ويكفي جس الشاة التي تشتري لأكلها لحما فلو جسها أعمى كفى ذلك عن رؤيتها . أما الشاة التي تشتري للقنية " للنسل لا للتجارة " فإن رؤيتها تكون بالنظر إلى جسدها ورؤية البقرة الحلوب تكون بالنظر إلى ضرعها .
أما الدور فإنه لا بد من رؤية داخلها ورؤية حجرها ومرافقها إذا كانت مشتملة على ذلك لأن رؤية خارجها لا يدل على رؤية باقيها .
لا تكفي رؤية الدهن ونحوه من خارج الزجاج كما لا تكفي رؤية المبيع في المرآة لأنه لم ير عينه : وإذا رأى سمكا في ماء يمكن تناوله بدون اصطياده فقيل : تكفي هذه الرؤية وقيل لا تكفي .
وإن اختلف البائع والمشتري في صفة المبيع بأن قال المشتري : لم أجد المبيع على الصفة التي رأيت بها العينة وقال البائع : هو على تلك الصفة فلا يخلو : إما أن تكون العينة موجودة أو تكون قد ضاعت فإن كانت موجودة فإنها تعرض على أهل الخبرة فيتضح الحال . أما إن كانت قد ضاعت فإن كان المبيع حاضرا ولكنه مستور في كيس " زكيبة " . كان القول للبائع والبينة للمشتري لأنهما في هذه الحالة يكونان متفقين على أن عين المبيع هي الحاضرة المستترة ومختلفين على الصفة فالمشتري لم ينكر العين حتى يكون له القول بخلاف ما إذا كان المبيع غائبا فإن المشتري ينكر كون هذا هو المبيع فيكون القول له .
المالكية - قالوا : إذا باع سلعة غائبة لم يرها المشتري فإن ذلك له حالتان : الحالة الأولى : أن تكون غائبة عن رؤية المشتري ولكنها حاضرة في مجلس العقد كالحنطة في الكيس والسكر في الصندوق وفي هذه الحالة لا يصح البيع إلا برؤية السلعة ما لم يكن في فتحها ضرر وفساد . الحالة الثانية : أن تكون غائبة عن مجلس العقد سواء كانت خارج البلد أو كانت بالبلد وسواء أمكن حضورها بسهولة أو لا وفي هذه الحالة يصح بيعها بدون رؤية . وعلى كلتا الحالتين فإنه يصح البيع بدون رؤية إلا إذا تحقق واحد من أمرين : أحدهما : وصف السلعة بما يعين نوعها أو جنسها . ثانيهما : أن يشترط الخيار برؤية المبيع فإن باع سلعة بيعا باتا بدون أن يراها المشتري وبدون أن توصف له من غير البائع " أو من البائع على المعتمد " فإن البيع يقع فاسدا وأما إذا وصف له فإنه يقع صحيحا ولا يكون له الخيار عند رؤيتها إلا إذا كانت معينة . أو كانت على غير الصفة التي اشتراها عليها كما يأتي بعد هذا . أما إذا باع سلعة بشرط أن يكون للمشتري الخيار ولم يصفها صح البيع وكان للمشتري الخيار عند رؤيتها .
ويعتبر المبيع مرتبا برؤية بعضه إن كان مثليا أو مكيلا كالقمح أو موزونا كالقطن أو معدودا كالبيض . أما غير المثلي وهو الذي يقوم بلا كيل أو وزن أو عد فإن رؤية بعضه لا تكفي على ظاهر المذهب فإذا باع قمحا رأى المشتري بعضه " عينته " فإن البيع يصح ومثل رؤية العينة سماع ما كتب من وصفها في البرنامج " دفتر التاجر " .
وإذا كان للمبيع قشرة كالرمان والجوز واللوز والبيض والبطيخ فإنه يكفي برؤية بعضه أيضا وإن لم يكسره ويعرف ما في داخله فإذا وجد الباقي مخالفا لما رآه مخالفة يسيرة فلا كلام له وإن وجده مخالفا مخالفة شديدة كان له الخيار في إمساكه ورده وإذا كان بالبعض الذي رآه عيب علمه ولكنه تسامح فيه فإن كان ذلك العيب مما يغلب وجوده في جميع المبيع كالسوس فإنه لا كلام للمشتري لأنه علمه ورضي به وإن كان مما يوجد في البعض الذي رآه ويظن أن الباقي سليم كأعلى الكيس الذي أصابه بلل فغيره فإنه له رده إذا رآه كله متغيرا وإذا رأى المبيع قبل العقد بزمن لا يتغير فيه عادة فإنه يصح شراؤه بلا شرط أما إذا رآه قبل ذلك بزمن يتغير فيه عادة فإنه لا يصح البيع بدون شرط الخيار عند رؤيته .
