الحالة الثانية : أن يحدث العيب عند المشتري بعد أن يقبضه بالفعل أو لم يقبضه ولم يمنعه البائع من قبضه ولم يكن مكيلا إلخ وفي هذه الحالة يكون البائع مسؤولا عنه ولا يصح رده له بعد ذلك فإن كان بالمبيع عيب وهو عند البائع ثم حدث به عيب آخر وهو عند المشتري فإن رضي المشتري بإمساكه فذاك وإن لم يرض بذلك رفع الأمر إلى الحاكم وهو يفسخ البيع ويكون على البائع أن يرد الثمن للمشتري وعلى المشتري أن يرد قيمة المبيع المعيب بعيبه الأول الذي حدث عند البائع ثم إن قيمة النقص الذي يحصل بسبب عيب المبيع هي الفرق بين قيمته صحيحا وقيمته معيبا منسوبا إلى ثمنه ولك بأن يقوم المبيع صحيحا ثم يقوم معيبا وينسب الفرق بينهما إلى أصل الثمن فيأخذه من له الحق فيه مثال ذلك أن يشتري عينا بمائة وخمسين ولكن نزلت قيمتها إلى مائة ثم حدث بها عيب فنزلت قيمتها إلى تسعين . فيكون الفرق بين قيمتها صحيحة وقيمتها معيبة عشرة وهي عشر المائة فإذا نسبت إلى الثمن الذي اشتريت به كانت خمس عشرة وهي عشر الثمن .
الشافعية - قالوا : إذا اشترى شيئا فوجده معيبا فإن له الحق في رده إذا حدث العيب قبل أن يقبض المشتري المبيع سواء حدث قبل عقد البيع أو حدث بعده وقبل أن يقبضه المشتري .
أما إذا حدث بعد القبض : فإن كان سبب العيب قديما كان له الحق في رده أيضا وإلا فلا يرد وذلك كما إذا اشترى عبدا واستلمه ولكنه كان قد ارتكب جناية سرقة قبل أن يشتريه وثبتت عليه بعد أن استلمه فقطعت يده فإن ذلك العيب يكون مسؤولا عنه البائع .
وإذا حدث في المبيع عيب وهو عند المشتري ثم وجد فيه عيبا قديما حدث وهو عند البائع وكان ذلك العيب الجديد لم يكن سببه قديما ولم يزل من المبيع قبل علم المشتري بالقديم ولم تتوقف عليه معرفة العيب القديم فإنه يسقط به حق المشتري في رده بدون رضا البائع حتى ولو كان هذا العيب قد حصل بفعل البائع . ثم تكون المسألة بعد ذلك على ثلاثة أوجه : أحدها أن يرضى البائع بالفسخ بدون عوض يأخذه من المشتري ويرضى المشتري بإمساك المبيع بدون المطالبة بعوض يأخذه عن العيب القديم . ثانيها : أن يتفقا على فسخ العقد أو إجازته مع دفع التعويض فإن فسخ العقد كان على المشتري دفع تعويض العيب الذي حدث عنده . وإن لم يفسخ كان على البائع دفع تعويض العيب الذي حدث عنده . ثالثها : أن لا يتفقا كأن يطلب أحدهما الفسخ ففي حالتي الاتفاق الأمر ظاهر لأن لهما ذلك الاتفاق وفي حالة عدم الاتفاق ينفذ رأي من طلب إجازة العقد سواء كان الطالب المشتري أو البائع وعلى البائع أن يدفع للمشتري تعويض العيب .
وإذا كان المبيع قد بيع بجنسه كالحنطة بالحنطة فإنه يتعين فيه فسخ العقد وإلزام المشتري بدفع العوض عن العيب الحادث على كل حال ) .
ومنها أن يشترط البائع البراءة من العيب على تفصيل المذاهب .
( الحنفية - قالوا : تصح البراءة مما يظهر في المبيع من العيوب على أي حال سواء كان الشرط عاما أو خاصا . وسواء شرط براءة نفسه " أي شرط كونه غير مسؤول عن العيوب التي تظهر في المبيع " أو شرط براءة المبيع " سلامته عن العيوب " . ومثال الأول أن يقول : بعتك هذه الدار على أني بريء من كل عيب أو على أنها كوم تراب أو بعتك هذه الدابة على أنها محكمة مكسرة ونحو ذلك فإن الشرط صحيح فلو اشتراها على ذلك وظهر فيها عيب لا يصح له ردها لأنه قبلها بكل عيب يظهر فيها فلا خيار له وكذا لو شرط البراءة من عيب خاص من باب أولى كأن قال له : بعتك هذه الفرس على أنها جموح وقبلها على ذلك فإنه ليس له ردها بهذا العيب ومثال الثاني أن يقول : بعتك هذا الحيوان على أنه لا عيب فيه ولم يبين عيبا خاصا واشتراه منه على ذلك فإن له أن يرده بظهور عيب قديم فيه وإذا قال : بعتك هذا الحيوان على أنه بريء من كل داء ينظر في ذلك العرف والعادة في استعمال الداء فإن كان العرف يخصه بالأدواء الباطنة عمل به فلو ظهر به داء باطن كان للمشتري رده وإن كان العرف يعمم الداء كان له رده بأي مرض قديم فيه وعرف زماننا يعمم الداء فيطلقه على الظاهر منه والباطن وهو موافق للغة أيضا ثم إن اشتراط البراءة من العيوب يشمل العيوب الموجودة قبل عقد البيع . والعيوب الحادثة بعده قبل أن يقبضه المشتري .
فلو باع له حيوانا بشرط أن لا يكون مسؤولا عن أي عيب فيه أو عيب معين ولم يكن به عيب حال العقد ثم حدث فيه عيب بعد العقد وقبل أن يستلمه المشتري فإنه لا يرد بذلك العيب الحادث كما لا يرد بذلك العيب القديم لأن شرط البراءعة يشمله وبعضهم يقول : ان اشتراط السلامة لا يشمل سوى العيوب الموجودة حال العقد فله رده بالعيب الحادث بعد العقد وقبل القبض كما يقول الشافعية .
أما إذا اشترط البراءة من كل عيب موجود فيه فإنه لا يتناول العيب الحادث بالإجماع .
وإذا قال : بعتك هذا بشرط أنني بريء من كل عيب موجود ومن كل عيب يحدث بعد العقد قبل القبض فإنه يكون شرطا فاسدا يفسد البيع على المعتمد وبعضهم يقول : إنه فاسد بالإجماع .
( يتبع . . . )