كما إذا قال له : بعني هذا البطيخ بما اصطاده من سمك أما إذا كان السمك معينا وجعل العرض مبيعا كأن قال له : بعني هذه البطيخة بحوت أصطاده لك فإن البيع يكون فاسدا . والفرق بين الأمرين : أن السمك المطلق لا يعقل جعله ثمنا ولو ملكه بعد صيده . أما السمك المعين فإنه يمكن أن يكون ثمنا فإنما لو اصطاد غيره لم يكن هو الذي جعله ثمنا وإذا اقتطع من النهر أو الترعة قطعة بجسر ونحوه ثم أدخل فيها السمك فإن كان قد أعدها للصيد فإن السمك يصبح مملوكا له ثم إن كان يمكن إمساكه بدون حيلة صح بيعه لأنه يكون مملوكا مقدور التسليم . أما إذا لم يمكن فإنه لا يصح بيعه . وإذا لم يكن قد أعدها للصيد كأن حفر مصرفا لسقي ثم دخل فيه السمك فإن سده عليه ملكه وإلا فلا يملكه فلا يصح له بيعه . وإن اصطاده من الترعة أو النهر ثم أرسله في المصرف أو القناة فإنه يكون مملوكا له ويصح بيعه وهو في الماء إن قدر على إمساكه بدون حيلة .
وفي تأجير برك الماء التي يجتمع فيها السمك خلاف : فبعضهم يقول بجوازه وبعضهم يقول لأنه لا يصح تأجير المراعي .
ومنها : بيع اللبن في الضرع على التحقيق وإنما كان باطلا لأنه لا يعلم إن كان لبنا أو دما أو غير ذلك فهو مشكوك في وجوده .
ومنها بيع اللؤلؤ في صدفه فإنه باطل لا فاسد على التحقيق لأن وجوده غير معلوم . بخلاف الحب في سنبلة والفول في قشره وجوز الهند ونحو ذلك فإن بيعها صحيح لأنها معلومة يمكن تجربتها بالبعض .
ومنها : بيع الوقف لأن الوقف لا يقبل التمليك والتملك فبيعه باطل لا فاسد على المعتمد . وإذا ضم إلى الوقف ملك كأن كان لديه بستان نصفه مملوك ونصفه موقوف صح بيع النصف المملوك وبطل بيع الموقوف إلا إذا كان مسجدا عامرا فإنه إذا بثي مضموما إلى ملك آخر فإن بيع الجميع يكون باطلا . أما المسجد الخرب فإنه إذا باع مضموما إلى ملك صح بيع الملك وبطل بيع المسجد . وإذا كان يملك ضيعة " عزبة " بها مسجد ومقبرة ثم باعها بدون أن يستثني المسجد العامر والمقبرة فقال بعضهم : إن البيع يكون باطلا لأنه باع مسجدا عامرا مضموما إلى ملك . وقال بعضهم : إن البيع صحيح لأن المسجد أو المقبرة مستثنى عادة فلم يوجد ضم الملك إلى المسجد بل البيع واقع على الملك وحده .
ومنها بيع صبي لا يعقل ومجنون . أما الصبي المميز والمعتوه الذي يدرك معنى البيع فإن بيعهما ينعقد ولكن لا ينفذ إلا بإجازة الولي بشرط أن لا يكون فيه غبن فاحش . وإلا لم يصح لا من الصبي ولا من الولي .
ومنها : شعر الإنسان لأنه لا يجوز الانتفاع به لحديث : " لعن الله الواصلة والمستوصلة " وقد رخص في الشعر المأخوذ من الوبر ليزيد في ضفائر النساء وقرونهن .
ومنها : بيع ما سيملكه قبل ملكه . كما إذا كان ينتظر ميراثا بوفاة والد أو أحد من يرثهم ثم باعه قبل أن يؤول إليه ذلك لأنه إنما يبيع شيئا معدوما لا يقدر على تسليمه وهو باطل . ومثله بيع ما كان على خطر العدم كبيع اللبن في الضرع فإنه على احتمال عدم الوجود . وإنما يصح بيع المعدوم إذا كان دينا موصوفا في الذمة وهو السلم الآتي بيانه . أما بيع ملك الغير بوكالة منه فإنه صحيح نافذ . وبيعه بدون وكالة فهو صحيح موقوف على إجازة المالك وهذا هو بيع الفضولي .
