أما إذا اشترط بيعها قبل أن يلحقها الفساد أو كانت لا تفسد قبل حلول الأجل فإنه يصح رهنها ومثال ما لا يصح رهنه : أن يرهن لدائنه ثلجا في نظير دين يحل موعده بعد شهر وشرط أن لا يبيع الثلج أو لم يشترط شيئا فإن الرهن فاسد إلا إذا أمكن حفظ الثلج كل هذه المدة أما إذا رهن له ثلجا يمكن تجفيفه وحفظه فإنه يصح : وعلى الراهن نفقة تجفيفه .
رابعا : أن تكون طاهرة فلا يصح رهن النجس على ما تقدم في البيع .
خامسا : أن يكون منتفعا به انتفاعا شرعيا ولو في المستقبل كالحيوان الصغير فإنه يصح رهنه لكونه ينتفع به مستقبلا وغير ذلك من الشروط المذكورة في البيع فكل ما يصح بيعه يصح رهنه إلا المنفعة فإنه يصح بيعها ولا يصح رهنها فلا يصح أن يرهن منفعة حق المرور ولكن يصح بيعها كما تقدم .
النوع الرابع : يتعلق بالمرهون به " سبب الرهن " وهو أربعة أمور : .
الأول : أ يكون دينا فلا يصح الرهن بسبب غير الدين كالمغصوب والمستعار ونحوهما . فإذا باع أرضا مغصوبة فلا يصح أن يرهن داره بسببها . وكذلك إذا استعار دابة فإنه لا يصح أن يرهن ثوبا من أجلها لأنها ليست بدين لأن فائدة الرهن أن يؤخذ منه في نظير الدين والعين ما دامت موجودة فإن اللازم ردها بنفسها .
الثاني : أن يكون الدين ثابتا فلا يصح الرهن قبل ثبوته كما إذا رهنه داره على أن يقرضه مائة جنيه أو يرهن ساعته في الأشياء التي يشتريها من حانوت الزيات ونحوه لأن الثمن لم يثبت قبل أن يأخذها .
أما إذا اشترى بثمن مؤجل ورهن عينا مقابل الدين الذي لم يحل في عقد البيع فإنه جائز كأن يقول له : بعتك أرض كذا بمائة جنيه وارتهنت منك دارك في ثمنها فيقول المشتري : اشتريت ورهنت .
الثالث : أن يكون الدين لازما في الحال أو في المآل فيصح الرهن بسبب الثمن في مدة الخيار فإذا باعه دارا بشرط الخيار واستلمها المشتري ولم يقبض البائع الثمن فإن له أن يأخذ رهنا مقابل ثمنها لأن الثمن وإن لم يكن دينا لازما في الحال ولكنه لازم مآلا .
الشرط الرابع : أن يكون الدين معلوما عينا وقدرا وصفة فلا يصح الرهن مع جهل شيء من ذلك .
الحنابلة - قالوا : تنقسم شروط الرهن إلى قسمين : شروط لزوم وشروط صحة فأما القسم الأول وهو شروط اللزوم : فهو قبضه المرهون فإذا قبض المرتهن لزم الرهن في حق الراهن فليس له الرجوع بعد ذلك . أما قبل القبض فإنه لا يلزم ويصح له أن يتصرف فيه كما يشاء حتى إن له أن يرهنه لشخص آخر ويكون ذلك إبطالا للرهن الأول . ولو أذن الراهن للمرتهن في قبضه ولكنه لم يقبضه فإنه يصح له أن يتصرف فيه أيضا . وكذلك لا يلزم في حق المرتهن مطلقا فله فسخه متى شاء لأنه هو الذي ينتفع به في حفظ دينه وحده فإن شاء أبقاه وإن شاء فسخه . والدليل على أنه لا يلزم إلا بعد القبض وقوله تعالى : { فرهان مقبوضة } فالقبض شرط في لزومه .
ويشترط في صحة القبض : أن يأذن له الراهن فإن قبضه من غير إذنه لم يكن الرهن لازما وصفة قبضه كصفة قبض البيع فإن كان منقولا فيكون قبضه بنقله كالحلي أو تناوله كالنقدين وإن كان مكيلا فيكون قبضه بكيله أو موزونا فبوزنه أو معدودا فبعده أو مذروعا فبذرعه .
أما إن كان غير منقول كعقار من أرض وبناء وشجر وثمر على شجر وزرع على أرض فإن كل ذلك يصح رهنه ويكون قبضه بالتخلية بينه وبين مرتهنه من غير حائل واستدامة القبض شرط في اللزوم فإن رد المرتهن المرهون للراهن بإجارة أو إعارة أو إيداع أو نحو ذلك زال لزومه وأصبح كأنه لم يكن مقبوضا فإن أعاده الراهن إلى المرتهن ثانيا باختياره عاد لزومه بالعقد السابق .
أما إذا انتزع المرهون من يد المرتهن بغير اختياره كأن اغتصبه الراهن منه أو سرق منه فإن العقد يبقى على لزومه .
