ويصح أن يجعل رأس السلم سببا في الرهن كما يصح أن يجعل المسلم فيه كذلك فإذا أسلم شخص مائة جنيه في مائة إردب من القمح يأخذها بعد سنة ولم يدفع الجنيهات ولكنه رهن في مقابلها داره فإنه يصح لأن الجنيهات دين حقيقي عند المسلم . وكذلك إذا رهن المسلم إليه للمسلم داره حتى يسلمه القمح فإنه يصح .
وإذا اشترى شخص من آخر دارا ولكنه خشي أن تكون مملوكة لغيره أو لغيره فيها حق فأخذ منه رهنا على هذا الخوف فإن الرهن يقع باطلا ويسمى رهن الدرك لأن الخوف ليس مالا حتى أن يكون سببا للرهن . وأما القسم الثاني وهو شروط الصحة : فهي ثلاثة أنواع : النوع الأول : يتعلق بالعقد وهو شيئان : الأول : أن يكون معلقا على شرط لا يقتضيه العقد . الثاني : أن لا يكون مضافا إلى وقت كأن يقول : رهنتك هذا مدة شهرين أو ثلاثا .
والنوع الثاني : يتعلق بالمرهون وهو أمور : .
الأول : أن يكون المرهون متميزا فلا يصح رهن المشاع غير المميز سواء كان مشاعا يحتمل القسمة أو لا يحتملها وسواء رهنه من أجنبي أو من شريكه . فإذا كان لشخص دين على آخر وكان شريكا له في دار على الشيوع فإنه لا يصح أن يرهن منه نصيبه في الدار نظير دينه .
الثاني : أن يكون المرهون في حياة المرتهن بعد قبضه فلا يصح رهن الثمر على الشجر بدون الشجر كما لا يصح رهن الزرع على الأرض بدون الأرض لأن الشجر المتعلق به الثمر لم يكن في حيازة المرتهن فكذلك الثمر المرهون ومثله الزرع الذي على الأرض إذ لا يمكن حيازة ثمر بدون شجر . ولا زرع بدون الأرض التي عليها . ومعنى في حيازة المرتهن أن لا يكون مجتمعا في يده .
الثالث : أن يكون المرهون فارغا غير مشغول بحق الراهن فلا يصح رهن الشجر مع شغله بالثمر الذي هو حق الراه وكذلك لا يكون رهن دار مشغولة بمتاع للراهن ثم استلمها المرتهن قبل إخلائها .
الرابع : أن لا يكون المرهون نجسا فلا يصح للمسلم أن يرهن الخمر من مسلم أو يرتهنها كما لا يصح أن يفعل ذلك مع ذمي . وإذا رهن الخمر عند ذمي فأهلكها الذمي فلا ضمان عليه . أما إذا رهنها ذمي عند مسلم فأراقها المسلم أو أضاعها فإن عليه ضمانها للذمي . ومع ذلك فقد قالوا : إن رهنها غير صحيح ومقتضى القاعدة المتقدمة في بيان الرهن الباطل وهي : أن لا يكون المرهون مالا يقتضي صحة رهن الذمي الخمر عند مسلم لأنها مال متقوم عند الذمي ومضمون على المسلم إذا أضاعه .
الخامس : أن لا يكون من الأعيان المباحة التي لا يتعلق بها الملك كالأعشاب المباحة للرعي والصيد المباح فإن رهنها فاسد . أما كون الأعيان مملوكة للراهن فليس بشرط في الرهن . فإن للإنسان أن يرهن ملك غيره إذا كانت له عليه ولاية كما إذا رهن الولي مال المحجور عليه لصغر أو سفه أو نحوهما سواء كان أبا أو وصيا عليه فإن الرهن يكون صحيحا ولو كان ذلك لمصلحة الولي كأن يرهن الأرب مال ابنه الصغير في دين على الأب فإنه يصح فإذا هلك الرهن في يد المرتهن قبل أن يفك الأب الرهن ضمنه الأب بالأقل من قيمته ومما رهن به فإذا كانت قيمة المرهون ثلاثين جنيها ورهنه بدين مقداره خمسة وعشرون ضمنه بخمسة وعشرين وبالعكس .
