ينقسم النذر إلى أقسام في المذاهب .
( الشافعية - قالوا : ينقسم النذر إلى قسمين : الأول نذر التبرر وهو ما يقصد الناذر به فعل قربة من صلاة أو صيام ونحو ذلك فالتبرر مأخوذ من البر لأن الناذر يطلب به البر والتقرب إلى الله تعالى وينقسم نذر التبرر إلى قسمين : أحدهما أن يعلق النذر على حصول شيء مرغوب فيه كقوله : إن شفى الله مرضي فلله علي أن أصوم أو أصلي ويسمى هذا القسم نذر المجازاة لأنه وقع في نظير جزاء . ثانيهما : أن لا يعلق النذر على شيء كأن يقول ابتداء : فلله علي أن أصوم أو أصلي .
الثاني : نذر اللجاج .
فأما نذر اللجاج " وهو الخصام " فإنه يقع غالبا حال المخاصمة والغضب فينقسم إلى ثلاثة أقسام : .
أحدها أن يقصد به المنع عن شيء كقوله : إن كلمت فلانا فلله علي كذا . يريد بذلك منع نفسه من كلام فلان ومثله ما أراد منع غيره كقوله : إن فعل فلان كذا فلله علي كذا يريد بذلك منعه عن عمل . ثانيهما أن يقصد به الحنث على فعل أمر كقوله لنفسه : إن لم أدخل الدار فلله علي كذا أو حث غيره كقوله : إن لم يفعل فلان كذا فلله علي كذا ثالثها أن يقصد به تحقيق خبر من الأخبار كقوله : إن لم يكن الأمر كما قلت أو قال فلان فلله علي كذا . فأقسام النذر خمسة : اثنان في نذر التبرر وثلاثة في نذر اللجاج .
فأما نذر التبرر فيفترض وفاءه بقسميه وعلى الناذر أن يفعل ما التزمه عينا لكن على التراخي إن لم يقيده بوقت معين في النذر غير المعلق وأما في النذر المعلق فإنه يجب الوفاء به عند وجود المعلق عليه على التراخي لا على الفور أيضا ويشترط لصحة نذر التبرر شروط : منها ما يتعلق بالناذر وهي الإسلام فلا يصح من الكافر لأنه مناجاة لله فأشبه العبادة بخلاف نذر اللجاج فإنه لا يشترط فيه الإسلام والاختيار فلا يصح من المكره وأن يكون نافذ التصرف فيما ينذر فلا يصح من غيره كالصبي والمجنون بخلاف السكران فإنه نذره صحيح ومثل الصبي والمجنون المحجور عليه لسفه فإنه إذا نذر مالا فإنه لا يصح . أما إذا نذر قربة بدنية كصلاة وصوم فإنها تصح وكذلك المحجور عليه بفلس فإنه لا يصح نذره في القرب المالية العينية أما القرب المالية التي في الذمة فإنه يصح نذره فيها .
ومنها ما يتعلق بالمنذور فيشترط فيه كونه قربة لم تتعين بأصل الشرع سواء كانت نفلا أو فرض كفاية فالأولى كقراءة سورة معينة وطول قراءة صلاة والثانية كصلاة جنازة وجماعة في الفرائض . وكذا في النوافل التي تسن فيها الجماعة فإن نذر هذه الأشياء صحيح فخرج ما ليس قربة أصلا كالحرام والمكروه والمباح .
أما الحرام فإنه لا يصح نذره لكونه معصية وفي الحديث الصحيح : " لا نذر في معصية الله . ولا فيما لا يملكه ابن آدم " . ولا فرق في نذر المعصية بين أن يعلق النذر على المعصية وإن كان هو في ذاته طاعة كقوله : علي نذر كذا من الصلاة إن قتلت فلانا أو يكون المنذور نفسه معصية كقوله : لله علي أن أشرب الخمر وكذا لا فرق المعصية بين أن تكون فعلا كما ذكر أو تكون تركا كنذر ترك الصلوات الخمس أو الزكاة ونحو ذلك . فإن النذر في كل ذلك لا ينعقد وتشمل المعصية ما كانت لذاتها أو كانت لعارض كالصلاة في الأرض المغصوبة فإنها تحرم ونذرها لا ينعقد على الصحيح وكذا نذر الصلاة في الأوقات المكروهة .