ومن الباطل بيع الأعشاب التي تنبت بنفسها في الأرض وترعاها الدواب وتسمى الكلأ والمراعي ولو نبتت في ملكه . لحديث : " الناس شركاء في ثلاث : في الماء والكلأ والنار " وكما لا يصح بيعها فكذلك لا تصح إجازتها . وهل إجارتها باطلة أو فاسدة ؟ خلاف : أما إذا أنبتها أحد بسقي وخدمة فإنه يملكها حينئذ فله بيعها . واختار بعضهم أنه لا يملكها فليس له بيعها .
ومنها : بيع رمية الشبكة في الماء كأن يقول له : أبيعك ما يخرج بهذه الرمية في الشبكة بكذا أو ما أصطاده بضربة هذا السهم من الطير ويسمى بيع ضربة القانص لأنه بيع ما ليس بمملوكومثل ذلك غوصة الغائص وهو الذي يغوص في الماء لإخراج اللآليء ونحوها .
ومنها : بيع صرح بنفي الثمن فيه كأن يقول له : بعني جملك مجانا أو بلا ثمن فيقول له : بعتك إياه فهذا البيع باطل لانعدام المال من أحد الجانبين وبعضهم يقول : ينعقد البيع لأن نفيه نفي للعقد فيكون كأنه سكت عن ذكر الثمن وحكم السكوت عن ذكر الثمن في البيع : أن البيع ينعقد معه ويثبت الملك بالقبض فهو فاسد كما يأتي .
هذه بعض أمثلة البيع الباطل . أما حكمه فهو أنه لا يفيد الملك كما تقدم . فإذا قبض المشتري المبيع فإنه لا يملكه بقبضه وإذا هلك المبيع عنده بعد قبضه إياه ففيه خلاف : فقيل : يضمنه لأنه يكون كالمقبوض على سوم الشراء المتقدم ورجحه بعضهم . وقيل : لا يضمنه لأنه أمانة عنده فإنه بعد بطلان العقد لم يبق سوى القبض بإذن البائع وهو لا يوجب الضمان بدون نقد .
وأما البيع الفاسد فله أمثلة : منها : بيع الوصي مال اليتيم بغبن فاحش فإنه فاسد على الراجح .
ومنها : بيع المضطر وشراؤه . فالأول : كما إذا ألزمه القاضي ببيع ماله لإيفاء دينه فاضطر إلى بيعه بدون ثمن المثل بغبن فاحش البيع في هذه الحالة يكون فاسدا والثاني كما إذا اضطر إلى طعام أو شراب أو لباس فلم يرض البائع إلا بيعها بثمن كثير يزيد عن قيمتها .
ومنها : البيع مع السكوت عن ذكر الثمن فإنه فاسد كما تقدم قريبا ومنها : بيع متاع قيمي بخمر بأن يجعل الخمر ثمنا فإنه فاسد كما تقدم .
الشافعية - قالوا : من أمثلة البيع الفاسد أو الباطل بيع الأعمى وشراؤه فلا يصح أن يبيع الأعمى عينا أو يشتري كما لا تصح إجارته ورهنه ولكن يصح أن يوكل عنه غير . فيما لا يصح منه من العقود للضرورة وكذلك يصح له أن يشتري شيئا موصوفا في الذمة فيصح أن يسلم ويسلم إليه . ومنها : بيع خيار الرؤية كما إذا اشترى شيئا لم يره على أن له الخيار إذا رآه .
ومنها : بيع الأشياء الموقوفة ولو أشرفت على الخراب أو لم ينتفع بها أصلا على المعتمد ويستثنى من ذلك الحصر القديمة البالية والقناديل والجذوع الموقوفة التي لا نفع فيها فإن بيعها يجوز لينتفع بثمنها في مصالح الوقف .
ومنها : بيع المرهون بعد قبضه فإذا رهن شيئا من شخص واستلمه فإنه لا يصح بيعه إلا بإذن منه فإذا باعه بدون إذن كان البيع فاسدا . أما إذا باعه قبل قبضه فإنه يصح بدون إذن المرتهن . كذا إذا باعه بعد قبضه للمرتهن فإنه يصح . ومنها : الأضحية ولكن إن كانت منذورة فإن بيعها لا يصح قبل الذبح وبعده . أما إن كانت متطوعا بها فإن بيعها لا يصح بعد الذبح . ومنها : بيع ما عجز المشتري عن استلامه إذا لم يكن البائع قادرا على تسليمه سواء كان العجز حسيا كالمغصوب أو شرعيا كالمرهون .
