ويؤخذ من بيان التعريف على هذا الوجه بعض الشروط الازمة لصحة عقد المضاربة وجميع شروطه عشرة احدهما : دفع راس المال للعامل فورا فإذا كان مؤجلا فسد العقد ثانيها : كون راس المال معلوما وقدره وقت العقد ككونه مائة جنيه مصرية مثلا فلا يصح ان يضاربه على مبلغ غير معين ثالثها : كون رأس المال غير مضمون فلو شرط رب المال على العامل ان يكون ضامنا لرأس المال إذا فقد منه قهرا عنه فإن المضاربة تكون فاسدة فإذا عمل العامل على هذا الشرط كان له قراض مثل هذا المال في ربحه ولا يضمنه إذا فقد بلا تفريط لأن هذا الشرط باطل فلا يعمل به أما إذا تطوع العامل بالضمان من تلقاء نفسه بدون طلب من رب المال فقيل تصح المضاربة بذلك وقيل لا تصح وإذا سلم رب المال للعامل وطلب منه ضامنا يضمنه فيما تلف من ماله يتعدى العامل فإنه يصح إذا طلب منه ضامنا يضمنه مطلقا فيما تلف بتعديه وغيره فإن المضاربة تفسد ولا يلزم الشرط .
رابعها : كون رأس المال عينا يتعامل بها اهل البلد سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة .
خامسها : ان يبين الجزء الذي يختص به العامل من الربح كالنصف أو الثلث ونحوهما فإن لم يبينه أصلا كأن قال له : اعمل فيه ولك نصيب في ربحه أو لك جزء أو نحو ذلك ثم عمل فيه على هذا الإبهام فإن للعامل قراض مثله فإن كان للناس عادة في نحو هذا فإنه يعمل بها حتى إذا كانت العادة بإن العامل يأخذ النصف كان له النصف وإن كانت تقضي بأقل أو أكثر عمل بها .
أما إذا قال هل : اعمل والربح مشترك فإن ذلك معين لإن معناه متساوي .
في الربح عرفا فللعامل في هذه الصورة نصف الربح .
سادسها : أن لا يختص أحدهما بشيء معين سوى الجزء الذي له فلا يصح أن يضاف لأحدهما عشر جنيهات أو خمس مثلا على ثلث الربح أو .
نصفه نعم للعامل أن يأخذ ما يضطر إلى إنفاقه في سبيل التجارة وما يلزمه من مؤونة السعر ونحوها بقدر الضرورة .
سابعها : أن يكون الجزء المعين في الربح مشاعة كالنصف والثلث ونحو ذلك فلا يصح ان يكون مقدرا بعدد كأن يقول له لك عشرون جنيها في الربح كما لا يصح أن يكون مبنيا بحالة معروفة كأن يقول له : اعمل مضاربة ولك في الربح مثل ما أخذ فلان وهل يصح أن يشترط الربح كله للعامل أو لرب المال أو لا ؟ .
والجواب أنه يجوز ولكن لا يكون داخلا في تعريف المضاربة لأنك قد عرفت أنها عقد على أن يتجر العامل بمال المالك وله جزء من ربحه .
ثامنها : أن يخص العامل بالعامل فلا يصح أن يشترط مشاركة رب المال .
أو غيره معه و إلا فسد العقد .
تاسعها : أن لا يحجر على العامل في عمله كأن يقول : لا تتجر إلا في الصيف فقط أو في موسم القطن او القمح او نحو ذلك مما عين فيه زمن العمل فإن العقد في هذه الحالة يقع فاسدا وللعامل أجرة مثله على رب المال الخسارة وله الربح .
عاشرها : ان لا يضرب له أجلا فإذا ضرب له أجلا كأن قال له : اعمل فيه سنة أو اعمل به بعد شهرين فإنه يكون مضاربة فاسدة وللعامل في هذا القراض المثل لا أجر المثل لأنه اخف مما قبله فإن الذي قبله فيه حجر شديد على العامل بخلاف ذلك فإن الأمر أمامه كما يجب في المدة التي حددها له .
