- وشرط في المهر أمور : .
أحدها : أن يكون مالا متقوما له قيمة فلا يصح باليسير الذي لا قيمة له كحبة من بر ولا حد لأكثره كما لا حد لأقله ( 1 ) فلو تزوجها بصداق يسير ولو ملء كفه طعاما من قمح أو من دقيق فإنه يصح ولكن يسن أن لا ينقص المهر عن عشرة دراهم لما رواه جابر مرفوعا " لو أعطى رجل امرأة صداقا ملء يده طعاما كانت له حلالا " وظاهر هذا أن الصداق ليس مقصودا لذاته في الزواج وإنما هو مقصود للإشارة إلى أن الرجل ملزم بالانفاق على المرأة من أول الأمر .
ثانيها : أن يكون طاهرا يصح الانتفاع به فلا يصح الصداق بالخمر . والخنزير والدم . والميتة لأن هذه الأشياء لا قيمة لها في نظر الشريعة الإسلامية وإن كان لبعضها قيمة مالية عند غيرهم كالخمر والخنزير وشحوم الميتة وجلودها والدم المتجمد عند من يأكله فإن كل هذه الأشياء لا يصح للمسلمين ملكها فلا يمكن إيجابها عليهم في الصداق فإذا سمى لها خمرا أو خنزيرا أو غير ذلك مما لا يصح للمسلمين ملكها بطلت التسمية وصح العقد ( 2 ) وثبت للمرأة مهر المثل فإذا سمى لها صداقا بعضه مال وبعضه ليس بمال أو بعضه طاهر وبعضه نجس أو سمى لها صداقا نجسا وأشار إلى طاهر . أو العكس أو أجمع لها بين المهر والبيع في عقد واحد فإن في كل ذلك تفصيل المذاهب ( 3 ) .
ثالثها : أن لا يكون الصداق مغصوبا فإذا سمى لها صداقا مغصوبا لم يصح الصداق ( 4 ) ويصح العقد وكان لها مهر المثل .
رابعها : أن لا يكون مجهولا وفيه تفصيل ( 5 ) .
ولا يشترط أن يكون الصداق خصوص الذهب والفضة بل يصح بعروض التجارة وغيرها من حيوان . وأرض . ودار . وغير ذلك مما له قيمة مالية . وكما يصح بالأعيان يصح بالمنافع أيضا كمنافع الدار . والحيوان . وتعليم القرآن . وغير ذلك على تفصيل المذاهب ( 6 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : أقل المهر عشرة دراهم وهي تساوي في زماننا أربعين قرشا تقريبا ولا فرق بين أن تكون مضروبة أولا وإنما تشترط المضروبة في نصاب السرقة للقطع للاحتياط في الحد ويصح أن يسمي سلعة . أو عرض تجارة تساوي قيمتها عشرة دراهم .
وقدر بعضهم الدرهم الشرعي بأربعة عشر قيراطا وقدر القيراط بأربع قمحات وسط فيكون الدرهم - 56 قمحة - وقدره بعضهم بالخرنوبة وقال : أن الخرنوبة تزن أربع قمحات وهو يزن - 16 خرنوبة - فتكون زنة الدرهم - 64 قمحة - ولكن التحقيق أن المعتبر في وزن الدرهم الشرعي أن يكون أربعة عشر قيراطا كل قيراط يساوي خمس حبات فتكون زنة الدرهم الشرعي سبعين حبة فالمراد بالدرهم الصنجة وهي آلة الوزن المعروفة وهي بالخرنوبة - 2 / 171 - لأن الخرنوبة - 4 قمحات - ويساوي الدرهم في زماننا أربعة قروش صاغ تقريبا .
فإذا أمهرها أقل من عشرة دراهم فإن العقد يصح وتجب لها العشرة استدلوا لذلك ما رواه ابن أبي حاتم من حديث " لا مهر أقل من عشرة دراهم " وهو بهذا الإسناد حسن . وما ورد من أن النبي صلى الله وعليه وسلم أجاز النكاح بأقل من ذلك كما قال للاعرابي : " التمس ولو خاتما من حديد " فإنه محمول على المعجل الذي يسن فإنه يندب أن يعطي الرجل للمرأة شيئا مهما كان معسرا والباقي يبقى دينا في ذمته .
