- تنقسم الوكالة إلى أقسام منا يرجع إلى الموكل . ومنها يرجع إلى الوكيل . ومنها ما يرجع إلى الموكل فيه . ومنها ما يرجع إلى الصيغة التي تتحقق بها الوكالة وفي ذلك تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : شروط الوكالة التي ترجع إلى الموكل هو أن يكون الموكل ممن يملك فعل ما وكل به بنفسه فلا يصح التوكيل من المجنون جنونا مطبقا والصبي الذي لا يعقل أصلا . لأن النجنون لا يملك التصرف في شيء بنفسه مطلقا ومثله الذي لا يعقل أما الصبي الذي يعقل فقد عرفت في مباحث الحجر أن تصرفه ينقسم إلى ثلاثة أقسام : .
الأول : أن يتصرف تصرفا ضارا به لا محالة كالطلاق والهبة والصدقة ونحوها وفي هذه الحالة لا يصح تصرفه مطلقا فلا يصح أن يطلق زوجه أو أن يهب غيره من ماله أو أن يتصدق بشيء منه فإن فعل وقع ذلك التصرف باطلا فهو لا يملك التصرف فلا يملك أن يوكل فيه غيره .
الثاني : أن يتصرف تصرفا نافعا له كقبول الهبة والصدقة فإن فيه منفعة محققة له وفي هذه الحالة يقع تصرفه صحيحا مطلقا ولو لم يأذنه وليه فهو يملك ذلك التصرف فيصح له أن يوكل فيه غيره .
الثالث : أن يتصرف تصرفا يحتمل النفع والضر كالبيع والشراء والإجارة وفي هذه الحالة إن كان وليه قد أذنه بذلك التصرف فإنه يقع صحيحا فيصح له أن يوكل فيه غيره وإن لم يأذنه يقع موقوتا على إذنه فإن أجازه إلا فلا ومثله التوكل .
أما المجنون جنونا متقطعا بحيث يجن تارة ويفيق أخرى فإنه يصح أن يوكل في حالة صحوه بشرط أن يكون لحوه وقت معلوم حتى تعرف لإفاقته من جنونه وإلا فلا يصح له أن يوكل . وأما المعتوه وهو الغالب عليه اختلاط الأمور فإنه لا يصح توكيله .
أما الإسلام فليس شرطا في الموكل فيجوز أن يوكل الذمي غيره كالمسلم لأن حقوقههم مضمونة من الضياع كحقوقنا وإذا وكل الذمي المسلم بتقاضي ثمن الخمر فإنه يكوه للمسلم أن يفعل وإذا وكل الذمي المسلم أن يرهن له خمرا في نظير نقود أو يرهن له عينا في نظير خمر يأخذه فإنه يصح إذا أخبر به على أنه رسول فيقول : أرهن لفلان خمرا . أما إذا أضافه لنفسه بأن قال : ارهن لي خمرا أو أقرضني نقودا في نظير خمر فإنه لم يكن رهنا وهل النرتد كذلك أو لا ؟ خلاف فبعضهم يقول : إذا وكل المرتد شخصا فإن ذلك التوكيل يقع موقوفا فإن أسلم المرتد نفذ ما صدر منه توكيله الغير وإن مات أو خرج من دار الإسلام إلى دار الإسلام إلأى دار الحرب بطل توكيله فإن لحق بدار الحرب ثم عاد إلى الإسلام فإن كان القاضي حكم بلحوقه بدار الحرب فإن التوكيل يبطل وإن لا فإنه ينفذ . وبعضهم يقول : إن للمرتد أن يوكل غيره ويقع توكيله صحيحا نافذا . هذا إذا كان المرتد رجلا . أما المرأة المرتدة فإن توكيلها جائز في قولهم جميعا لأن ردتها لا تعتبر في حكم ملكها فهي ملكها كالمسلمة في ذلك .
وإذا وكلت قبل ردتها ثم ارتد فغن توكيلها لا يبطل إلا إذا وكلت بتزويجها وهي مرتدة فإنه يكون باطلا فإن زوجها حال ردتها لا يصح أما إذا عادت إلى الإسلام فزوجها فإنه لا يصح . أما إذا وكلته بأن يزوجها وهي مسلمة ثم اردت ثم عادت إلى الإسلام فزوجها فإنه لا يصح لأن ردتها أبطلت التوكيل في ذلك .
وأما الشروط التي ترجع إلى الوكيل فهي أمران : .
