في الحلف على الدخول والخروج والسكنى تفصيل في المذاهب .
( الحنفية - قالوا : إذا حلف لا يدخل بيتا فإنه لا يحنث بدخول الكعبة والمسجد وكنيسة اليهود وبيعة النصارى لأنها ليست للبيتوتة وكذلك لا يحنث بدخول الدهليز والمظلة التي على الباب إذا لم تكن صالحة للبيتوتة وكذا لا يحنث إذا حلف لا يدخل دارا " بالتنكير " ثم دخلها وهي خربة لا بناء فيها أما إذا حلف لا يدخل هذه الدار " بالتعريف " فإنه يحنث بدخولها خربة ولو صارت صحراء . وكذلك يحنث إذا دخل صفة البيت " إيوانه " إن لم يكن مسقوفا لأنه صالح للبيتوتة في الصيف ومن حلف لا يدخل دارا ثم وصل إلى سطحها من سطح آخر ووقف عليه فقيل يحنث لأن الدار عبارة عما أحاطت به الدائرة سواء كان من أسفل أو من أعلى فيسمى داخلا سواء كان للسطح ساتر من حيطان أو لا . وقيل : لا يحنث إلا إذا كان للسقف ساتر من حيطان " أو درابزين " لأن الدخول في العرف لا يتحقق إلا بذلك أما إذا لم يكن له ساتر فيكون موجودا في هواء الدار فلا يعد داخلا والظاهر أن المدار في نحو هذا العرف . فإذا تعورف أن الصعود إلى السطح أو الارتقاء إلى حائط أو شجرة يعد دخولا وإن لم يدخل في جوف المنزل حنث به وغلا فلا يحنث إلا بالدخول إلى جوف المنزل والواقف بقدميه على عتبة الباب لا يحنث إذا كان بحيث إذا أغلق الباب يكون خارجا أما إذا أغلق بحيث يكون داخلا فإنه يحنث .
ومن حلف ليأتينه غدا إن استطاع فإنه يلزم أن يذهب إليه إذا لم يمنعه مرض أو حاكم أو نسيان أو جنون فإذا لم يمنعه كهذا فإنه يحنث إذا لم يذهب إليه وإن حلف على امرأته أن لا تخرج إلا بإذنه أو بأمره أو بعلمه أو رضائه يحنث إذا خرجت بدون إذنه أو أمره أو على علم منه أو رضائه ويلزم لكل مرة إذن ويشترط أن يكون الإذن مفهوما لها . وأن لا تقوم قرينة على أنه لا يريد الإذن فإذا قال لها : اخرجي فإن خرجت يخزيك الله أو يكون جزاؤك العذاب فإنه يحنث إذا خرجت وكذا إذا قال لها : اخرجي يريد تهديدها ولو قال : اشتر حاجة من خارج المنزل فهو إذن لها بالخروج ولو استأذنت في الخروج إلى منزل أمها فذهبت إلى بيت أخيها لا يحنث ولا يشترط في رضائه علمها بذلك . بخلاف الإذن والأمر فلا بد أن تعلم وتسمع منه أو من رسوله وإذا حلف لا يكلم فلانا إلا بإذن فلان فإنه لا يحتاج إلى الإذن إلا مرة واحدة كما إذا حلف على شخص ألا يخرج من منزله إلا بإذنه : فإنه لا يحتاج إلى الإذن إلا مرة واحدة وإذا قال لامرأته : لا تخرجي حتى آذن لك أو إلا أن آذن لك فإنه يكفي فيه الإذن مرة واحدة إلا إذا قال إنه نوى التعدد فإنه يصدق قضاء لأنه شدد على نفسه .