وأما شروط الصحة فهي أربعة أنواع : نوع يتعلق بالعقد ونوع يتعلق بالمتعاقدين الراهن والمرتهن ونوع يتعلق بالمرهون ونوع يتعلق بالمرهون به .
النوع الأول : ما يتعلق بالعقد وهو : أن لا يكون العقد معلقا بشرط لا يقتضيه العقد كما تقدم في البيع النوع الثاني : ما يتعلق بالعاقدين وهو : أن تتحقق الشروط السابقة في صحة بيعها فيصح الرهن ممن يصح منه البيع فلا يصح الرهن من سفيه ولا من مفلس ولا من مجنون غير مميز على التفصيل المتقدم في البيع .
النوع الثالث : ما يتعلق بالمرهون وهو أمور : منها : أن تكون العين مملوكة للراهن بنفسها أو بمنافعها كأن يستأجر عينا من شخص ليرهنها في نظير دين عليه فإنه يصح ومثل ذلك ما إذا استعار من شخص عينا ليرهنها كذلك . ولا يشترط أن يبين المدين للمؤجر والمعير قدر الدين الذي يرهنهما به . إنما ينبغي بيانه وبيان المرتهن ومدة الرهن وجنس الرهن فإذا اشترط شيئا من ذلك وخالفه لم يصح الرهن .
ومنها أن يكون المرهون عينا فيصح رهن كل عين يجوز بيعها أما إذا لم يكن عينا فإنه لا يصح رهنه كما لا يصح بيعه فلا يصح رهن المنافع فلو رهنه سكنى داره في نظير دين عليه فإنه لا يصح وكذلك لا يصح رهن العين النجسة وغير ذلك مما تقدم في شرائط البيع النوع الرابع : ما يتعلق بالمرهون به أعني سبب الرهن وكل دين واجب أو مآله إلى الوجوب كالثمن في مدة الخيار فإذا باع لشخص عينا على أن يكون لأحدهما الخيار فإنه يصح للبائع أن يأخذ رهنا بالثمن لأنه وإن لم يكن واجبا الآن ولكنه يجب بعد مضي مدة الخيار ومثل ذلك الأعيان المضمونة فإنه يصح أخذ الرهن عليها كالمغصوب فإذا باع أرضا مغصوبة لشخص فإنه يصح أن يرهنه داره ونحوها حتى يستلمها ومثلها العارية . فإذا استعار شخص من آخر شيئا فإنه يصح أن يرهنه عينا في نظير عاريته لأن الرهن بسبب هذه الأعيان يحمل الراهن على أدائها فإذا تعذر أداؤها يؤخذ بدلها من المرهون فأشبهت الدين الذي في الذمة ويصح أخذ الرهن على إجارة في الذمة " كما إذا أجر بنائين على بناء دار فإنه يصح أن يأخذ رهنا منهم في نظير عملهم حتى إذا لم يبنوا الدار فإن للمرتهن الحق في بيع المرهون ويستأجر منه من يعمله " وقريب من هذا : ما تأخذه المصالح من التأمينات التي يدفعها العمال حتى لا يهملوا في أدار أعمالهم " .
ويصح رهن الأشياء التي تفسد بسرعة كالخضر والفواكهة الرطبة ونحو ذلك فإن كان تجفيفها ممكنا كالبلح والعنب فإن الراهن يلزم بتجفيفها وتبقى حتى يحل أجل الدين وإن لم يمكن تجفيفها وبقاؤها كالبطيخ والثلج فإن اشترط المرتهن بيعه فإنه يبيعه ويجعل ثمنه رهنا وإن لم يشترط بيعه ورضي الراهن ببيعه فذاك وإن لم يرض أمر الحاكم ببيعه وإذا شرط عدم بيعه في العقد بطل الشرط .
ويصح رهن المشاع للشريط وللأجنبي فإذا كان شريكا لآخر في دار وله عليه دين فإن له أن يرهنه نصيبه في الدار مقابل دينه كما يصح أن يرهن نصيبه المشاع للأجنبي وكذلك يصح أن يرهن بعض نصيبه ثم إن كان المرهون مما لا ينقل كالعقار فإن قبضه يكون بأن يخلي الراهن بين المرهون وبين المرتهن وإن لم يحضر الشريك وإن كان مما ينقل فإن اتفق المرتهن وشريكه على أن يبقى في يد أحدهما فذاك وإلا جعله الحاكم في يد أمين وللحاكم أن يؤجره عليهما إذا كان في ذلك مصلحة ويصح رهن المبيع قبل قبضه إذا كان غير مكيل أو موزون أو معدود أو مذروع فإذا اشترى دارا ولم يستلمها فإن له رهنا لغير البائع كما يجوز رهنها للبائع ولو في ثمنها . لأن الثمن دين في ذمة المشتري والمبيع ملك له فيصح أن يرهنه )