فأما الصيغة فإنه يشترط لصحتها ثلاثة عشر شرطا وقد ذكرت مفصلة في الجزء الثاني صحيفة 150 طبعة خامسة في أحكام البيع . ومنها عدم التعليق كأن يقول له : زوجتك ابنتي إن أعطيتني دار كذا أو إن رضيت بك زوجا فإنه لا يصح . ومنها التأقيت كأن يقول لها : زوجيني نفسك مدة شهر وهو نكاح المتعة وقد ورد النهي عنه في خبر الصحيحين . ويزاد على ما ذكر في البيع هنا أن تكون الصيغة بلفظ مشتق من تزويج أو انكاح كزوجتك ابنتي أو أنكحتك موكلتي . فلو قال : أزوجك ابنتي بلفظ المضارع أو أنكحتك إياها فإنه لا يصح لأنه يحتمل الوعد . أما إذا قال : أزوجك ابنتي الآن . أو قال : إني مزوجك ابنتي ولو لم يقل : الآن فإنه يصح لأن اسم الفاعل حقيقة في الحال فلا يحتمل الوعد . ويصح العقد بالألفاظ المحرفة كما إذا قال له : جوزتك موكلتي حتى ولو لم تكن لغته على المعتمد : وكذلك يصح بالألفاظ الأعجمية . ولو كان العاقدان يعرفان العربية بشرط أن يكونا فاهمين معناها . فلو خاطبته بالفرنساوية أو الإنكليزية بقولها : زوجتك نفسي وقبل صح العقد ويصح بقوله : زوجني ابنتك فيقول له : زوجتك كما يصح بقول الولي تزوج بنتي فيقول له : تزوجت . ولا ينعقد النكاح بغير هذه الصيغ الصريحة فلا يصح بقوله : أحللت لك ابنتي أو بعتها لك أو ملكتك إياها أو وهبتها لك أو نحو ذلك من الصيغ التي يصح انعقاده بها عند الحنفية فلا بد عند الشافعية من لفظ مشتق من انكاح أو تزويج ويقول : إن هذا هو المراد من كلمة الله الواردة في حديث " واستحللتم فروجهن بكلمة الله " لأن كلمة الله الواردة في القرآن هي نكاح وتزويج لا غير ولا يصح أن يقاس عليها غيرها .
وبالجملة فلا يصح النكاح بالكناية لأنها تحتاج إلى نية والشهود ركن ولابد لهم من الإطلاع على النية ولا يمكن الإطلاع عليها .
وأما القبول فلا بد أن يقول فيه : قبلت فيه زواجها أو نكاحها أو النكاح أو التزويج أو رضيت نكاحها أو أحببته أو أردته فلو قال : قبلت وسكت فإنه لا يصح ويصح تقديم القبول على الإيجاب .
وأما الشروط المتعلقة فهي أمور : .
أحدها : أن يكون مختارا فلا يصح من مكروه .
ثانيها : أن يكون ذكرا فلا يصح من أنثى ولا خنثى لعدم صحة ولا يتهما .
ثالثها : أن يكون محرما فلا يصح من غير محرم .
رابعها : أن يكون بالغا فلا يصح من صبي لعدم ولايته .
خامسها : أن يكون عاقلا فلا يصح من مجنون لعدم ولايته .
سادسها : أن يكون عدلا فلا يصح من فاسق لعدم ولايته .
سابعها : أن لا يكون محجورا عليه لسفه لعدم ولايته .
ثامنها : أن لا يكون مختل النظر .
تاسعها : أن لا يكون مخالفا في الدين لعدم ولايته .
عاشرها : أن لا يكون رقيقا ولايته .
أما الشروط المتعلقة بالزوج فأمور : أن يكون غير محرم للمرأة فلا يصح أن يكون أخا لها أو ابنا أو خالا أو غير ذلك من المحارم سواء كانت من نسب أو مصاهرة أو رضاع و أن يكون مختارا فلا يصح نكاح المكروه وأن يكون معينا فلا يصح نكاح المجهول وأن لا يكون جاهلا حل المرأة فلا يجوز له أن يتقدم على نكاحها وهو جاهل لحلها .
