ومن البيوع الفاسدة البيع بشرط فاسد لا يقتضيه العقد وفي بيانه تفصيل في المذاهب .
( الحنفية - قالوا : إنما يفسد البيع بالشرط إذا كان الشرط مقارنا للعقد كما إذا قال له : بعتك هذه الدار بشرط أن تقرضني مائة جنيه فهذا الشرط فاسد يفسد العقد بحيث إذا قبض المشتري الدار ينفذ العقد ويلزم بقيمة المبيع كما هو حكم المبيع الفاسد في كل أمثلته فإذا تم البيع ولم يكن الشرط مقارنا له بل جاء بعده فلا يلتحق به على الأصح . وضابط الشرط الفاسد ما اجتمع فيه أمور : .
أحدها : أن يكون الشرط لا يقتضيه العقد ومعنى كون العقد لا يقتضيه أنه لا يفهم من صيغته بدون ذكره . فمثال ما يقتضيه العقد : تسليم المبيع على البائع وتسليم الثمن على المشتري فإن العقد يقتضي ذلك بصيغته . فإذا شرط في العقد تسليم المبيع أو تسليم الثمن كان شرطا يقتضيه العقد ومثال ما لا يقتضيه العقد ما إذا باع بشرط قرضه كما مثل أو لا فإن القرض لا يفهم من صيغة العقد بدون ذكره .
ثانيا : أن يكون الشرط غير ملائم للعقد فإن كان ملائما للعقد وإن لم يكن مقتضاه فإن البيع يكون صحيحا ومعنى كونه يلائم العقد . أنه يؤكد ما يوجبه العقد ومثاله أن يبيع شيئا بشرط أن يحضر له المشتري كفيلا بالثمن . فإن الكفيل يؤكد ما يوجبه العقد من دفع الثمن . ويشترط في الكفيل أن يكون معلوما بالإشارة أو التسمية وأن يقبل الكفالة في مجلس العقد سواء كان حاضرا أو كان غائبا عن مجلس العقد ثم حضر قبل أن يتفرق العاقدان . فإذا لم يكن الكفيل معينا ولا مسمى فالعقد فاسد . وإذا كان الكفيل حاضرا في مجلس العقد وأبى أن يقبل الكفالة حتى افترقا . أو اشتغلا بعمل آخر كان العقد فاسدا ولو قبل بعد ذلك . ومثل ما إذا باع شيئا بشرط أن يرهن المشتري عنده بالثمن رهنا فإن ذلك الشرط يؤكد معنى البيع ويشترط في الرهن أن يكون معلوما بالإشارة أو التسمية فإن لم يكن الرهن معلوما ولكن سماه المشتري فقط فإن كان عرضا لم يجز أما إن كان مكيلا أو موزونا موصوفا فالبيع جائز وإن لم يكن الرهن معينا ولا مسمى كأن شرط البائع أن يرهنه المشتري رهنا بدون أن يسمي شيئا فإن البيع يكون فاسدا . إلا إذا تراضيا على تعيين الرهن في المجلس ودفعه المشتري إليه قبل أن يتفرقا أو دفع المشتري الثمن معجلا فإن البيع يجوز في الحالتين .
ثالثا : أن يكون الشرط قد ورد الشرع بجوازه وإن كان لا يقتضيه العقد ولا يلائمه كشرط الخيار والأجل . ومثل ورود الشرع في ذلك الشرط المتعارف وذلك كما إذا اشترى " جزمة " بشرط أن يخيط البائع أزرارها فإن الشرط في ذلك متعارف فيصح البيع وكذا إذا اشترى حذاء جديدا " جزمة أو مداسا " بشرط أن يخيط البائع له المداس القديم أو اشترى قبقابا بشرط أن يسمره البائع أو يسمر له قبقابه القديم فإن هذا البيع صحيح لأن العرف جرى على هذا .
رابعا : أن يكون لأحد المتعاقدين فيه منفعة فإن لم يكن فيه لأحد المتعاقدين منفعة فإنه لا يفسد العقد ولو كان لا يقتضيه ولا يلائمه ولم يرد به الشرع ولا العرف .
ويتضح من هذا أن الشرط الفاسد : هو ما كان شرطا لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ولم يرد به الشرع ولا العرف وكان لأحد المتعاقدين فيه منفعة .
