الشرط الثاني : أن لا يأمر الحالف غيره بأن يكرهه فإذا أمر غيره أن يحمله ويدخله الدار لزمته اليمين .
الشرط الثالث : أن يكون عند الحلف غير عالم بأنه سيكره على فعل المحلوف عليه فإن كان عالما فإنه يلزمه اليمين لأن علمه بالإكراه يجعله على بصيرة في أمر اليمين . الشرط الرابع : أن لا يقول في يمينه لا أدخل الدار طوعا ولا كرها فإن قال ذلك لزمه اليمين . الشرط الخامس : أن لا يفعل بعد زوال الإكراه فإذا حلف لا يدخل الدار وحمله شخص وأدخله رغم إرادته ثم خرج ودخل بعد ذلك باختياره لزمه اليمين .
هذا إذا لم تكن يمينه مقيدة بوقت فلو حلف لا يدخل الدار في شهر كذا فأكره على دخولها ثم انقضى الشهر ودخلها مختارا فإنه لا يقع - راجع الجزء الثاني صحيفة 62 و 63 الطبعة الثالثة - فإن فيها ما يرضي القارئ وأما إن أكره على فعل يتعلق به حق الغير كما إذا حلف على زوجته بأن لا تخرج فألزمها القاضي بالخروج لتحلف يمينا لزمتها لحق الغير فإن يمينه يلزمه ويقع عليه على المعتمد مثل ذلك ما إذا كان يملك نصف عبد فحلف أن لا يبيعه ثم أعتق شريكه نصفه فإن نصفه الثاني يجب أن يقوم ليكمل به عتق العبد ويعطي الحالف قيمة نصفه فإنه يرغم على بيعه في هذه الحالة وأخذ قيمة النصف ويلزمه الطلاق على المعتمد .
الشافعية - قالوا : طلاق المكره لا يقع بشروط : أحدها أن يهدده بالإيذاء شخص قادر على تنفيذ ما هدده به عاجلا كأن كانت عليه ولاية وسلطة فإذا لم يكن كذلك وطلق على تهديده لزمه الطلاق فلو قال له : إن لم تطلق أضربك غدا فطلق لزمه اليمين لأن الإيذاء لم يكن عاجلا .
ثانيها : أن يعجز المكره عن دفعه بهرب أو استغاثة بمن يقدر على دفع الإيذاء عنه .
ثالثها : أن يظن المكره أنه إن امتنع عن طلاق يلحقه الإيذاء الذي هدد به . أن لا يكون الإكراه بحق فإذا أكره على الطلاق بحق فإنه يقع وذلك كما إذا كان متزوجا باثنتين ولواحدة منهما حق قسم عنده وطلقها قبل أن تأخذ حقها ثم تزوج أختها وخاصمته في حقها فأكرهه الحاكم على تطليق أختها حتى يوفيها حقها فإن الطلاق يصح لأنه بحق ومثل ذلك ما إذا حلف لا يقرب زوجته أربعة أشهر وانقضت من غير أن يعود إليها وامتنع عن الوعد بالعودة فإنه يجبر على الطلاق . وهو إكراه بحق فيقع .
خامسا : أن لا يظهر من المكره نوع اختيار وذلك كما إذا أكره على أن يطلقها ثلاثا . أو طلاقا بائنا فطلقها واحدة . أو اثنتين . أو رجعية فإن الطلاق يقع لأن القرينة دلت على أنه مختار في الجملة فالشرط أن يفعل ما أكره عليه فقط خلافا للمالكية .
سادسها : أن لا ينوي الطلاق إن نواه في قلبه وقع أما التورية فإنها غير لازمة ولو كان يعرف التورية .
هذا ويحصل الإكراه بالتخويف بالمحذور في نظر المكره كالتهديد بالضرب الشديد أو بالحبس أو إتلاف المال وتختلف الشدة باختلاف طبقات الناس وأحوالهم فالوجيه الذي يهدد بالتشهير به والاستهزاء به أمام الملأ يعتبر ذلك في حقه إكراها والشتم في حق رجل ذي مروءة إكراه ومثل ذلك التهديد بقتل الولد أو الفجور به أو الزنا بامرأته . إذ لا شك في أنه إيذاء يلحقه أشد من الضرب والشتم ومثل ذلك التهديد بقتل أبيه أو أحد عصبته وإن علا أو سفل . أو إيذاؤه بجرح وكذلك التهديد بقتل قريب من ذوي أرحامه . أو جرحه . أو فجور به فإنه يعتبر إكراها .
