في هذا المبحث مسائل مفصلة في المذاهب .
( المالكية - قالوا : إذا حلف لا يكلمه الأيام أو الشهور أو السنين فإنه يحنث إذا كلمه أبدا في جميع ما يستقبل من الزمان . هذا إذا لم يتكن له نية فإذا نوى زمنا معينا يصح . أما إذا حلف لا يكلمه أياما أو شهورا أو سنينا " بالتنكير " فإنه لا يكلمه ثلاثة منها ويبر فإذا كلمه في أقل من ثلاثة شهور أو ثلاث سنين فإنه يحنث . وإن كان حلفه في اليوم نهارا فإنه لا يحسب من الأيام المحلوف عليها ولا يكلمه فيه وإن كان حلفه ليلا فإن اليوم التالي لليل يحسب من الأيام وإذا حلف لأهجرن فلانا ولم يقيد بزمن أو نبه فإنه يحمل على ثلاثة أيام فإذا كلمه بعد ذلك لا يحنث لأن الهجر الشرعي لا يزيد عن ثلاثة أيام فيعمل به وهو الرجح وبعضهم يقول : يهجره شهرا عملا بالعرف القولي .
وإذا حلف لا يكلمه حينا يلزمه أن لا يكلمه سنة من يوم الحلف وكذا إذا قال : لا يكلمه الحين " بالتعريف " . وإذا حلف زمانا أو عصرا أو دهرا فإنه يلزمه أن لا يكلمه سنة أيضا هذا إذا اشتهر استعمال هذه الألفاظ في السنة عرفا وإلا فيلزمه أقل ما يصدق عليه اللفظ في اللغة .
وإذا حلف لا يكلمه الزمان أو العصر أو الدهر " بالتعريف " فإنه يلزمه أن لا يكلمه أبدا وإذا حلف لا يكلمه أحيانا أو زمانا أو عصرا أو دهورا لزمه أن لا يكلمه ثلاث سنين .
وإذا حلف لا يكلم فلانا فإنه يحنث بالكتابة له لا فرق بين أن يكتب له الكتاب بنفسه أو يمليه على غيره أو يأمر غيره أن يكتب وبعد أن كتبه بأمره قرأه عليه ففهمه . ويشترط للحنث بالكتابة شرطان : .
الشرط الأول : أن يصل الكتاب المحلوف عليه سواء قرأه أو لم يقرأه . وبعضهم يقول : لا بد أن يقرأه المحلوف عليه بعد وصوله أو يقرأه عليه غيره . فإذا لم يصله فإن الحالف لا يحنث ولو كتبه عازما على إرساله له .
الشرط الثاني : أن يصل الكتاب المحلوف عليه بإذن الحالف ولو حكما كما إذا علم بأن الرسول أخذ الكتاب وذهب به إلى المحلوف عليه فسكت أما إذا كتبه وأعطاه الرسول ليوصله ثم نهاه بعد ذلك عن الذهاب به فعصاه وذهب به وأوصله للمحلوف عليه فإن الحالف لا يحنث وكذا إذا كتبه ثم رماه راجعا عنه فعثر عليه المحلوف فقرأه فإن الحالف لا يحنث بخلاف ما إذا أراد أن يطلق زوجه فكتب صيغة الطلاق فإنه يقع بمجرد الكتابة عازما عليه . والفرق بين الأمرين : أن الزوج يستقل بالطلاق فلا يحتاج إلى مخاطب ومشافهته أما المكالمة فإنه لا يستقل لها الحالف لا يكلمه فأرسل رسولا له بكلام منه فإنه يحنث إذا بلغ الرسول المحلوف عليه فلو لم يبلغه الرسول لم يحنث ولو وصل الرسول المحلوف عليه وإذا سمعه المحلوف عليه حين أمره بالذهاب فإن الحالف يحنث .
وإذا نوى الحالف أنه لا يكلمه مشافهة يقبل قوله في الفتوى في مسألة الكتاب ومسألة الرسول فلا يحنث في الصورتين سواء كان اليمين بالطلاق أو بغيره أما في القضاء فإنه لا يسمع قوله في مسألة إرسال الكتاب إذا كان اليمين بالطلاق والعتاق .
وإذا نوى الحالف أن لا يكلمه مشافة فقط فإن قوله يقبل في الإفتاء في المسألتين : مسالة إرسال الكتاب ومسألة إرسال الرسول فلا يحنث غلا إذا كلمه مشافهة سواء كان اليمين بالطلاق أو بغيره . وكذا يقبل قوله قضاء في مسألة إرسال الرسول سواء كان باليمين بالطلاق أو بغيره أما في مسألة الكتاب فإنه لا يقبل قوله قضاء .
