- إذا ارتد أحد الزوجين عن دينه أو ارتدا معا . فإنه يتعلق بذلك أمور : أحدها هل يفسخ عقد الزواج بينهما إذا ارتد أحدها . أو ارتدا معا ؟ ثانيها : هل ارتداد الزوج كارتداد المرأة في الفسخ أو لا ؟ ثالثها : هل يكون الفسخ طلاقا بهدم عدد الطلقات الثلاث أو لا ؟ رابعها : هل يرث المرتد من الآخر أو لا ؟ وما حكم تصرفه في حال ردته خامسها : ما حكم مهر المرأة وعدتها فيما إذا ارتد هو أو هي ؟ سادسها : ما عقاب المرتد منهما ؟ سابعها : ما هي الأقوال أو الأعمال التي توجب الكفر والردة ؟ .
أما الجواب عن هذه الأسئلة فتراه مفصلا في المذاهب تحت الخط الموضوع أمامك ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : أما الجواب عن الأول فإنه إذا ارتد الزوج عن دينه بانت منه زوجته في الحال لأنه لا يحل للكافر أن يستولي على المسلمة بحال من الأحول ويفرق بينهما عاجلا بدون قضاء أما إذا ارتدت الزوجة وحدها فإن في ذلك أقوالا ثلاثة .
القول الأول : أن ردتها تكون فسخا للنكاح وتعزر بالضرب كل ثلاثة أيام بحسب حالها وما يراه الإمام زاجرا لها وتجبر الإسلام بالحبس إلى أن تسلم أو تموت وهي محبوسة وإذا أسلمت تمنع من التزوج بغير زوجها بل تجبر على تجديد النكاح بمهر يسير رضيت أو لم ترض فلكل قاض أن يجدد نكاحها على زوجها ولو نصف جنيه متى طلب الزوج ذلك أما إذا سكت أو تركها صريحا فإنها تزوج بغيره حينئذ وهذا العمل بالتعزير والإجبار على الإسلام وتجديد النكاح فإن تعذر ذلك سقط العمل به .
القول الثاني : أن ردة المرأة لا توجب فسخ النكاح مطلقا خصوصا إذا تعمدت الردة لتتخلص من زوجها وعلى ذلك فلا فسخ ولا تجديد للنكاح وهذا هو الذي أفتى به علماء بلخ وهو الذي يجب العمل به في زماننا فلا يصح للقاضي أن يحيد عنه .
القول الثالث : أن المرأة إذا ارتدت تصير رقيقة مملوكة للمسلمين فيشتريها زوجها من الحاكم وإن كان مصرفا يستحقا صرفها له بدون ثمن ولا تعود حرة إلا بالعتق فلو أسلمت ثانيا لا تعود حرة ومتى استولى عليها الزوج بعد ذلك ملكها فله بيعها ما لم تكن قد ولدت منه . وهذا فيه زجر شديد للمرأة عن الردة على أن العمل به غير ممكن اللهم إلا في البلد التي لا يزال بها الرق موجودا أما إذا ارتدا معا بحيث سجدا للضم معا في آن واحد أو سبق أحدهما الآخر بكلمة الكفر ولكن لم يعلم السابق فإن نكاحهما يبقى ولا يفسخ فإذا أسلما معا دفعة واحدة بقي النكاح بينهما كذلك أما إذا أسلم أحدهما قبل الآخر فسد النكاح .
أما الجواب عن السؤال الثاني فهو أن أبا حنيفة يقول : إن الفرقة بينهما لا تكون طلاقا بل هي فسخ لا يهدم شيئا من عدد الطلاق فإذا ارتد الزوج ثم تاب وجدد النكاح عليها لم ينقص ذلك شيئا مما له من الطلاق وكذا إذا ارتد ثانيا وجدد النكاح ثم ارتد ثالثا فإن له أن يجدد نكاحها بدون محلل ولا يقال له : إنك قد طلقتها ثلاثا بردتك ثلاث مرات فلا تحل له حتى تنكح زوجا آخر وهذا بخلاف ما إذا أسلمت زوجته ثم عرض عليه الإسلام فأبى فإن إباءه الإسلام يعتبر طلاقا عند أبي حنيفة كما تقدم ومحمد يرى أن لا فرق بين الحالتين فالفسخ فيهما يكون طلاقا وأبو يوسف يرى أن الفسخ في الأمرين ليس بطلاق .
