يثبت الرضاع إما بالشهود وإما بإقرار الزوجين : أو أحدهما على تفصيل في المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : الرضاع كالمال يثبت بالشهود العدول . وبالإقرار فأما الشهود فيشترط أن يشهد رجلان عدلان . أو رجل وامرأتان عدول فلا يكفي في إثبات الرضاع خبر العدل الواحد سواء كان رجلا أو امرأة كما لا يكفي إخبار غير العدول وكذا لا يكفي إخبار أربع نسوة عدول بل لا بد أن يكون في الشهادة رجل ثم إن الشهود إن شهدوا بين يدي الزوجين بأن بينهما رضاعا وجب عليهما أن يفترقا بالفسخ فإن لم يفعلا وجب على القاضي أن يفرق بينهما وبعد تريق القاضي يرتفع النكاح بينهما فلو وطئها بعده كان زانيا عليه الحد وهذا معنى قولهم : لا تقع الفرقة في الرضاع إلا بتفريق القاضي أي فلو وطئها قبل ذلك وقبل المتاركة وهو فسخ العقد منهما فلا حد عليهما .
وإذا أخبر الشهود العدول المرأة وحدها وكان زوجها غائبا أو مسافرا ثم حضر فإنه عليها أن تفارقه ولا تمكنه من نفسها قبل فسخ العقد منهما . أو من القاضي كما لا يحل لها أن تتزوج بغيره قبل ذلك على المعتمد وكذا إذا خبر الزوج وحده فإنه يجب عليه مفارقتها ويأثم بوطئها كما ذكرنا .
أم الشهادة بين يدي القاضي بالرضاع فإنه لا يلزم لها دعوى المرأة بل يثبت حسبة لأن دعوى الرضاع تتضمن حرمة فرج . وحرمة الفروج حق الله تعالى . كما في الشهادة بالطلاق .
فإذا أخبرتهما امرأة عدلة واحدة بأنها أرضعتهما من ثديها فذلك الإخبار على أربعة أوجه : .
الوجه الأول : أن يصدقاها معا وفي هذه الحالة يفسد النكاح ويجب عليهما أن يتفرقا بالقول بعد الدخول أما قبل الدخول فإنه تكفي المفارقة بالأبدان ولا تستحق قبله مهرا وإن لم يتفرقا فإنه يجب على القاضي أن يفرق بينهما وذلك لأن تصديقهما بخبرهما إقرار له فكأنهما بهذا قد اعترفا بفساد العقد بينهما .
الوجه الثاني : أن يكذباها معا وفي هذه الحالة لا يفسد النكاح ولا يجب عليهما أن يفترقا ولكن الأحوط أن يفترقا ثم إن كان ذلك قبل الدخول فإن الزوج لا يلزم بالمهر ولكن الأفضل أن يدفع لها نصف المهر والأفضل لها أن تأخذ منه شيئا وإن كان بعد الدخول فإنه يلزم بالأقل من المسمى ومن مهر المثل ولا يلزم بنفقة العدة والسكنى ولكن الأفضل له أن يعطيها المسمى ولو كان أكثر وأن يعطيها النفقة والسكنى والأفضل لها أن لا تقبل إلا مهر المثل إن كان أقل من المسمى ولا تقبل النفقة والسكنى فإذا لم يفعلا وأرادا البقاء على الزوجية فإنه يصح مع مخالفة الأحوط .
الوجه الثالث : أن يصدقها الزوج وتكذبها المرأة وفي هذه الحالة يفسد العقد ويبقى المهر على الزوج بحاله سواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده لأن الفرقة تكون من قبله .
الوجه الرابع : العكس بأن تصدقها الزوجة ويكذبها الزوج وفي هذه الحالة لا يفسد النكاح ولكن للزوجة الحق في تحليفه اليمين فإن نكل فرق القاضي بينهما .
هذا إذا كانت المخبرة الواحدة عدلة فإن كانت غير عدلة فإن اخبارها لا قيمة له ومثل شهادة العدلة الواحدة شهادة رجل وامرأة واحدة أو شهادة رجل وامرأتين غير عدل فإنها تكون على التفصيل المتقدم . فإن صدق الزوجان شهادتهم أو صدقها الزوج فقط فسد النكاح . وإلا أورث شكا يجعل الحيطة في المفارقة .