وأما الشروط المتعلقة بالزوجة فأمور : أن لا تكون محرما له وأن تكون معينة وأن تكون خالية من الموانع فلا يحل نكاح محرمة ولا نكاح إحدى المرأتين مثلا ولا نكاح المتزوجة أو المعتدة .
وأما الشروط المتعلقة بالشاهدين فهي الشروط المتعلقة بسائر الشهود : فلا تصح شهادة عبدين أو امرأتين أو فاسقين : أو أصمين أو أعسبين أو خنثيين لم تتبين ذكورتهما كما لا تصح شهادة المتعين للولاية فلو انحصرت الولاية في الأب أو الأخ فوكل غيره بمباشرة العقد وحضر هو فإنه لا يصح أن يكون شاهدا وإن اجتمعت فيه شروط الشهادة لأنه في الواقع ولي عاقد فلا يكون شاهدا كالزوج ووكيله فلا تصح شهادته مع وجود وكيله ودليل الشهادة مع الولي في النكاح ما رواه ابن حبان " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل " .
وينعقد النكاح بشهادة ابني الزوجين أو ابني أحدهما ولكن لا يثبت به النكاح كما يقول الحنفية ومثل الابن العدو فإنه يصح شهادته في انعقاد النكاح ولكن لا يثبت به عند الإنكار لعدم صحة شهادته على عدوه .
ويصح النكاح بمستوري العدالة - وهما المعروفان بها ظاهرا لا باطنا - إذ لو اعتبرت العدالة في الواقع لتعذر الحصول على الشهود .
ويسن الاشهاد على رضا غير المجبرة احتياطا كي لا تنكر وذلك لأن رضاها ليس من نفس النكاح الذي جعل الاشهاد ركنا له وإنما رضاها شرط في النكاح فيسن الاشهاد على وقوعه منها ورضاها قد يحصل بإخبار وليها من غير شهادة .
الحنابلة - قالوا : للنكاح أربعة شروط : الشرط الأول تعيين الزوجين يقول : زوجتك ابنتي فلانة فإذا قال : زوجتك ابنتي بغير تعيين وكان له غيرها لم يصح إذا قال : قبلت نكاحها لابني وله غيره بل يلزم أن يقول لابني فلان فلا بد من أن يميز الزوج والزوجة باسمه أو بصفته التي لم يشاركه فيها غيره كقوله : بنتي الكبرى أو الصغرى أو البيضاء أو الحمراء أو ابني الكبير أو الصغير أو نحو ذلك .
وقد عرفت أن صيغة النكاح لا بد أن تكون بلفظ النكاح أو التزويج وأما القبول فيكفي فيه أن يقول : قبلت أو رضيت فلا يشترط فيه أن يقول : قبلت زواجها أو نكاحها ولا يصح أن يتقدم القبول على الإيجاب . ويشترط الفور فإن تأخر القبول عن الإيجاب حتى تفرقا أو تشاغلا بما يقطعه عرفا فإنه لا يصح ولا يشترط أن يكون اللفظ عربيا بل يصح بغير العربية من العاجز عن النطق بالعربية بشرط أن يؤدي معنى الإيجاب والقبول بلفظ التزويج أو النكاح بالكتابة ولا بالإشارة إلا من الأخرس فإنه يصح منه بالإشارة المفهومة .
الشرط الثاني : الاختيار والرضا فلا ينعقد نكاح المكروه إذا كان عاقلا بالغا ولو رقيقا لأن السيد ليس له اكراهه على الزواج لأنه يملك الطلاق فليس لإكراهه على الزواج معنى أما إذا لم يكن عاقلا بالغا فإن للأب اكراهه وكذلك وصي الأب والحاكم أما غيرهم فلا يصح له أن يزوج غير المكلف ولو رضي لأن رضاه غير معتبر . وللأب أن يجبر البكر ولو كانت بالغة كما سيأتي في مبحث الولي .
الشرط الثالث : الولي ويشترط فيه سبعة شروط الذكورة إذ لا تصلح ولاية المرأة العقل إذ من لا عقل له لا يمكنه النظر في شؤون نفسه فلا يصلح أن يتولى شؤون غيره - ولا يضر الاغماء - البلوغ لأن الولاية لا .