المالكية - قالوا : أقل المهر ثلاثة دراهم من الفضة الخالصة من الغش . أو عرض تجارة يساوي ثلاثة دراهم وقدر الدرهم عندهم بما زنته خمسون حبة وخمسمائة حبة من الشعير الوسط فإن نقص الصداق عن ذلك ثم دخل بها ثبت العقد ووجب على الزوج أن يعطيها هذا الأقل أما قبل الدخول فهو مخير بين يتم لها الصداق إلى الحد الأدنى وهو ثلاثة دراهم . أو يفسخ العقد وعليه نصف المسمى من الصداق . ) .
( 2 ) ( المالكية - قالوا : إذا تزوجها على خمر أو خنزير ونحوهما مما لا يملك أو يباع فإن العقد يفسد ويفسخ قبل الدخول أما إذا دخل بها فإنه يثبت وتستحق المرأة صداق المثل والمراد بما لا يباع جلد الأضحية وجلد الميتة المدبوغ فإنهما يملكان ولكن لا يباعان فلا يصلحان مهرا .
وحاصله أن المالكية خالفوا غيرهم في صحة العقد فقالوا : إنه فاسد يفسخ قبل الدخول ووافقوهم على أن المرأة تستحق مهر المثل بعد الدخول مع استقرار العقد . ) .
( 3 ) ( الشافعية - قالوا : إذا تزوجها بصداق بعضه مملوك له وبعضه غير مملوك بطل فيما لا يملكه دون غيره ثم ينظر في غير المملوك فإن كان مما لا ينتفع به أصلا بحيث لا يكون مقصودا لأحد كالدم وفي هذه الحالة ينعقد الصداق بالمملوك وتلغو تسمية غير المقصود وإن كان غير المملوك مما يقصد الانتفاع به كالخمر مثلا فلا يخلو إما أن تكون عالمة به عند التسمية أو لا فإن كانت جاهلة به كان لها الخيار بين فسخ الصداق وإبقائه فإن فسخته وردته ثبت لها مهر المثل وإن أبقته كان لها ما ثبت أنه مملوك له مع حصة من مهر المثل تساوي ما سماه لها من غير المملوك له مثلا إذا سمى لها صداقا خمسين ناقة وهي مهر مثلها وكان نصفها مملوكا له والنصف الآخر مغصوبا فإنها تستحق المملوك له بلا كلام ثم يقوم النصف المغصوب فإن كانت قيمته تساوي نصف صداق مثلها كان لها عليه نصف صداق المثل تأخذه دراهم أو جنيهات أو عروض تجارة أو نياقا الخ فالواجب لها عنده قيمة النياق المغصوبة بما يقابلها من مهر المثل هذا إذا سمى لها أشياء متماثلة مختلفة القيمة كالنياق أما إذا ذكر لها أشياء مثلية متحدة القيمة كما إذا سمى لها عشرة أرادب من القمح الاسترالي مثلا فإنها مثلية قيمتها واحدة . وسعرها واحد وكانت تساوي مهر مثلها ولكن نصفها مملوك له ونصفها مغصوب من جاره فإن لها في هذه الحالة الخمسة المملوكة له ولها نصف مهر المثل سواء كان مساويا لقيمة المغصوب أو أكثر أو أقل وإذا سمى لها شيئا مملوكا وشيئا لا يصح أن يملك ولا قيمة له في نظر الشرع كما إذا مهرها عشرة جنيهات وخمس زجاجات من الخمر فإن لها الجنيهات المملوكة أما الخمر فإنه يعتبر خلا ثم ينظر فيه فإن كانت قيمة الخمر كقيمة الخل فرضا كان لها خمس زجاجات من الخل وزنا أو كيلا وإلا قوم الخمر واستحق قيمة الخل التي تعادل قيمة الخمر المذكور .
وإذا قال شخص لآخر : زوجتك بنتي وبعتك حمارها بجملك هذا فإنه يصح العقد والبيع والمهر ولكن يوزع الجمل على قيمة الحمار . ومهر المثل فإذا كان مهر المثل عشرة جنيهات وقيمة الحمار خمسه كان الصداق ثلثا قيمة الجمل وثلثه عن الحمار . فلو ا الزوج قبل الدخول كان له نصف العشرة التي اعتبرت صداقا . وإنما يصح ذلك إذا رضيت الزوجة بذلك . أما إذا لم ترض وكان حمارها يساوي أكثر فإن البيع يبطل وكذا إذا كان مهر مثلها أكثر فإن لها أن تطالب بما يكمل مهر المثل ولو قال له : زوجتك بنتي وبعتك حماري بهذا الجمل فإنه يبطل البيع . والصداق معا لأن جواز جمع الصفقة بين مختلفي الحكم من بيع ونكاح إنما يجوز إذا كان المعقود عليه متعلقا بواحد .