هذا ما يتعلق بالشهود . أما الإقرار فلا يخلو إما أن يقع من الزوج وحده أو من الزوجة وحدها . أو منهما معا فإن وقع من الزوج وحده فإنه يعمل به ما لم يرجع عنه ويقبل رجوعه إذا لم يؤكد ومعنى تأكيده إياه أن يقول إن ما قلته من أنها أختي من الرضاع مثلا حق أو مؤكد أو ثابت أو يقول : إن ما أقررت به ثابت أما إذا لم يقل هذه العبارة ثم رجع وقال إن ما أقررت به أو قلته خطأ فإنه يصح رجوعه وتبقى الزوجية بينهما ولو كرر الإقرار فإن تكرار لا يؤكد بل تأكيده يكون بالعبارة التي ذكرناها .
وإن وقع الإقرار من الزوجة وحدها كأن قالت : إنني أخته من الرضاع فإن إقرارها لا يعتبر سواء أقرت قبل العقد أو بعده وسواء أصرت على الإقرار أو رجعت عنه وسواء أكدته أو لم تؤكده وذلك لأن الحرمة لم يجعلها الشارع لها فلا يعتبر إقرارها بالحرمة ولو أصرت عليه على المعتمد .
ومثل ذلك ما إذا أقرت وحدها بأن زوجها طلقها ثلاثا فإن إقرارها لا يعتبر لأن حرمتها بالطلاق ليست منوطة بها فإقرارها به لا يعتبر فلها أن تعاشره إذا أنكر أما إذا وقع الإقرار منهما معا فإن وقع من الزوج مؤكدا على الوجه السابق فإنه ينفذ ولو رجعا معا عن الإقرار وإلا فإن رجوعهما يصح ومثله رجوع الزوج وحده كما عرفت .
المالكية - قالوا : يثبت الرضاع بالإقرار والبينة فإذا أقر الزوجان بالرضاع سواء كانا أخوين رضاعا أو كانت المرضعة أمه أو عمته أو خالته أو نحو ذلك مما تقدم فإن النكاح يفسخ بينهما سواء كان ذلك الإقرار قبل الدخول أو بعده .
وإذ أقرت الزوجة بالرضاع وأنكر الزوج فإن إقرارها لا يعتبر لأنها متهمة في ذلك الإقرار منه فإن أقرت بذلك قبل الدخول فطلقها الزوج قبل أن يدخل فلا مهر لها لأنها أقرت بفساد العقد فلا تستحق المهر ومثل ذلك ما إذا أقرت بالرضاع ثم ماتت فإنها لا تستحق المهر أيضا فإن موتها في هذه الحالة لا يؤكد صداقها لسبب إقرارها بفساد العقد قبل الموت .
أما إذا أقر الزوج وحده فأنكرت هي فإنه يؤخذ بإقراره لأنه لا يتهم الرضاع حيلة للخلاص منها لأن طلاقها بيده وإنما يتهم في أنه ادعى ذلك ليفر من الصداق قل الدخول ولهذا لا يسقط عنه المهر إذا ادعى الرضاع بل يفسخ النكاح ولها نصف الصداق .
وإذا جاء أحد الزوجين ببينه شهدت على إقرار أحدهما بالرضاع قبل العقد ولم يعلم بذلك إلا بعد العقد . فإن البينة تسمع ويعمل بها حتى ولو شهدت بينة حسبة لو أقامها أجنبي فإنه تسمع لا فرق في ذلك بين أن تكون البينة قد شهدت على إقرار الزوجة قبل العقد أو على إقرار الزوج أما الإقرار بعد العقد فإنك قد عرفت أنه لا يعتبر إلا من الزوج فلا يعتبر إقرار الزوجة لا تهامها بعد العقد أما قبل العقد فإنه لا يتصور اتهامها بالا قرار للخلاص من زوجها فإنها لم ترتبط به وقت الإقرار .
ثم إن فسخ العقد بإقرارها معا بعد الدخول كان للزوجة الصداق المسمى أو مهر المثل عند عدم تسمية المهر أو تسمية المهر الفاسد إلا إذا كانت المرأة عالمة بالرضاع قبل العقد وأنكر الزوج العلم به عند العقد بل قال علمت بعده فإنها في الحالة لا تستحق بالدخول إلا أقل الصداق وهو ربع دينار - لئلا يخلو البضع عن الصداق بالوطء أما إذا فسخ ببينة على إقرارهما قبل العقد بالرضاع فإنه لا يتصور في هذه الحالة علم الزوجة بالرضاع دونه فتستحق المهر بالدخول كاملا إن كان مسمى وإلا فمهر المثل وكذا إن شهدت البينة على إقرار الزوج فإنه لا يتصور أن يكون جاهلا به عند العقد في هذه الحالة أما إذا قامت بينة على إقرارها قبل العقد دونه وأنكر العلم بذلك فعليه أقل المهر بالدخول .