وقد علمت مما تقدم أن حكم البيع الفاسد : هو ثبوت الملك بعد قبضه فإذا قبض المشتري المبيع بإذن البائع سواء كان الإذن صريحا كأن قال له : خذ السلعة التي اشتريتها أو كان ضمنا بأن قبضه في مجلس العقد بحضرة البائع ولم ينهه البائع عنه ولم يكن فيه خيار شرط . ويستثنى من ذلك ثلاثة أمور : .
الأول : بيع الهازل فإن المبيع لا يملك بقبضه .
الثاني : أن يشتري الأب من مال طفله سلعة لنفسه فإن يقع فاسدا ولا يملكه الأب بالقبض وإنما يملكه بالاستعمال .
الثالث : أن يبيع الأب من ماله لطفله ويكون المبيع في الأمور الثلاثة أمانة في يد المشتري وإذا ملك المشتري في البيع الفاسد المبيع بقبضه كان له حق التصرف فيه تصرف المالك ولا شفعة لجاره فيه ولو كان عقارا إلا في أمور : .
منها : أنه لا يحل له أكله ولا لبسه .
ويتضح لك مما تقدم أن البيع لا يبطل بالشرط في مواضع أهمها ما يلي : .
- 1 - إذا باع شيئا بشرط رهن معلوم بإشارة أو تسمية .
- 2 - إذا باع بشرط كفيل حاضر أو غائب ولكنه حضر قبل أن يتفرقا من المجلس وكفل أما إذا لم يحضر ثم كفل بعد أن علم فإن البيع يفسد .
- 3 - إذا اشترى شيئا بشرط أن يحيل البائع بالثمن على غيره .
- 4 - إذا باع بشرط إشهاد على البيع .
- 5 - إذا باع بشرط خيار الشرط المدة الجائزة " ثلاثة أيام " .
- 6 - إذا باع بشرط أن ينقد الثمن . فإذا لم ينقده إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما .
- 7 - إذا اشترى بشرط تأجيل الثمن إلى أجل معلوم .
- 8 - إذا باع بشرط البراءة من العيوب .
- 9 - إذا باع بشرط أن تكون الثمار المبيعة على المشتري . وكذا إذا اشترى بشرط تركها على النخل بعد إدراكها فإنه صحيح على المفتى به .
- 10 - إذا اشترى بشرط وصف مرغوب فيه كما إذا اشترى دابة بشرط كونها سريعة .
- 11 - إذا باع أرضا بشرط كونه الطريق لغير المشتري .
- 12 - شرط حذو النعل .
- 13 - شرط خرز الخف .
الشافعية - قالوا : للشروط في عقد البيع خمسة أحوال : .
الحالة الأولى : أن يكون الشرط مقتضى العقد " ومقتضى العقد هو ما رتبه الشارع عليه " فعقد البيع رتب عليه الشارع ملك المبيع والثمر بقبضه فإذا اشترط المشتري قبض المبيع والبائع قبض الثمن كان ذلك الشرط مقتضى العقد فيصح . وكذلك إذا اشترى شيئا بشرط أن يرده إذا وجد فيه عيبا فإن ذلك الشرط صحيح لأن الشارع قد رتب على عقد المنفعة بالمبيع والعيب ينافي ذلك فهو شرط يقتضيه العقد .
الحالة الثانية : أن يكون الشرط لصحة العقد كأن يشترط قطع الثمرة . فإنه لا يصح شراء الثمرة قبل ظهور صلاحها بدون أن يشترط قطعها كما يأتي فالشرط في هذه الحالة ضروري لصحة العقد .
الحالة الثالثة : أن يكون الشرط فيه مصلحة كما إذا اشترى دابة بشرط كونها حاملا فإن هذا الشرط فيه مصلحة زائدة . ومثل ذلك ما إذا اشترط أن يكون المبيع غير مرهون فإنه شرط لمصلحة العقد .
الحالة الرابعة : أن يكون الشرط لغوا كأن يشتري حيوانا بشرط أن يأكل الربيع اليابس فإن مثل هذا الشرط لا يضر .
