- وإذا استأجر شخص عاملا من العمال ليخيط له ثوبا أو يصبغه أو يبيني له دارا أو يخبز لخ خبزا أو نحو ذلك فأفسد العامل الثوب أو حرق الخبز أو أخل البناء فهل يلومه الضمان ويدفع تعويض ما أفسده أو لا ذلك تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا العامل الأجير ينقسم إلى قسمين : مشترك وخاص . فالمشترك هو الذي لا يجب عليه أن يختص بواحد سواء عمل لغيره أو لا .
ومثال الأول : الخياط الذي يقبل الثياب لخياطها من أشخاص كثيرين والنجار والحداد الذين يعملون في دكاكينهم .
وثال الثاني : أن يعمل واحد من الصناع في منزل الآخر عملا غير مؤقت كما استأجر شخص نجارا ليعمل له شبابيك في داره بدون أن يجعل له أجرة يومية فإن النجار في هذه الحالة لا يجب عليه أن يختص به بل له عملا لغيره وإن لم يعمل ( ويسمى هذا العمل مقاولة ) .
وأما الخاص ( ويسمى أجير وحده - بسكون الحاء وفتحها - مأخوذة من الوحد بمعنى الوحيد ) فهو الذي يجب عليه أن لا يعمل لغيره من استأجره وذلك كالأجير اليومي الذي له أدرة يومية فإنه لا يصح أن يشغل وفته بشيء غير العمل المستأجرة فلو استأجر بجارا شهرا على أن يعمل شبابيك وأبواب لا يصح للنجار أن يقبل عملا آخر من غيره حلال هذا الشهر سواء شرط عليه أن لا يعمل لغيره أو لم يشترط ولكن الأولى أن ينص على ذلك في العقد فيقول لع اعمل لي خاصة ولا تعمل لغيري .
وحكم الأجير المشترك أن فيما هلك في يده تفصيلا وذلك لأنه إما أن يهلك بفعله أو بفعل غيره فإن هلك بفعله فإنه يضمنه سواء كان معتديا أو لا فإذا أعطى شخص ثيابا لخياط كي يخيطها له فاستعملها الخياط لنفسه فاتلفها عمدا أو فصلها فأخطأها في تفصيلها فأفسدها فإنه يلزم بها اتفاقا ومثل ذلك ما إذا دق الثوب حال الصباغة فأتلفه فالصانع الذي يتلف المصنوع فيه عليه ضمانه لأنه مسؤول عن اتقان صنعته عذرا له .
وإذا هلك بفعل غيره فإن كان يمكن العامل أن يتحرز عن الهلاك ثم قصر فإنه يضمنه كذلك كما إذا كان يمكنه أن يضع الثياب في صندوق فأهملها ووضعها في مكان غير مكان حصين فأصابها زيت فأفسدها أو عبث الصبيان أو سرقت . أما إذا لم يمكنه الاحتراز كما إذا وضعتها في مكان حصين ثم حرقت بالقضاء والقدر أو سرقت فإن ذلك خلافا . وبعضهم يقول : يضمن مطلقا سواء كان معروفا بالصلاح أو لا . وبعضهم يقول : لا يضمن مطلقا . وبعضهم يقول : إن كلن معروفا بالصلاح لا يضمن وإن اكن معروفا بضده ضمن فإن كان مستور الحال فعليه نصف القيمة صلحا . وبعضهم أفتى بالصلح على نصف القيمة لا فرق بين المعروف بالصلاح وغيره .
هذا ولا يضمن الآدمي فلو استأجر شخص دابة وركبها وأمر صاحبه تسوقها فسقط من عليها أثناء سيرها فأصابه كسر أو رضوض أو غيره فإنه لا شيء على صاحب الدابة وذلك لأنة الآدمي إنما يضمن بالجناية عليه ولا جناية هنا لأنه أذن صاحب الدابة ومثل ذلك ما إذا ركب ركب في سفينة فغرق .
وكذا إذا مات من عمل الطبيب بشرط أن لا يتجاوز المرضع المعتاد وأن يكون قد احتاط لعمله كل الاحتياط المعروف عادة فإن ترك شيئا من ذلك فأتلف عضوا للمريض أو أماته بسبب ذلك فإن على الاحتياط المقصر الضمان فيلزمه أن يدفع دية العضو الذي أفسده كاملة إذا برئ المريض . ويدفع نصفها إذا هلك وسبب ذلك أنه في الحالة الأولى قد أفسد عضوا كاملا فعليه ديته كاملة وفي الحالة الثانية أتلف نفسا بسببين : .