إذا بلغ المحجور عليه رشده والرهن باق في يد المرتهن فليس له أن يسترد إلا بقضاء الدين ولكن يؤمر الأب بقضاء الدين ورد المرهون على ولده . ولو قضى الولد دين أبيه وافتك المرهون لم يكن متبرعا ويرجع بجميع ما قضى على أبيه .
ومثل الأب الوصي إلا أنه هلك المرهون في حالة ما إذا كان الراهن الوصي فإنه يضمنه بقيمته لا بالأقل للفرق الظاهر بين الأب وغيره لا لأن الأب له أن ينتفع بمال ابنه .
وكذلك يصح له أن يرهن ملك غير المستعار بإذنه فإذا استعار شخص عينا من صديق أو قريب أو غيرهما ليرهنها في دين عليه فإنه يصح متى رضي له صاحبها بذلك ولا يشترط أن يبين له جنس الرهن ولا قدره ولا أمد أجله فإذا فعل شيئا من ذلك وجب عليه أن يتقيد به فإن خالف فللمعير أن يأخذ ما أعاره ويفسخ الرهن .
وبالجملة : فكل ما يصح بيعه يصح رهنه إلا أمور : أهمها المشاع والمشغول بحق الراهن والمتصل بغيره كالزرع المتصل بالأرض وقد بينا ذلك .
النوع الثالث يتعلق بالعاقدين : وهو العقل فلا يصح الرهن من المجنون والصبي غير المميز . أما الصبي المميز والسفيه اللذان يعرفان معنى المعاملة فإن تصرفهما في ذلك يكون صحيحا بإذن الولي فالبلوغ ليس شرطا في صحة الرهن ومثله الحرية .
وحكم الرهن الفاسد : أنه يكون مضمونا بقبضه بخلاف الرهن الباطل فإنه لا يكون مضمونا .
وأما القسم الثالث : وهو شرط اللزوم : فهو قبض المرهون فإذا حصل الإيجاب والقبول مع شرط الانعقاد انعقد الرهن صحيحا ولكنه لا يكون لازما إلا بالقبض فللراهن أن يرجع في رهنه قبل أن يسلم المرهون فهو نظير الهبة فإن للواهب الحق في الرجوع عن هبته قبل أن يقبضها الموهوب له . أما بعد قبضها فإنه ليس له الرجوع إلا برضا الموهوب له أو بالقضاء كما سيأتي في بابها إن شاء الله .
وصحح بعضهم أن القبض شرط في الانعقاد فإذا لم يقبض المرهون كان العقد باطلا ولكن الأول أصح ومن شروط اللزوم أيضا : الرشد والتكليف .
ويشترط في القبض إذن الراهن صريحا أو دلالة فالأول كأن يقول للمرتهن : أذنتك بقبض العين المرهونة أو رضيت بقبضها فيجوز للمرتهن بعد التصريح أن يقبضها في المجلس أو بعد الافتراق والثاني كأن يقبض المرتهن العين بحضرة الراهن فيسكت ولا ينهاه وبهذا يكون القبض صحيحا لأن سكوته يدل على الإذن بالقبض وإذا قبض المرهون مع الإخلال بشرط من الشروط السابقة كان القبض فاسدا فلا يلزم به العقد كما إذا كان المرهون مشغولا بحق الراهن أو كان مما لا يمكن حيازته وحده كالثمر على الشجر والزرع على الأرض أو كان مشاعا وكذلك إذا كان القابض غير عاقل فإن قبضه لا يصح فهذه شروط لصحة القبض أيضا كما أنها شروط لصحة الرهن .
الشافعية - قالوا : تنقسم شروط الرهن إلى قسمين : .
القسم الأول : شرط لزوم وهو قبض المرهون فإذا رهن دارا ولم يستلمها المرتهن لم يلزم العقد فيصح للراهن أن يرجع فيه .