هذا والإكراه الشرعي كغيره لا يلزم به الطلاق فلو حلف ليطأن زوجته الليلة فوجدها حائضا فإنه لا يحنث وكذا لو حلف ليقضين زيدا حقه في هذا الشهر فعجز فإنه لا يحنث كما ذكرناه مفصلا في الجزء الثاني .
الحنابلة - قالوا : طلاق المكره لا يقع بشروط : أحدها أن يكون بغير حق فإذا أكرهه الحاكم على الطلاق بحق فإنه يقع كما إذا طلق على من آلى من زوجته ولم يرجع إليها بعد أربعة أشهر ونحو ذلك .
ثانيها : أن يكون الإكراه بما يؤلم كأن يهدده بما يضره ضررا كثيرا من قتل وقطع يد أو رجل . أو ضرب شديد . أو ضرب يسير لذي مروءة . أو حبس طويل خلافا للمالكية . أو أخذ مال كثير . أو إخراج من ديار . أو تعذيب لولده . بخلاف باقي أقاربه فإن التهديد بإيذائهم ليس إكراها .
ثالثها : أن يكون المهدد قادرا على فعل ما هدد به .
رابعها : أن يغلب على ظن المكره أنه إن لم يطلق يقع الإيذاء الذي هدد به وإلا فلا يكون مكرها .
خامسها : أن يكون عاجزا عن دفعه وعن الهرب منه ومثل ذلك ما إذا أكرهه بالضرب فعلا . أو الخنق . أو عصر الساق . أو غط في الماء ولو بدون تهديد ووعيد فالطلاق لا يلزم في هذه الأحول ) .
( 4 ) ( المالكية - قالوا : في وقوع الطلاق بالكلام النفسي خلاف فبعضهم قال : إنه يقع به الطلاق وبعضهم قال : لا يقع وهو المعتمد ) .
( 5 ) ( الحنفية - قالوا : الإشارة بالطلاق لا تقوم مقام اللفظ من السليم الذي يمكنه أن ينطق فلا يقع الطلاق إلا باللفظ المسموع بخلاف حديث النفس أو الهمس فإنه لا يعتبر أما الأخرس فلا يخلو إما أن يكون ولد وهو أخرس . أو يكون الخرس قد عرض له فإن كان الأول وكانت له إشارة مفهومة يعرف بها طلاقه ونكاحه وبيعه وشراؤه فإنها تعتبر وإن لم تكن له إشارة مفهومة فلا يعتبر له طلاق . وإذا كان يعرف الكتابة فإن طلاقه بالإشارة لا يصح إذ في إمكانه أن يكتب ما يريد فكتابة الأخرس كاللفظ من السليم على المعتمد أما إن كان الخرس طارئا عليه فإن كان لا يرجى برؤه ومضى عليه زمن حتى صارت له أشار مفهومة فإنه يعمل بإشارته وإلا فتقف تصرفاته حتى يبرأ هذا إذا لم يعرف الكتابة وإلا فيعمل بها بلا نزاع .
أما الكتابة فإنها تقوم مقام اللفظ بشرطين : الشرط الأول أن تكون ثابتة بأن يكتب على ورقة أو لوح أو حائط بقلم ومداد كتابة يمكن قراءتها وفهمها فإذا كتب أنت طالق بأصبعه على الماء أو في الهواء أو على فراش أو على لوح بدون مداد فإنها لا تعتبر طلاقا وكذا إذا كتب كتابة ثابتة بمداد على ورق ونحوه ولكنها لا تفهم ولا تقرأ فإنها لا تعتبر طلاقا حتى ولو نوى بها الطلاق .
الشرط الثاني : أن يكتب صيغة الطلاق في كتاب له عنوان كالمعتاد كأن يقول : إلى فلانة أما بعد فأنت طالق . فإذا كتب على هذا الوجه فإن طلاقه يقع بمجرد كتابته سواء نوى الطلاق أو لم ينو لأنه قام مقام اللفظ الصريح فلا يحتاج إلى نية وإذا كتب لها يقول : إلى فلانة أما بعد فإذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق فإنها تطلق بمجرد أن يصل إليها الكتاب سواء قرأته أو لم تقرأه . ويقال للكتاب المعنون الذي صدر على الوجه الذي بيناه مرسوم . فإذا لم يكن الكتاب مرسوما بل كتب في ورقة أنت طالق فإنه لا يقع به الطلاق إلا إذا نوى الطلاق لأنه وإن كتب طلاقا صريحا ولكن يحتمل أن يكون قد كتب ليتسلى بكتابته أو ليجود خطه أو نحو ذلك فلا بد فيه من نية .
