- يتعلق بالكفاءة أمور : الأول تعريفها . الثاني : هل هي شرط في صحة العقد أو لا ؟ الثالث : هل هي معتبرة في جانب الزوج فقط فلو تزوج بامرأة دنيئة صح أو معتبرة في الجانبين ؟ الرابع : من له حق الفصل في أمر الكفاءة وفي كل هذا تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : في الجواب عن الأمر الأول : إن الكفاءة هي مساواة الرجل للمرأة في أمور مخصوصة وهي ست : النسب والإسلام والحرفة والحرية والديانة والمال .
ويعرف الأدنى نسبا بأن لا يكون من جنسها أو من قبيلتها وذلك لأن الناس صنفان : عجم وعرب والعرب قسمان : قرشي وغير قرشي فإذا كان الزوج قرشيا وهي قرشية صح نسبا ولو اختلفوا في القبائل بأن كانت هاشمية وهو نوفلي مثلا . وإن كانت عربية من غير قريش فإن كان عربي يكون كفأ لها من أي قبيلة كانت ولو باهليا .
ومن هذا تعلم أن العجمي ليس كفأ للقرشية ولا للعربية على أي حال وأن العربي من غير قريش ليس كفأ للقرشية على أي حال . ولا يعتبر الإسلام بين العرب فالمرأة التي لها آباء في الإسلام يكون كفأ لها الرجل العربي الذي له أب واحد والعجمي العالم كفء للعربي الجاهل أما العجم فإن بعضهم لبعض أكفاء ولكن التفاوت يقع بالإسلام والحرية فمن كان أبوه كافرا وهو مسلم فإنه ليس كفأ لمن هي مسلمة وأبواها مسلمين . ومن كان معتقا لا يكون كفأ للحرة نفسها ولو كان أبوها معتقا لأن مرتبتها أعلى من مرتبته وإذا كان أبوها وجدها حرين وأبوه حر دون جده لا يكون كفألها وكذا إذا كانا مسلمين دون جده فإنه لا يكون كفأ لها أما إذا كان لها آباء كثيرة في الإسلام أو الحرية وهو له أبوان فقط فإنه كفء من هذه الجهة لتمام النسب بالأب والجد . فهذا هو معنى الكفاءة في النسب والإسلام والحرية .
وحاصله أن القرشيين بعضهم لبعض أكفاء بصرف النظر عن كونه أسلم بنفسه دون أبيه وهي مسلمة وأبوها مسلم . وبصرف النظر عن الرق والحرية لأن العرب لا يسترقون غالبا أما العجم فيعتبر في أنسابهم الإسلام والحرية ولكن ذلك مقصور على الزوجين وعلى أبيه وحده فقط فمن كان مسلما دون أبيه لا يكون كفأ للمسلمة هي وأبوها ومن كان معتقا دون أبيه لا يكون كفأ للحرة هي وأبوها ومما لا يصح الخلاف فيه أن العالم العجمي الفقير كفء للعربي الجاهل الغني وكفء للشريفة العلوية لأن شرف العلم فوق شرف النسب والغنى وبذلك جزم المحقق ابن الهمام وصحاب النهر وغيرها . وهو الصواب .
وأما الكفاءة في الحرفة فهي أن تكون حرفة أهل الزوج مكافئة لحرفة أهل الزوجة بحسب العرف والعادة فإذا كانت حرفة الخياطة مثلا أرقى من حرفة الحياكة بين الناس لم يكن الحائك كفأ لبنت الخياط وإلا فالعكس . فالمدار على احترام الحرفة بين الناس .
أما الكفاءة من جهة المال فقد اختلفوا فيها فقال بعضهم : إنه يشترط أن يساويها في الغنى وقال بعضهم : إنه يكفي أن يكون قادرا على دفع ما تعارفوا على تعجيله من مهر مثلها فلا يلزم أن يكون قادرا على دفع الكل المعجل والمؤجل وأن يكون معه نفقة شهر إن لم يكن محترفا وإن لا فإن كان يكتسب كل يوم كفايتها فإنه يكون كفأ لها في باب المال والثاني هو ظاهر الرواية وهو الصحيح ولكن ينبغي أن ينظر إلى أن الحنفية لم يشترطوا الولي في المرأة اعتمادا على للولي حق التفريق إذا اختارت المرأة من لا يدانيها فإذا فرضنا وكانت البيئة تعتبر الذي لا يملك إلا المهر ونفقة شهر ضائعا لا قيمة له بالنسبة للمرأة الثرية لم لا اعتبار الكفاءة في المال معنى فينبغي أن ينظر القاضي إلى المصالح الدينية نظرا جديا وأن يقضي بما يرفع الفساد وحينئذ لا باس أن يعمل بالرأي الأول مادامت المصلحة متعينة في العمل به على أننا في زماننا هذا نرى الكفاءة تكاد تكون منحصرة عند الناس في باب المال فإنه هو الذي يستطيع به الزوج أن يحفظ كرامة المرأة وكرامة أسرتها ويمنعها من التبذل والتعرض لما لا يليق بها .