وأما المكروه فإنه ينقسم إلى قسمين أيضا : مكروه لذاته كالالتفات في الصلاة ومكروه لعارض كصوم يوم السبت أو الجمعة أو الأحد فالمكروه لعارض يصح نذره وينعقد أما المكروه لذاته فقيل ينعقد نذره ويلزم الوفاء به وقيل لا ينعقد نذره إلا إذا كان قادرا عليه بحيث لا يخشى منه ضررا أو فوت حق وغلا كان مكروها فلا ينعقد ولا يلزم الوفاء به .
وأما المباح فإنه ينقسم إلى قسمين : الأول أن يقول : لا آكل لحما أو أمشي ميلا أو أشرب لبنا واختلف في هذا فقيل تلزمه كفارة يمين إن لم يفعل المنذور . وقيل لا يلزمه شيء وهو الراجح لأنه لم ينعقد نذره الثاني أن يكون نذره مشتملا على حث أو منع أو تحقيق خبر أو كان فيه إضافة إلى الله تعالى كأن قال : إن لم أدخل الدار أو إن كلمت زيدا أو إن لم يكن الأمر كما قلت فلله علي كذا ويقول ابتداء : لله علي أن آكل الفطير مثلا فإنه في هذه الحالة تلزمه كفارة يمين أو فعل المنذور عليه بلا خلاف أما نذر الفرض العيني فلا ينعقد كنذر صلاة الظهر مثلا لأنه لازم بأصل الشرع أما حكم نذر اللجاج فالناذر فيه مخير بين أن يفعل المنذور أو يفعل كفارة يمين .
الحنابلة - قالوا : ينقسم النذر المنعقد إلى ستة أقسام : الأول النذر المطلق وهو أن يقول : علي نذر أو لله علي نذر ولم ينو بنذره شيئا معينا سواء قال : إن فعلت كذا أو لم يقل فيلزمه بهذا كفارة يمين لحديث : " كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين " رواه ابن ماجة والترمذي . الثاني نذر اللجاج والغضب وهو تعليق النذر بشرط يقصد منه الناذر المنع من المعلق عليه أو الحث عليه أو التصديق عليه إن كان خبرا كقول : إن كلمتك فعلي صوم كذا يريد منع نفسه من كلامه وكقول : إن لم أضربك فعلي صلاة كذا يريد حث نفسه على ضربه . وكقول : إن لم أكن صادقا فعلي صوم كذا يريد تحقيق الخبر وحكم هذا النذر أن الناذر مخير بين كفارة اليمين إذا وجد الشرط وبين فعل المنذور والثالث نذر المباح كقوله : لله علي أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي وحكم هذا أن الناذر مخير أيضا بين فعل المنذور وكفارة اليمين . فنذر المباح كالحلف بفعله فإنه إذا حلف أنه يأكل أو يشرب فإنه يكفر أو يفعل . الرابع نذر المكروه كالطلاق وأكل الثوم والبصل وترك السنة ونحو ذلك وحكم هذا أنه يستحب للناذر أن يكفر كفارة اليمين فإذا فعل المكروه فلا كفارة عليه لأنه وفى بنذره . الخامس نذر المعصية كشرب الخمر وصوم يوم الحيض والنفاس ويوم العيد وأيام التشريق وحكم هذا أنه لا يجوز الوفاء به ويقضي الصوم في ايام أخرى وعليه كفارة فإن وفى أثم ولا كفارة بنذره عليه .
السادس نذر التبرر " التقرب " يقال : تبرر " تقرب " وهو نذر القرب كالصلاة والصيام والصدقة والاعتكاف وعيادة المريض والحج والعمرة وتجديد الوضوء وغسل الجمعة والعيدين ونحو ذلك سواء كان فرضا أو نفلا فإن كانت نفلا فلا خلاف في صحة نذرها وانعقاده سواء نذرت مطلقة كأن تقول ابتداء : لله علي أن أصوم كذا أو نذرت معلقة على شيء كأن يقول : إن شفى الله مريضي أو سلم مالي فلله علي كذا . فنذر التبرر على ثلاثة أقسام : أحدها ما كان في مقابلة نعمة يريد الحصول عليها أو نقمة يريد دفعها . ثانيها التزام طاعة من غير شرط كقوله ابتداء : لله علي صوم أو صلاة كذا . ثالثها نذر طاعة لا أصل لها في الوجوب كعيادة المريض والإعتاق كلها يلزم الوفاء بها .
