وأما الأجير وهو الصابع فإنه لا يضمن ما هلك في يده بدون تعد إذا لم ينفرد بالمتاع بأن قعد معه صاحبه حتى عمله أو أحضره منزله ليعمل لأن المال غير مسلم إليه في الحقيقة وإنما المالك استعان به في عمله كما يستعين بالوكيل بلا خلاف . أما إذا انفرد بالعمل ففيه أقوال ثلاثة أظهرها أنه لا ضمان عليه أيضا . وبعضهم يقول : إنه يضمن مطلقا وبعضهم يقول : إنه يضمن إذا كان أجيرا مشتركا وهو الذي يلتزم العمل في ذمته . أما الأجير الخاص وهو من أجر نفسه مدة معينة لعمل فإنه يضمن .
وإذا تلف المتاع أو ضاع بتعدي الأجير فإنه يضمنه مطلقا قطعا بلا خلاف ومن التعدي أن يزيد الخباز مثلا في نار الفرن فيحترق الخبز فإنه يكون متعديا بذلك .
أما إذا أوقدها بحسب المعتاد ولكن احترق الخبز بطبيعة العجين فإنه لا يضمن . ومن التعدي أيضا أن يضرب المعلم تلميذه ضربا يفضي به إلى الموت فإنه في هذه الحالة يضمن ومن التعدي أن يؤجر العامل لعمل فيعطيه لغيره ليعمله فيفسده فإنه يكون متعديا بذلك فيضمن ويصدق يمبنه أنه ما تعدى إذا شهد خبيران بتعديه . ومن هذا يتضح أن الأجير لحفظ حانوت لا يضمن متاعها إذا سرق ومثله الخفراء والحراس .
الحنابلة - قالوا : الأجير ينقسم إلى قسمبن : .
خاص ومشترك . فالأجير الخاص هو الذي تقدر منفعته بالزمن كأن يستأجره ليبني له حائطا كل يوم بكذا أو يخيط له أثوابا وله في الشهر كذا وهو الذي يعرف الآن بالأجير ( باليومية ) أو ( بالشهرية ) .
والاجير المشترك هو الذى تقدر منفعته بالعمل كان يستاجره على ان يبنى له هذا المنزل وشبابيكه بكذا وهو المعروف فى زمننا بالاجير ( بالمقاولة ) ولا يختص بواحد بل يتقبل العمال من كثيرين .
وحكم الاجير الخاص انه لا يضمن ما أتلفه من الاشياء التى يعمل فيها إلا إذا تعمد الإتلاف او فرط فإنه يضمن حينئذ . وعليه ان يعمل للمستاجر فى كل الوقت الذى استاجرهفيه سوى زمن فعل الصلوات الخمس فى اوقاتها وصلاة الجمعة والعيدين فإنها لاتدخل فى العقد وإن لم ينص عليها وللمستاجر منعه من صلاة الجماعة إلا إذا اشترط انه لا يمنعه منها وليس للعامل ان ينيب عنه غيره لان الإجارة متعلقة بعينه ويستحق الاجير الخاص الاجرة بمجرد تسليم نفسه للعمل سواء عمل ام لم يعمل فى بيت المستاجر أو في بيت نفسه .
وإذا عمل الاجير الخاص عملا لغير مستاجره فأضر به فإنه يلزم بقية ما أضاعه عليه من ذلك وإما حكم الاجير المشترك فإنه يضمن ما تلف من عمله ولو خطأ فلو خرق الصباغ الثوب من دقة أو مده او عصره فإن عليه قيمته كما إذا اخطا الخياط ففصل ثوب زيد على عمرو فإنه يضمنه . وكذا إذا عثر حماره فسقط ماعليه فانكسر فإنه يضمنه .
ومثل ذلك من إذا كان مستاجرا لحمل شيء على رأسه فعثرت رجله فأتلفه فإنه يضمنه وكذا إذا اتلف شيئا بسبب سوق الدابة او إنقطاع الحبل الذى يشد به وغير ذلك .
لا يضمن الأجير المشترك مافقد بغير فعله إذا وضعه فى حرز مثله ( فى محل حصين يوضع فيه مثله ) فلو وضع الخياط الثياب فى ( دولاب أو صندوق ) ثم سرقة أو حرقت فلا شيء عليه . ولا اجرة للاجير المشترك فيما عمله وتلف قبل تسليمه سواء عمله فى بيت المستاجر أو فى بيته .
وكذا لا يضمن الطبيب المعروف بالحذق إذا لم يخطئ فى عمله بحسب المتبع عادة فلو عمل الطبيب للمريض عملية جراحية وقام بواجبه من الاحتياط الذى يجب ان يعمل فى مثله ولكن عرض ما ليس فى حسابه فقضى على حياة المريض فإنه لا شيء على الطبيب . ومثله الختان ( الذي يطاهر الأولاد ) والحجام والبيطري ( الذى يعالج الحيوان أو يعمل له حدوة ) فإنهم لا يضمنون شيئا إذا عملوا الاحتياط التام الذى يجب أن يعمل فى مثل هذه الاحوال . فإن الطبيب ونحوه غير معروف بالحذق فى الصناعة مالناس الذين يدعون المعرفة بقطع ( الباسور ) أو ( قطع العرق ) أو ( إزالة غشاوة العيون ) أو نحو ذلك مع أنهم لم يدرسوا شيئا من قواعد الطب فإنهم يضمنون كل ما بترتب من اعمالهم من الضرر . وإذا عمل الطبيب الحاذق عملية لصغير بدون إذن وليه فاصابه ضرر فإنه يضمن ولو يخطئ فإذا اذنه وليه فاخطا كان الطبيب ضامنا .
وكذا لا يضمن الراعي ما يتلف من الماشية إلا إذا تعدى أو فرط في حفظها فإنه يضمن في هذه الحالة فإذا نام عنها فأكلها الذئب أو ضربها مفرطا فهلكت أوز ضربها من غير حاجة أو عرضها للهلاك في موضع لا يصح أن يمشي بها فيه يضمن في ذلك .
وكذا لا يضمن المستأجر العين التي تلفت في يده بغير تعد ولا تفريط فمن استأجر حمارة فهلكت في يده بدون أن يضربها ضربا مبرحا أو يفرط في حفظها فلا ضمان عليه . والقول قوله في عدم التعدي بيمينه .
وإذا أحرق المستأجر حطبا أو نحوه فاحتملها الريح إلى أرض الغير فأحرقت منها شيئا فلا ضمان عليه وكذلك المالك .
أما إذا سقى أرضه فأثر ذلك الماء في أرض الغير فأفسده منها شيئا فإنه يضمن لأنه في هذه الحالة يكون مباشرا لا متسببا فعليه الضمان .
وإذا اغتصب شخص من آخر داره فقال له : اخل لي داري وإلا فعليك بعشرين جنيها في كل شهر أو أكثر أو أقل فإن لم يخلها لزمته بالأجرة المذكورة إلا إذا أنكر الغاصب الملكية فإنه في هذه الحالة لا يكون راضيا بالإجارة فإذا ثبتت الملكية لغير فإنه يلزم بأجر المثل )