ووجهة نظر أبي حنيفة أن الطلاق يتضمن الزوجية فإنه لا يقع إلا على زوجة أما الردة فإنها تنافي الزوجية بطبيعتها فلا يمكن أن تجعل طلاقا يتضمن زوجية بحال بخلاف إباء الزوج عن الإسلام فإنه ليس فيه خروج عن دين الإسلام فحل محل طلاق المرأة التي أسلمت .
هذا وإذا ارتدت المرأة ثم طلقها زوجها وهي في العدة وقع الطلاق فإذا طلقها ثلاثا وهي في العدة فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وذلك لأن تحريمها بالردة لم يكن على التأبيد ألا ترى أنه يرتفع بالإسلام ؟ فمتى كانت في العدة كانت علاقتها به قائمة ولكن يشترط لوقوع الطلاق أن لا تلحق بدار الحرب فإذا لحقت بدار الحرب فطلقها زوجها ثم عادت مسلمة قبل الحيض . فعنده يقع وعندها لا يقع أما الزوج إذا ارتد ولحق بدار الحرب وطلق فإن طلاقه لا يقع وإذا عاد وهو مسلم ثم طلقها قبل أن تنقضي عدتها فإنه يقع .
أما الجواب عن الثالث فإنه إذا ارتد الزوج وورثته المرأة بشرط أن تكون في العدة بلا فرق بين أن تكون ردته في حال مرضه أو صحته فمتى مات الزوج بعد ردته أو لحق بدار الحرب قبل انقضاء عدتها فإنها ترثه أما إذا ارتدت في حال صحتها ثم ماتت . أو لحقت بدار الحرب قبل انقضاء عدتها فإن الزوج لا يرثها وإذا ارتدت في حال مرضها ثم ماتت أو لحقت بدار الحرب فإنه يرثها والفرق بين الزوج والزوجة في ذلك أن الزوج جزاؤه على ردته أن يعدم إن لم يتب فكأنه وهو في صحته مريض مرضا يفضي إلى الموت لا محالة فيكون بمنزلة الرجل الذي يطلق زوجته وهو في مرض الموت فرارا من أن ترثه فلا يسقط طلاقها في هذه الحالة حقها من الميراث أما المرأة فلا تجزى على الردة بإعدام إن امتنعت عن العودة إلى الإسلام كما عرفت من أن جزاءها الحبس فلا تكون في حال صحتها فارة بالردة من ميراث الرجل .
واعلم أن أموال المرتد لا تكون مملوكة له حال ردته ملكا تاما بل ملكا موقوفا حتى إذا أسلم عاد له ملكه التام كما كان قبل الردة بلا خلاف أما إذا لم يسلم بأن قتل أو مات أو لحق بدار الحرب فإن ملكه يزول عن أمواله زوالا تاما وعلى هذا لا ينفذ تصرفه فيها بالبيع أو الشراء أو الهبة أو غير ذلك قبل إسلامه وهذا هو الصحيح وغيره يرى أن ملكه لا يزول عن ماله إلا بأحد الثلاث المذكورة من القتل أو الموت أو اللحوق فإذا تصرف قبل ذلك في كل ما فيه مبادلة مال بمال فإن تصرفه ينفذ كما سيأتي قريبا .
ثم إذا مات أو قتل أو لحق بدار الحرب انتقل ماله لورثته المسلمين ويعتبر إسلامهم عند القتل أو الموت أو اللحوق بدار الحرب فلو كان له ولد بالغ ارتد معه ولكنه أسلم في الأيام الثلاثة المضروبة مهلة للمرتد وبقي مسلما عند قتل والده أو لحوقه بدار الحرب فإنه يرث ومثل ذلك ما إذا وطئ أمة مملوكة له بعد ردته فحملت منه بولد فإن ذلك الولد يرث لأنه كان مسلما تبعا لأمه المسلمة وهذا هو الأصح وبعضهم يقول إنه يلزم أن يكون مسلما وقت الردة فلو ارتد معه ولده الكبير ثم أسلم قبل قتل أبيه فإنه لا يرث ولكن هذا ضعيف . وليس لورثته حق إلا في المال الذي كسبه وهو مسلم . فيقتسمونه بينهم حسب الفريضة الشرعية ومنهم الزوجة بعد أن يقضوا منه الدين الذي استدانه بعد ردته وذلك لأنه لا ملك له حال ردته ثم إن تصرف المرتد قبل إسلامه منه ما ينفذ باتفاق . ومنه ما لا ينفذ باتفاق ومنه ما يوقف باتفاق ومنه ما هو مختلف في توقفه بين الإمام وصاحبيه فأما الذي ينفذ باتفاق فهو خمسة : .