والحاصل أن الكتابة تقوم مقام اللفظ بدون نية إذا كانت ثابتة تقرأ وتفهم في كتاب له عنوان كالمعتاد فإن لم تكن ثابتة أو كانت لا تقرأ ولا تفهم فلا يقع بها شيء ثم إن كانت ثابتة تقرأ وتفهم في كتاب معنون يقع بها الطلاق بدون نية وإن كانت في كتاب غير معنون لا يقع بها الطلاق إلا بالنية . ومن هذا يتبين أن ما كتبه بعض الموثقين في وثائق الطلاق من قولهم : حضر فلان وطلق امرأته فلانة كذا ثم يوقع عليه الزوج قبل أن ينطق بصيغة الطلاق فإنه لا يقع عليه به طلاق إلا إذا نوى به الطلاق لأنه ليس في كتاب معنون . وإذا كتب كتابا معنونا وقال لها فيه : أنت طالق وادعى أنه يقصد بالكتابة تجويد الخط ولا ينوي الطلاق فإنه لا يصدق قضاء ولكن يصدق ديانة وإذا أرسل لها الكتاب ووقع في يد أبيها ولم يعطه لها فإن كان أبوها متصرفا في جميع أمورها فإنه يقع وإلا فلا . وإذا مزقه ودفعه إليها ممزقا فإن كان يمكن قراءته وفهمه فإنه يقع وإلا فلا .
وكل كتاب لم يكتبه بخطه أو يمله على الغير فإنه لا يقع به الطلاق ما لم يقر بأنه كتابه فإذا قال لشخص : اكتب طلاق امرأتي وابعث به إليها فإنه يكون إقرارا بالطلاق وسواء كتب أو لم يكتب كان طلاق امرأته واقعا وإذا كتب شخص وقرأ عليه الكتاب فأخذه ووقع عليه وأرسله إليها فإنها تطلق إذا كان معنونا ولم ينكر أنه كتابه فإذا أنكر ولم تقم بينة على أنه كتابه فلا تطلق لا قضاء ولا ديانة وإذا كتب امرأتي فلانة طالق وقال : إن شاء الله بدون أن يكتبها فإنها لا تطلق وبالعكس فإذا قال : امرأتي طالق وكتب إن شاء الله فإنها لا تطلق أيضا .
المالكية - قالوا : الإشارة المفهمة الدالة على الطلاق تقوم مقام اللفظ من الأخرس ومن السليم القادر على النطق على المعتمد ثم إن حصلت الإشارة من الأخرس تكون كالطلاق الصريح وإن حصلت من القادر على النطق تكون كالكتابة وذلك لأن إشارة الأخرس لا يستطيع أن يعبر بما هو أدل منها على مراده فهي نهاية ما يفصح به عن رأيه أما القادر على الكلام فإنه يمكنه أن يعبر بالعبارة التي هي أصرح من الإشارة فتكون الإشارة كالكتابة بالنسبة للصريح فإن لم تقترن بها قرينة يقطع من عاينها أنها دالة على الطلاق وإن لم تفهمها الزوجة لبلادتها فإنها لا تعتبر طلاقا ولو قصد بها الطلاق لأنها تكون في حكم الفعل لا يقع به الطلاق نعم إذا جرى العرف بأن هذه الإشارة طلاق فإنها تعتبر طلاقا .
أما كتابة الطلاق فإنها على ثلاث حالات : .
الحالة الأولى : أن يكتب الطلاق وهو ينويه .
الحالة الثانية : أن يكتبه بدون أن تكون له نية وفي هاتين الحالتين يلزم الطلاق الذي كتبه بمجرد كتابته .
الحالة الثالثة : أن يكتبه على أنه بالخيار بين أن ينفذه . أو لا ينفذه وفي هذه الحالة يكون الخيار له ما دام في يده فإن خرج من يده بأن بعثه إليها فإن نوى وقت إخراجه طلاقها أو لم ينو شيئا فإنه يقع طلاقه سواء أو صلها أم لم يصلها . لأنه وإن كان وقت كتابته مترددا بين الطلاق وعدمه لكنه وقت خروجه من يده نوى الطلاق أو لم ينو شيئا فكان في حكم الذي نوى وقت الكتابة أو لم ينو . أما إذا كان مترددا وقت خروجه أيضا فإن طلاقه لا يقع إلا إذا وصل إليها وهل له أن يرد الكتاب بعد خروجه من يده أو لا ؟ خلاف والتحقيق أن له أن يرده .