أحدهما : أن يكون عاقلا فلا يصح لشخص أن يوكل مجنونا أو صبيا لا يعقل أما البلوغ والحرية فلا يشترطان في الوكيل فيصح أن يكون الوكيل صبيا عاقلا يدرك ما يترتب على العقود من المتافع والمضار سواء أذنه وليه ومثله العبد في ذلك .
ثانيهما : أن يعلم الوكيل بالوكالة فعلم الوكيل شرط في صحة تصرفه بلا خلاف فإذا وكل شخصا آخر في بيع متاعه ولم يعلم الوكيل فباع المتاع قبل العلم بكل تصرفه إلا إذا أجازه الموكل وعلم الوكيل بالتوكيل يثبت بالمشافهة أو الكتابة إليه أو بإخيار رجلين أو واحد عدل أو غير عدل وصدقه الوكيل .
أما الإسلام وعدم الردة فلا يشترطان في الوكيل باتفاق وإن كان عدم الردة مختافا فيه في الموكل فيصح للمسلم أن يوكل الذمي حتى في بيع الخمر والخنزير عند أبي حنيفة الذي يقول إن الموكل إذا كان ذميا بلا خلاف .
وإذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب وكان المسلم في دار الإسلام فغن التوكيل باطلا في هذه الحالة وكذلك العكس وهو ما إذا وكل الحربي مسلما وهو في دار الحرب والمسلم في دار الإسلام .
وأما الشروط التي ترجع إلى الموكل فيه فمنعها أن لا يكون من الأمور المياحة فلا يصح لشخص أن يوكل غيره في أن يحتطب له أو يسقي له الماء أو يستخرج له شيئا من المعادن المباحة كالحديد والرصاص والجواهر ونحو ذلك فإذا حصل الوكيل على شيء من ذلك فهو له وليس للموكل منه شيء ومثل ذلك ما إذا وكله ليشحذ له فإن التوكيل لا يصح وإذا شحذ الوكيل شيئا فهو له .
ومنها : أن لا يكون الموكل فيه استقراصا ( طلب قرض من الغير ) فإذا وكل شخص آخر في أن يطلب من شخص أن يقرضه مالا فقال الوكيل : أقرضني كذا كان الرقض للوكيل لا للموكل فإذا هلك كان المسؤول عنه الوكيل وللوكيل أن لا يعطيه للموكل نعم إذا قال : فلان أرسلني إليك لتقرضه فأعطاه فإن القرض يكون للمرسل وهذا يسمى ( رسولا ) لا وكيلا والفرق بين الرسول والوكيل أن الوكيل يكون بألفاظ التوكيل الآتي بيانها في الصيغة بخلاف الرسول فإنه يكون بلفظ الرسالة كأن يقول له : كن رسولا عني في كذا أو أرسلتك لتأتي بكذا فلا بد في الرسول أن يضيف العقد إلى المرسل . بخلاف الوكيل فإن له أن ينسب لنفسه وللمرسل إلا في أمور كانكاخ والهبة وسيأتي بيانها .
ومن شورط الموكل فيه أن لا يكون حدا من الحدود التي لا تشترط فيها الدعوى كحد الزنا وحد الشرب فإن إثباته تكفي فيه شهادته الحسبة بدون دعوى فلا يصح فيه التوكل لا في إيفائه ولا في استيفائه والمراد قبضه .
أما الأول فظاهر لأنه لا يصح أن يقول شخص لآخر وكلتك عني في تأدية حد الرب فتسلم طهرك للجلد ولو وقع لأنه لا يصح إلا من الجاني .
وأما الثاني : فلأن هذا الحديث بدون دعوى فلا يصح فيه التوكيل مطلقا .
وأما الحدود التي تحتاج إلى إقامة الدعوى كحد القذف وحد السرقة في صحة التوكيل فيها خلافا فأبو حنيفة ومحمد يقولان بأن التوكيل يصح في إثبات الحد فإذا وكب شخص آخر في حد القذف على من قذفه فإنه يصح هذا التوكيل سواء كان الموكل حاضرا أو غائبا أما في الاسيفاء فإنه يجوز التوكيل إذا كان الموكل حاضرا بأن يحضر هو ووكيله حال تنفيذ الحد وأبو يوسف يقول : لا يصح فيه التوكيل كسابقه إلا أنه يقول : إن الممنوع إنما هو التوكيل في إثبات الحد أما التوكيل في إثبات المال المسروق فإنه يونفق عليه أبا حنيفة ومحمدا ولا يخفى أن حد الزنا وحد الشرب من حقوق الله تعالى وكذلك حد القذف وحد الشرب ومعنى كونها من حقوق الله أن الله تعالى قرر لها عقوبة ثابتة ليس للمجني عليه فيها شأن فلا بد من تنفيذها فالظاهر أن أبا يوسف يقول : إن التوكيل فيها لا معنى له سواء احتاجت لدعوى أو لا .