وإذا حلف لا يسكن في هذا المصر أو في هذه البلدة أو القرية فإنه يبر إذا خرج بنفسه فقط ومحل ذلك إذا خرج ولم ينو العودة وإلافإنه يعد ساكنا وإذا حلف لا يسكن مع فلان فساكنه في دار كل منهما في حجرة يحنث إلا أن تكون دارا كبيرة كالحارة فإنه لا يحنث وإن تقاسما بحائط يفصل بينهما فإن كانت الدار معينة كأن قال : لا أسكن معك في هذه الدار يحنث وإن كان غير معينة لا يحنث وإذا حلف لا يسكن معه شهرا فسكن معه ساعة حنث لأن المساكنة وإن كان مما يصح امتداده فتقدر بمدة ولكن لا تكون المدة قيدا لها لصدقها على القليل والكثير بل تكون المدة قيدا لمنع نفسه عن المساكنة في الشهر فإذا سكن ساعة منه حنث أما إذا حلف لا يقيم معه شهرا كانت المدة قيدا للإقامة فلا يحنث إلا إذا أقام الشهر كاملا . وإذا حلف لا يخرج من هذا المكان فحمله غيره وأخرجه مكرها لا يحنث وإن حمله وأخرجه بإذنه حنث .
وإذا حلف ليسافرن فإنه إذا خرج ناويا السفر وجاوز العمران إلى مكان بينه وبينه مدة السفر ولو رجع . ومن حلف لا تحضر امرأته عرس فلان فذهبت قبل العرس ومكثت حتى جاء العرس وانتهى فإنه لا يحنث .
وإذا حلف لا يشكن هذه الدار أو الحارة فخرج وترك أهله ومتاعه فإن كان ما تركه في الدار يمكن أن يسد حاجته المنزلية فإنه يحنث أما إن ترك شيئا يشيرالا تقوم به السكنى فإنه لا يحنث وهذا القول هو الذي عليه الفتوى ولو كان ساكنا تبعا لغيره كالولد مع والده فإنه يبر بخروجه وحده وكذا إذا أبت الزوجة الخروج معه وغلبته فإنه يبر بخروجه وحده . ويعذر إذا لم يمكنه لخروج لخوف لص أو نحوه فلا يحنث إذا أمكث لذلك . وكذا إذا أغلق الباب ولم يمكنه فتحه أو اشتغل بطلب دار أخرى أو بقي أياما ينقل أمتعته فإنه لا يحنث ولو أمكنه أن يكتري دابة ينقل عليها متاعه .
وإذا حلف لا يدخل دار فلان وله دور متعددة فدخل في أحدها وهي غير مسكونة ففي ذلك روايتان : الأولى أنه يحنث مطلقا لأنه دخل دارا مملوكة له فهي منسوبة له وإن كان لا يسكنها . الثانية أنه لا يحلف إذا كانت مستأجرة لغيره لأن الإضافة تبطل بالإجارة والتسليم كما تبطل بالبيع عند من يقول ذلك أما إذا لم تكن مسكونة لغيره فإنه يحنث بالدخول فيها على أي حال لأن إضافتها إليه باقية . وإذا حلف لا يدخل دار زيد فمات فدخلها بعد موته فإنه لا يحنث لأنها انتقلت للورثة فلم تعد مملوكة له ولو كان عليها دين مستغرق لها على المفتى به لأنها وإن بقيت حكم ملك الميت بالدين ولكن لم تكن مملوكة له من كل وجه . وإذا تهيأت امرأته للخروج كأن لبست الثياب المعدة له فقال : إن خرجت فأنت طالق فرجعت وجلست حتى مضت ساعة ثم خرجت بعد ذلك فإنه لا يحنث سواء غيرت هيئتها التي أرادت الخروج عليها كأن خلعت ثياب الخروج أو لم تغيرها . أما إذا كانت في دار أبيها فقال لها : إن لم تقومي وتذهبي إلى دارنا الساعة فأنت طالق فقامت لساعتها ولبست ثياب الخروج وخرجت ثم رجعت وجلست حتى خرج الزوج فخرجت بعده إلى دارها فإنه لا يحنث . والفرق بين الحالتين : أن المحلوف عليه في الحالة الأولى عدم الخروج وهو ترك فيتحقق ضده وهو البقاء في المنزل على وجه الإعراض عنه فإذا جلست معرضة عن الخرجة التي حلف عليها لا يحنث لتحقق عدم الخروج سواء غيرت الهيئة أو لا بخلاف الحالة الثانية فإن المحلوف عليه فيها الذهاب إلى الدار وهو مثبت لا يتحقق إلا بفعله والمطلوب منه الفعل إذا تهيأ له وجلس منتظرا له عازما عليه لا يكون معرضا عنه بل هو فاعل حكما لكن بشرط أن تبقى الهيئة الدالة له وجلس منتظرا له عازما عليه لا يكون معرضا عنه بل هو فاعل حكما لكن بشرط أن تبقى الهيئة الدالة على أنه في حكم الفاعل وأنه لم يعرض الفاعل وإذاغير هيئته فقد أعرض عن الفعل ظاهرا .