ومنها : بيع القمح في سنبله " سبله " : سواء باعه بقمح مثله أو باعه بشعير أو باعه بدراهم . ومثل البر كل ما كان مستترا بسنبله كالذرة الشامي فإنها تكون مستترة بالورق الذي " على قناديلها " أما الذرة الصيفي فإنه يصح بيعها قبل قطعها لأن حبها غير مستتر والعلة في ذلك عدم رؤيتها كما تقدم ومثل ذلك ما كان مستترا بالأرض كالجزر والفجل والبصل : ومنها : بيع ما لم يملكه البائع فإذا باع شيئا لا ولاية له عليه بوجه من الوجوه كان بيعه باطلا كما إذا باع بستان أخيه أو أحد أصدقائه ويسمى بيع الفضولي وهو باطل ولو أجازه المالك . ومنها : بيع اللحم بالحيوان سواء كان من جنسه أو غير جنسه مأكولا أو غير مأكول فإذا اشترى لحما من عند الجزار بخروف حي أو سمك أو حمار فإن البيع يقع باطلا كما سيأتي . ومنها : بيع الماء الجاري في قناة أو مصرف ونحوهما وكذلك الماء النابع في عين أو بئر فلا يصح بيعه وحده فإن كان يملك أرضا يجري الماء فيها فليس له أن يبيع الماء وحده دون الأرض وإذا فعل وقع البيع باطلا أما إذا باعه مع الأرض فإنه يصح وكذا لو باع الأرض دون الماء وإذا لم ينص على الماء لا يدخل فيها بل يدخل على ملك البائع سواء الموجود منه حال البيع والحادث بعده وخرج بالجاري والنابع الماء الراكد فإنه يصح بيعه وحده . ومنها : بيع الثمرة قبل أن يظهر صلاحها بدون شرط القطع فإذا اشترى ثمرة النخلة قبل أن يبدو صلاحها من غير أن يشترط قطعة بأن اشتراه بشرط بقائه عليها أو بدون شرط أصلا وقع البيع باطلا .
المالكية - قالوا : إن كل شيء نهى الشارع عن تعاطيه كان فاسدا سواء كان من العبادات كالصلاة والصيام أو كان من العقود كالبيع والنكاح ولكن بشرط أن يكون النهي راجعا لذات الشيء أو لوصفه أو لأمر خارج عنه لازم له . أما إذا كان نهي راجعا لأمر خارج غير لازم له فإنه لا يكون فاسدا وإن كان حراما . مثال الأول : الميتة والدم والخنزير ونحوها فإن الشارع قد نهى عنها لذاتها فإذا بيعت كان بيعها حراما باطلا . ومثال الثاني : الخمر فإن الشارع قد نهى عنها لوصفها وهو الإسكار فإذا بيعت كان بيعها باطلا . ومثال الثالث : صوم يوم العيد فإن صوم يوم العيد ليس منهيا عنه لذاته ولا لوصفه ولكنه منهي عنه لأمر خارج عنه لازم له وهو الاعراض عن ضيافة الله تعالى وهذا المعنى ملازم له لا ينفك عنه دائما فصيامه حرام باطل ومثال الرابع : الصلاة في الدار المغصوبة فإن الصلاة لا ينهي عنها لا لذاتها ولا لوصفها ولا لأمر خارج لازم لها بحيث لا ينفك عنها . وإنما نهى عنها لأمر عرضي غير لازم لها وهو كونها في الدار المغصوبة فهي صحيحة وإن كان فاعلها آثما . وكذلك الوضوء بالماء المغصوب لأن غصب الماء وإتلافه غير ملازم للوضوء بل يوجد بدونه . وكذلك غصب أرض الغير فإنها توجد بدون صلاة ولكن يستثنى من هذه القاعدة بيع النجش " وهو إغراء الغير على الشراء بالزيادة الكاذبة " كما سيأتي وبيع المصراة المتقدم وتلقي الركبان فإن هذه الأمور منهي عنها مع كونها غير فاسدة لأن السنة وردت بصحتها فتكون مخصصة لتلك القاعدة .
فمن أمثلة البيع الفاسد : بيع الحيوان المأكول اللحم وهو حي بلحم من جنسه كما إذا كان عنده خروف حي فأعطاه للجزار وأخذ به لحما لأن هذا البيع معلوم وهو اللحم بمجهول وهو الحيوان إذ لا يعرف إن كان لحم الحيوان الحي جيدا أو رديئا بخلاف لحم المذبوح بعد سلخه فإنه يكون مريئا معلوما ما لم يطبخ اللحم فإنه يصح أن يباع بالحيوان أما بيعه بلحم من غير جنسه كما إذا اشترى سمكا بخروف فإنه جائز وإلا أنه يشترط لصحة البيع في مثل هذا أن يكون منجزا لأنه مما لا تطول حياته فيشترط فيه ذلك وسيأتي بيانه في مبحثه .
