وإذا خرج من دار حلف لا يسكن فيها وترك بعض متاعه مخزونا فإنه يحنث أما إذا حلف لا يسكن دارا فخزن فيها شيئا فإنه لا يحنث لأن الخزن ليس بسكنى .
الشافعية - قالوا : من حلف لا يسكن هذه الدار فمكث فيها بدون عذر حنث ثم إن كان مستوطنا فيها يلزمه أن يخرج منها حالا بنية التحويل عنها وإن لم يكن مستوطنا كأن دخل متفرجا فإنه يلزمه أن يخرج منها حالا ولا يحتاج لنية . ومتى خرج على هذا الوجه لم يحنث سواء كان متاعه وأهله بها أو لا . وإن مكث بعذر كجمع متاعه وإخراج أهله ولبس ثيابه وإغلاق أبوابه وخوفه على نفسه وماله أو منعه أحد من الخروج فإنه لا يحنث بالمكث لذلك إلا إذا وجد من ينيبه عنه بأجر المثل ولا تشترط القدرة على الإنابة في الأمتعة التي يجب إخفاؤها عن الغير فهذه لا يحنث بمكثه إلا إذا اشتغل عقب حلف ببناء حائل فلا يحنث بمكثه لذلك على الراجح . وإذا حلف لا يساكنه بدون أن ينوي موضعا حنث في مساكنته في أي موضع إلا إذا كان البيتان في خان ولو كان صغيرا واتحد المرقى وتلاصق البيتان وإذا سكن كل منهما في حجرة منفردة المرافق كالمطبخ والمستحم والمرقى لا يحنث .
وإذا حلف لا يدخل هذه الدار وهو موجود فيها أو لا يخرج منها وهو خارجها أو لا يتطهر وهو متطهر أو لا يتطيب وهو متطيب فإنه لا يحنث لأن استدامة هذه الأشياء لا تسمى فعلا في العرف . والضابط في ذلك أن المحلوف عليه إذا كان يمتد زمنا يقدر بمدة كالقيام والعقود والسكن والركوب واللبس والمشاركة ونحوها فإنه يحنث بفعل المحلوف عليه لأن هذه الأمور تقدر بمدة فيقال : قمت ساعة وقعدت يوما وسكنت شهرا وشاركته سنة . أما إذا كان المحلوف عليه لا يمتد زمنا فلا يقدر بمدة كالدخول والخروج إلى آخر ما ذكر فإنه لا يحنث بفعله . وكذا إذا حلف لا يصوم أو لا يصلي وهو صائم متلبس بالصلاة فإنه لا يحنث باستدامتها لأنهما وإن كانا يقدران بمدة فيقال : صمت شهرا وصليت يوما ولكن العبرة في مثلهما بالنية وهي لا تقدر بمدة وإذا حنث باستدامة شيء ثم حلف أن لا يفعله وهو شركه فإنه يحنث باستدامة الشركة . وإذا حلف لا يشارك أخاه في ملك هذه الدار ومات أبوهما فانتقل الملك لهما بالإرث فإنه يحنث إذا قدر على قسمتها ولم يقسمها أما إذا لم يقدر فإنه لا يحنث لقيام العذر . وإذا حلف لا يدخل دار فلان فدخلها وهو لا يعرفها فإنه لا يحنث كما إذا حلف لا يسلم على فلان ثم سلم عليه في الظلمة وهو لا يعرفه فإنه لا يحنث لما تقدم من أن شرط المؤاخذة على اليمين أن يفعل المحلوف عليه عالما عامدا مختارا .
الحنابلة - قالوا : إذا حلف لا يدخل دارا فإنه يحنث إذا دخلها على أي حالة يحنث بدخولها ماشيا أو راكبا أو محمولا كما يحنث إذا ألقى بنفسه في ماء متصل بها فجره إلى الدخول أو تسور حائطا أو نقبه أو دخل من طاقة فيها أو من باب أو غير ذلك وإنما يحنث بالدخول إذا كان مختارا أما إذا كان مكرها كأن حمل علىدخولها بالضرب أو أخذ ماله أو هدد بالقتل أو نحو ذلك فإنه لا يحنث لما تقدم من أن الشرط في الحنث عدم الإكراه . وإذا حمله شخص بغير إذنه وأدخله الدار فإن كان يمكنه الامتناع ولم يمتنع حنث وإلا فلا يحنث . وإذا زال الإكراه واستمر باقيا فإنه يحنث .