تصلح من الصغير لقصر أمره عن تدبير شؤون غيره . الحرية فلا تصح ولاية العبد لأنه لا ولاية له على نفسه فلا يصح أن يكون له ولاية على .
غيره . اتفاق الدين فلا تصح ولاية كافر على مؤمن ولا ولاية مجوسي على نصراني إلا السلطان فإن له الولاية بصرف النظر عن اختلاف الدين . الرشد - وهو أن يكون ذا خبرة بمعرفة الكفء الصالح - ومصالح النكاح .
الشرط الرابع من شروط النكاح : الشهادة فلا يصح إلا بشهادة ذكرين بالغين عاقلين عدلين ولو كانت عدالتهما ظاهرا ولو رقيقين ويشترط فيهما أن يكونا متكلمين مسلمين سميعين فلا تصح شهادة الأصم والكافر ويشترط أن يكونا من غير أصل الزوجين وفرعيهما فلا تصح شهادة أب الزوجة أو الزوج أو أبنائهما لأن شهادتهما لا تقبل وتصح شهادة الأعميين وشهادة عدوي الزوجين .
الشرط الخامس : خلو الزوجين من الموانع الشرعية .
المالكية - قالوا : لكل ركن من أركان النكاح المتقدمة شروط فيشترط في الصيغة شروط أحدها : أن تكون بألفاظ مخصوصة وهي أن يقول الولي : أنكحت بنتي أو زوجتها أو يقول له : زوجني فلانة ومتى تلفظ الولي أو الزوج بلفظ الانكاح أو التزويج فيكفي أن يجيبه الآخر بما يدل على القبول بأي صيغة كأن يقول : قبلت أو رضيت أو نفذت أو أتممت ولا يشترط أن يقول : قبلت نكاحها أو زواجها كما هو رأي الشافعية فإذا خلا لفظ الزوج أو الولي عن الانكاح والتزويج فإن النكاح لا ينعقد على المعتمد إلا بلفظ الهبة بشرط أن يكون مقرونا بذكر الصداق بأن يقول الولي : وهبت لك ابنتي بصداق كذا أو يقول الزوج : هب لي ابنتك بصداق كذا . أما غير ذلك من الألفاظ التي تفيد التمليك كبعت وتصدقت ومنحت وأعطيت وملكت وأحللت مع ذكر الصداق بأن يقول : بعت لك ابنتي بصداق قدره كذا فإن فيها خلافا . والراجح عدم انعقاد النكاح بها . أما إذا لم يذكر الصداق فإن النكاح لا ينعقد لها اتفاقا . فتحصل من هذا أنه يشترط في الصيغة أن تكون بلفظ الانكاح أو التزويج أو الهبة بشرط ذكر الصداق .
ثانيها : الفور فيشترط لصحة النكاح أن لا يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل كثير يقتضي الاعراض . فإذا قال الولي : زوجتك فلانة قال الزوج : قبلت ذلك الزواج . ولا يضر الفاصل اليسير كما إذا فصل بخطبة قصيرة ونحوها ويستثنى من ذلك الإيصاء بالتزويج فإنه يغتفر فيه الفاصل الطويل فإذا قال : إن مت زوجت ابنتي لفلان فإنه يصح ولا يلزم أن يجيبه الموصى له على الفور بقوله قبلت بل يصح إذا قبل الزوج بعد موت الموصي سواء كان القبول بعد موته بمدة قريبة أو بعيدة على المعتمد . إنما يشترط لصحة النكاح بالوصية أن تكون الوصية في مرض مات فيه سواء كان مخوفا أولا وسواء طال أو قصر . ومثل ذلك ما إذا قال : زوجت ابنتي لفلان إن رضي فإنه إذا رضي يعقد النكاح . ولا يلزم أن يكون موجودا في المجلس بل يصح أن يرضى بعد علمه ولو بزمن طويل . والحاصل أن الفور شرط فيما إذا كان الطرفان حاضرين في مجلس العقد وفي هذه الحالة لا يغتفر الفصل بين الإيجاب والقبول إلا بالأمر اليسير . وبذلك تعلم أن الإيصاء بالنكاح والتعليق على الرضى ينعقد بهما عند المالكية خلافا لغيرهم .
