- للنكاح شروط عدها بعض المذاهب أركانا وعد شروطا غيرها لم يعتبرها بعض المذاهب الأخرى كما تراه مفصلا في المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : للنكاح شروط بعضها يتعلق بالصيغة وبعضها يتعلق بالعاقدين وبعضها يتعلق بالشهود فأما الصيغة - وهي عبارة عن الإيجاب والقبول - فيشترط فيها شروط : أحدها أن تكون بألفاظ مخصوصة وبيانها أن الألفاظ التي ينعقد بها النكاح إما أن تكون صريحة و إما أن تكون كناية . فالصريحة هي ما كانت بلفظ تزويج وانكاح أي ما اشتق منهما كزوجت وتزوجت وزوجني ابنتك مثلا أو زوجيني نفسك فتقول : زوجت أو قبلت أو سمعا وطاعة . ويصح النكاح بلفظ المضارع إذا لم يرد به طلب الوعد فلو قال : تزوجني بنتك فقال : زوجتك صح أما إذا نوى الاستيعاد - أي طلب الوعد - فإنه لا يصح ولو قال : أتزوجك بالمضارع فقالت : زوجت فإنه يصح بدون كلام لأنه لا يطلب من نفسه الوعد . وقوله : زوجني فيه خلاف هل هو توكيل بالزواج - أي وكلتك - بأن تزوجني ابنتك أو هو إيجاب كقول : زوجتك ابنتي ؟ والراجح أنه توكيل ضمني لأن الغرض من الأمر طلب التزويج وهو يتضمن التوكيل . وإذا كان توكيلا ضمنا لا صراحة فلا يأخذ حكم التوكيل من أنه لا يشترط فيه اتحاد المجلس فلو وكله اليوم ثم قبل التوكيل بعد أيام صح بخلاف النكاح فإن القبول يشترط فيه أن يكون في مجلس الإيجاب كما ستعرف بعد . فلفظ زوجني له جهتان : جهة طلب النكاح وهي المقصودة فتعتبر فيها شروط النكاح وجهة توكيل - وهي ضمنية - فلا يعتبر فيها شروط التوكيل ولا يشترط في الألفاظ الصريحة أن يعرف الزوجان أو الشهود معناها وإنما يشترط معرفة أن هذا اللفظ ينعقد به النكاح مثلا إذا لقنت امرأة أعجمية لفظ زوجتك نفسي عارفة أن الغرض منه اقترانها بالزوج ولكنها لم تعرف معنى زوجت نفسي فإن النكاح ينعقد ومثل الزوجة في ذلك الزوج والشهود وهذا بخلاف البيع فإنه لا يصح إلا إذا عرف البيعان معنى اللفظ فلا يكفي فيه أن ينعقد به البيع أما الخلع فإن المرأة إذا لقنت خالعني على مهري و نفقتي فقالته وهي لا تعرف معناه فإن الصحيح أن الطلاق يقع ولا يسقط مهرها ولا نفقتها . أما الكناية فإن النكاح لا ينعقد بها إلا بشرط أن ينوي بها التزويج وأن تقوم قرينة على هذه النية . وأن يفهم الشهود المراد أو يعلنوا به إن لم تقم قرينة يفهموا منها .
والكنايات التي ينعقد بها النكاح تنقسم إلى أربعة أقسام : الأول لا خلاف في الانعقاد به عند الحنفية وهو ما كان بلفظ الهبة أو الصدقة أو التمليك أو الجعل فإذا قالت : وهبت نفسي لك ناوية معنى الزواج وقال : قبلت انعقد النكاح . وكذا إذا قالت : تصدقت بنفسي عليك أو جعلت نفسي صدقة لك أو قالت : ملكتك نفسي . أو قال : جعلت لك ابنتي بمائة فإن كل ذلك ينعقد به النكاح بلا خلاف .
القسم الثاني : في الانعقاد به خلاف ولكن الصحيح الانعقاد وهو ما كان بلفظ البيع والشراء فلو قالت : بعت نفسي منك بكذا ناوية الزواج وقبل فإنه يصح ومثل ما إذا قالت : أسلمت إليك نفسي في عشرين إردبا من القمح آخذها بعد شهر تريد به الزواج فإنه يصح وكذا إذا قال : صالحتك على الألف التي علي لابنتي يريد به الزواج فقال : قبلت فينعقد النكاح على الصحيح بلفظ البيع والشراء والسلم والصلح والفرض .