أما حكمه فهو الجواز وأما أركانه فهي رأس المال والعمل والربح والعاقدان والصيغة . وحيث أنك قد عرفت انه عقد توكل فلا بد فيه من الللفظ كأن يقول : اعمل في هذا المال ولك كذا من ربحه فيقول قبلت . وذلك لأن التوكل لا بد فيه من اللفظ فلا تكفي فيه المعاطاة كان يسلمه المال فيأخذه العامل ويعمل فيه بدون لفظ وبعضهم يقول أنه عقد إجارة للعامل وعلى هذا لا يشترط فيه اللفظ لأن الإجارة تكفي في المعاطاة كالبيع متى وجدت قرينة تدل عليه .
الحنابلة - قالوا : المضاربة عبارة عن أن يدفع صاحب المال قدرا معينا من ماله إلى من يتجر فيه بجزء مشاع معلوم من ربحه ولا بد من ذلك المال من أن يكون نقدا مضروبا ويقوم مقام دفع المال أن يكون قد أودع عند شخص مالا ثم قال له : اعمل في هذا الماللا المودع مضاربة فتصبح المضاربة عندهم بالوديعة .
وحكم المضاربة يختلف باختلاف الأحوال فهي في أول الأمر أمانة ووكالة لأن العامل يتصرف بإن رب المال فهو وكيله في التصرف - والمال تحت يده أمانة - فإذا ربح العامل في المال كان عقد المضاربة شركة لاشتراكهما في الربح وإذا فسدت المضاربة كان إجارة لأن العامل يأخذ أجر مثله .
وإذ خالف العامل ما أمره به صاحب المال تكون غصبا فعليه أن يرد المال وربحه ولا شيء له نظير عمله لأن حكم الغاصب كذلك .
وركنها : الإيجاب والقبول بكل لفظ يؤدي معنى المضاربة أو القراض أو المعاملة أو نحو ذلك لأن المقصود المعنى وهو يحصل بكل ما يدل عليه .
وتكفي فيها المعاطاة فإذا أخذ العامل المال وباشر العمل فيه من غير أن يقول : قبلت فإنه يصح فلا يشترط فيها اللفظ كما يشترط في التوكل .
ويشترط لصحة المضاربة شروط : .
منها : أن يبين نصيب العامل من نصف أو ثلث أو نحوهما لأنه لا يستحقه إلا بالشروط فإذا لم يبين أصلا بأن يقال : خذ المال مضاربة ولم يذكر نصيب العامل في الربح أو بينه على وجه العامل على هذا كان الربح لرب المال والخسارة عليه وللعامل أجرة مثله . وإذا شرط المالك أن يكون الربح كله لم تكن مضاربة وإنما تكون إضاعا له ( توكيل على عمل بدون أجر ) .
فالربح كله لرب المال ولا شيء للعامل لأنه يكون في هذه الحالة وكيلا متبرعا فلو شرط رب المال أن يكون ضمان ماله على العامل لا ينفذ ذلك الشرط لأن هذا العقد يقتضي كون المال أمانة غير مضمونة ما لم يتعد العامل أو يفرط فإنه يضمن حينئذ .
وإذا شرط أن يكون الربح كله للعامل كان قرضا ليس للمالك شيء من ربحه ولا شيء عليه من خسارته وعلى العامل ضمانه حتى لة قال صاحبه : لا ضمان عليك لا ينفذ ذلك الشرط لأن عقد القرض يقتضي أن يضمنه المقترض فإذا فقد منه شيء أو فقد كله لزمه .
ومنها : أن يكون رأس المال معلوما فلا تصح المضاربة بصرة فيها جنيهات من غير عد وبيان لما في ذلك من الغرر المفضي إلى النزاع في الربح لجهله حينئذ .
ومنها أن يكون رأس المال حاضرا فلا تصح بالمال الغائب أو المال الذي في الذمة فإذا كان لشخص مال عند آخر لم يحن موعده فإنه لا يصح أن يضاربه به عليه . نعم إذا قال له : اقبض ديني من فلان أو منك واتجر فيه مضاربة فإنه يصح وكذا إذا قال له : اقبض وديعتي من فلان أو منك واعمل فيها مضاربة فإنه يصح لأنه في هذه الحال يكون قد وكله في قبض الدين أو الوديعة وعلق عقد المضاربة على قبضها وتعلبق المضاربة صحيح .