وإذا أرسل المحلوف عليه كتابا للحالف فوصله وقرأه لميحنث على الأصوب لأنه لم يكلمه في هذه الحالة بل الذي كلمه المحلوف عليه وإذا حلف لا يقرأ الكتاب أو حلف لا يقرأ فقرأ بقلبه بدون حركة لسان فإنه لا يحنث . وإذا حلف لا يكلمه فأشار إليه بإشارة يفهمها فقيل : لا يحنث بالإشارة مطلقا وقيل : يحنث .
وإذا حلف لا يكلمه فكلمه وكان بعيدا عنه بحيث لا يسمعه عادة فإنه لا يحنث . أما إذا كان قريبا بحيث يسمعه عادة فإنه يحنث وإن لم يسمع لعارض اشتغال أو نوم أو صمم بحيث لو زال المانع لسمعه عادة .
وإذا حلف لا يكلمه فإنه يحنث إذا فتح عليه " أي أرشده للقراءة إذا وقف " وانسدت عليه طرقها سواء كان في غير الصلاة أو فيها ولو كان الفتح واجبا بأن كان المحلوف عليه إماما وفتح الحالف عليه في الفاتحة فإن الفتح على الإمام في هذه الحالة يجب كما تقدم في كتاب الصلاة أما إذا حلف لا يكلمه فصلى المحلوف عليه بقوم من جملتهم الحالف فرد عليه السلام في الصلاة فإن الحالف لا يحنث . وكذا إذا صلى الحالف إماما بجماعة منهم المحلوف عليه وسلم الإمام قاصدا التحلل من الصلاة على من خلفه لا فرق بين أن تكون التسليمة التي قصد بها الإمام الجماعة التي من جملتهم المحلوف عليه على اليمين أو على اليسار . أما إذا سلم عليه خارج الصلاة فإنه يحنث لأنه كلام عرفا والفرق بين الفتح عليه وهو في الصلاة والسلام عليه وهو فيها : أن الفتح في قوة قوله قل كذا بخلاف السلام فإنه ليس فيه هذا المعنى .
الحنفية - قالوا : إذا حلف لا يكلم فلانا الحين أو الزمان كأن قال : والله لا أكلم فلانا الحين أو الزمان " بالتعريف " أو حينا أو زمانا بالتنكير فإنه يحنث إذا كلمه قبل مضي ستة أشهر من وقت اليمين فإذا مضت ستة أشهر وكلمه بعدها فإنه لا يحنث وهذا مثال النفي ومثال الإثبات أن يقول : والله لأصومن الحين أو حينا أو زمانا فإنه يحنث إذا صام أقل من ستة أشهر ولا يشترط أن يكون ابتداؤها في المثال الثاني من وقت اليمين بل له أن يعين ستة أشهر من أي وقت يريد وإذا نوى بالحين والزمان معرفا أو منكرا زمنا مخصوصا فإنه يصدق لأنه نوى حقيقة كلامه فإن الحين والزمان يطلق على قليل الزمن وكثيره .
وإذا حلف لا يكلمه الدهر " بالتعريف " فإنه يلزمه أن لا يكلمه أبدا طول عمره وإلا حنث وإذاحلف لا يكلمه دهرا بالتنكير فإنه يكون كالحين يلزمه أن لا يكلمه ستة أشهر من وقت اليمين وإذا حلف لا يكلمه الأبد أو أبدا بالتعريف أو النكير فإنه يحنث إذا كلمه طول عمره . وإذا حلف لا يكلمه العمر بالتعريف فيلزمه أن لا يكلمه طول حياته وإلا حنث . وإذا حلف لا يكلمه عمرا بالتنكير فإنه يحنث إذا كلمه قبل مضي ستة أشهر على الظاهر كالحين وكل ذلك ما لم تكن له نية فإن نوى زمنا مخصوصا فإنه يعمل بنيته . وإذا قال : والله لا أكلم فلانا أياما كثيرة أو قال : لا أكلمه الأيام أو الشهور أو السنين أو الجمع أو الأزمنة فإن يمينه تنصرف إلى عشرة من كل نوع فيحنث إذا كلمه قبل مضي عشرة أيام أو عشرة شهور أو عشر سنين أو عشر جمع بمعنى أنه يصوم يوم الجمعة من كل أسبوع حتى يتم صيامم عشرة أيام من أيام الجمع وكذا إذا قال : الأزمنة فإنه يحنث إذا كلمه قبل مضي خمس سنين لما علمت من كل زمن ستة أشهر عند عدم النية . ومثل الأزمنة الأحايين والدهور فإن كل حين ستة أشهر وكل دهر ستة أشهر كما تقدم .