وإن اختلف البائع والمشتري في ذلك فقال المشتري : إن صفته التي اشتريته عليها تغيرت وقال البائع : لم تتغير فإنه يسأل في ذلك أهل الخبرة هل المدة التي بين رؤيته قبل البيع ورؤيته بعده يتغير فيها المبيع عادة أو لا ؟ فإن جزم بأنه يتغير كان القول للمشتري وإن جزم بأنه لا يتغير كان القول للبائع ولا يمين على واحد منهما ومثل ذلك ما إذا رجح التغيير أو عدمه فإنه يكون القول للمشتري إذا قال أهل الخبرة : إنه يظن أن يتغير ويكون القول للبائع إذا قال أهل الخبرة : إنه يظن أنه لا يتغير ولكن يحلف من رجح له في هذه الحالة . أما إذا شك أهل الخبرة فلم يجزم بشيء ولم يرجح شيئا كان على البائع أن يحلف بأن المبيع باق على الصفة التي رآه بها المشتري ويتم البيع .
وإن اختلفا فيما اشتراه على وصفه بالبرنامج " الدفتر " فقال المشتري : إنه وجده على غير المكتوب في الدفتر . وقال البائع : إن المبيع موافق لما كتبه في الدفتر وإن المشتري جاءه بغير المبيع كان القول للبائع بيمينه فيحلف بأن الذي باعه موافق للمكتوب فإن حلف فلا شيء وإن نكل حلف المشتري أنه لم يغير ما وجده فإن حلف فله رده على البائع وإن أبى لزمه ما أتى به ولا شيء له على البائع . وهل يصح للبائع أن يبيع الغائب مع اشتراط تعجيل دفع الثمن أو لا ؟ وأيضا هل يصح للمشتري أن يتطوع بدفع الثمن معجلا من غير شرط أو لا ؟ والجواب أن في ذلك أحوالا : أحدها : أن يكون المبيع الغائب عقارا والبيع بات لا خيار فيه وفي هذه الحالة يجوز للبائع أن يشترط تعجيل دفع الثمن بشرط أن يكون المشتري قد اشترى ذلك المبيع على وصف غير البائع أما إذا اشتراه على وصف البائع فإنه لا يصح اشتراطا تعجيل الثمن ولكن يصح للمشتري أن يتطوع بدفع الثمن . الحالة الثانية : أن يكون المبيع عقارا ولكنه اشتراه بشرط الخيار أو الاختيار وفي هذه الحالة لا يصح اشتراط تعجيل دفع الثمن ولا التطوع بدفعه . الحالثة الثالثة : أن يكون المبيع الغائب غير عقار وفي هذه الحالة يصح اشتراط تعجيل دفع الثمن بأربعة شروط : أحدها : أن يكون البيع باتا لا خيار فيه . ثانيها أن يكون قد اشتراه بناء على رؤية سابقة على العقد أو وصف غير البائع . ثالثها : أن لا يكون المبيع بعيدا عن محل العقد مسافة تزيد على يومين .
الحنابلة - قالوا : يصح بيع الغائب بشرطين : الأول : أن يكون المبيع من الأشياء التي يصح فيها السلم وهي الأشياء التي يمكن تعيينها بالوصف كالمكيلات والموزونات فإنه يمكن ضبطها بالكيل والوزن فيصح في الحنطة المتساوية والأرض بخلاف المعدود المختلفة أفراده كالرمان والتفاح فإن بعضه كبير وبعضه صغير . وكالجواهر المختلفة وغير ذلك مما سيأتي في السلم .
الثاني : أن يصفه بالصفات التي تضبطه وهي الأوصاف التي يترتب على ذكرها وعدمه اختلاف في الثمن غالبا وهي التي تكفي في السلم فإذا باع سلعة غائبة فإنه يجب أن يذكر جنسها كأن يقول مثلا : أبيعك تمرا ثم يذكر نوعها فيقول : تمر أسيوطي أو زغلولي أو واحي ثم يذكر حبه فيقول : صغير أو كبير ثم يذكر لونه فيقول : أحمر أو أصفر وهكذا كل مبيع غائب كما سيأتي في السلم فإذا اشترى شخص شيئا لم يره ولم يوصف له أصلا أو وصف له وصفا ناقصا لا يضبطه فإن العقد لا يصح . ومثل المشتري في ذلك البائع فإذا ورث شخص شيئا في بلد بعيدة عنه ولم يوصف له بوصف يضبطه فإنه لا يصح بيعه .
ثم إن المبيع بالصفة ينقسم إلى قسمين : .