الحالة الخامسة : " أن يكون الشرط مما لا يقتضيه العقد ولم يكن لمصلحته وليس شرطا لصحته أو كان لغوا " وذلك هو الشرط الفاسد الذي يضر بالعقد كما إذا قال له بعتك بستاني هذا بشرط أن تبيعني دارك أو تقرضني كذا أو تعطيني فائدة مالية . وإنما يبطل العقد بشرط ذلك إذا كان الشرط في صلب العقد أما إذا كان قبله ولو كتابه فإنه يصح . أو يقول : بعتك زرعا بشرط أن تحصده أو ثوبا بشرط أن تخيطه أو بطيخا أو حبطا بشرط أن تحمله . وغير ذلك ما لا يقتضيه العقد وليس في مصلحته ولا شرطا في صحته . وإذا باع له شيئا بثمن مؤجل إلى أجل معلوم بشرط أن يدفع له رهنا معلوما كأن يقول له : بعتك هذه الدار بثمن في ذمتك بشرط أن ترهنني به الفدان الفلاني أو الأرض الفلانية المعينة فإنه يصح . أما إذا لم يعين بأن قال له : ترهنني به شيئا أو أرضا فإن البيع يكون فاسدا . ومثل ذلك ما إذا باع له شيئا بشرط أن يحضر له كفيلا . فإن كان الكفيل معلوما صح وإن كان مجهولا فإنه لا يصح .
ويشترط في المرهون أن يكون غير المبيع وغير الثمن . فإذا قال له بعتك هذا الجمل بكذا على أنه يكون تحت يدي مرهونا حتى تعطيني ثمنه فإنه لا يصح . وكذا إذا قال له المشتري : اشتريت منك جملا موصوفا بكذا في ذمتك على أن يكون ثمنه مرهونا عندي حتى أقبضه فإنه لا يصح .
ويشترط في بطلان البيع بذلك أن يكون الشرط في صلب العقد كما ذكر في المثالين فإن كان بعد تمام العقد بعد قبض المبيع فإن العقد لا يبطل بشرط الرهن .
ويكون المرهون معلوما بالمشاهدة أو الوصف بصفات السلم . أما الكفيل فيكون معلوما بالمشاهدة أو الاسم والنسب . فلا يكفي في معرفته الوصف كأن يقول : بعتك بشرط . كفيل غني موسر ونحو ذلك .
المالكية - قالوا : الشرط الذي يحصل عند البيع له أربعة أحوال : الحالة الأولى : أن يشترط شرطا لا يقتضيه العقد وهو ينافي المقصود منه وذلك كأن يشترط البائع على المشتري أن لا يبيع أو لا يهب أو لا يركب الدابة أو لا يلبس الثوب أو على أنه إذا باعها فهو أحق بها بالثمن بخلاف ما إذا باع له شيئا ثم طلب أن يقبله منه فقال له المشتري : أقيلك بشرط إن بعتها لغيري فأنا أحق بالثمن فيجوز لأنه يغتفر في الإقالة مالا يغتفر في غيرها وهذا الشرط مفسد للبيع . الحالة الثانية : أن يشترط شرطا يخل بالثمن كما إذا باع له شيئا بشرط أن يقرضه مالا فإن شرط القرض يخل بالثمن . لأنه إن كان من البائع فإنه يبيع السلعة بنقص . وإن كان من المشتري فإنه يشتريها بزيادة . وأما إذا باعه دارا ثم سلفه مالا بدون شرط فإنه لا يضر على المعتمد . وهذا الشرط يفسد البيع فالبيع فاسد بالشرط في هاتين الحالتين . الحالة الثالثة : أن يشترط شرطا يقتضيه العقد فشرطه تأكيد لا يضر . الحالة الرابعة : أن يشترط شرطا لا يقتضيه العقد ولا ينافيه كما إذا باعه بشرط الأجل أو الخيار أو الرهن أو الضمان أو الأجل المعين . فإن البيع في كل هذا صحيح . وكذلك الشرط .
الحنابلة - قالوا : تنقسم الشروط عند البيع إلى قسمين : القسم الأول : صحيح لازم يجب على من شرط عليه أن يوفي به وهو ثلاثة أنواع : النوع الأول : أن يشترط ما يقتضيه العقد - أي يطلبه البيع بحكم الشرع وذلك كالتقابض . وحلول الثمن وتصرف كل واحد من العاقدين فيما يصير إليه من مبيع وثمن ورد المبيع بعيب قديم ونحو ذلك مما يترتب على العقد شرعا وإن يم يذكر . فإذا شرط أحد المتعاقدين شيئا من ذلك فإنه لا يضر العقد شيئا . فوجده كعدمه . النوع الثاني : أن يشترط شرطا من مصلحة العقد كأن يشترط صفة في الثمن كتأجيله أو تأجيل بعضه إلى وقت معلوم فإن في ذلك مصلحة تعود على المشتري . أو يشترط البائع أن يرهن شيئا معينا بالثمن أو ببعضه فإن في ذلك مصلحة تعود على البائع وللبائع أن يرهن المبيع نفسه على ثمنه كما إذا قال له : بعتك هذا على أن يكون رهنا عندي على ثمنه فإنه يصح . وكذا إذا اشترط البائع ضمانة شخص معين بالثمن أو بعضه فإنه يصح لأن فيه مصلحة تعود على البائع . وإنما يصح للبائع أن يطلب الرهن والضمانة قبل تمام العقد فإذا طلب ذلك بعده فإنه لا يجاب لطلبه . وكأن يشترط في نفس المبيع كاشتراط ركوب الدابة سريعة مشيتها سهلة أو تحلب لبنا أو غزيرة اللبن أو كون الفهد صيودا أو الطير مصوتا أو يبيض . أو كون الأرض خراجها كذا .
