وإذا حلف لا يكلم فلانا فاقتدى الحالف بالمحلوف عليه فسها المحلوف عليه في الصلاة فسبح له الحالف فإنه لا يحنث . وكذا إذا كان الحالف مقتديا والمحلوف عليه إماما ففتح الحالف عليه " أرشده للقراءة بعد أن سدت طرقها فوقف " فإنه لا يحنث . وإذا صلى الحالف إماما بجماعة فيهم المحلوف عليه فسلم في آخر الصلاة فإنه لا يحنث لا بالتسليمة ولا بالتسليمة الثانية على المختار . وكذا إذا صلى المحلوف عليه إماما بجماعة فيهم الحالف فإن الحالف لا يحنث بالتسليم من الصلاة ردا على المحلوف عليه أما إذا سلم الحالف على قوم خارج الصلاة فيهم المحلوف عليه فإنه يحنث ولو لم يعلم به وسواء سمعه المحلوف عليه أو لم يسمعه وإذا استثناه بلسانه كأن قال إلا فلانا فإنه لا يحنث وإذا قال إلا واحدا فإنه لا يصدق إذا قال أردته وكذا إذا نوى القوم دونه بقلبه فإنه يصدق ديانة لا قضاء .
وإذا حلف لا يقرأ كتاب فلان فنظر إليه وفهمه بدون قراءة فإنه لا يحنث وقيليحنث وهو الموافق للعرف ولو قال : يوم أكلم فلانا فأنت طالق فيلزمه أن لا يكلمه الليل والنهار وإن نوى النهار فقط صدق ديانة وقضاء . ولو قال : ليلة أكلم فلانا فأنت طالق فيلزمه أن لا يكلمه الليل فقط .
وإذا قال إن كلمت فلانا إلا أن يقدم أبوه فامرأتي طالق فإنها تطلق إن كلمه قبل قدوم أبيه . لأنه جعل القدوم غاية لعدم الكلام فإن كلمه بعد القدوم لا يحنث أما إذا قال : امرأتي طالق إلا أن يقدم فلانا فإنها لا تطلق بقدومه وذلك لأن كلمة " إلا " إن جعلت في المثال الأول غاية لعدم الكلام فكأنه قال : لا أكلمه إلى أن يقدم وهي وإن كانت للاستثناء إلا أنه يصح أن تستعار للغاية وللشرط بجامع أن حكم كل واحد منها يخالف ما بعده ومتى كانت الغاية فإنه يحنث إن فعل المحلوف عليه قبلها ولا يحنث إن فعله بعدها . أما في المثال الثاني فهي للشرط لا للغاية وذلك لأنها جعلت قيدا للطلاق فكأنه قال : يقع الطلاق ويستمر إلى أن يقدم فلان فإنه يرتفع . والطلاق لا يحتمل التأقيت فلذا لا تطلق بقدومه بل تطلق بموته .
وإذا حلف لا يكلمه حتى يأذن له فلان فمات قبل الإذن فإن اليمين تسقط والضابط في ذلك أنه إذا جعل الحالف ليمينه غاية ففاتت الغاية بموت ونحوه بطل اليمين لما علمت من أن شرط بقاء اليمين المؤقتة أن يكون البر متصورا .
وإذا حلف لا يكلم فلانا وفلانا أو قال : كلام فلان وفلان علي حرام فإنه لا يحنث في المسألتين إلا إذا كلم الاثنين فإذا كلم واحدا فإنه لا يحنث إلا إذا نوى كلام أحدهما فإنه يحنث بكلامه لأنه شدد على نفسه أما إذا قال : والله لا أكلم فلانا ولا فلانا بإعادة " لا " فإنه يحنث لكلام أحدهما كما إذا حلف بالطلاق لا يذوق طعاما ولا شرابا فذاق أحدهما فإنه يحنث لأنه مع تكرار لا يكون بمنزلة يمينين فإذا لم يكررها لا يحنث إلا إذا ذاق الاثنين .