ويعجبني ما قاله الأستاذ مرعي الحنبلي C : .
قالوا : الكفاءة ستة فأجبتهم : ... قد كان هذا في الزمان المبهم .
أما بنو هذا الزمان فإنهم ... لا يعرفون سوى يسار الدرهم .
فالقول الأول وإن لم يصححوه ولكنه ينبغي أن يراعى في زماننا هذا .
وأما الكفاءة في الديانة فإنها تعتبر في العجم والعرب فإذا كان فاسقا لا يكون كفأ لصالحة بنت صالح وإذا كانت صالحة وأبوها فاسق وزوجت نفسها من فاسق فإنه يصح وليس لأبيها حق الاعتراض لأنه فاسق مثله وكذا إذا كانت فاسق وأبوها صالح فزوجت نفسها من فاسق فإنه يصح وليس لأبيها حق الاعتراض أيضا لأن العار الذي يلحقه ببنته أكثر من العار الذي يلحقه بصهره .
وإذا زوج الصغيرة لرجل يظنه صالحا فتبين أنه فاسق وأبوها صالح فإن لها أن تفسخ العقد بعد البلوغ والمراد بالفاسق المجاهر بالفسق كالذي يسكر على قارعة الطريق أو يذهب إلى أماكن البغاء ومواخير الفساد وأندية القمار علنا أو يجاهر بأنه يفعل ذلك ومن هؤلاء الشبان الذين يتركون الصلاة ويعلنون أنهم لا يصلون ولا يصومون فإن هؤلاء ليسوا أكفاء للصالحات وبنات الصالحين فإذا تزوجت واحدا من هؤلاء كان للولي الاعتراض وفسخ العقد .
وللولي الاعتراض إذا تزوجت بأقل من مهر المثل ولكن العقد مع ذلك صحيح باتفاق إنما يقول القاضي : أما أن تكمل لها مهر المثل وإما يفسخ العقد .
أما الجواب عن الثاني فإن الكفاءة شرط لنفاذ العقد ولزومه على الولي فإذا زوجت المرأة نفسها لمن هو دونها في أمر من الأمور الستة المذكورة كان لوليها حق الاعتراض على العقد فلا ينفذ حتى يرضى أو يفسخه القاضي .
وأما الجواب عن الثالث فهو أن الكفاءة في الأمور المذكورة من حق الولي بشرط أن يكون عصبة ولو كان غير محرم كأن كان ابن عم يحل له زواجها أما ذوو الأرحام والأم والقاضي فليس لهم حق في الكفاءة ثم إذا سكت الولي عن الاعتراض حتى ولدت المرأة فإن حقه يسقط في الكفاءة فإذا لم يعلم بالزواج حتى ولدت فالظاهر أن حقه يسقط لأن الولادة قد أحدثت بينهما روابط تنسى معها الاعتبارات الأخرى وأيضا فإن للولد حقا في الكرمة فلا ينبغي أن يسجل عليه عار أبيه والقواعد دائما تقضي بمراعاة الولد خوفا عليه من الضياع فإذا اعترض الولي وفسخ القاضي النكاح فعادت المرأة وزوجت نفسها من غير الكفء ثانيا عاد حق الولي في الاعتراض وفسخ القاضي النكاح ثانيا كما إذا زوجها الولي من غير كفء بإذنها فطلقها زوجها ثم زوجت نفسها منه ثانيا كان للولي حق الاعتراض ولا يكون رضاه بالزواج الأول حجة عليه في الثاني الذي لم يرض به فإذا طلقها زوجها غير الكفء الذي رضي به الولي في الأول طلاقا رجعيا ثم راجعها في العدة لم يكن للولي حق الاعتراض لأن العقد الأول لم يتجدد .