والحاصل أن الطلاق يقع بمجرد كتابته إذا نوى الطلاق أو لم ينو شيئا . سواء خرج الكتاب من تحت يده أو لم يخرج . وسواء وصل إلى الزوجة أو وليها أو لم يصل أما إذا كتبه وهو متردد في أمره بمعنى أنه ينوي أن يكون له الخيار في إنفاذه أو لا أو يستشير أباه أو غيره فإنه لا يقع عليه الطلاق ما دام الكتاب في يده فإذا خرج من يده فلا يخلو إما أن ينوي عند خروجه طلاقها أو لم ينو شيئا . وفي هاتين الصورتين تطلق وإن لم يصلها الكتاب أما إذا خرج من تحت يده وهو متردد في الأمر فإنها لا تطلق إذا وصل إليها الكتاب .
هذا وإذا كتب إليها : إن وصلك كتابي فأنت طالق فإنها تطلق عند وصول الكتاب إليها باتفاق فإن وصل إليها وهي حائض طلقت ويجبر على رجعتها على الوجه المتقدم في الطلاق البدعي وهذا بخلاف ما إذا كتب إليها إذا وصلك كتابي فأنت طالق بإبدال لفظ " إن " بلفظ " إذا " فإن في ذلك خلافا فبعضهم يقول : إن تحتمل الشرط وتحتمل الظرفية فتطلق بمجرد كتابته بخلاف إذا فإنها لمجرد الشرط فلا تطلق إلا إذا وصل إليها وبعضهم يقول لا فرق بين " إذا " و " إن " فلا تطلق إلا إذا وصل إليها الكتاب في الحالتين .
الشافعية - قالوا : الإشارة لا يقع بها الطلاق من القادر على الكلام بأي وجه وعلى أي حال كما لا يقع بالنية ولا بالكلام النفسي بل لا بد من التلفظ به ولا بد من أن يسمع به نفسه في حالة الاعتدال فلو فرض وتكلم به وكان سمعه ثقيلا أو كان بحضرته لغط كثير فلا بد من أن يرفع به صوته بحيث لو كان معتدل السمع لسمع بهذا الصوت فلا يقع بتحريك اللسان من غير أن يسمع نفسه فإذا قالت له المرأة : طلقني فأشار إليها بأصابعه الثلاثة أو أشار إليها بيده أن اذهبي أو قطع خيطا بيده أو نحو ذلك فإنه لا يعتبر وذلك لأن عدوله عن اللفظ إلى الإشارة يفهم منه أنه غير قاصد الطلاق فلا يعتبر حتى ولو قصد بها الطلاق وذلك لأنها لا تقصد للإبهام إلا نادرا فلا تعتبر إلا في ثلاثة أمور وإحداها : الإفتاء فإذا قيل للعالم : أيحل أكل الأرنب ؟ فأشار برأسه نعم فإنها تكون فتوى يصح نقلها عنه وهكذا .
ثانيها : الإذن بالدخول فلو استأذنت أن تدخل دارا فأذنك سيدها بإشارته فإنها تصح .
ثالثها : أمان الحربي فإذا أمنه بإشارته لزم الأمان .
أما إشارة الأخرس فإنها تعتبر في الطلاق وغيره من العقود سواء كان خرسه عارضا أو ولد وهو أخرس إلا إذا اعتقل لسانه وكان يرجى برؤه بعد ثلاثة أيام فإنه يجب أن ينتظر حتى يبرأ ولا يعمل بإشارته إلا للضرورة كما إذا كان الحاكم قضى باللعان بينه وبين امرأته وقت خرسه فإن اللعان يصح بإشارته بشرط أن تكون مفهومة ثم إن كانت واضحة بحيث يفهمها كل أحد كانت بمنزلة اللفظ الصريح وإن كانت دقيقة لا يفهمها إلا النبهاء كانت بمنزلة الكتابة أما إذا لم يفهمها أحد فإنها لا يعتد بها أصلا .
هذا ويعمل بإشارة الأخرس المفهومة ولو كان يعرف الكتابة وبعضهم يقول : إذا كان يعرف الكتابة فإنه يمكنه أن يدل على غرضه بالكتابة من غير ضرورة للإشارة ولكن هذا وإن كان حسنا لكنه يدل على أن إشارته تلغى إذا كان يعرف الكتابة فلو تعاقد على بيع أو طلق بالإشارة فإنها تعتبر حتما ولكن الأولى أن يعزز غرضه بالكتابة فمثل الإشارة من الأخرس الذي يعرف الكتابة كالعبارة من القادر الذي يعرفها إذ المفروض في الإشارة أنها مفهومة كاللفظ وبذلك تعلم أن ما نقله الحنفية عن بعض الشافعية بأن إشارة الأخرس الذي يعرف الكتابة لا تعتبر غير ظاهر .
( يتبع . . . )