أما إذا كانت فرضا كصلاة الظهر مثلا أو حجة العمر أو صوم رمضان فقد اختلف في صحة نذره فقال قوم : لا ينعقد النذر في الواجب لأن النذر التزام ولا يصح التزام ما هو لازم ومثل هذا ما لو نذر محالا كقوله : لله علي أن أصوم أمس فإنه لا ينعقد أيضا . وقال قوم : بل ينعقد نذرهما الواجب فإن فعله فذاك وإن تركه فعليه كفارة اليمين . وكفارة النذر واجبة على الفور .
ويشترط لصحة النذر بأنواه شروط : أن يكون الناذر مكلفا فلا يصح من الصبي . وأن يكون مختارا فلا يصح من المكره . وأن يكون بالقول فلا تنفع فيه الإشارة إلا من الأخرس إذا كانت إشارته مفهومة .
المالكية - قالوا : ينقسم النذر إلى أقسام : الأول نذر في معصية الله كأن ينذر فعل محرم من شرب خمر وأكل لحم خنزير أو ينذر فعل طاعة نهى الشارع عن فعلها في وقت معين كصيام يوم عيد الفطر أو الأضحى أو ينذر فعل مكروه . الثاني نذر في مباح . الثالث نذر في طاعة الله كنذر القرب من صيام وصلاة الخ .
فأما نذر المعصية فهو حرام في المحرم ومكروه في المكروه ولا يفعل المنذور فيه إلا صوم رابع النحر والإحرام بالحج قبل زمانه أو مكانه فإنهما مكروهان ولكن يلزمان بنذرهما وتلغى الكراهة احتياطا للنذر إلا أن النذر المحرم لعارض كصيام يوم عيد الفطر أو الأضحى ينقسم إلى ثلاثة أقسام : أحدها أن يكون الناذر عالما بتحريم ذلك وفي هذه الحالة يستحب له أن يأتي بطاعة من جنس المنذور . ثانيها أن يكون جاهلا بالتحريم فيظن أن في صوم هذا اليوم فضلا على غيره لقهر نفسه ومنعها عن اللذات . وفي هذه الحالة لا يجب عليه القضاء ولا يستحب . ثالثها أن يظن أنه كغيره من الأيام في جواز الصيام . وفي هذه الحالة خلاف قيل يقضي وقيل لا يقضي .
وأما نذر المباح فإنه مباح كنذر الأكل والشرب ونحوهما . ولا يلزم فيه فعل المنذور . أما نذر الطاعة فهو ينقسم إلى قسمين : الأول نذر في حالة الغضب سواء كان الغرض منه فعل قربة أو كان الغرض منه منع النفس من فعل شيء ومعاقبتها وإلزامها بالنذر ويسمى نذر اللجاج كقوله : لله علي نذر إن كلمت فلانا وهذا يجب الوفاء به وبعضهم يرى في نذر اللجاج التخيير بين كفارة اليمين وفعل المنذور والمشهور أنه يجب الوفاء به وهذا النوع من النذر مكروه كما تقدم .
الثاني النذر في حال الرضا ولا يلزم به غلا ما كان طلب فعله غير جازم كالسنة والرغيبة والمندوب بشرط أن يقع قربة دائما كالصلاة والصيام والصدقة ونحوها . أما ما يكون في قربة تارة وغير قربة تارة أخرى كالنكاح والهبة فإنه لا يلزم بالنذر . وكذلك الفرض لا يلزم بالنذر لأنه لازم في ذاته ويستحب من هذا النوع النذر المطلق كما تقدم .
وأما التزام النذر ابتداء من غير أن يكون شكرا على شيء وقع كأن ينذر صوم كذا أو صدقة كذا فإنه يباح الإقدام عليه ويجب الوفاء به وأما النذر المعلق على شيء لم يحصل كقوله : إن شفى الله مريضي أو رزقني كذا : أو نجاني من كذا : فعلي صدقة كذا فإنه يجب الوفاء به . واختلف في جواز الإقدام عليه كما تقدم .
ويشترط لصحة النذر أن يكون الناذر مسلما ويندب للكافر فعله بعد إسلامه . وأن يكون مكلفا فإذا نذر الصبي فإنه يستحب له الوفاء به بعد بلوغه . وأن يكون المنذور قربة غير واجبة بغير النذر فلا يصح بالمحرم أو المكروه أو المباح كما تقدم .
ولا يشترط للنذر صيغة خاصة فيلزم بكل لفظ دال على الالتزام ولو لم يذكر فيه لفظ النذر وقد اختلفوا في أنه يلزم بالنية ولو لم يذكر لفظ أو لا يلزم والمعتمد أنه لا يلزم إلا بلفظ فلا يلزم بالنية وحدها .