والحاصل أنه في حالة ما إذا كان يتصور عدم علم الزوج عند العقد وأنكر العلم لم يكن للزوجة بالدخول سوى ربع دينار أما إذا كان لا يتصور عدم علمه أو لم ينكر العلم فإنه يكون لها كل المهر على الوجه المتقدم .
ويلحق بإقرار الزوجين أو أحدهما إقرار الأبوين عن الصغير الذي يزوج بدون إذنه أو البالغة البكر لأنها تزوج بدون إذنها فإذا أقر والد الصغير أو والد البكر بأن بين ولده أو بنته وبين فلان رضاعا قبل العقد عليها فإن العقد يفسخ ومن باب أولى إذا أقر الأبوان معا قبل العقد أما إقرار أحد الأبوين بعد العقد فإنه لا يقبل إلا إذا كانا عدلين أو فشا منهما خبر الرضاع بين الناس قبل العقد والمراد بالأبوين : أب الزوج وأمه . أو أب الزوج وأب الزوجة أو أب أحدهما وأم الآخر . أما إقرار أميهما معا فإنه لا ينفع إلا إذا فشا بين الناس ولو كان إقرارهما قبل العقد . كما سيأتي في إخبار المرأتين الأجنبيتين .
وهل يصح الرجوع عن الإقرار في الرضاع أولا ؟ أما إقرار الزوجين فلا يصح لهما الرجوع فيه وكذا إقرار الأب فإنه لا يصح له الرجوع بحيث لو قال : إنما قلت ذلك للاعتذار من الزوج فإنه لا ينفع ولا تحل له بعد قبول إقراره إلا إذا قامت قرينة على صدقه فإن بعضهم قد استظهر العمل بها أما إقرار الأم فإنها إذا رجعت فيه وقالت إنها ادعت ذلك للاعتذار فإنه ينظر هل نقل عنها ذلك قبل إرادة الزواج وفشا بين الناس أو لا ؟ فإن كان قد فشا قبل ذلك فلا يصح رجوعها ولا اعتذارها وإلا فإنه يصح رجوعها ولكن يستحب التنزه عن الزواج بعد ذلك .
هذا ما يتعلق بالإقرار أما الشهادة في الرضاع فإنها تقبل من رجلين أو من امرأتين أو رجل وامرأة فإما شهادة الرجلين فإنه يشترط فيها العدالة فقط فإن كانا غير عدلين فإن شهادتهما لا تقبل إلا إذا فشا خبر الرضاع منهما قبل العقد بين الناس وأما شهادة المرأتين فإنها تقبل بشرط أن يفشو خبر الرضاع منهما بين الناس قبل العقد وإن لم تكونا عدلتين فإن كانتا عدلتين ولم يفش فلا تقبل على المشهور ومثل ذلك ما إذا شهد رجل مع امرأة واحدة فإن شهادتهما لا تكفي إلا إذا فشا خبر الرضاع قبل العقد فإن فشا تقبل وإن لم يكونا عدلين أما خبر المرأة الواحدة الأجنبية فإن الرضاع لا يثبت له ولو فشا ذلك منها قبل العقد .
هذا وإذا أخبر بالرضاع شاهد لا يجب الفراق بشهادته كما إذا أخبرت امرأة أجنبية أو رجل واحد ولو كان عدلا أو أخبر رجلان غير عدلين الخ فإنه يندب للزوج أن يطلق زوجته إن كان قد عقد عليها وألا يقدم على زواجها إن لم يكن قد عقد احتياطا .
الشافعية - قالوا : يثبت الرضاع بالإقرار وبشهادة الشهود فأما الإقرار فلا يخلو إما أن يكون صادرا من الزوجين . أو يكون صادرا من الزوج . أو من المرأة فقط فإن كان صادرا من الزوجين فرق بينهما ثم إن حصلت الفرقة بعد أن وطئها برضاها فلا شيء لها . كما لو حصلت قبل الوطء أما إذا وطئها مكرهة أو جاهلة فإن لها مهر المثل .
وإن أقر الزوج وأنكرت الزوجة فإنه يعامل بإقراره فيفسخ نكاحهما وللزوج تحليفها بأنها لم تعلم برضاعهما فإن حلفت وكان الفسخ بعد الوطء فلها مهرها المسمى إن كان لها مهر مسمى تسمية صحيحة . وإلا كان لها مهر المثل وإن كان الفسخ قبل الوطء كان لها نصف المسمى . أو نصف مهر المثل عند عدم التسمية وإن نكلت عن الحلف حلف الزوج على إثبات نفس الدعوى فيحلف بأنها أخته من الرضاع أو بنته أو عمته أو ربيبته أو غير ذلك فإن حلف كان لها مهر المثل فقط بعد الوطء ولا شيء لها قبله .