وإذا كانت العين المرهونة تحت يد المرتهن قبل العقد سواء كان ذلك بإجارة أو إعارة أو غصب أو غير ذلك فإنها تكون مقبوضة له بعد العقد إذا مضى زمن يمكن قبضها فيه ويشترط لصحة القبض إذن الراهن .
القسم الثاني : شروط الصحة وهي أنواع : .
النوع الأول يتعلق بالعقد : وهو أن لا يكون معلقا على شرط لا يقتضيه العقد عند حلول الدين فإن هذا يبطل الرهن أما إذا اشترط شرطا يقتضيه العقد كشرط تقدم المرتهن على غيره من الغرماء في الاختصاص بالعين المرهونة فإنه لا يضر .
النوع الثاني يتعلق بالعاقدين الراهن والمرتهن : وهو أهلية العاقدين بأن يكون كل منهما بالغا عاقلا غير محجور عليه فلا يصح رهن الصبي والمجنون والسفيه مطلقا ولو بإذن الولي على أن يجوز للولي أن يتصرف في مال المحجور عليه بالرهن في حالتين : .
الحالة الأولى : أن تكون ضرورة تدعوه إلى الرهن كاحتياجى المحجور عليه لطعام أو كسوة أو تعليم أو نحو ذلك بشرط أن لا يجد الولي وسيلة للإنفاق عليه سوى رهن ماله .
الحالة الثانية : أن يكون في الرهن مصلحة مالية تعود على المحجور عليه كما إذا وجد عينا تباع وفي شرائها ربح للمحجور عليه ولم يجد مالا يشتريها به فيصح له أن يرهن ملكه ليشتري به هذه العين حرصا على فائدة المحجور عليه .
النوع الثالث : يتعلق بالمرهون وهو أمور : .
أولا : أن يكون للراهن ولاية على المرهون بأن كان ماله محجورا عليه وهو ليه أو وصيه أو كان مالا استعاره من شخص ليرهنه في دينه ويشترط في الاستعارة لذلك ثلاثة شروط : .
أحدها : أن يبين المستعير لمن يريد أن يستعير منه جنس الدين وقدره وصفته كأن يقول له : إن دينه الذي يريد أن يرهنها فيه عشرون جنيها مصرية أو إنكليزية أو مائة ريال فضة مصرية أو غيرها .
ثانيها : أن يبين له أجل الدين إن كان بعيدا أو قريبا .
ثالثها : أن يذكر له المرتهن الذي يريد أن يرهنها عنده . وليس لصاحب العارية أن يرجع فيها بعد أن يقبضها وإذا تلفت العين المستعارة بعد ذلك فلا ضمان على الراهن ولا على المرتهن وعند حلول الأجل يطلب المرتهن دينه من المالك والراهن معا . وإذا بيعت العارية كان لصاحبها الثمن الذي بيعت له فقط وإن كان أقل من قيمتها .
ثانيا : أن يكون المرهون عينا فلا يصح رهن سكنى الدار ونحوها من المنافع التي ليست عينا وكذلك لا يصح رهن الدين ابتداء فإذا كان لشخص مائة جنيه دينا على آخر وكان مدينا لغيره بمائة جنيه فإنه لا يصح أن يرهن المائة التي له في المائة التي عليه لأنها ليست عينا . نعم يصح رهن الدين دواما كما إذا رهن شخص عينا في دين عليه فأتلفها المرتهن وهي عنده فإنها في هذه الحالة تكون مضمونة على المرتهن إن كانت مثلية وبقيمتها إن كانت قيمية ويكون بدلها عنده مرهونا في مقابل دينه فيصح رهن الدين في هذه الحالة لأنه ليس دينا من أول الأمر بل هو في الأول رهن عين فلذا صح رهنه بعد أن ينقلب دينا .
ثالثها : أن لا تكون العين سريعة الفساد والدين مؤجل إلى أمد بعيد بحيث يلحق العين الفساد قبل حلول الأجل سواء اشترط عدم بيعها أو لم يشترط شيئا .
( يتبع . . . )