وبعضهم يقول إن الكفاءة شرط في صحة العقد فيقع العقد باطلا من أول الأمر إذا تزوجت بغير كفء وكان لها ولي ولم يرض بالنكاح قبل العقد فإذا رضي به قبل العقد وامتنع بعده فإنه لا يعتبر وهذا القول هو المفتى به وهو أقرب إلى الاحتياط .
وعلى القول الأول إذا مات أحدهما قبل تفرقة القاضي يتوارثان لأن العقد صحيح لا ينقطع إلا بفعل القاضي وفعل القاضي في هذه الحالة فسخ لا طلاق فإن وقعت الفرقة قبل الدخول فلا شيء لها من المهر وإن وقعت بعده كان لها المسمى لا مهر المثل وكذا لها المسمى بالخلوة الصحيحة وعليها العدة ولها نفقة العدة ولها أن تمكنه من الوطء ولها أن لا يمكنه وأما على المفتى به فإنه لا يترتب عليه شيء من ذلك ويحرم على المرأة أن تمكنه من الوطء لأن العقد باطل لا انعقاد له .
وعلى هذا فلو تزوجت امرأة مطلقة ثلاث طلقات بزوج غير كفء من غير رضا الولي ثم طلقها فإنها لا تحل للزوج الأول لأن العقد وقع باطلا فكأنه لم يكن . أما إذا لم يكن لها ولي أو كان ورضي قبل العقد فإنها تحل لزوجها الأول بعد طلاقها من الثاني غير الكفء باتفاق .
وإذا كان لها أولياء متساوون في الدرجة ورضي بعضهم صح سقط حق الباقين في الاعتراض وإن كان الحق للأقرب دون غيره فإن لم يكن لها أولياء من العصب صح العقد ونفذ على أي حال .
وهل يشترط أن ينطق الولي بالرضاء أو يكفي سكوته ؟ الجواب : أن سكوته قبل ولادتها وقبل أن يظهر حملها لا يكون رضا كما تقدم فلا يسقط حقه إلا إذا صرح بالرضا وأيضا لا بد أن يعلم بعين الزوج فإذا رضي بزوج مجهول لا يصح إلا إذا أسقط حقه بأن قال لها : رضيت بما تفعلين أو رضيت بمن تزوجين منه نفسك أو افعلي ما تحبين أو نحو ذلك .
هذا في أنواع الكفاءة المذكورة أما العيوب التي توجد في الزوج ويفسخ بها العقد كالجذام والجنون والبرص والبخر ونحو ذلك مما سيأتي فإنها من حق الزوجة وحدها فلها طلب التفريق والفسخ دون الولي .
وهل العقل معتبر في الكفاءة أو لا ؟ قالوا : لا نص فيه عن المتقدمين أما المتأخرون فمختلفون فيه والصواب أن المجنون لا يكون كفأ للعاقلة وللولي حق الاعتراض والفسخ لأن الجنون يترتب عليه من الفساد والشر ما لا يترتب على غيره بل قد يتعير الناس بالمجنون أكثر مما يتعيرون بالفقير .
أما قبح المنظر فليس بعيب فإذا كانت جميلة وهو قبيح المنظر فليس لها ولا لوليها حق المطالبة بالفسخ .
وأما الجواب عن الأخير فهو أن الكفاءة معتبرة في جانب الرجل لا في جانب المرأة فللرجل أن يتزوج من يشاء ولو أمة أو خادمة لأن الناس لا يتعيرون بافتراش الأمة والمرأة الدنيئة وقد جرى العرف على ذلك في كل زمان ومكان نعم يعتبر الكفاءة في المرأة بالنسبة للغلام الصغير إذا زوجه والده ممن هي دونه فإن له حق الفسخ بعد البلوغ كما تقدم .
المالكية - قالوا : الكفاءة في النكاح المماثلة في أمرين : أحدهما التدين بأن يكون مسلما غير فاسق ثانيهما السلامة من العيوب التي توجب للمرأة الخيار في الزوج كالبرص والجنون والجذام والثاني حق المرأة لا الولي .
أما الكفاءة في المال والحرية . والنسب والحرفة فهي معتبرة عندهم فإذا تزوج الدنيء - كالمسلماني - شريفة فإنه يصح وإذا تزوج الحمال أو الزبال شريفة أو ذات جاه فإنه يصح وهل العبد كفء للحرة ؟ قولان مرجحان وبعضهم يفصل فيقول : إن كان الرقيق أبيض يكون كفأ وإن كان أسود فلا لأنه يتعير به .