أحدها : الطلاق في العدة لما مر قريبا . ثانيها : قبول الهبة ثالثها : تسليم الشفعة فإذا طالبه أحد بحقه في الشفعة وسلم فيه فإنه يصح وهل له أن يأخذ هو شيئا بالشفعة بعد ردته وقبل أن يسلم ؟ فقال أبو حنيفة : إنه ليس له الحق ما لم يسلم ويطلب فإذا لم يسلم ولم يطلب بطل حقه وقال غيره إن له الحق في الشفعة . رابعها : الحجر على عبده المأذون فلو كان له عبد أذنه بتجارة ونحوها فله حق الحجر عليه أثناء ردته . خامسها : الاستيلاء أي ادعاء ولد الجارية فإذا جاءت بولد حال ردته وادعاه ثبت نسبه منه ويرث الولد مع ورثته وتصير أمه أم ولد .
وأما الذي يبطل باتفاق فهو خمسة أشياء أيضا - وهي الأمور التي تتوقف على التدين بدين ولو لم يكن سماويا كالمجوسية وغيرها .
الأمر الأول : النكاح فيبطل نكاح المرتد مطلقا لأن النكاح إما بين مسلمين . أو بين مسلم وكتابي أو بين كتابيين أو وثنيين والمرتد لا دين له حتى ولو انتقل إلى دين الكتابيين لأنه لا يقر عليه فلا يعتبر ولا يخفى أن الوثني له دين وإن لم يكن له كتاب فلو تزوج المرتد أو المرتدة وقع العقد باطلا ثانيها : الذبح فذبيحة المرتد لا تؤكل . ثالثها : الصيد فلو اصطاد المرتد كان صيده ميتة . رابعها : الشهادة فلا تقبل شهادة المرتد ولا تصح . خامسها : الإرث فلا يرث المرتد بعد ردته ولا يورث عنه مال كسبه بعد ردته أما المال الذي كسبه حال إسلامه فإنه يورث عنه كما مر قريبا .
وأما الذي يقع موقوفا باتفاق فهو أمران : شركة المفاوضة . والتصرف على ولده الصغير فإذا عقد المرتد مع المسلم عقد شركة مفاوضة في حال ردته وقع موقوفا فإذا أسلم نفذ وإذا هلك بطل وأما المختلف في توقفه فهو كل ما كان مبادلة مال بمال كالبيع بجميع أنواعه ومنه الصرف والسلم والعتق والتدبير والكتابة والهبة والإجارة والوصية فإن أسلم نفذ كل ذلك باتفاق وإن هلك أو لحف بدار الحرب بطل عند أبي حنيفة ونفذ عندهما لأن حقه في تصرفه في ملكه لا يبطل إلا عند هلاكه كما تقدم .
وبقيت أشياء لم ينصوا عليها وهي ما إذا أعطي الأمان لحربي فإنه لا ينفذ لأن أمان الذمي لا ينفذ فمثله الحربي من باب أولى وكذلك لا يكون من العاقلة فلا يعين في دية ولا يعان فيها لأن ذلك معناه التناصر بين القوم والمرتد لا تناصر بينه وبين المسلمين فلا ينصر ولا ينصر أما إذا أودع المرتد وديعة عند أحد أو استودعه أحد وديعة فإنه يصح وكذا إذا التقط شيئا أو التقط أحد لقطته فإنه تجري عليه أحكامها .
فإذا لحق بدار الحرب ثم عاد مسلما ووجد ماله باقيا مع ورثته كان له الحق في أخذه منهم بالرضا أو القضاء بشرط أن يكون ذلك المال قائما بيد الورثة أما إذا خرج عن ملكهم ببيع ونحوه فإنه قد ضاع عليه فلا حق له فيه أما الذي أخذ منه لبيت مال المسلمين وهو الذي كسبه في حال ردته فإن لا حق له فيه على أي حال على أنه إذا لم يكن له وارث وأخذ بيت المال ما كسبه في زمن إسلامه ثم حضر فإن له الحق فيه لأنه لم يكن فيئا للمسلمين لما عرفت من أن الفيء مقصور على المال الذي كسبه في أيام ردته فقط .