أحدهما : مأذون فيه وهو إجراء العملية للمريض .
والثاني : غير مأذون فيه وهو تجاوز المحل المعتاد وعدم الحيطة فلهذا كان عليه النصف .
أما حكم الأجير الخاص ( وهو ما أجره شخص واحد ليعمل له ولا يعمل لغيره ) فإنه لا يضمن هلك في يده بغير صنعته بلا خلاف إلا إذا تعمد الفساد .
وأما ما هلك بعمله هو فإن كان مأذونا فيه ضمنه فإذا أمر النجار أن يعمل في هذا الشباك فتركه وعمل في باب فأفسده كان عليه ضمانه لأنه غير مأذون فيه وقد يكون الأجير الخاص مستأجرا لاثنين أو أكثر كما استأجر جماعة راعيا ليرعى لهم أغنامهم مدة شهر بحيث لا يعمل لغيرهم فإنه في هذه الحالة يكون أجيرا خاصا لا أجير ( وحده ) وهو في هذه الحالة يضمن ما فسد بعمله فإذا ساق الغنم فنطح بعضها بعضا أو وطئ كبيرها صغيرها فكسره أو قتله كان ضامنا .
ومن هذا تعلم أن لاضمان على المرضعة إذا ضاع الولد من يدها أو سرق ما عليه من الحلي إذا كانت ترضعه في بيت أهله لأنها تكون في هذه الحالة أجير وحد . أما إذا أخذته في بيتها كانت ضامنة له مسؤولة عنه .
ومثلها حارس السوق وحافظ ( العمارة ) فإنه يضمن ولكن يشترط في عدم ضمانه أن لا يكون مفرطا فإذا كسر القفل وهو نائم أو ترك الباب مفتوحا ونام بعيدا منه كان مفرطا عليه ضمان ما فقد بخلاف ما إذا تسلق اللص الجدار أو نقبه أو نحو ذلك فإن الحارس لا يكون ضامنا في هذه الحالة وإذا بنى المستأجر ( كانونا أو فرنا ) في الدار المستأجرة بسببها الجيران .
أو المنزل فإنه لا ضمان عليه إلا إذا ثبت أنه تجاوز الحد في إشغال النار أو قد نارا لا يوقد مثلها عادة .
وإذا انقلبت شاة من راعي الغنم وخاف أنه إذا تبعها يضيع الباقي فإنه لا يتبعها ولا ضمان عليه في ضياعها .
وها هنا أمور : .
أحدهما : إذا تلف المؤجر والمستأجر كان القول لمن يشهد له الظاهر فلو باع شجرا به ثمر واختلفا في الثمر فالقول قول من يده الثمر مع يمينه .
ومثل ذلك ما إذا استأجر خادما شهرا ثم ادعى أنه مرض مدة في أثنائه فلم يؤد الخدمة المطلوبة منه فإنه إذا وجدت أمارات تدل على ذلك فيصدق وإلا فلا .
ثانيهما : إذا استأجر أرضا للزراعة فغرقت قبل أن يزرعها أو لم يصبها الماء فلا أجر عليه أما إذا زرعها فأصابت الزرع آفة فأهلكته فقيل يجب عليه الأجر وقيل لا والمعتمد أنه إذا لم يتمكن من زرعها مرة أخرى في مدته ولو كانت من نوع أقل فإنه يجب عليه الأجر وإلا فإنه يرفع عنه الأجر من وقت ما أضيب الزرع ويدفع المدة التي قبله .
ثالثهما : عمل الأجير يضاف إلى أستاذه فإذا تلف صبي النجار شيئا كان المسؤول عنه النجار إلا إذا تعمد الأجير إفساده فإنه يكون مسؤولا عنه هو .
المالكية - قالوا : الأصل فيمن استولى على شيء بإجارة أو كراء أن يكون أمينا ولا ضمان على الأمين فيما يتلف أو يضيع منه بشرط أن لا يتعدى على ما بيده أو يهمل في صيانته ويصدق في دعوى التلف أو الضياع سواء كان بيده من الأشياء التي إخفاؤها بسهولة كالجمال والبقر ونحوها . ويعبرون عنها بما لا يعاب عليه أو كان من الأشياء التي يمكن إخفاؤها كالنقود والثياب ونحوهما ويعبرون عنها بما عليه يغاب ويستثنى من هذه القاعدة أمران : .