ومنها : أن يكون رأس المال ذهبا أو فضة مضروبين مختومين بختم الملك فلا تصح إذا كان رأس المال قطع ذهب أو فضة لم تضرب كما لا تصح إذا كان فلوسا ( عملة من غير الذهب والفضة ) كالنحاس ونحوه سواء كانت رائحة يتعامل بها أو كاسدة . وكذلك لا يصح أن يكون رأس المال عرض تجارة فإذا قال شخص لآخر : خذ هذه الثياب أو هذا البر أو هذه الغم وهي بمائة جنيه مثلا وبعها مضاربة بجزء معين من الربح فإنه لا تصح إذ ربما ارتفع سعرها فربحت قبل ان يعمل فيها المضارب عملا فيأخذ نصيبا من ذلك الربح بدون عامل وذلك غبن لصاحب السلعة كذلك لا يصح ان يقول له بعها ولك نصف الربح ما يزيد على قيمتها لأن قيمتها قد ترتفع فتستغرق كل الربح الذي حصل عليه العامل فلا ينال شيء وكل ذلك موجب للنزاع نعم يصح أن يقول له : خذ هذا القطن وبعه .
واعمل بثمنه مضاربة لأنه في هذه الحالة يكون قد وكله في بيعه وعلى المضاربة على قبضة للثمن فأشبه الوديعة وتعليق المضاربة جائز اما إذا قال له : ضاربتك على ثمن هذه السلعة قبل بيعها فإنه لا يصح لأن ثمنها معلوم قبل بيعها فلا تصح المضاربة به فعلا .
ومنها : أن يكون نصيب كل منهما مشاعا في كل المال بأن يقدر النصف أو الثلث أو نحو ذلك فإذا عين لواحد منهما مخصوص كعشرة جنيهات أو خمسة أو نحو ذلك فسدت . وإذا اشترط أن يكون الربح بينهما فإنه يصح ويكون لكل واحد نصفه .
وإذا فسدت بالمضاربة كان الربح كله لرب المال والخسارة عليه وللعامل أجر مثله خسر المال أو ربح .
وهناك شروط لا تفسد العقد ولكنها هي باطلة لا يعمل بها منها : أن يشترط عليه أن يكون نصيبه من الخسارة أكثر من نصيبه في الربح او شرط عليه ان ينتفع بالسلعة التى يشتريها العامل او ان تبقى الشركة بينهما مدة معينة اولا يشترى إلا من فلان فهذه كلها شروط فاسدة لاتنفذ ولا يعمل بها ولكن العقد لا يفسد بها فيستمر على حاله ويصح ان تؤقت المضاربة بوقت معين كان يقول له : خذ هذه الجنيهات واتجر مضاربة مدة سنة فإذا مضت السنة فلا تيع ولا تشتري فإن ذلك يصح .
الشافعية قالوا : المضاربة او القراض عقد يقتضى أن يدفع شخص لاخر مالا ليتجر فيه على ان يكون لكل منهما نصيب فى الربح بشروط مخصوصة .
ومن هذا تعلم ان المضاربة قائمة على ستة أركان : مالك المال هو الذى يدفع والعامل الذى يتجر به والعقد الذى هو الصيغة اعنى الأيجاب والقبول . فلا تتحقق المضاربة إلا الصيغة فإنها ذكرت ضمنا فى قوله عقد لان العقود لابد فيها من الصيغة والمراد بالركن ما يتوقف على ذكره تحقق العقد فلا يرا أن العمل فى الربح يوجدان العقد فكيف يكونان ركنا له يتوقف وجوده عليهما لان الغرض ان وجوده يتوقف على ذكرهما إذا لم يذكرا في العقد يكون فاسدا وهذا لا ينافى أن وجودهما فى الخارج يكون بعد تحقق صحة العقد وقد عرفت فى اركان البيع أن الركن منقسم إلى قسمين : اصلى وهو ماكان داخلا فى حقيقة الشيء وذلك هو الإيجاب والقبول وغير أصلي وهو ما يتوقف وجود الشيء .
فمن نظر إلى الأول قال إن ركن المضاربة الاجاب والقبول فقط . ومن نظر إلى الثاني عد أركانها على الوجه الذي ذكره الشافعية وذلك النظر مطرود في كل العقود منه على ذكر .
أما شروط صحة المضاربة فهي تتعلق بكل ركن من هذه الأركان فأما العامل والمالك فتشترط فيهما معا أن يكونا للتصرف كما هو الشأن في سائر العقود فلا يصح عقد المضاربة من أعمى ولكن يوكل من يقبض عنه .