وإذا حلف لا يسكن دارا وهو ساكنها أو لا يسكن مع فلان وهو ساكن معه فإنه يحنث إذا لم يخرج في الحال إلا إذا خاف على نفسه من الخروج فإنه يبقى إلى أن يمكنه الخروج لأن إقامته لدفع الضرر فلا ينهى عنها . ويكون خروجه بحسب العادة فلا يلزم بالخروج ليلا . وإذا كان له أهل أو متاع في تلك الدار فإنه يحنث إذا خرج بدونهما فيلزم أن يخرج بنفسه وأهله ومتاعه إلا إذا كانت له امرأة فأبت أن تخرج معه ولا يمكنه إكراهها على الخروج أو كان له أهل أبوا الخروج معه ولا يستطيع جبرهم عليه فإنه لا يحنث إذا خرج وحده كما لا يحنث إذا أكره على المقام أو حلف في جوف الليل في وقت لا يجد فيه مسكنا أو تعذر عليه وجود مسكن بالأجرة أو أغلقت الأبواب دونه ولم يستطع فتحها فأقام ناويا الانتقال فإنه لا يحنث وكذا لا يحنث بالإقامة لنقل أهله ومتاعه متى شرع في النقل حسب العادة بدون إمهال ولو مكث ينقله أياما ولا يلزم بالنقل وقت الاستراحة المعتادة ولا في أوقات الصلاة وإذا زار المنزل لعيادة مريض ونحوه لا يحنث لأن الزيارة ليست سكنى .
وإذا حلف لا يسكن مع فلان ثم أقام لبناء حاجز بينهما فإنه يحنث وإن كان في الدار حجرتان كل حجرة تختص ببابها ومرافقها وأقام كل منهما في حجرة فإنه لا يحنث وكل ذلك إذا لم تكن له نية ولم يكن لليمين سبب يرجع إليه كما تقدم . وإذا حلف ليخرجن من هذه البلدة فخرح وحده دون أهله فإنه لا يحنث بخلاف ما إذا حلف لا يخرج من هذه الدار كما تقدم وإذا خرج من البلدة فله أن يعود ولا يحنث .
وإذا حلف لا يدخل دارا وهو داخلها فإنه يحنث ونظير هذا ما إذا حلف لا يركب وهو راكب أو لا يلبس وهو لابس . أو لا يقوم ولا يقعد أو لا يستتر أو لا يستقبل القبلة وهو متلبس بذلك فإنه يحنث باستدامة ما حلف عليه من هذه الأفعال وكذا إذا حلف لا يمسك شيئا فدام أو لا يشاركه فدام على مشاركته فإنه يحنث لأن للاستدامة حكم الابتداء . وإذا حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل فلان عليه فأقام الحالف معه فإنه يحنث لأن استدامة المقام كابتدائه في التحريم إلا إذا كان للحاف نية أو ليمينه سبب فيعمل بهما كما تقدم .
وإذا حلف لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو دخل الكعبة أو دخل حماما أو بيت شعر أو بيت جلد أو خيمة حنث سواء كان الحالف حضريا أو بدويا . أما إذا دخل دهليز الدار أو صفتها التي تكون وراء الباب فإنه لا يحنث لأن ذلك لا يسمى بيتا إلا إذا كانت له نية أو ليمينه سبب فيعمل لهما .
وإذا حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا يملكها سواه كان ساكنا فيها أو مؤجرها لغيره فإنه يحنث . وكذا يحنث إذا دخل دارا لا يملكها ولكنه مستأجرها من غيره أما إذا كانت الدار مستعارة له فإنه لا يحنث بدخولها لأن الاستعمارة لا تملك بالمنافع فلا تكون داره في هذه الحالة . وإذا حلف لا يدخل مسكنه فإنه يحنث بدخول كل محل ساكن فيه سواء كان مستأجرا أو مستعارا أو مقطوبا ولا يحنث بدخول ملك لا يسكن فيه وإذا حلف لا يدخل ملكه لا يحنث بدخول مكان مستأجر له . وإذا حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث . أما إذا وقف على حائطها أو على طاق الباب فإنه لا يحنث إلا إذا كان ليمينه سبب فإنه يقدم على عموم اللفظ فإن كان سبب اليمين ترك أهل الدار وعدم رؤيتهم ومر على السطح لكونها طريقا فإنه لا يحنث . وقد تقدم أن سبب اليمين يقدم على عموم اللفظ وكذا إذا نوى بيمينه أنه لا يدخل باطن الدار فإنه لا يحنث بالمرور على سطحها لأن النية تخصص اللفظ العام كما تقدم . وإذا حلف لا يضع قدمه في الدار أو لا يطؤها أو لا يدخلها فدخلها راكبا أو ماشيا فإنه يحنث كما تقدم )