الحنفية - قالوا : ينقسم النذر إلى قسمين : نذر معلق على شرط ونذر مطلق . والنذر المعلق ينقسم إلى قسمين : الأول معلق على شيء يراد وقوعه كقوله : إن شفى الله مريضي فلله علي كذا فإنه معلق على شفاء المريض وهو مرغوب في حصوله للناذر وحكم هذا لزوم الوفاء به عند تحقيق المعلق عليه متى استوفى الشروط الآتي بيانها . الثاني معلق على شيء لا يراد حصوله كقوله إذا دخلت الدار فعلي كذا نذر أو إن كلمت فلانا . وهذا القسم هو يسمى نذر اللجاج عند الشافعية لأن المقصود منه المنع عن الفعل . وحكمه أن ناذره مخير بين فعل المنذور وبين كفارة اليمين وهذا هو الصحيح . وبعضهم يقول : إنه يجب فيه فعل المنذور كغيره . ولا فرق فيه بين أن يكون المعلق عليه طاعة أو معصية كقوله : علي كذا إن زنيت أو شربت الخمر .
ويشترط لصحة النذر سبعة شروط : الأول أن يكون من جنس المنذور فرض أو واجب اصطلاحي على الأصح كالصوم والصلاة والصدقة فإذا نذر أن يصوم تطوعا فإنه يجب عليه الوفاء لأن الصوم من جنسه فرض وهو صوم رمضان . وكذا إذا نذر أن يصلي نافلة فإنه يجب عليه الوفاء لأن الصلاة من جنسها واجب وهو الصلوات الخمس . وكذا إذا نذر أن يتصدق فإن الصدقة من جنسها واجب وهو الزكاة إلا الاعتكاف فإنه يجب عليه الوفاء بنذره مع أنه ليس من جنسه واجب على التحقيق لأن الإجماع منعقد على وجوب الوفاء بنذره .
وإذا لم يكن من جنس المنذور فرض أو واجب اصطلاحي فإنه لا يجب على الناذر الوفاء به . كعيادة المريض ودخول المسجد ولو مسجد الرسول A أو المسجد الأقصى أو الحرم المكي لأنه ليس من جنسه فرض أما إذا نذر تكبيرا فإنه يجب الوفاء به لأن التكبير من جنسه فرض وهي تكبيرة الإحرام . وكذا إذا نذر الصلاة على النبي A فإنه يجب الوفاء به على الصحيح لأنه من جنسها فرضا وهو الصلاة عليه في العمر مرة . الثاني أن يكون المنذور عبادة مقصودة فلا يصح النذر بما هو وسيلة كالوضوء والاغتسال ومس المصحف والأذان وتشييع الجنازة وعيادة المريض وبناء المساجد وغير ذلك فهذه الأمور وإن كانت قربة إلا أنها غير مقصودة لذاتها بل المقصود هو ما يترتب عليها فالضابط الكلي في صحة النذر : أن يكون المنذور عبادة مقصودة من جنسها فرض . الثالث : أن لا يكون المنذور معصية لذاته فإذا نذر أن يقتل فلانا أو يشرب الخمر أو يزني كان يمينا ولزمته الكفارة بالحنث . أما إذا نذر أن يصوم يوم عيد الفطر أو الأضحى فإنه يكون قد نذر محرما لعارض لا لذاتها فإن الصيام في ذاته طاعة وتحريمه في هذا اليوم عارض بنهي الشارع فيصح نذره ويلغو لأنه يوم العيد فيجب قضاءه في يوم آخر . ومثله ما إذا نذر أن يصلي ركعتين من غير وضوء فإنه يصح نذره لأن نذر الصلاة صحيح ويلغو قيد من غير وضوء فيجب أن يصلي ركعتين بوضوء لأن التزام المشروط وهو الصلاة التزام الشرط وهو الوضوء . وكذا إذا نذر أن يصلي ركعة واحدة فإنه يلزمه أن يصلي ركعتين . وكذا نذر أن يصلي ثلاثة فإنه يلزم بأربعة .
الرابع : أن لا يكون فرضا عليه قبل النذر فلو نذر حجة الإسلام لم يلزمه شيء غيرها .
الخامس : أن لا يكون ما التزمه أكثر مما يملكه فلو نذر الفا وهو لا يملك إلا مائة يلزم بالمائة فقط .
( يتبع . . . )