القسم الثالث : فيه خلاف والصحيح عدم الانعقاد وهو ما كان بلفظ الإيجارة والوصية فلو قالت أجرت لك نفسي أو قال : أوصيت لك بابنتي بعد موتي أو قال أوصيت لفلان بابنتي ولم يقل : بعد موتي فقال : قبلت فإنه لا ينعقد بها النكاح وأولى إذا قال : قبلت بعد موته أما إذا قال له : أوصيت لك ببضع ابنتي الآن أو للحال أو حالا بألف مثلا فقال : قبلت فإنه لا يصح وذلك لأنه لا يشترط أن يفيد اللفظ تمليك العين في الحال . والوصية المطلقة والمقيدة بما بعد الموت تفيد الملك مالا .
القسم الرابع : لا خلاف في عدم الانعقاد به وهو ما كان بألفاظ الإباحة والإحلال والإعارة والرهن والتمتع والإقالة والخلع . فلو قالت : أحللت لك نفسي أو أعرتك أو متعتك بنفسي أو قال له : أقلني من بيع السلعة على ابنتي بنية الزواج فإنه لا يصح .
ثانيها : أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد فإذا قالت : زوجتك نفسي أو قال : زوجتك ابنتي فقام الآخر من المجلس قبل القبول واشتغل بعمل يفيد انصرافه عن المجلس . ثم قال : قبلت بعد ذلك فإنه ينعقد . وكذا إذا كان أحدهما غائبا . فلو قالت امرأة بحضرة شاهدين : زوجت نفسي من فلان وهو غائب فلما علم قال بحضرة شاهدين : قبلت فإنه لا ينعقد . لأن اتحاد المجلس شرط وهذا بخلاف ما إذا أرسل إليها رسولا قال لها : أرسلني يطلب منك أن تزوجيه نفسك فقالت : قبلت فإنه ينعقد لأن الإيجاب والقبول في مجلس واحد وإن كان الزوج غائبا عن المجلس فإذا لم تقبل المرأة عندما قال لها الرسول ثم أعاد الرسول الإيجاب في مجلس آخر فقبلت فإنه لا ينعقد لأن رسالته انتهت أولا . وكذا إذا أرسل إليها كتابا يخطبها وهو غائب عن البلد فأحضرت الشهود وقرأت عليهم الكتاب وقالت : زوجت نفسي فإنه ينعقد وذلك لأن الإيجاب والقبول حصلا في مجلس واحد . فإن الكتاب في المجلس إيجاب الزوج وقول المرأة : زوجت أو قبلت هو القبول حتى لو لم تقبل في المجلس . ثم قرأت الكتاب في مجلس آخر وقبلت فإنه ينعقد . لأن كل ما قرأ في الكتاب كان إيجابا من الزوج ولهذا لو قالت أمام الشهود زوجت نفسي من فلان ولم تقرأ عليهم الكتاب فإنه لا ينعقد لأن سماع الشطرين شرط صحة النكاح ولا يصح النكاح بالكتابة مع وجود الخاطب ويمكنه من حضور مجلس العقد ويتفرع على اتحاد المجلس أنهما إذا عقدا على دابة تسير أو عقدا وهما يمشيان فإنه لا يصح لعدم الاستقرار في مكان واحد . أما إذا عقدا على ظهر سفينة وهي تسير فإنه يصح لأن السفينة تعتبر مكانا . وهل السيارة " الاتوموبيل " ونحوه مثل السفينة أو الدابة ؟ إنه مثل الدابة فلا يصح العقد عليه عند الحنفية . هذا ولا يشترط الفور عند الحنفية فلو قالت : زوجتك فتكلم في المجلس بكلام خارج عن العقد ثم قالت قبلت : فإنه يصح . على أنه لابد في عقد النكاح من اللفظ فلا ينعقد بالتعاطي مثلا لو قالت له : زوجتك نفسي بألف فأعطاها الألف ولم يقل : قبلت لا ينعقد النكاح وكذا لا ينعقد بالإقرار على المختار بمعنى أن الإقرار إظهار لما هو ثابت ومعنى كون العقد يثبت بالتصادق أن العقد يكون حاصلا من قبل والقاضي يحكم بثبوته لا أن الإقرار ينعقد به النكاح أول الأمر لأنه يكون كذبا .