وأما الجواب عن السؤال الرابع : فهو ما تقدم فإذا طلقت قبل الدخول كان لها كل المهر سواء كانت الردة من قبلها أو من قبله لما عرفت أن المهر يتأكد بالدخول والخلوة فلا يقبل السقوط أما قبل الدخول والخلوة فإن ارتدت هي لم يكن لها شيء وإن ارتد هو كان لها نصف المهر إذا سمى لها مهرا فإذا لم يسم لها مهرا كانت لها المتعة ثم إن كان الزوج هو المرتد بعد الدخول كان لها عليه نفقة العدة أما إن ارتدت هي فلا نفقة لها وعليها العدة فإذا هربت إلى دار الحرب فإنه يجوز لزوجها أن يتزوج أختها بدون عدة فإن عادت مسلمة بعد تزوجه أختها فإن النكاح لا يفسد باتفاق وإن عادت قبل تزوجها فقيل : لا يفسد وقيل : يفسد .
أما الجواب عن السؤال الخامس فقد عرفت مما قدمناه لك وهو أن المرأة تجزى بالحبس إلى أن ترجع إلى الإسلام أو تبقى مسجونة حتى تموت وتعزر بالضرب كل ثلاثة أيام والرجل يحبس ثلاثة أيام فإن أسلم وتاب فذاك وإلا قتل هذا إذا طلب مهلة أما إذا لم يطلب قتل لساعته وكيفية إسلامه أن ينطق بالشهادتين ويتبرأ عن الأديان لكها سوى دين الإسلام فإن عاد فعل ذلك وهكذا ولا يقتل إلا إذا امتنع عن الإسلام على أنه إذا تكرر منه ذلك يسجن ولا يخرج من سجنه حتى يظهر من حاله التوبة وعدم التلاعب والمحاكم في هذه الحالة أن يضربه ضربا وجيعا بحيث لا يبلغ به الحد .
أما الجواب عن السؤال السادس فهو أن كل قول أو فعل أو اعتقاد ينافي ما هو معلوم من الدين بالضرورة كان خروجا عن دين الإسلام وذلك كمن أنكر فرضية الصلاة أو الصيام أو الحج أو قال : إن المسيح صلب أو هو ابن الله أو اعقد أن الله يشبه الحوادث أو سجد لصنم أو أهان مصحفا بإلقائه في قاذورة عمدا أو سب دين الإسلام أو حلل حراما معلوما من الدين بالضرورة كشرب الخمر و الزنا و اللواط ولعب الميسر وأكل أموال الناس بالباطل ومن ذلك السرقة والغش والخيانة وتطفيف الكيل والوزن والاعتداء على أعراض الناس ودمائهم كالقتل والقذف إلى غير ذلك من الأمور التي حرمتها الشريعة الإسلامية تحريما باتا فمن فعل شيئا من ذلك وهو مستحيل له أو قال : إنه حلال كان مرتدا عن دين الإسلام ومثل ذلك ما إذا أنكر نبوة أحد النبيين الذين ذكرهم القرآن الكريم وأنكر قصة من القصص التي وردت فيه أو أنكر آية منه فإن هذا وأمثاله هو الذي يقال إن فاعله أو قائله مرتد .
ولكن مؤلفي الفتاوى قد ذكروا أمورا كثيرة قالوا عنها : إنها مكفرة ولكن الواقع غير ذلك لأنها تحتمل التأويل وكل ما كان كذلك فلا يكون مكفرا ومن ذلك أن يقول الإنسان بخلق القرآن فقد ذكروا أنه يكفر بهذه العبارة وهذا غير صحيح وذلك لأن هذه العبارة تحتمل أن ألفاظ القرآن التي نقرؤها ونتعبد بها مخلوقة لله ولا يقول عاقل أنها قديمة وما نقل عن الإمام أحمد كان من باب الأدب والورع وتحتمل أيضا ما يقوله المعتزلة من أنه ليس لله صفة زائدة على ذاته يقال لها : الكلام ولكن الله خلق الكلام الذي أسمعه موسى وخلق القرآن الذي أنزله على محمد وقد أقاموا البرهان القوي على ذلك ولم يكفرهم أحد بل كثير من أعلام المسلمين قال : إن رأيهم في ذلك صواب وتحتمل ما يقوله الكرامية من أنها حادثة زائدة على الذات قائمة بذاته وهذا لا يلزم منه الكفر إلا إذا اعتقدوا حدوث الذات لقيام الحوادث بها أو اعتقدوا أن الله ليس بمتكلم قبل أن يخلق صفة الكلام الحادثة أما إذا اعتقدوا أن الله متكلم بذاته ثم إذا أراد شيئا قال : كن وقامت بذاته ثم ترتب عليها الأثر فإنهم لا يكفرون فهذا كل ما يحتمله القول بخلق القرآن ولا يخفى أنه قابل للتأويل من جميع الجهات .
( يتبع . . . )