وأما حقوق العباد فإنها تنقسم إلى قسمين : .
نوع لا يجوز اسيفاؤه مع وجود شبهة ونوع يجوز استيفاؤه مع الشبهة .
مثال الأول : القصاص في القتل أو القود وهو القصاص في إتلاف عضو أو نحوه مما هو أقل من النفس وهذا النوع يصح التوكيل في إثباته عند أبى حنيفة ومحمد أيضا ولا يجوز في إيفائه ولا في استيفائه .
أما الأول : فظاهر إذا لا يصح أن يوكل شخص آخر في أن يقتل نفسه بدلا عنه ليدفع عنه حد جنايته أو يقطع عضوا منه لأن ذلك لا يصلح إلا من الجاني نفسه .
ومثال الثاني : وهو ما يجوز استيفاؤه مع الشبهة كالديوان والأعيان وسائر الحقوق غير القصاص فإنه يصح للوكيل أن يستلمها مه وجود شبهة عفو صاحبها وتركها لمن هي عليه فهذا النوع يصح التوكيل فيه إيفاء واستيفاء باتفاق .
ويجوز التوكيل في سائر العقود سوى ما ذكر كالبيع والشراء والإجارة والنكاح والطلاق والهبة والصدقة والخلع والصلع والإعارة والاستعارة وقبض الحقوق والخصومات وتقاضي الديون والرهن والارتهان وطلب الشفعة والرد بالغيب والقسمة والاستيهاب ( أي طلب الهبة من الغير ) إلا أن بعض هذه العقود لا يصح للوكيل فيها أن يسندها إلى نفسه بل من إسنادها إلى الموكل .
ومنها : النكاح فإن الوكيل لا بد أن يقول : قبلت زواج موكلي أو زوجت فلانة موكلتي فإذا قال : قبلت الزواج ولم يصفه أو قال الزواج فإنه بنعقد له لا لموكله بخلاف ما إذا كان وطيلا في الطلاق فإنه إذا أضافه إلى نفسه أن يقول : امرأة فلان طالق . أما إذا قال : امرأتي طالق فإنها تطلق فليس الإضافة إلى نفسه أن يقول : لمراتي بل معناها أن يسند طلاق امرأة موكله إلى نفسه ولا يشترط أن يقول : ففلان وكلني في أن أطلق امرأته .
ومنها : الهبة فإنه لا بد فيها من الإضافة إلى الموكل فإذا وكل إنسان آخر أن يهب مائة فقال : وهبت ولم يقل موكلي فإن الهبة لا تصح .
ومنها : الصلح عن دم العمد والصلح عن الإنكار فإذا ادعى شخص على آخر مائتين فأنكر المدعي عليه ثم وكل عنه من يصالح على مائة فإنه لا بد في ذلك من الإضافة فإذا قال المدعي على مائة صالحت وقبل وكيل المدعي عليه بأن قال : قبلت الصلح لفلان فإنه يصح . أما إذا قال : قبلت ولم يسند القبول لموكله فإنه لا يصح الصلح . وهذا بخلاف الصلح عن إقرار فإنه يصح إضافته إلى الوكيل والموكل .
ومنها : التصدق فإذا وكله أن يتصدق من ماله بكذا فإنه ينبغي أن يضيفها الوكيل إلى الموكل .
وأما الصيغة فإنها تنقسم إلى قسمين : ( خاصة وعامة ) : .
فأما الخاصة فهي اللفظ الذي يدل على التوكل في أمر خاص كقوله : وكلتك في شراء هذا البيت مثلا . وأما العامة فهي لفظ يدل على العموم كقوله : أنت وكيلي في كل شيء وقوله : ما صنعت من شيء فهو جائز وجائز أمرك في كل شيء فليس لها لفظ خاص حتى لو قال : أردت أن تقوم مقامي أو أحببت أو رغبت فإنه يصح . وهل ينفذ تصرف الوكيل بعد ذلك في كل شيء أو يستثنى بعض الأمور ؟ .
والجواب : أن ذلك يختلف باختلاف العبارات فإذا قال له : أنت وكيلي في كل شيء يكون وكيلا له في حفظ المال لا غير على الصحيح .
