- قد عرفت مما ذكرناه أن الشافعية والمالكية اصطلحوا على عد الولي ركنا من أركان النكاح لا يتحقق عقد النكاح بدونه واصطلح الحنابلة و الحنفية على عده شرطا لا ركنا وقصروا الركن على الإيجاب والقبول إلا أن الحنفية قالوا : أنه شرط لصحة زواج الصغير والصغيرة والمجنون والمجنونة ولو كبارا أما البالغة العاقلة سواء كانت بكرا أو ثيبا فليس لأحد عليها ولاية النكاح بل لها أن تباشر عقد زواجها ممن تحب بشرط أن يكون كفأ وإلا كان للولي حق الاعتراض وفسخ العقد .
وقد استدل الجمهور بأحاديث وبآيات قرآنية فأما الأحاديث فمنها ما رواه الزهري عن عائشة وهو أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل " ومنها ما رواه ابن ماجة والدار قطني عن أبي هريرة أن النبي A قال : " لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها " .
وهذان الحديثان أقوى ما استدل به الجمهور على ضرورة الولي فليس للمرأة حق مباشرة العقد دونه وقد أجاب الحنفية عن الحديث الأول بأنه مطعون فيه وذلك لآن الزهري نفسه قد سئل عنه فلم يعرفه وقد أجيب عن هذا بأن معرفة الزهري لا تضر ما دام راويه - وهو سليمان بن موسى - وهو ثقة ولا يخفى ضعف هذا الجواب لأنه ما دام مصدر الحديث المروي عنه لم يعرفه وأنكره فإن ذلك يضعف الثقة جزما على أن الحنفية قالوا : إن كل الأحاديث التي يفيد ظاهرها اشتراط الولي في التزويج فهي خاصة بالصغيرة التي لا يصح لها أن تتصرف وذلك مؤيد بقواعد الدين العامة فإن النكاح عقد من العقود كالبيع والشراء ومعلوم أن للمرأة الحرية المطلقة في بيعها وشرائها متى كانت رشيدة فكيف يحجر عليها في عقد زواجها وهو أهم العقود التي تتطلب حرية لما يترتب عليه من مهام الأمور فينبغي أن يقاس عقد النكاح على عقد البيع وإن ورد ما يخالف هذا القياس وجب تخصيصه به وهذه قاعدة أصولية . فقوله : " لا تزوج المرأة المرأة " معناه لا تزوج المرأة الكبيرة البنت الصغيرة عند وجود الولي للعصبة المقدم عليها أو لا تزوج المرأة الصغيرة المرأة الصغيرة وقوله : " ولا تزوج المرأة نفسها " معناه ولا تزوج الصغيرة نفسها بدون ولي فالمراد من المرأة الأنثى الصغيرة وهي وإن كانت عامة تشتمل الصغيرة والكبيرة إلا أنها خصت بالصغيرة لما هو معلوم من أن الكبيرة لها حق التصرف في العقود كالبيع فيقاس النكاح على البيع وذلك جائز في الأصول .
أما الجمهور فقالوا بالفرق بين النكاح وبين البيع وذلك لأن المرأة لا عهد لها بمخالطة الرجال فربما خدعها غير الكفء فتتزوج بمن تتعير به عشيرتها ويكون شرا ووبالا على سعادتها الدنيوية فلذا صح الحجر عليها في عقد النكاح دون غيره من العقود لأن عقد البيع مثلا لا يترتب عليه مثلا هذا الشر مهما قيل فيه وقد أجاب الحنفية عن هذا بجوابين : .
الأول : أنهم قد اشترطوا الكفاءة في الزوجية كما ستعرفه فلو تزوجت المرأة غير كفء فللأولياء أن يعترضوا هذا الزواج ولا يقروه فيفسخ فلا تصيبهم معرة الصهر الذي لا يناسبهم فزمام المسألة بأيديهم .
الثاني : أن المفروض كون المرأة عاقلة حسنة التصرف غير محجور عليها ولذا كان من حقها أن تتصرف في بيعها وشرائها بدون حجر ما فإذا قيل : إنها قد تغبن في اختيار الزوج الكفء فكذلك يقال إنها قد تغبن في بيع سلعة هامة غبنا ضارا بها أكثر من الضرر بعقد زواج على غير الكفء لأنه إن ثبتت عدم كفاءته فرق القاضي بينهما وينتهي الأمر أما إذا باعت شيئا ذا قيمة مالية وغبنت فيه غبنا فاحشا وهلك في يد مفلس فإنه يضيع عليها ولا يسعها أن تتلافى ما ترتب على هذا البيع من الضرر فتخصيص الحنفية ما ورد في هذه الأحاديث بالصغيرة قياسا لتصرف الكبيرة في النكاح على تصرفها في البيع صحيح لا اعتراض عليه بمثل هذا الذي أورده الجمهور