وإذا حلف لا يكلم إخوة فلان وهو يعتقد أن له إخوة متعددة وليس له إلا أخ واحد فإنه لا يحنث إذا كلمه لأنه لم يرد الواحد فبقيت اليمين على الجمع أما إذا كان يعلم أن له أخا واحدا فإنه يحنث لكلامه لأنه يكون قد ذكر الجمع واراد منه الواحد وهو يصح .
وكذا إذا حلف لا يأكل من هذا الخبز إلا ثلاثة أرغفة وليس منه سوى رغيف واحد فإنه لا يحنث .
وإذا حلف لا يكلم فلانا ما دام في الدار وكان ساكنا فيها فخرج منها على وجه تبطل به السكنى ثم كلمه وعاد إليها ثانيا تنحل اليمين فإذا كلمه بعد ذلك لا يحنث وكذا إذا حلف لا يقرب امرأته ما دامت في دار كذا وكانت ساكنة فإنها إذا خرجت منها على وجه تبطل السكنى بأن نقلت متاعها ثم عادت إليها تنحل اليمين .
ومثل كلمة " ما دام " ما زال وما كان في أنها غاية تنتهي اليمين بها ويلحق بها قول العامة : " طول ما أنت ساكن في كذا " وكذا إذا حلف لا يأكل هذا الطعام ما دام في ملك فلان فباع فلان بعضه فلا يحنث إذا أكل من الباقي لأن شرط الحنث بقاء الكل في ملكه ولم يوجد وكذا إذا حلف لا يكلم عرسه أو صديقه أو لا يدخل داره فطلقها أو زالت الصداقة أو باع الدار فإنه يحنث في العرس والصديق إن أشار غليهما بأن قال : صديق فلان هذا أو عرس فلان هذه لأن الصفة تلغو مع الإشارة عند الحلف فزوالها كعدمه كما تقدم وأما إذا لم يشر إليهما بهذا فإنه لا يحنث بكلامها إذا تبدلت الصداقة عداوة أو طلقت العرس . وأما في الجار ونحوها من كل ما يملك كالدواب والثياب فإنه لا يحنث باستعمالها سواء أشار غليها بهذه بأن قال : دار فلان هذه أو لم يشر بأن قال : دار فلان فإنه في حال الإشارة يكون قد عقد يمينه على أمر معين مضاف إلى فلان إضافة ملك أي على عين مملوكة لفلان فلا تبقى اليمين إذا زال الملك . وفي حالة عدم الإشارة والتعيين يكون قد عقد يمينه على فعل " وهو الدخول " واقع في محل وهي الدار مضاف إلى فلان فيحنث ما دامت الإضافة باقية ولا يحنث بعد زوالها .
الحنفية - قالوا : إذا حلف لا يكلم فلانا فكتب له كتابا أو أرسل له رسولا فإن نوى بقوله لا يكلمه مشافهة بالكلام فإنه لا يحنث بالكتاب والرسول بلا خلاف وإن لم ينو ذلك ففيه خلاف فبعضهم يقول : إنه يحنث وصحح بعضهم عدم الحنث بشرط أن لا ينوي ترك مراسلته أيضا أو كان ليمينه سبب يقتضي هجرة فإنه يحنث في هذه الحالة بالكتاب والرسول أما الإشارة فقيل يحنث بها وقيل لا يحنث .
وإذا حلف لا يكلم إنسانا حنث بكلام كل إنسان من ذكر وأنثى وصغير وكبير وعاقل ومجنون وإذا حلف لا يكلم زيدا أو لا يسلم عليه فإن زجره فقال له : تنح أو اسكت حنث إلا إذا نوى كلاما غير هذا فلا يحنث به وإن صلى الحالف بالمحلوف عليه إماما ثم سلم الحالف من الصلاة فإنه لا يحنث وكذا إذا فتح الحالف عليه في الصلاة فإنه لا يحنث .
وإذا حلف لا يكلم فلانا فناداه فإن كان منه بمكان يمكنه أن يسمعه حنث ولو لم لعارض كشغل أو غفلة وإن كان بعيدا عنه بحيث لا يسمعه لم يحنث .
