( تابع . . . 2 ) : - وشرط في المهر أمور : .
المالكية - قالوا : إن المهر يصح أن يكون عينا من ذهب . أو فضة . أو عرض تجارة . أو حيوان . أو دار . أو نحو ذلك وأما المنافع من تعليمها القرآن ونحوه . أو سكنى الدار . أو خدمة العبد ففيها خلاف فقال مالك : إنها لا تصلح مهرا ابتداء أن يسميها مهرا وقال ابن القاسم : تصلح مهرا مع الكراهة وبعض الأئمة المالكية يجيزها بلا كراهة والمعتمد قول مالك طبعا . ولكن إذا سمى شخص منفعة من هذه المنافع مهرا فإن العقد يصح على المعتمد ويثبت للمرأة المنفعة التي سميت لها وهذا هو المشهور فالمالكية ينظرون إلى قول مالك فينهون عن جعل المهر منفعة ابتداء وينظرون إلى قول من أجاز فيعملون به بعد الوقوع بالفعل .
الشافعية - قالوا : يصح الصداق بالمنفعة والقاعدة عندهم أن كل ما صح ثمنا في البيع صح صداقا فيصح أن يشتري دارا بمنفعة أرضه الزراعية مدة معلومة فكذلك يصح أن تجعل هذه المنفعة صداقا فكل عمل يستأجر عليه من تعليم قرآن . وفقه . ونحوهما وتعليم صناعة كنسج . وخياطة أو يتزوجها على أن يخيط لها ثوبا أو يبني لها دارا أو يقوم لها بالخدمة ولو حرا فإنه يصح أن يكون صداقا كما يصح أن يكون ثمنا .
وقد أورد على قولهم : كل ما صح ثمنا صح صداقا انه لو تزوج عبد امرأة حرة على أن يكون مملوكا لها فإنه لا يصح بل يبطل النكاح لأن كونه مملوكا ينافي كونه زوجا لها إذ لا يجوز أن يتزوج العبد سيدته ولكن العبد يصح أن يكون ثمنا لشيء آخر فقولهم : كل ما يصح ثمنا يصح مهرا لا يطرد وأيضا لو جامع شخص أمه بشبهة وجاءت منه بولد ثم اشتراها وكبر ولده فأراد أن يجعلها مهرا لابنه في عقد زواجه فإنه لا يصح لأن معنى ذلك أنها تدخل في الولد أولا حتى يصح كونها صداقا ومتى ملكها عتقت عليه وبذلك تكون حرة فلا تصلح أن تكون صداقا وهي تصح أن تكون ثمنا لشيء آخر .
وذكر بعضهم مثالا آخر وهو ما إذا كان معه ثوب واحد يتوقف عليه ستر عورته فإنه لا يصح جعله صداقا وإن صح جعله ثمنا ولكن هذا المثال ليس بشيء . لأنه متى توقف عليه ستر العورة فإنه لا يصح جعله صداقا وثمنا وهو ظاهر والجواب عن هذا أن المراد بقولهم : كل ما صح ثمنا صح صداقا في الجملة بحيث إذا لم يمنع آخر كما في الأمثلة المذكورة فإن الذي منع كونها صداقا ما عرض لها من الحرية ومنافاة كون العبد زوجا لسيدته .
الحنابلة - قالوا : يصح المهر بالمنافع كما يصح بالأعيان فلو تزوجها على أن يرعى لها غنمها أو يزرع لها أرضها . أو نحو ذلك فإنه يصح بشرط أن تكون المنفعة معلومة فإن كانت مجهولة فإن التسمية لا تصح ويلزم بمهر المثل ويصح للحر أن يتزوج امرأة على أن يخدمها مدة معلومة . أو على أن يأتي لها بخادم حر يخدمها مدة معلومة . والعبد من باب أولى وكذلك يصح أن يتزوجها على عمل معلوم كخياطة ثوب معين سواء خاطه هو أو غيره فإن تلف الثوب قبل خياطته كان عليه نصف قيمة أجرته وإن طلقها قبل الدخول . وقبل خياطته كان عليه نصف خياطته إن أمكن وإلا فعليه نصف الأجرة وكذلك يصح أن يتزوجها على تعليم أبواب من الفقه أو الحديث . أو على تعليم شيء مباح من الأدب . والشعر أو تعليم صنعة . أو كتابة أو غير ذلك مما يجوز أخذ الأجرة عليه فإنه يصح ويلزم به إن تعذر عليه تعليمها فإن طلقها قبل الدخول . وقبل تعليمها فإنه يلزم أجرة تعليمها وإن كان بعد تعليمها رجع عليها بنصف الأجرة إن كانت الفرقة من قبله أما إن كانت بسببها فإنه يرجع عليها بكل الأجرة .
هذا ولا يصح أن يكون تعليم القرآن صداقا " فإذا قال لها : تزوجتك على أعلمك القرآن . أو بعضه فإن التسمية لا تصح ويلزم بمهر المثل وما ورد في حديث الواهبة نفسها من أن النبي A قال له : " زوجتك إياها بما معك من القرآن " . فإن معناه بسب كونك من أهل القرآن فلم يكن مهرا ولم يشر في الحديث إلى التعليم .
ويحتمل أن يكون ذلك خاصا بهذا الرجل ويؤيد ذلك أن النبي A زوج غلاما على سورة من القرآن ثم قال : " لا تكون بعدك مهرا " رواه البخاري وهذا هو المشهور من مذهب الحنفية ولكن المتأخرين أفتوا بجواز تعليم القرآن مهرا كما ذكرنا وعلى هذا تكون المذاهب في هذه المسألة هكذا : تعليم القرآن لا يجوز أن يكون صداقا عند الحنابلة بلا خلاف ويجوز أن يكون صداقا عند الشافعية بلا خلاف ويمتنع عند المالكية ابتداء على المعتمد فإن وقع بالفعل نفذ لأن بعض أئمتهم يقول بجوازه . والظاهر من مذهب الحنفية المنع وهو المذكور في فتاوي المتقدمين كالحنابلة وأجازه المتأخرون للضرورة قياسا على جواز أخذ الأجرة عليه للضرورة )