ثالثها : أن لا يخالف القبول الإيجاب فإذا قال شخص لآخر : زوجتك ابنتي على ألف درهم فقال الزوج : قبلت النكاح ولا أقبل المهر لا ينعقد النكاح ولو قبل وسكت عن المهر ينعقد أما إذا قالت له : زوجتك نفسي بألف فقبلها بألفين فإنه يصح وإن كان القبول يخالف الإيجاب لأن غرضها قد تحقق مع زيادة ولكن لا تلزمه الزيادة إلا إذا قبلت في المجلس . وإذا قال لها زوجيني نفسك بألف فقالت بخمسمائة فإنه يصح ولا يحتاج إلى قبول منه لأن هذا إبراء واسقاط بخلاف الزيادة فإنها لا تلزم إلا القبول .
رابعها : أن تكون الصيغة مسموعة للعاقدين فلا بد أن يسمع كل من العاقدين لفظ الآخر إما حقيقة كما إذا كانا حاضرين أو حكما كالكتاب من الغائب لأن قراءته قامت مقام الخطاب هنا ولا يشترط في الصيغة أن تكون بألفاظ صحيحة بل تصح بالألفاظ المحرفة على التحقيق فإذا كانت المرأة أو وكيلها من العامة الذين لا يحسنون النطق بقول : زوجت : وقالت : جوزتك نفسي أو قال : جوزتك ببنتي فإنه يصح . ومثل النكاح الطلاق فإنه يصح بالألفاظ المحرفة .
خامسها : أن لا يكون اللفظ مؤقتا بوقت فإذا قال لها زوجيني نفسك شهرا بصداق كذا فقالت : زوجت فإنه يقع باطلا وهذا هو نكاح المتعة الآتي .
وأما الشروط المتعلقة بالعاقدين وهما الزوج والزوجة فمنها العقل - وهو شرط في انعقاد النكاح - فلا ينعقد نكاح المجنون والصبي الذي لا يعقل أصلا . ومنها البلوغ والحرية وهما شرطان للنفاذ .
فإذا عقد الصبي الذي يعقل والعبد فإن عقدهما ينعقد ولا ينفذ إلا بإجازة الولي والسيد . ومنها أن تكون الزوجة محلا قابلا للعقد فلا ينعقد على رجل ولا على خنثى مشكل ولا على معتدة أو متزوجة للغير . ومنها أن يكون الزوج والزوجة معلومين .
فلو زوج ابنته وله بنتان لا يصح إلا إذا كانت إحداهما متزوجة فينصرف إلى الخالية من الأزواج . وإذا كان لرجل بنت لها اسم في صغرها ثم اشتهرت باسم آخر في كبرها تذكر بالاسم المعروفة به قال في الهندية والأصح أن تذكر بالاسمين رفعا للابهام ولو كانت له ابنة واحدة اسمها فاطمة فذكرها باسم عائشة فإنه لا يصح .
ومنها أن يضاف النكاح إلى المرأة أو إلى جزء يعبر به عن الكل كالرأس والرقبة فلو قال زوجني يد ابنتك أو رجلها لا ينعقد على الصحيح .
أما الشروط التي تتعلق بالشهادة فإن الشهادة أولا في ذاتها شرط لصحة عقد النكاح فلا بد منها .
وأقل نصاب الشهادة في النكاح اثنان فلا تصح بواحد . . ولا يشترط فيهما أن يكون ذكرين بل تصح برجل وامرأتين على أن النكاح لا يصح بالمرأتين وحدهما بل لابد من وجود رجل معهما . ولا يشترط فيهما عدم الإحرام فيصح عقد المحرم بالنسك .
ويشترط في الشهود خمسة شروط : العقل والبلوغ والحرية فلا ينعقد بحضرة مجنون أو صبى أو عبد . والرابع الإسلام فلا ينعقد نكاح المسلمين بشهادة الذميين إلا إذا كانت المرأة ذمية . والرجل مسلما فإنه ينعقد نكاحها بشهادة ذميين سواء كانا موافقين لها في الملة أو مخالفين .
وإذا كان العاقدان غير مسلمين فلا يشترط في الشهود أن يكونا مسلمين من باب أولى لا فرق أن يكونا موافقين لهما في الملة أو مخالفين . وينعقد النكاح بشهادة أعميين أو محدودين في قذف أو زنا وإن لم يتوبا أو فاسقين كما ينعقد بشهادة الابن الذي لا تقبل شهادته على أبيه وأمه في غير النكاح . فيصح أن يتزوج امرأة بشهادة ابنيه منها أو من غيرها . كما يصح شهادة ابنها من غيره . ومثل الابن الأب فيصح في النكاح شهادة الأصول والفروع . ولكن شهادة هؤلاء وإن كان يعقد بها النكاح إلا أنه لا يثبت بها عند الإنكار فشهادتهم تنفع في حل الزوجة ديانة لا قضاء فالنكاح له حالتان . حالة الانعقاد وهذه تصح فيها شهادة الأعمى والفاسق والابن والأب . وحالة إثبات عند الإنكار وهذه لا تصح فيها شهاداتهم بل يشترط في الشاهد على إثبات النكاح ما يشترط في غيره . وعلى هذا إذا وكل رجل آخر على أن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها بحضور امرأتين مع وجود الأب الموكل صح النكاح لأن الأب يعتبر شاهدا والمرأتان شاهد آخر .