الحنفية - قالوا : مثال الأول أن يتزوجها على مائة جنيه . وعلى طلاق ضرتها فلانة . فإنه جعل المهر مركبا من مال - وهو المائة - ومما ليس بمال وهو طلاق ضرتها - وفي هذه الحالة يقع عليه الطلاق في الحال بالعقد ويكون لها هي المهر المسمى لا غير . أما إذا تزوجها على مائة . وعلى أن يطلق فلانة فإن فلانة لم تطلق بالعقد طبعا لأنه وعد بتطليقها في المستقبل فإن طلقها فذاك وإن لم يطلق كان لامرأته الجديدة تمام مهر المثل إن كان المسمى ناقصا عنه وإلا فلا شيء لها ومثل ذلك ما إذا تزوجها على ألف . وهدية يهديها إليها فإن لها الحق في المطالبة بتكملة مهر المثل إن كان المسمى أقل وإلا فلا شيء لها .
وإذا سمى مالا حلالا . ومالا حراما كما إذا قال لها : تزوجتك على عشرة دراهم . وعشرة أرطال من الخمر أو على عشرة دراهم وخنزير سمين مثلا . فإن العقد يصح ويكون لها العشر دراهم لا غير أما الخمر . والخنزير فلا تستحق في مقابلهما شيئا خلافا للشافعية كما تقدم وليس لها أن تطالب بمهر المثل إذا كانت العشرة أقل من مهر المثل لن الخمر والخنزير لا منفعة فيهما عند المسلمين فلا حق لها في مقابلهما فإذا ذكر أقل من العشرة كان لها المطالبة بما يكمل لها العشرة . وإذا تزوجها على مائة جنيه . وعلى طلاق ضرتها . وعلى أن يأخذ منها فرسها أو عبدها وقع الطلاق بالعقد بائنا ثم ينظر إلى قيمة طلاق الضرة وقيمة النصف الآخر مقابلة لنصف المائة الباقية ويتفرع على أن هذا أنه إذا هلك الفرس في يدها قيل أن يستلمه الزوج كان له الحق في الخمسين التي قابلت نصفه وله نصف قيمته التي قابلت نصف قيمة طلاق الضرة .
فإذا تزوجها على ألف . وعلى أن يطلق ضرتها وعلى أن يأخذ حديقتها كان في هذه الصورة ثلاثة عقود : عقد زواج . وعقد بيع . وطلاق ضرة . فيجعل ما يبذله منقسما على ما تبذله هي وهو قد بذل الألف . وطلاق الضرة الذي لم يكن مالا . وهي قد بذلت الحديقة . والبضع . فصار الألف بإزاء الحديقة ونصفها بإزاء البضع . وصار نصف قيمة طلاق الضرة بإزاء الحديقة فيكون طلاقا في مقابلة مال - و هو الخلع - فالرجل طلق الضرة في مقابلة نصف الحديقة التي أخذها من الزوجة الجديدة وصار النصف الآخر بإزاء البضع . وهو ليس بمهر لأنه ليس مالا ولكن أصبح حقا للمرأة الجديدة فلا يخلو إما أن يطلقها قبل الدخول . أو بعده . وعلى كل إما أن يكون قد طلق ضرتها أو لا فالصور أربع : .
إحداها : أن يطلق الجديدة قبل الدخول مع كونه قد طلق ضرتها . فإن كانت قيمة الحديقة تساوي قيمة مهر المثل استحق الزوج كل الحديقة وربع الألف التي دفعها أو هي مائتان وخمسون وذلك لأننا جعلنا نصف الحديقة في مقابلة نصف الألف والنصف الثاني في مقابلة نصف طلاق الضرة وجعلنا نصف البضع في مقابل نصف الألف الثانية ونصفه الأخرى في مقابلة نصف طلاق الضرة فإذا طلق الضرة فقد استحق بذلك نصف الحديقة وبقي النصف الآخر يستحقه بنصف الألف الذي يقابله فكانت له كل الحديقة وبقي ما تستحقه هي في مقابلة البضع وهو نصف الألف . ونصف طلاق الضرة فبقي لها نصف الألف خمسمائة تستحق نصفها بالطلاق قبل الدخول وهو مائتان وخمسون .