أحدهما : الأكرياء على حمل الطعام والشراب بخصوصه .
ثانيهما : الصناع فأما الأرباء كالحمالين ( اليالين والعربجية ونحوهم ) فإنهم يضمنون ما تلف منهم أو ضاع من الطعام خاصة كالقمح والأرز والعسل والسمن والفواكه الرطبة والجافة . وغير ذلك من كل ما يؤكل . وكذلك ما يشرب كزجاج ( الشربات ) ونحوها وذلك لأن الطمع في مثل هذه الأشياء كثير والأيدي تكتد إليها فمن المصلحة أن يضمنها الحمالون صيانة الأموال الناس إنما يضمنون بشرطين : .
الشرط الأول : أن يكون التلف أو الهلاك حاصلا بسببهم . كما إذا فعل أحدهم في حفظها بأن ربطها بحبل واهن فانقطع الحبل فانكسرت أو طرحها بعنف فسقطت فانكسرت أو نحو ذلك .
أما إذا حصل ذلك لأسباب قهرية رجله أو رجل دابته فانكسر الإناء وتلف ما فيه من سمن أو عسل أو غيرهما فإنه لا يضمن إلا إذا ساق دابته بشدة غير معتادة أو سار سيرا غير معتاد فإنه في هذه الحالة يكون متسببا فعليه الضمان .
الشرط الثاني : أن لا يكون صاحب الطعام المحمول معه أجر حمالا ليحمل له فاكهة وصاحبه في سيره إلى منزله فتلفت الفاكهة فإنه لا يكون مسؤولا عنها في هذه الحالة لأنه لم يسلمها للحمال ويتركه وشأنه بل لازمه في سيرها وحفظها . فلا ضمان على الحمال سواء كان حاملا على سفينة أو دابة أو عربة أو كان حاملا بنفسه .
وأما الصناع فإنهم يضمنون ما يتعلق بهم فالخياط مثلا يضمن الثياب التي يخيطها ولا يضمن ما توضع فيه ( كالبقجة ) . فإذا ضاعت أو تلفت البقجة ( وتسمى - بخشة - بضم الباء وسكون الخاء ) فإنه لا يضمنها . والحداد يضمن السكين التي يصلحها ولا يضمن قرابها التي توضع فيه . وبعضهم يقول : إنه يضمن هذه الأشياء إذا كانت تلزم للأشياء المصنوعة . مثال ذلك : إذا كان مستأجر لينسخ كتاب فإنه يضمن هذه النسخة التي ينقل منها لأنها لازمة لا بد منها . فإذا كان قراب السيف لازما للصنعة فإنه يضمنه وهو أحسن من الأول . والنساج يضمن الغزل الذي ينسجه . والنحاس يضمن المحاس الذي يصنعه . والطحان يضمن الحب الذي يطحنه . وصاحب المعصرة يضمن السمسم أو بذر الخس أو الزيتون الذي يعصره وهلم جرا . وقد عرفت أن الصناع أجراء وقد أسقط النبي A الضمان عن الأجراء . ولكن العلماء استثنوا الصناع فحكموا بضمانهما اجتهاد لضرورة الناس وفقد العمال . فلو لم يضمنوا لسها عليهم التصرف فيما تحت أيديهم بدعوى أنهم هلك منهم . وفي ذلك ضرر عظبم يعود عليهم وعلى الناس لأن تبديد سلع الناس يوجب الثقة بهم وانصرف الناس عنهم . فتتعطل مطالع الناس العاطلون من الصياغ . وفي ذلك ضرر عظيم على الأمم . فمصالح الناس وضيانة أموالهم تقضي بتضمين العمال وكثيرا ما يبني مالك مذهبه على المصالح العامة في مثل هذه الأحوال للضرورة .
أما ما نقله بعضهم من أن مالكا ينظر إلى المصلحة مهما ترتب عليها من ارتكاب المحظور حتى أجلز قتل ثلث الناس لإصلاح الثلثين فهو مكذوب على المالك رضي اله عنه . فإن الشريعة قد جعلت للناس حدودا يقفون عندها وجعلت للجناية عقوبات خاصة . فمن سببت عليه جناية ينال جزاءها . وبذلك ينصلح الناس وتستقيم أحوالهم . أما ذلك القول الهراء فإنه يفتح باب الشر على مصراعيه ويجعل للظلمة سبيل على الأبرياء فيسفكون الدماء بحجة أن فيه إصلاح للناس وأي مجتهد يجرئ على تقرير تلك القاعدة الفاسدة ولذا قال بعض أئمة المالكية لا يصح أن يسطر هذا في الكتب فإنه لا يوافق شيئا من القواعد الشرعية . ومن ذلك ما قاله من أن الناس إذا كانوا في مركب وسقلت بهم فإنهم يقترعون على من يلقي منهم في البحر بنجات الباقين فإن ذلك ليس بصحيح فإنه لا معنى لإزهاق روح إنسان من أجل حياة مثله فلا يصح أن يرمي آدمي في البحر لنجات الباقين ولو ذميا .