ثم إن الكفاءة تعتبر في اليتيمة التي زوجها ولي غير مجبر عند خوف الفساد بالشروط المتقدمة فإن من بين هذه الشروط أن تزوج من كفء فلا يصح زواجها من فاسق شريب أو زان أو نحوهما ولا من زوج به عيوب منفرة بل لا بد من أن يكون مساويا لها في أوصاف الكمال وأن يكون الصداق مهر مثلها . قالوا : فإذا زوجت من غير مراعاة الكفاءة ونحوها من الشروط فسخ العقد إن لم يدخل بها الزوج أو دخل بها ولكن لم يطل الزمن أما إذا دخل وطال الزمن بأن مضى عليها ثلاث سنين أو ولدت ولدين في زمنين مختلفين لا في بطن واحدة فإنه لا يفسخ وهذا هو المشهور . وقيل : يفسخ مطلقا .
وكذا إذا زوج الحاكم امرأة غير رشيدة غاب عنها وليها فإنه لا يجوز له أن يزوجها إلا بعد أن يثبت لديه أن الزوج كفء لها في الدين والحرية والحال ومهر المثل على الوجه الذي بيناه أما الرشيدة المالكة أمر نفسها فإنه يزوجها بدون أن يثبت عنده ذلك لأنها هي صاحبة الحق فيه فلها إسقاطه متى رضيت بالزوج على أنهم قالوا : إذا زوج الحاكم غير الرشيدة من غير بحث فإن العقد يصح ما لم يبطله شيء آخر .
ومع هذا فإن للولي وللزوجة ترك الكفاءة في الدين والحال فتتزوج من فاسق بشرط أن يكون مأمونا عليها . فإن لم يكن مأمونا عليها رده الحاكم وإن رضيت به حفظا للنفوس وإذا رضي الولي بغير كفء فطلقها ثم أراد أن يرجع لها ثانيا ورضيت به فليس للولي الامتناع ثانيا .
وإذا أراد الأب أن يزوج ابن أخيه الفقير ابنته الموسرة فهل لأمها الاعتراض أو لا ؟ خلاف في هذه المسألة وقواعد المذهب تفيد أن ليس لها اعتراض إلا إذا خيف عليها الضرر .
الشافعية - قالوا : الكفاءة أمر يوجب عدمه عارا . وضابطها مساواة للزوجة في كمال أو خسة ما عدا السلامة من عيوب النكاح فإن المساواة فيها لا توجب أن يكون كل منهما كفأ لصاحبه فإن كان كل منهما أبرص أو مجذوما كان لكل منهما حق طلب الفسخ ولا يقال : إنهما متساويان في العيب لأن الإنسان يكره من غيره ما لا يكره من نفسه .
وتعتبر الكفاءة في أنواع أربعة : النسب . والدين . والحرية . والحرفة فأما النسب صنفان : عربي وغير عربي - وهو الأعجمي - والعربي قسمان : قرشي وغير قرشي فالقرشيون أكفاء لبعضهم بعضا إلا إذا كانوا من بني هاشم وعبد المطلب فإن غيرهم من قريش ليس كفأ لهم وباقي العرب ليسوا أكفاء لقريش ولكنهم أكفاء لبعضهم بعضا والعجم ليسوا أكفاء للعرب ولو كانت أمهاتهم من العرب .
ثم إن المرأة إذا كانت تنتسب إلى شخص تشرف به وجب أن يكون .
الزوج منتسبا إلى مثل هذا الشخص سواء كانا من العجم أو من العرب .
وحاصله أن الكفاءة تعتبر أولا في النوع بمعنى أن العرب نوع والعجم نوع ثم ينقسم العرب إلى قرشيين وغيرهم فالقرشيون أفضلهم على أن بينهما تفاوتا أيضا وهو أن بني هاشم والمطلب أفضل من الباقين ومتى تحققت الكفاءة في النوع لزم أن تتحقق أيضا في شخص الزوجين فإذا كانت الزوجة منتسبة إلى شخص تشرف به وجب أن يكون الزوج كذلك منتسبا إلى مثل من تنسب إليه والعبرة في النسب للآباء لا للأمهات إلا في بنات فاطمة Bها فإنهن منسوبات إلى النبي A وهن أرقى الأنواع من عرب وعجم .
( يتبع . . . )