الصورة الثانية : أن يطلقها قبل الدخول ولم يطلق ضرتها وفي هذه الحالة يكون للرجل نصف الحديقة فقط في مقابل نصف الألف والخمسمائة الأخرى إن كانت تساوي مهر مثلها كان له نصفها وهي مائتان وخمسون وإلا كمل لها نصف مهر المثل .
الصورة الثالثة : أن يطلقها بعد الدخول مع كونه قد طلق ضرتها وفي هذه الحالة يكون لها الألف كاملة وتكون له الحديقة كاملة .
الصورة الرابعة : أن يطلقها بعد الدخول مع كونه لم يطلق ضرتها وفي هذه الحالة تستحق المرأة مهر المثل كاملا ولا يستحق الرجل شيئا وإذا سمى لها مهرا فوجد بخلاف المسمى فهو يحتمل أربعة أوجه أيضا .
الوجه الأول : أن يذكر حراما ويشير إلى حرام كأن يقول لها : تزوجتك على هذا الدن من الخمر - وهو خمر - وفي هذه الصورة يبطل المسمى . ويثبت لها مهر المثل .
الوجه الثاني : أن يذكر حلالا ويشير إلى حلال يختلف معه في الجنس كذا الدن من الزيت وهو مملوء خلا وفي هذه الصورة يجب لها الزيت الموجود في الدن .
الوجه الثالث : أن يذكر حراما ويشير إلى حلال كهذا الدن من الخمر وهو مملوء زيتا وفي هذه الحالة يكون لها الزيت الموجود في الدن .
الوجه الرابع : عكس هذا وهو أن يذكر حلالا ويشير إلى حرام كهذا الدن من الخل فإذا هو خمر وفي هذه الحالة يكون لها مهر المثل .
المالكية - قالوا : إذا سمى لها مهرا حلالا فوجدته حراما كأن قال لها : تزوجتك بهذه القلة من الخل فوجدته خمرا بعد فتح القلة فإنه في هذه الحالة يصح العقد والتسمية ويكون لها قيمة الخل وذلك نظير ما إذا سمى لها فرسا وقبضتها فوجدتها معيبة فإن لها الحق في فرس سليم من العيب وكذا إذا قال لها : تزوجتك بهذه القلة من الخمر ولكنها كانت في الواقع خلا فإنه يصح بشرط أن يتراضيا على ذلك أما إذا لم يتراضيا كان لهما فسخ العقد قبل الدخول فإن العقد قابل للطعن من كل منهما إذ لها أن تقول : إنك لم تمهرني خلا وله أن يقول : إنني لم أسم لك الخل وهذه الحالة بخلاف ما إذا عقد شخص على امرأة وهو يظن أنها في عدة الغير ثم تبين أنها في الواقع غير معتدة فإن العقد لازم لهما ولا يصح أن يتخلص منه بأنه عقد عليها وهو يظن أنها معتدة فإذا سمى لها مهرا حلالا وحراما كأن تزوجها على مائة دينار ومائة أقة من الخمر مثلا فإن المرأة تستحق بذلك الأكثر من المسمى الحلال . ومهر المثل فإن كان مهر مثلها يساوي مائة وعشرين دينارا مثلا أخذتها وإن كان يساوي تسعين دينارا أخذت المائة التي سماها ويصرف النظر عن الخمر الذي ذكره مصاحبا للحلال ومثل ذلك ما إذا تزوجها على مائة حالة . ومائة مؤجلة بأجل مجهول لموت . أو طلاق مثلا فإنه يصرف النظر عن المائة المجهولة ولها الأكثر من مهر مثلها والمائة المعلومة .
أما إذا جمع بين عقد النكاح وغيره من العقود كعقد البيع . أو القرض أو الشركة أو الجعالة أو غير ذلك فإن النكاح يقع فاسدا ويفسخ قبل البناء .
( يتبع . . . )