وإذا حلف لا يكلمه فسلم عليه فإنه يحنث وإذا سلم على قوم فيهم ولم يعلم به فإن كان يمينه بالطلاق أو العتق حنيث وإن كان بغيره لا يحنث فهو في هذا كالناسي أما إن كان عالما به ولم ينو إخراجه بقوله أو يستثنه بلسانه كأن يقول : السلام عليكم إلا فلانا فإنه يحنث سواء كان اليمين بالطلاق أو بغيره . وإذا حلف لا يبتدئه بكلام فتكلما معا لم يحنث وإذا حلف لا يكلمه حينا فإنه يلزمه أن لا يكلمه ستة أشهر إذا لم ينو غير ذلك وإلا عومل بنيته . وكذا إذا حلف لا يكلمه الزمان بالتعريف فإنه يلزمه أن لا يكلمه ستة أشهر كالحين أما إن قال زمنا أو دهرا أو بعيدا أو مليا أو طويلا أو وقتا أو عمرا أو حقبا بالتنكير في الجميع فإنه ينصرف إلى أقل زمان . وإن قال لا أكلمه الأبد أو الدهر أو العمر " بالتعريف " فإنه يلزمه أن لا يكلمه في جميع الأزمنة لأن الألف واللام للاستغراق فشمل الزمان كله .
وإذا حلف لا يكلمه أشهرا لزمه أن لا يكلمه ثلاثة أشهر وكذلك الأيام وإذا قال لا أكلمه إلى الحول يلزمه أن لا يكلمه مدة حول كامل من ابتداء اليمين حتى ولو حلف في أثناء الحول .
وإذا حلف لا يتكلم ثلاثة أيام شملت الليالي فيلزمه أن لا يتكلم ثلاثة أيام بلياليها كما إذا حلف لا يتكلم ثلاث ليال فإنها تشمل الأيام التي بين الليالي .
الشافعية - قالوا : إذا حلف لا يتكلم فإنه لا يحنث بما لا تبطل به الصلاة كقراءة قرآن وذكر ودعاء غير محرم بشرط أن لا يشتمل على خطاب لغير الله ورسوله وإلا حنث وإذا نطق بحرف غير مفهم فإنه لا يحنث لأنه لا تبطل به الصلاة أما إذا نطق بحرف مفهم فإنه يحنث بشرط أن يسمع نفسه أو كان بحيث يسمع ولكنه لم يسمع لعارض فإن لم يكن كذلك فإنه لا يحنث . وكذا يحنث إذا فتح على المصلي إذا قصد الفتح فقط أو لم يقصد شيئا فإن قصد التلاوة فقط أو قصد التلاوة مع الفتح فإنه لا يحنث .
وإذا حلف لا يكلم فلانا فسلم عليه فإنه يحنث بشرط أن يسمعه السلام أو يكون منه بمكان يمكن أن يسمعه ولكن لم يسمعه لعارض وبشرط أن يفهم ما يسمع ولو بوجه وإذا سلم عليه من صلاة فإن قصده بالسلام حنث أما إذا لم يقصده بل قصد الخروج من الصلاة أو لم يقصد شيئا فإنه لا يحنث كما لا يحنث إذا كتب له كتابا أو أرسل له رسولا أو أشار إليه بيد أو غيرها وإذا أفهمه مراده بقراءة آية فإنه لا يحنث إذا نوى القراءة وحدها أو نوى القراءة مع الإعلام .
وإذا حلف لا يكلم زوج فلان أو عبده فطلقت أو عتق فكلمه لا يحنث وكذا إذا حلف لا يدخل داره فباعها كلها أو بعضها فدخلها فإنه لا يحنث أما إذا نطق باسم الإشارة كأن قال : لا يكلم زوج فلان هذه أو لا يدخل دار فلان هذه فإن نوى ما دام في ملكه أو ما دامت زوجه ثم طلقت الزوج طلاقا بائنا لا رجعيا وبيعت الدار لازم بدون خيار فإنه لا يحنث أما إذا لم ينو ذلك فإنه يحنث )