ويشترط في العامل وحده أن يكون مستقلا بالعمل منفردا فلو اشترط أن يعمل معه غيره فسد العقد ويستثنى من ذلك اشتراط أن يعمل معه غلام المالك فإنه يجوز ولكن بشروط ثلاثة : .
أحدهما : أن يكون الغلام معروفا للعامل بالمشاهدة أو الوصف .
ثانيهما : أن لا يشترط أن يكون بعض المال تحت يد الغلام .
ثالثهما : أن لا يحجر به على العامل أن لا يتصرف العامل إلا إذا رجع رب المال أو لا يتصرف إلا تحت إشراف فلان لأن كل هذا يغل يد العمل فتقوم معذرته في الأعمال والتفريط والمفروض أنه أمين فتقييده بعد ذلك ضار بالمال وموجب لفتح باب النزاع . وأما العمل فيشترط فيه شرط الأول : أن يكون عملا في تجارة من بيع وشراء فلا تصح المضاربة على عمل صناعي كأن يضارب نساجا على أن يشتري قطنا ثم ينسخه ويبيعه منسوجا او يضارب خبازا على أن يشتري قمحا ويطحنه ثم يخبزه ويبيعه قرضا وإنما لا تصح المضاربة في ذلك لأنه عمل محدود تصح إجارة العامل عليه فلا داعي حينئذ للمضاربة لأنها إنما أبيحت للضرورة حيث لا تمكن الإجارة وذلك لأن التجارة التي سيقوم بها العامل مجهولة وقد يكون رب المال عاجزا عن القيام بها فأبيح له أن يفعل ذلك النوع من المعاملة بأن يشرك معه غيره في الربح المجهول في نظير ذلك العمل المجهول . فإذا أمكن ضبط عمل العامل فلا يصح أن يفعل ذلك بل عليه أن يستأجره بأجرة معينة بإزاء ذلك العمل المنضبط .
فإذا تعاقد معه على أن يتجر فاشترى العامل من تلقاء نفسه قمحا وطحنه وخبزه فإن ذلك لا يفسد العقد ولكن أجرته تكون على العامل ويكون ضامنا له إذا تلف لأن وظيفة العامل في المضاربة إنما هي التجارة ولوازمها فإن كان يتجر فيما يقاس كالثياب فإن كان يتجر فيما يقاس كالثياب فإن عليه أن يقوم بنشرها وطيها وقياسها بالذراع ونحوه .
كلما دعت الحاجة وإن كان يتجر في مكيل أو موزون كالحنطة والسكر .
فإن عليه أن يزن أو بكيل ونحو هذا مما تستلزمه التجارة أما إنه يخبز أو ينسج فهذه ليست أعمالا تجارية وإنما هي أعمال صناعية فليست من وظيفته .
الشرط الثاني من الشروط المتعلقة بالعمل : أن يكون العامل حرا في عمله فلا يصح لرب المال أن يضيق عليع والتضييق عليه يكون على ثلاثة أوجه : .
الوجه الأول : أن يشترط عليه شراء سلعة معينة كأن يقول له : لا تشتر إلا حللا هندية . فإن شرط عليه ذلك فسد العقد . نعم له أن يمنعه من شراء سسلعة معينة ويعمل بذلك الشرط .
الوجه الثاني : أن يشترط عليه شراء شيء ينذره وجوده كأن يقول له : اشتر فاكهة الشتاء في زمن الصيف أو لا تشتر إلا الخيل المضمرة البلق إلا إذا كان في محل يكثر وجود ذلك أو لا تبع إلا لفلان فإن ذلك يفسد العقد .
أما إذا قال له : لا تشتر من فلان ولا تبع لفلان فإن له ذلك . وإذا شرط أن يشتري من حانوت ( دكان ) مخصوص فإن العقد يفسد أما إذا اشترط من سوق معين فإنه يصح .
ولا يضر أن يعين المالك جنس التجارة أو نوعها كأن يقول له : اشتري قمحا هنديا فإن ذلك يصح إذا لم يندر وجوده إذا لم يندر وجوده كما تقدم .
الشرط الثالث : أن لا يكون العمل مؤقتا بمدة معلومة فإذا قال له : قارضتك لمدة سنة فسد العقد سواء صرح بمنعه من التصرف بعد تلك المدة بأن قال : قارضتك سنة ولا تبع بعدها أو لا تشتر بعدها أو لم يصرح بشيء .
( يتبع . . . )