ومثل ذلك ما لو قال له : أنت وكيلي في كل شيء وقليل وإذا قال له : أنت وكيلي في كل شيء جائز أمرك يكون وكيلا في جميع التصرفات المالية كالبيبع والشراء والهبة والصدقة .
واختلف في الإعتاق والطلاق والوقف . فقال بعضهم : إنه لا يكون وكيلا فيها إلا إذا دل دليل سابق في الكلام وبعضهم يقول : إنه يشملها .
وإذا قال : وكلتك في جميع أموري فقال له : طلقت امرأتك أو قفت جميع فإنه لا يجوز على الأصح .
وإذا قال له : وكلتك في جميع أموري ولأقمتك مقام نفسي لا تكون الوكالة عامة إلا إذا قال : في جميع أموري التي يجوز فيها التوكل فإنها في هذه الحالة تكون عامة تشمل البيع والشراء والأنكحة وغير ذلك .
وأما في الحالة الأولى وهي قوله : وكلتك في جميع أموري وأقمتك مقام نفسي بدون أن يقول : في أموري التي يجوز فيها التوكيل فإنه ينظر إلى حال الموكل فإن كانت له صناعة خاصة فإنه يكون وكيلا عنه فيها .
أما إذا لم تكن له صناعة خاصة وكانت له معاملات مختلفة فإن الوكالة تقع باطلة . والحاصل أن الوكيل وكالة عامة يملك كل شيء إلا الطلاق والعتاق والهبة والصدقة على المفتي به وكذا لا يملك الإبراء والحط عن الديون لأنها تبرع وهو لا يملك التبرع .
وكذا لا يملك الإقراض والهبة بشرط العوض ويملك ما وراء ذلك فيملك قبض الدين وإيفاءه والدعوى بحقوق على الموكل والأقارير على الموكل بالديون ولا يختص بمجلس القاضي لأن ذلك في الوكيل بالوكالة الخاصة .
على أن هناك صيغا لا ينعقد بها التوكل أصلا منها أن يقول له : لا أنهاك عن طلاق زوجتي ومنها أن يقول له : أنت وصيتي .
ومنها : أن يقول لغيره : اشتر لي جملا بعشرة جنيهات أو جارية بخمسين جنيها فذلك لا يكون توكيلا وإنما يكون مشورة . أما قال له : اشتر لي جملا بعشرة جنيهات ولك على شرائك درهم فإنه يكون وكيلا .
ومنها : أن يقول شخص لآخر مديون له اشتر بمالي عليك جملا أو عبدا فإنه لا يصح التوكيل وأما إذا قال له : اشتر لي جمل فلان أو هذه الجارية فإنه يصح .
ومنها : أن يقول لمديونه أسلم مالي عليك في قمح أو سمن مثلا ( يعني استلمه في السلم ) فإنه لا يصح التوكيل .
أما إذا عين الشخص الذي يتعاقد معه عقد السلم بأن يقول : أسلم مالي عليك إلى فلان في كذا فإنه يصح .
أما الصيغ الخاصة فإن منهم بأن يقول شخص لآخر : إذا لم تبع جملي هذا تكون امرأتي طالقا فإذا قال له ذلك وكله في بيع الجمل .
ومنها : أن يقول : سلطتك على بناء هذه الدار مثلا بمنزلة قوله : وكلتك .
ومنها : أن يقول : فوضت إليك دوابي أو أمر مماليكي وبذلك يملك حفظها ورعيها وعلفها والإنفاق عليها .
ومنها : أن يقول : فوضت إليك امرأتي وبذلك يملك طلاقها في المجلس فقط أما إذا قال له : ملكتك أمر امرأتي فإنه يملك طلاقها في المجلس وغيره .
الماكية - قالوا : الشروط المتعلقة بالوكيل ثلاثة : .
الأول : الحرية فلا تصح بين رقيق وحر ولا بين رقيقين إلا إذا كان الرقيق مأذونا له بالتجارة من سيده فإنه حينئذ يكون في حكم الحر .
الثاني : الرشد فلا تصح بين سفيهين ولا بين سفيه ورشيد . على أن هذا الشرط لهم فيه اختلاف فبعضهم يقول : يجوز في بعض الأمور ولكن ظاهر المذهب يقتضي أن المحجور عليه لا يصح أن يوكل أحدا عنه في الخصومة في تخليص ماله وطلب حقوقه . ويجوز للغير أن يوكله عن نفسه إلا إذا كانت امرأة محجورا عليها فإن لها أن توكل عنها غيرها فيما يتعلق بأمر عصمتها بل ليس لوليها قيام في ذلك إلا بتوكيل منها .
( يتبع . . . )