القسم الأول : أن يكون عينا معينة بإضافة أو إشارة أو نحوهما ولا فرق في ذلك بين أن يكون المبيع غائبا عن مجلس العقد كأن يقول : بعتك جملي " الغائب " أو يكون حاضرا فيه ولكنه مغطى كالقمح في الكيس والتين في الكيس أيضا والسكر في الصندوق ونحو ذلك . ويتعلق بهذا القسم أحكام أولا : إن للمشتري الحق في رده إذا وجد فيه عيبا أو وجده غير مطابق للصفة التي اشتراه عليها وينفسخ العقد بذلك . ثانيا : إذا تلف المبيع قبل أن يقبضه المشتري فسخ العقد وضاع المبيع على البائع وليس للمشتري الحق في طلب بدله لأن الحق وقع على عين المبيع فمتى تلف فسخ العقد كبيع الحاضر فإذا شرط البائع على نفسه ذلك بأن قال : أبيعك هذه السلعة الغائبة الموصوفة بكذا بشرط أنها إن لم تكن على هذه الصفة أعطيتك سلعة بدلها موصوفة بتلك الصفة بطل العقد . ثالثا يجوز للمتعاقدين أن يتفرقا قبل قبض المبيع وقبل قبض الثمن متى تم الإيجاب والقبول كبيع الحاضر بالمجلس بدون فرق .
القسم الثاني : بيع موصوف غير معين بإضافة أو إشارة ونحوهما بشرط أن يذكر جميع صفاته التي تضبطه كما في السلم وذلك كأن يقول : بعتك جملا أبيض سمينا قادرا على حمل كذا إلى آخر صفاته وهذا النوع في حكم السلم وليس سلما حقيقيا لأنه غير مؤجل ويتعلق به حكمان : .
أحدهما : أن للمشتري أن يرده إذا وجده على غير الصفة التي ذكرت له ولا ينفسخ العقد بذلك فللبائع أن يعطيه جملا بدله متصفا بتلك الصفة لأن العقد لم يقع على عينه بل على عين موصوفه بتلك الصفة . ثانيهما : لا يجوز للمتعاقدين أن يتفرقا من المجلس قبل قبض المبيع أو قبض ثمنه فإن تفرقا قبل ذلك بطل العقد لأنه في معنى السلم وكذلك لا يصح أن يكون البيع في هذا القسم بلفظ سلم أو سلف لأنه يكون حينئذ سلما وهو لا يصح إلا إذا كان المبيع مؤجلا غير حال ومن هذا النوع ما يقع كثيرا بين التجار في البلدان المختلفة فإنهم يشترون الأشياء غير المعينة الموصوفة بالصفات التي تضبطها وقد عرفت أنه جائز .
أما النموذج " العينة " بفتح العين وتشديد الياء كأن يريد قدحا من القمح فيشتري إردبا على أنه من جنسه فإنه باطل لأنه لم يرد المبيع في هذه الحالة . بخلاف رؤية البعض الدالة على الباقي كما إذا رأى ظاهر ثوب غير منقوش فإن رؤية ظاهره تدل على باقيه أما إذا كان منقوشا نقوشا مختلفة رؤية بعضها لا يدل على رؤية الباقي فإنها لا تكفي . وكذلك إذا رأى ظاهر صبرة " كومة " من القمح مثلا فإنه يكفي في رؤية الجميع لأن أجزاءها متساوية فتدل رؤية بعضها على الباقي أما إذا رأى ظاهر كومة مركبة من أجزاء مختلفة " كالخلطة " البندق واللوز والبلح والجوز والخروب فإن رؤية ظاهرها لا يكفي بل لا بد من أن يقبلها حتى يصح بيعها .
ويصح البيع بالرؤية السابقة على العقد بزمن كما إذا رأى شيئا ثم اشتراه بعد رؤيته ويشتمل هذا على ثلاث صور : .
الصورة الأولى : أن يكون المبيع مما لا يطرأ عليه التغيير في المدة التي رآه فيها قبل العقد يقينا .
الصورة الثانية : أن يكون مما لا يطرأ عليه التغيير في تلك المدة ظاهرا وتقدر المدة بالنسبة إلى كل شيء بحسب حاله فالفاكهة تتغير في مدة قريبة والحيوان يتغير إذا مضى عليه زمن كثير والعقار يتغير إذا مضى عليه زمن أكثر .
وحكم هذا : أن البيع يقع صحيحا في الصورتين سواء كان المبيع في مكان قريب أو بعيد ولو كان البائع غير قادر على تسليمه في الحال ولكن يشترط أن يقدر على استحضاره ثم إن وجده المشتري لم يتغير عن حاله فلا خيار وإن وجده متغيرا فله فسخ البيع على التراخي كخيار العيب ما لم يحصل منه ما يدل على الرضا مما تقدم في مبحث خيار الشرط .
الصورة الثالثة : أن يكون المبيع مما يطرأ عليه التغيير في المدة التي رآه فيها قبل العقد يقينا أو ظنا أو شكا فإن العقد لا يصح لأن المشتري يعلم به في هذه الحالة .
وإذا اختلف المتعاقدان في الصفة فقال المشتري : بعت لي الثوب على أنه مصري وقال البائع : بل على أنه شامي أو قال المشتري : إن المبيع الذي رأيته قبل العقد تغيرت صفته وقال البائع : بل هو باق على حاله فإن القول في الحالتين يكون للمشتري بيمينه )