فإن كل هذه الشروط صحيحة يلزم الوفاء بها . فإن وفى بها من شرطت عليه لزم البيع وغلا فإن لمن اشترطها الحق في فسخ البيع لفوات الشرط أو له عوض ما فاته من الشرط . وإذا تعذر على المشتري رد البيع تعين له العوض . النوع الثالث : أن يشترط البائع منفعة مباحة معلومة في المبيع كما إذا باع دارا واشترط أن يسكنها مدة معلومة كشهر ونحوه أو باع جملا واشترط أن ييحمله أو يحمل متاعه إلى موضع معين فإن ذلك يصح : كما يصح حبس المبيع على ثمنه . وللبائع أن يؤجر ما اشترطه من المنفعة وأن يعيره لغيره . ومثل ذلك ما إذا اشترط المشتري منفعة خاصة يقوم له بها البائع إذا اشترط عليه أن يحمل المبيع إلى داره أو يخيط له الثوب أو يحصد له الزرعن أو يقطع له الثمرة أو يصنع له الحديد سكينا أو نحو ذلك فكل هذه الشروط صحيحة يلزم البائع فعلها إلا إذا كانت مجهولة كما إذا اشترط أن يحمل له المبيع إلى داره وكانت داره مجهولة فإن الشرط يكون فاسدا ولكن البيع يكون صحيحا .
القسم الثاني : من الشروط التي تشترط عند البيع : الشروط الفاسدة التي يحرم اشتراطها وهي ثلاثة أنواع : .
النوع الأول : أن يشترط أحد العاقدين على صاحبه عقد آخر كأن يبيعه داره بشرط قرض . أو يشترط أن يبيعه جمله أو يؤجر له أرضه أو يشاركه في تجارة أو زراعة أو غير ذلك من العقود فهذا الشرط يفسد البيع . ومثل ذلك ما إذا قال : بعتك داري بكذا على أن تزوجني ابنتك أو على أن تنفق على خادمي أو نحو ذلك .
النوع الثاني : أن يشترط في العقد ما ينافي مقتضاه كما إذا اشترى سلعة بشرط أن تروج فإذا كسدت فإنه يردها أو يشترط أن يبيعها بدون خسارة فإذا خسرت كانت الخسارة على البائع أو باع شيئا بشرط أن المشتري لا يبيعه أو باع شيئا بشرط أن يجعله المشتري وقفا ونحو ذلك . ومثل هذه الشروط فاسدة لا يعمل بمقتضاها ولكن البيع صحيح فلا يبطل باشتراطها . النوع الثالث : أن يشترط البائع شرطا يعلق البيع عليه كقوله : بعتك إن جئتني بكذا . أو بعتك إن رضي فلان ونحو ذلك وهذا الشرط يفسد البيع إلا إذا قال : بعت إن شاء الله وقبلت إن شاء الله فإنه يصح ) .
المالكية - قالوا : لا يصح بيع النجس كعظم الميتة وجلدها ولو دبغ لأنه لا يطهر بالدبغ وكالخمر والخنزير وزبل مالا يؤكل لحمه سواء كان أكله محرما كالخيل والبغال والحمير أو مكروها كالسبع والضبع والثعلب والذئب والهر فإن فضلات هذه الحيوانات ونحوها لا يصح بيعها . وكذلك لا يصح بيع المتنجس الذي لا يمكن تطهيره كزيت وعسل وسمن وقعت فيه نجاسة على المشهور فإن الزيت لا يطهر بالغسل . وبعضهم يقول : إن بيع الزيت المتنجس ونحوه صحيح لأن نجاسته لا توجب إتلافه وأيضا فإن بعضهم يقول إن الزيت يمكن تطهيره بالغسل أما المتنجس الذي يمكن تطهيره كالثوب فإنه يجوز بيعه ويجب على البائع أن يبين ما فيه من النجاسة فإن لم يبين كان للمشتري حق الخيار .
( يتبع . . . )