ومن هذا يتضح أن الزوج لا يحلف في حالة إقراره لإثبات دعواه في ذاتها لأنك قد عرفت أن إقراره يوجب فسخ العقد بينهما بدون حاجة إلى يمين وإنما يحلف لاثباتها من حيث يترتب على ذلك من مهر المثل أو المهر المسمى بعد الوطء ونصفه أو عدمه قبله فإن حلفت هي كان لها المسمى بعد الوطء ونصفه قبله وإن نكلت وحلف هو كان لها مهر المثل بعد الوطء ولا شيء لها قبله أما الفسخ فلا بد منه سواء حلفا أو نكلا ويتضح أيضا أن المدعي يحلف على إثبات نفس الدعوى بخلاف المنكر فإنه يحلف على نفي العلم بها .
وإذا أقرت الزوجة بالرضاع فأنكره الزوج فإن في ذلك أربع صور : .
الصورة الأولى : أن تكون قد تزوجته برضاها بأن تقول لوليها : زوجني من فلان بعينه وحكم هذه الصورة أن الزوج يحلف على نفي العلم بالرضاع لأنه منكر وهي مدعية ويستمر النكاح بينهما وذلك لأنه رضاها به يناقض دعوى الرضاع الصادرة منها فيحلف هو لا هي .
الصورة الثانية : أن تمكنه من نفسها وإن لم تعينه لوليها وحكم هذه الصورة كالتي قبلها فإن لم يحلف الزوج فسخ العقد وكان لها مهر المثل بعد الوطء بغير رضاها ولا شيء لها قبل الوطء أو الوطء برضاها كما تقدم .
الصورة الثالثة : أن يزوجها وليها المجبر بدون إذنها ولم تمكنه من نفسها وفي هذه الصورة تحلف هي بأنهما رضعا معا لأنها مدعية فتحلف بإثبات نفس الدعوى وتصدق بفسخ العقد وحكم مهرها هو المتقدم في الصورة التي قبلها .
الصورة الرابعة : أن تأذن وليها بدون أن تعين له أحدا ولم تمكنه من نفسها وحكم هذه الصورة كحكم الصورة الثالثة .
وحاصل ذلك أنها إذا أذنت وليها بأن يزوجها شخصا بعينه ومكنته من نفسها وحلف الزوج استمر النكاح وإن لم تأذنه أو أذنته ولم تعين ولم تمكنه من نفسها في الحالتين حلفت هي وإذا فسخ عقدها كان لها المهر بالتفصيل المتقدم ثم إذا فسخ عقدها وهو يعلم أنها كاذبة كان من الاحتياط أن يطلقها ورعا لأنها كانت تحل لغيره بفسخ العقد ولكن الورع يقتضي التيقن ومثل ذلك ما إذا بقيت معه بعد حلفه فإن الورع يقضي عليه بطلاقها احتياطا .
ويشترط في قبول إقرار الزوجين بالرضاع أن يكون ممكنا فلو قال لزوجته : أنت بنتي من الرضاع وكانت أكبر منه سنا فإن إقراره يكون كاذبا لا قيمة له .
هذا ما يتعلق بالإقرار وأما الشهادة فإن الرضاع يثبت بشهادة الرجال والنساء فيثبت بشهادة رجلين . وبرجل وامرأتين . وبأربع نسوة وإن لم يوجد بينهن رجل أما الإقرار بالرضاع فإنه لا يثبت إلا بشهادة رجلين فإذا أقر أحد الزوجين بالرضاع بحضرة رجلين وشهدا على إقراره فإن شهادتهما تقبل أما شهادة النساء على الإقرار فإنها لا تقبل والفرق بين الحالتين أن الرضاع لا تطلع عليه إلا النساء غالبا بخلاف الإقرار وتقبل شهادة المرضعة بشرط أن تطلب أجرة على رضاعتها لأنها غير متهمة . ولا تصح الشهادة على الرضاع إلا بشروط : .
أحدها : أن يذكر الشاهد وقت الرضاع بأن يقول : رضع في وقت كذا فإن لم يذكره بطلت الشهادة لجواز أن تكون الرضاعة قد حصلت بعد الحولين . أو أرضعته وهي دون تسع سنين .
( يتبع . . . )