ومنها بيع الغرر وهو التردد بين أ مرين : أحدهما يوافق الغرض والآخر يخالفه كما إذا قال له : بعتك هذه الدابة بقيمتها التي تظهر في السوق أو التي يقولها أهل الخبرة فإنه يحتمل أن تظهر قيمتها موافقة لغرض البائع والمشتري وأن تظهر مخالفة فلا يصح البيع ما دام العوض مجهولا . وكذلك إذا قال له : بعتك هذه السلعة بما تحكم به أو بما يحكم به فلان أو بما ترضى به أو بما يرضى به فلان فإن كل ذلك لا يصح ويغتفر الغرر اليسير للضرورة كأساس الدار فإنها تشتري مع عدم معرفة عمقه وعرضه وكإجارتها مشاهرة مع احتمال نقصان الشهور وزيادتها وكشراء جبة محشوة أو لحاف محشو من غير معرفة حشوه فإن ذلك يتسامح فيه الناس عادة بخلاف ما إذا كان الغرر كثيرا كبيع الطير في الهواء والسمك في الماء فإنه لا يصح .
ومنها أن يبيع السلعة بيعا باتا بعشرة نقدا وبخمسة عشر مثلا لأجل فيرضى المشتري ذلك ويأخذ السلعة من سكوت ثم يختار بعد تمام العقد فإن البيع يقع فاسدا ويسمى ذلك البيع " بيعتين في بيعة " أما إذا باع ذلك بالخيار كأن قال له : بعتك هذه السلعة بعشرة حالة وبخمسة عشر مؤجلة على أن يكون لك الخيار فإنه يصح وإنما منع الأول للجهل بالثمن حال البيع وجاز في الثاني لأن له فرصة التأمل . ومثل ذلك ما إذا باع واحدة من سلعتين مختلفين في الجنس أو الوصف .
مثال مختلفي الجنس أن يقول : بعتك أحد هذين الأمرين " الثوب أو الدابة " بعشرين ثم يختار المشتري منهما بعد تمام البيع ما يحب وهذا البيع فاسد بدون شرط الخيار أما إذا شرط الخيار فإنه يصح . ومثال مختلفي الوصف : أن يبيعه وادحا غير معين من رداء وكساء فإنه لا يصح لأن المبيع في الأمرين غير معين ولا يصح بيع المجهول وإذا اشتراه بثمن مختلف كان الفساد أظهر لأن الجهالة تكون في المبيع وفي الثمن .
أما إذا كانا مختلفين جودة ورداءة فقط كما إذا باعه إحدى صبرتين من قمح إحداهما جيدة والأخرى رديئة بثمن واحد على أن يختار منهما ما يعجبه فإنه يصح لأن المعتاد في مثل ذلك شراء الجيد لا الرديء .
وإذا كان عند شخص نخلات مثمرات فباع واحدة منها بدون أن يعينها فإنه لا يصح أما إذا كان عنده حديقة فباعها واستثنى منها شجرة مثمرة أو أكثر على أن يختارها هو فإنه يصح لأنه أدرى بحديقته فيختار منها ما يلائمه .
ويصح بيع الهواء وهو بيع العلو كأن يقول لشخص : بعني عشرة أذرع مثلا فوق ما تبينه بأرضك ويشترط لصحته وصف البناء الأعلى والأسفل من العظم والخفة والطول والقصر ووصف ما يبنى به من آجر أو حجر أو نحوهما ولا ريب في أن الوصف ضروري حتى لا يقع نزاع بين المتعاقدين من جراء ارتفاع البناء الأعلى ما يحدثه فيه من المنافع التي قد لا تلائم الأسفل فإذا وصف كل منهما بناءه ارتفع النزاع وليس للأعلى أن يزيد شيئا غير ما اتفقا عليه إلا برضا الأسفل وهو يملك جميع الهواء الذي فوق بناء الأسفل وهذا البيع لازم مضمون فلا ينفسخ بهدم الأسفل فإذا انهدم الأسفل يلزم البائع بإعادته وكذلم من حل محله من مشتر أو وارث إذا هدم الأعلى كان لصاحبه أو لمن حل محله من وارث أو مشتر إعادته .
( يتبع . . . )