وإنما يضمن الصانع ما تحت يده بشروط : .
الشرط الأول : أن ينصب نفسه للصنعة لعموم الناس كأن يجعل له محل خاصا يتقبل فيه مصنوعات الناس - لافرق في ذلك بين أن يعمل في دكان بالسوق أو يعمل في داره - فإن لم ينصب نفسه للصنعة ولم يجعلها سبب معاشه كنجار ترك صنع النجارة واشتغل بالزراعة ثم عمل لشخص بخصوصه أو عمل لجماعة بخصوصهم فإنه لا ضمان عليه فيما تلف أو هلك من صنعته سواء استلم المتاع ليعمل في داره أو عمله بمنزل صاحبه .
الشرط الثاني : أن يستلم المتاع ليعمل في دكانه فإن أفسده أو أضاعه ليكون عليه ضمانه حتى لو كان صاحبه حاضرا معه أما إذا لم يستلم .
بل عمله في منزل صاحبه فإنه لا يضمنه .
الشرط الثالث : أن لا تقوم البينة على أن المتاع قد ضاع منه قهرا بدون تفريط ولا تضييع فإذا قامت البينة على ذلك فإنهم لا يضمنون وقيل عليهم الضمان مطلقا حتى ولو قامت البينة على أنه ما أضاعوه هم بل ضاع قهرا والأول أصح .
ومثال ذلك الأعمال التي فيها خطورة طبيعية كثقب اللؤلؤ ونقش الفصوص وتقويم السيوف واحتراق الخبز عند الفران أو الثوب في قدر الصباغ وما أشبه ذلك فإن الصابع لا يضمنها إلا إذا تعدى أو عمل ما لا يلائم الصنعة غاليا فيضمن حينئذ ومن ذلك البيطار الذي يضع حدوة الدابة أو الفرس أو الخاتن الذي يختن الصبيان فيموتون بسبب ذلك فإنه لا يضمن إلا إذا أهمل أو عمل خلاف الصنعة . كذلك الطبيب الذي يقوم بعملية الجراحة أو يضف دواء لا يلائم المريض فيترتب على عمله موته فإنه لا يضمن مادام قام بواجبه ولم يخطئ العلاج .
أما إذا أخطأ العلاج فوصف للمريض دواء لا يوصف لهذا المريض فقتله فإن كان من أهل المعرفة فإن دية المقتول تكون على عاقلة ذلك الطبيب وإن لم يكن من اهل المعرفة فإنه يعاقب .
وإذا شرط الصانع نفى الضمان فقال لصاحبه المتاع إنه لاضمان عليه إذا تلف او ضاع فلا ينفعه ذلك وقيل ينفعه ويعامل بذلك الشرط .
الشافعية - قالوا : المستولى على شيء بإجارة إما ان يكون مستاجرا او اجيرا ( صانعا ) فأما المستأجر فإن حكمه حكم الأمين على الأصح فلا يضمن الشيء الذي استأجره إذا تلف أو ضاع فمن استأجر دابة فهلكت أو ثوبا فتلف فإنه لا يطالب بتعويض إلا إذا تعدى بأن استعملها استعمالا غير عادي فلو ضرب الدابة فوق العادة أو كبح لجامها بعنف غير معتاد فترتب على ذلك هلاكها صار ضامنا لها وكذلك إذا أركبها أثقل منه وكذا إذا خملها زيادة على المتفق عليه إلا إذا كان صاحبها معه فإنه يضمن بقدر الزيادة التي زادها في هذه الحالة وهل يضمن ما تلف من المنافع أولا ؟ الأصح أنه لا يضمن فمن استأجر دكانا شهر مثلا فلما انتهى الشهر تركها مفتوحة حتى مضى شهر آخر بدون أن ينتفع بها مالكها لا يطالب المستأجر بأجرة ذلك الشهر إلا إذا أغلقها ولم يخبر صاحبها .
( يتبع . . . )