وإذا قال : أياما بالتنكير ولم يصفها بالكثرة . أو شهروا أو سنينا أو أزمنة بالتنكير كذلك فإنها تقع على ثلاثة من كل صنف منها . فإذا حلف لا يكلمه أياما يحنث إذا كلمه لأقل من ثلاثة أيام . وإذا حلف لا يكلمه جمعا فإنه يلزمه أن لا يكلمه ثلاثة أيام من أيام الجمع من وقت اليمين وكذا إذا حلف لا يكلمه أشهرا فإنه يلزمه أن لا يكلمه مدة ثلاثة أشهر وإذا حلف لا يكلمه أزمنة فإنه يحنث إذا كلمه لأقل من ثمانية عشر شهرا وهكذا . وهذا إذا لم تكن له نية وإلا عمل بنيته كما تقدم .
وإذا حلف لا يكلم الرجال أو النساء أو الفقراء أو المساكين ونحو ذلك من كل جمع معرف بالألف واللام فإنه يحنث إذا كلم واحدا ما لم ينو الجمع فإذا نوى أنه لا يكلم جميع الرجال أو جميع النساء يصدق ديانة وقضاء ولا يحنث أبدا وإذا حلف لا يكلم رجالا أو نساء أو فقراء أو مساكين وهكذا من كل جمع غير معرف بالألف واللام فإنه يحنث إذا كلم ما يصدق عليه أقل الجمع وهو ثلاثة . وإذا نوى بالزيادة على الثلاثة فإنه يصدق قضاء وله أن ينوي الواحد لجواز إرادته بلفظ الجمع . أما نية الاثنين فلا تجوز . وإذا حلف لا يكلم أزواج فلان أو إخوته أو أصدقاءه أو لا يركب دوابه أو لا يلبس ثيابه وهكذا من كل جمع مضاف يمكن حصر ما بعده ونحوه فإنه ينقسم إلى قسمين : قسم يكتفي فيه بأقل الجمع فيحنث بثلاثة وهو ما إذا حلف لا يركب دوابه أو لا يلبس ثيابه فإنه يحنث إذا ركب ثلاث دواب أو لبس ثلاثة ثياب إن كان لفلان أكثر من ثلاثة فإن كان أقل لا يحنث وقسم لا بد فيه من الجميع وهو ما إذا حلف لا يكلم زوجات فلان أو أصدقاءه أو إخوته فإنه لا يحنث إلا إذا كلم الجميع . والفرق بين القسمين : أن الإضافة في الأول إضافة ملك . والدواب والثياب لا تقصد بالهجر وإنما المقصود مالكها فتناولت اليمين أعيانا منسوبة للمسالك وقد ذكرها بلفظ الجمع وأقله ثلاثة . أما الإضافة في الثاني فهي إضافة تعريف فتعلقت اليمين بكل عين من الأعيان فلا يحنث إلا إذا كلم الجميع والتحقيق أن هذا مخالف للعرف وأن المعروف مقاطعة الجميع فيحنث إذا كلم واحدا من أصدقائه أو واحدة من زوجاته أو ركب دابة من دوابه .
وإذا حلف لا يكلم بني آدم أو أهل مصر أو هؤلاء القوم وهكذا من كل جمع مضاف غير محصور فإنه يحنث إذا كلم واحدا فهو كالجمع المعرف بالألف واللام .
وإذا حلف لا يكلمه غرة الشهر أو رأس فإنه يلزمه أن لا يكلمه أول ليلة من الشهر مع يومها وأول الشهر ينصرف إلى ما دون النصف " أربعة عشر يوما " وآخر الشهر ما فوق نصفه " من السادس عشر " فإذا حلف ليصومن آخر يوم من أول الشهر فإنه يلزمه أن يصوم الخامس عشر وإذا حلف ليصومن أول يوم من آخر الشهر فإنه يلزمه أن يصوم السادس عشر وإذا حلف لا يكلمه في الصيف أو في الشتاء فإن كان أهل بلده لهم حساب متعارف فيهما حمل عليه وإلا فالشتاء ما يلبس فيه اللباس الثخين كالفرو " والشال " ونحوهما والصيف ما يستغنى فيه عن ذلك .
