا وإذا كتب لزوجته يقول : إذا بلغك كتابي هذا فأنت طالق فإنها تطلق إذا بلغها الكتاب غير ممحو فلو كان بحبر يطير بعد كتابته أو بقلم رصاص ضعيف فانمحى ولم يبق له أثر يقرأ وبلغها فإنها لا تطلق نعم إذا بقي أثره وأمكن قراءته فإنه يعتبر فإذا انمحى بعضه فإن كان الباقي منه عبارة الطلاق تطلق في الأصح أما إذا كان الباقي منه البسملة والحمدلة والتحية ونحوها فإنها لا تطلق أما إذا كتب لها : أما بعد فأنت طالق ولم يقل إذا بلغك كتابي فإنها تطلق بالحال كما يقول الحنفية وإذا ادعت وصول كتابه إليها بالطلاق وأنكر صدق بيمينه وإن قامت بينة بأنه خطه لم تسمع إلا في حالتين : إحداهما أن يراه الشاهد وهو يكتب لفظ الطلاق . ثانيتهما : أن يحفظ الشاهد الكتاب عنده لوقت الشهادة .
وإذا كتب لها : إذا قرأت كتابي فأنت طالق وكانت تعرف القراءة والكتابة فإنه لا يقع طلاقها إلا إذا قرأت صيغة الطلاق أو طالعتها وفهمتها وإن لم تتلفظ بها ولا يكفي في هذه الحالة أن يقرأه عليها غيرها فلو عميت قبل أن يأتيها الكتاب وقرأه عليها غيرها لا يكفي أما إذا كانت أمية لا تعرف القراءة والكتابة وكان الزوج يعلم حالها فإنها تطلق إذا قرأه عليها غيرها بخلاف ما إذا لم يعلم الزوج حالها فإنها لا تطلق إذا قرأه الغير عليها لاحتمال أنه يقصد تعليق طلاقها على قراءتها بنفسها فإذا كان يعلم أنها أمية وكتب لها ذلك ثم قبل أن يصلها الكتاب تعلمت القراءة والكتابة فالمعتمد أنه يقع الطلاق عليها بقراءتها وبقراءة غيرها عليها .
الحنابلة - قالوا : الإشارة لا يقع بها الطلاق من القادر على النطق وفاقا للحنفية والشافعية وخلافا للمالكية أما من الأخرس فإنه يقع بها الطلاق فإن كانت واضحة يفهمها كل أحد كانت كاللفظ الصريح وإن كان يفهمها البعض دون البعض كانت كالكناية بالنسبة إليه بحيث يبين أنه نوى الطلاق .
أما الكتابة فإن الطلاق يقع بها سواء صدرت من قادر على النطق أو أخرس . فإذا كتب زوجتي فلانة طالق فإنها تطلق منه بدون نية لأنه صريح لا يحتاج إلى نية فهو كاللفظ سواء بسواء نعم إذا نوى به غير الطلاق كما إذا نوى تجويد خطه أو إغاظة زوجته أو تجربة قلمه فإنه يكون على ما نوى به غير طلاق لأن له ذلك في اللفظ الصريح فلو قال لامرأته : أنت طالق ونوى أنها طالق من وثاق فإنه لا يقع عليه الطلاق وهل يقبل منه ذلك قضاء . أو لا ؟ أما في اللفظ الصريح فإنه يقبل منه على قول أما في الكناية فإنه يقبل منه بلا خلاف فإذا كتب الطلاق بلفظ الكناية كأن قال : امرأتي فلانة خلية فإنه يكون طلاقا إذا نوى الطلاق . ويشترط أن يكتبه على شيء تثبت فيه الكتابة أما إذا كتب بأصبعه على وسادة أو على الماء أو في الهواء فإنه لا يقع به عليها طلاق لأنها بمنزلة الهمس الذي لا يسمع .
والحنابلة كالشافعية والحنفية يشترطون لإيقاع الطلاق أن يكون باللفظ المسموع وخالف المالكية في ذلك كما ذكرناه في مذهبهم ) .
( 6 ) ( الحنفية - قالوا : الذي قسم هذا التقسيم هو ابن القيم الحنبلي وقد اختار أن طلاق الغضبان بالمعنى الثالث لا يقع والتحقيق عند الحنفية أن الغضبان الذي يخرجه غضبه عن طبيعته وعادته بحيث يغلب الهذيان على أقواله وأفعاله فإن طلاقه لا يقع وإن كان يعلم ما يقول ويقصده لأنه يكون في حالة يتغير فيها إدراكه فلا يكون قصده مبنيا على إدراك صحيح فيكون كالمجنون لأن المجنون لا يلزم أن يكون دائما في حالة لا يعلم معها ما يقول : فقد يتكلم في كثير من الأحيان بكلام معقول ثم لا يلبث أن يهذي .
ولا يخفى أن هذا تأييد لقول ابن القيم غاية ما هناك أن ابن القيم صرح بأنه لا يكون كالمجنون وهذا يقول : إنه كالمجنون وبالرغم من كون ابن القيم حنبلي المذهب فإن الحنابلة لم يقروه على هذا الرأي .
والذي تقتضيه قواعد المذاهب أن الغضب الذي لا يغير عقل الإنسان ولا يجعله كالمجنون فإن الطلاق فيه يقع بلا شبهة ومثله الغضب بالمعنى المذكور في القسم الثالث وهو أن يشتد الغضب بحيث يخرج صاحبه عن طوره ولكنه لا يكون كالمجنون الذي لا يعلم ما يقول فإن طلاقه يقع أما الغضب الذي يغير العقل ويجعل صاحبه كالمجنون فإن الطلاق فيه لا يعتبر ولا يلزم بلا شبهة .
وهذا ظاهر كلام الحنفية أيضا ولكن التحقيق الذي ذكرناه عن بعض الحنفية من أن الغضبان إذا خرج عن طوره وأصبح يهذي في أقواله وأفعاله فإن طلاقه لا يقع هو رأي حسن لأنه يكون في هذه الحالة كالسكران الذي ذهب عقله بشراب غير محرم فإنهم حكموا بأن طلاقه لا يقع فينبغي أن يكون الغضبان مثله .
وقد يقال : أن قياس الغضبان على السكران بشراب غير محرم يجعل الحكم مقصورا على من كان غضبه لله بأن غضب دفاعا عن عرضه أو ماله أو نفسه أو دينه أما من كان غضبه لسبب محرم كأن غضب حقدا على من لم يوافقه على باطل أو غضب على زوجته ظلما وعدوانا ووصل إلى هذا الحد فإن طلاقه يقع لأنه قد تعدى بغضبه والجواب : أن الغضب صفة نفسيه قائمة بنفس الإنسان تترتب عليها آثارها الخارجية وهي في ذاتها ليست محرمة بل هي لازمة في الإنسان لتبعثه إلى الدفاع عن دينه وعرضه وماله ونفسه وإنما المحرم استعمالها في غير ما خلقت له بخلاف الخمر فإنه لا يصح للإنسان أن يتعاطاها على أي حال فإيقاع الطلاق على السكران المتعدي إنما هو للزجر عن قربانها بالمرة أما الغضب فلا يمكن النهي عنه في ذاته لأنه لا بد منه للإنسان فلا يصح قياس الغضب على الخمر ونحوه من الأشياء التي يجب على الإنسان أن لا يقر بها بالمرة ) .
( 7 ) ( المالكية - قالوا : إن طلاق الكافر لا يعتبر كما تقدم )