بهذا تعلم أن شهادة الولي تنفع في الانعقاد . فإذا زوج الأب ابنته البالغة بحضور رجل واحد وكانت هي حاضرة فإنه يصح وذلك أنها تجعل في الحالة هي المباشرة للعقد ويجعل أبوها شاهدا مع الرجل الآخر وذلك لأنها هي التي أمرت أباها بتزويجها . والقاعدة أن الآمر إذا حضر في المجلس تنتقل عبارة الوكيل إليه . فكأنه هو المعبر فتكون هي مباشرة ولا يمكن جعلها شاهدة لأنه لا يتصور كون الشخص شاهدا على نفسه . أما إذا كانت صغيرة وزوجها أبوها بحضرة رجل واحد فإنه لا يصح لأن العقد لا يمكن نقله إليها لصغرها . ومثل ذلك ما إذا وكلت امرأة بالغة رجلا أجنبيا وكانت حاضرة فزوجها بحضرة آخر فإنه يصح وتصلح هي شاهدا لإثبات العقد عند الإنكار . إنما ينبغي أن لا يذكر العقد لأنه باشره فلا يصح أن يشهد على نفسه بل يقول : إنها منكوحة فلان أو زوجة .
الشرط الخامس : من الشروط المتعلقة بالشهود أن يسمعا كلام العاقدين معا فلا تصح شهادة النائمين الذين لم يسمعا كلام العاقدين . أما الشهادة على التوكيل بالعقد فإنها ليست شرطا في صحة النكاح فلو قالت لأبيها : وكلتك في زواجي بدون حضور شاهدين فإنه يصح ولكن إذا أنكرت أنها وكلته لم يكن عليها بينة . ففائدة الشهود في التوكيل الإثبات عند إنكار التوكيل . ويشترط في الشهادة على إثبات التوكيل أن يعرف الشهود المرأة ويسمعوا كلامها . فإذا رآها الشاهدان وسمعا كلامها إن كانت وحدها في المنزل جاز لهما أن يشهدا على إثبات التوكل عند إنكارها . فإن كانت غائبة ولم يسمعوا كلامها بأن عقد لها وكيلها فإن كان الشهود يعرفونها كفى ذكر اسمها إذا علموا أنه أرادها وإذا كانوا يعرفونها فلا بد من ذكر اسمها واسم أبيها وجدها على أنك قد عرفت أن الشهادة في ذلك يصح بها العقد ولكن لا تنفع عند جحود التوكل فالأحوط أن يشهد على التوكل اثنان عارفان بالزوجة أنها وكلت بعد سماعها .
وينعقد النكاح بشهادة الأخرس وفاقد النطق إذا كان يسمع ويفهم . ولا يشترط فهم الشهود معنى اللفظ بخصوصه وإنما يشترط أن يعلموا أن هذا اللفظ ينعقد به النكاح كما تقدم . فإذا تزوج عربي بحضرة أعجمي يصح إذا كانا يعرفان أن لفظ الإيجاب والقبول ينعقد بهما النكاح وإلا فلا . وينعقد بحضرة السكارى إذا كانا يعرفان أن هذا ينعقد به النكاح ولو لم يدركوه بعد الإفاقة من السكر .
وإذا أرسل شخص جماعة يخطبون له ابنة آخر فقال أبوها : زوجته ابنتي وقال أحد الخاطبين قبلت زواجها له فإن النكاح ينعقد على الصحيح .
خاتمة : لا يشترط في النكاح اختيار الزوج والزوجة فلو أكره الزوج أو الزوجة على النكاح انعقد النكاح . ومثل النكاح الطلاق والعتق فإنه لا يشترط فيهما الاختيار والرضا وكذلك لا يشترط الجد في هذه الأمور الثلاثة : النكاح والطلاق والعتق بل تنعقد ولو كان هازلا .
الشافعية - قالوا : شروط النكاح بعضها يتعلق بالصيغة وبعضها يتعلق بالولي وبعضها بالزوجين وبعضها يتعلق بالشهود .
( يتبع . . . )