ثالثها : أن لا يكون اللفظ مؤقتا بوقت كأن يقول للولي : زوجني فلانة شهرا بكذا أو يقول قبلت زواجها مدة شهر بكذا وهذا هو نكاح المتعة الآتي .
رابعها : أن لا يكون مشتملا على الخيار أو على شرط يناقض العقد وسيأتي بيان ذلك في مبحث الشروط .
ويشترط في الولي ثمانية شروط : الذكورة والحرية والعقل والبلوغ وعدم الإحرام وعدم الكفر - إذا كان وليا لمسلمة - أما ولاية الكافر لمثله فصحيحة وعدم السفه إذا لم يكن عاقلا أما إذا كان سفيها ولكن ذا رأي وعقل فإن سفهه لا يخرجه عن الولاية فله حق إجبار المرأة وعدم الفسق .
ويشترط في الصداق أن يكون مما يملك شرعا فلا يصح الصداق إذا كان خمرا أو خنزيرا أو ميتة أو كان مما لا يصح بيعه كالكلب أو كان جزء ضحية فإذا وقع العقد على صداق من هذه الأشياء كان فاسدا ويفسخ وجوبا قبل الدخول فإن دخل بها فإن العقد يثبت بصداق المثل كما يأتي في الصداق .
أما الشهادة فقد عرفت أنها ضرورية لا بد منها ولكن لا يلزم أن يحضر الشهود عند العقد بل يندب ذلك فقط فإذا قال الولي : زوجتك فلانة وقال الزوج : قبلت انعقد النكاح وإن لم يحضر أحد ولكن يجب أن يحضر شاهدان عند الدخول بها فإن دخل عليها من غير شاهدين فسخ النكاح بطلقة لأنه عقد صحيح فيكون فسخه طلاقا بائنا وذلك لأن عدم الإشهاد مطلقا يفتح الباب على مصراعيه للزناة إذ يمكن كل واحد في خلوة مع امرأة خالية الأزواج أن يدعي العقد عليها . ولا بد أن يشهد شاهدان غير الولي فلا يرفع الفسخ حضور الولي . وإذا عقد الولي من غير شهود ثم تفرقا فلقي الولي شاهدين فقال لهما : أشهدكما بأنني زوجت فلانا لفلانة ولقي الزوج شاهدين غيرهما فقال لهما : أشهدكما بأنني تزوجت فلانة فإنه يصح ويقال لهذه الشهادة : شهادة الأبداد - أي المتفرقين - وهي تكفي في النكاح والعتق فيكون على الزوج شاهدان وعلى الولي شاهدان .
وينبغي أن يكون شاهدا الولي غير شاهدي الزوج فإن كان شاهدا أحدهما عين شاهدي الآخر فلا تكون الشهادة شهادة أبداد ولكن يكفي ذلك في العقد إذ لا يلزم فيه أن يكون الشهود أربعة .
ثم إذا دخل عليها بدون شهادة اثنين واعترف بأنه وطئها أو قامت بينة بأنه وطئها كان عليهما حد الزنا ما لم يشتهر الدخول بها - كزوجة له - بوليمة أو دف أو ايقاد نار أو نحو ذلك مما يعمل عادة عند الدخول بالأزواج وكذا إذا كان على الدخول أو العقد شاهد واحد .
ثم إن أمكن حضور شاهدي العدل ليشهدا على العقد أو النكاح فإنه لا يشهد غيرهما وإن لا فتصح شهادة المستور بشرط أن لا يكون مشهورا بالكذب ويستحسن في هذه الحالة الاستكثار من الشهود .
ويشترط في الزوجين الخلو من الموانع كالإحرام فلا يصح العقد في حال الإحرام وأن لا تكون المرأة زوجة للغير أو معتدة منه . وأن لا يكونا محرمين بنسب أو رضاع أو مصاهرة )