وإذا حلف لا يكلم فلانا فإنه يحنث إذا كلمه أبدا حتى ولو نوى به يوما أو يومين أو لا يكلمه في مكان خاص فإن نيته هذه لا تنفعه لا ديانة ولا قضاء لأنه نوى تخصيص ما ليس بملفوظ والنية لا تعمل في غير اللفظ كما تقدم .
وإذا حلف لا يكلمه فناداه وهو نائم فإن أيقظه من نومه حنث وإن لم يوقظه لم يحنث على المختار وإذا ناداه وهو مستيقظ فإن كان بعيدا عنه بحيث لا يسمعه فإنه لا يحنث وإن كان قريبا بحيث يسمعه إذا أصغى إليه بأذنه ولو لم يسمعه لعارض كأن كان مشغولا أو به صمم أما إذا لم يسمع مع شدة الإصغاء للبعد فإنه لا يحنث كما لا يحنث إذا كلمه بكلام موصول باليمين كما إذا قال لامرأته إن كلمتك فأنت طالق فاخرجي من هنا فإنه لا يحنث لأنه كلمها بقوله : اخرجي من هنا موصولا باليمين ما لم يرد استئناف الكلام فإنه يحنث كذا يحنث إن قال لها : إن كلمتك فأنت طالق اخرجي من هنا لأنه كلمها بقوله : اخرجي من هنا مفصولا .
وإذا خاطب شيئا وقصد إسماع المحلوف عليه فإنه لا يحنث كما لو قال يا حائط اسمع أو أصغ إلا إذا قصد خطاب المحلوف عليه مع الحائط فإنه يحنث . ولو سلم على قوم هو فيهم فإنه يحنث إلا إذا لم يقصده فيصدق ديانة لا قضاء . وإذا سلم في الصلاة فإنه لا يحنث ولو كان المحلوف عليه على يساره ولو سبح له سهوا وفتح عليه القراءة وهو مقتد فإنه لا يحنث أما إذا فعل ذلك خارج الصلاة فإنه يحنث .
وإذا حلف لا يكمل فكتب له كتابا أو أرسل له رسولا بكلام فإنه لا يحنث لأن هذا ليس بكلام عرفا والأيمان مبنية على العرف . وكذا إذا حلف لا يحدثه فالتحديث والكلام لا يكون إلا باللسان وأما إذا حلف لا يقول له كذا فكتب له به أو أرسل له رسولا ففي حنثه وعدمه خلاف . وإذا أشار إليه إشارة يفهمها فإنه لا يحنث فإنها ليست بكلام في العرف . وإذا حلف لا يخبره بكذا أو لا يقر له به أو لا يبشره فكتب له فإنه يحنث كما يحنث إذا قال له بلسانه أما إذا أشار له بيده أو برأسه فإنه لا يحنث أما إذا حلف لا يفشي سر فلان أو لا يظهره . أو لا يعلم أحد بكذا فإنه يحنث فيه باللسان والكناية والإشارة .
وإذا حلف لا يكلمه شهرا فإنه يلزمه أن لا يكلمه ثلاثين يوما من يوم حلفه لأن دلالة حاله وهي غيظه توجب الفور بخلاف ما إذا حلف ليصومن شهرا فإنه يلزمه أن يصوم شهرا غير معين إذ لا موجب للصرف بخلاف يمينه إلى الصوم في الحال . أما إذا حلف لا يكلمه الشهر بالتعريف فإنه يلزمه أن لا يكلمه الأيام الباقية من الشهر وكذلك السنة واليوم والليلة . وإذا حلف بالليل لا يكلمه يوما فإنه يلزمه أن لا يكلمه فيما بقي من لليلة وفي الغد . وإذا حلف بالنهار لا يكلمه يوما فإنه يلزمه أن لا يكلمه من ساعة حلفه إلى مثلها من اليوم التالي أعني أربعة وعشرون ساعة وإذا حلف لا يكلمه اليوم ولا غدا ولا بعد غد فله أن يكلمه ليلا لأنها أيمان ثلاثة ولو لم يكرر النفي فهي واحدة . وإذا حلف لا يتكلم فقرأ القرآن أو سبح فإن كان في الصلاة فإنه لا يحنث اتفاقا وإن كان خارج الصلاة فالتحقيق أن المعول عليه في ذلك العرف فإن كانت قراءة القرآن والتسبيح ونحو ذلك يسمى كلاما في العرف فإنه يحنث وإلا فلا يحنث وهو في عرف مصر ليس بكلام .
( يتبع . . . )