وهذه اليمين تسمى يمين الفور ويقدر الفور بساعة فأقسام اليمين من حيث فعل المحلوف عليه وعدمه ثلاثة : مؤبدة " وتسمى مطلقة " لفظا ومعنى مؤقتة كذلك . ومؤبدة لفظا مؤقتة معنى وهي عين الفور فيتقيد بالحال بناء على أمر حالي كما مثل أو تقع جوابا لكلام يتعلق بالحال كما إذا قال له شخص : تعالى تغد معي فقال له : إن تغديت فامرأتي طالق فلفظ هذا اليمينمطلق غير مؤقت بوقت ولكن معناه مقيد بالحال لأنه واقع في جواب تغدو معي فلا يحنث إلا إذا تغدى معه . أما إذا تغدى منفردا فإنه لا يحنث سواء أكل الطعام الذي دعاه إليه أو أكل غيره إلا إذا قال له : تغد معي طعام كذا فحلف لا يتغدى فيه يحنث إذا أكل من ذلك الطعام المدعو إليه وإن قال : والله لا أتغدى اليوم فإنه يحنث في هذه الحالة بمطلق التغدي لأنه زاد في كلامه على الجواب فيكون مبتدئا لليمين إلا إذا نوى غير ذلك فإنه يصدق ديانة .
وإذا لم تقم قرينة على الفور كما تقدم في الأمثلة جعلت إذا للفور وإن للتراخي فإذا قال : إذا فعلت كذا فعلي كذا فإنه يلزمه الفعل فورا فيحنث إذا أخره بخلاف ما إذا قال : إن فعلت فإن الفعل يكون مطلقا وقد ذكر هذا المثال هنا لمناسبة يمين الفور وإن كان محله في اليمين على الأكل .
المالكية - قالوا : إذا حلف لا يدخل بيتا يحنث بدخول الحمام وبيت القهوة والوكالة والحانوت والفرن والمعصرة والمجبسة ما لم يجر العرف بتخصيص البيت ببيت السكن بالزوجات كما هو في عرف مصر الآن . وعلى هذا لا يحنث إلا إذا دخل بيت السكن . وإذا حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل الحالف في دار جار له فإذا فلان المحلوف عليه في بيت جاره فإنه يحنث ما لم تكن له نية أو ليمينه بساط كما تقدم . وإذا حلف لا يدخل على فلان بيته فدخل بيت جاره فوجده فيها فإنه يحنث لأن بيت جاره يشبه بيته لما للجار على جاره من الحقوق . ويشمل البيت بيت الشعر ما لم ينو بيت البناء بخصوصه أو يكون ليمينه بساط كأن رأى بيتا ينهدم على أهله فحلف بيتا فإنه يخص حينئذ ببيت البناء .
وإذا حلف لا يدخل على فلان بيتا فأدخل عليه السجن كرها فإنه يحنث إذا سجن عنده بحق أما إذا أدخل عليه السجن ظلما فإنه لا يحنث . وإذا حلف لا يدخل دار فلان وهو داخل واستمر داخلا فإنه يحنث لأن استمراره على ذلك كالدخول ابتداء أما إذا حلف لا يدخلها وهو ماكث فيها فإنه لا يحنث بالاستمرار .
وإذا حلف لا يركب دابة وهو راكبها أو لا يلبس ثوبا وهو لابسه أو لا يسكن دارا وهو ساكنها فإنه يحنث بالاستمرار على الركوب واللبس والكسب مع إمكان الترك . وإذا كان مسافرا مسافة يومين مثلا وقال : والله لأركبن هذه الدابة وهو راكبها فإنه لا يبر إلا إذا ركبها المسافة بتمامها ولا يضر نزوله ليلا ولا في أوقات الضرورات . وكذا إذا حلف ليلبسن هذا الثوب وكان لابسه فإنه لا يبر إذا لبسه المدة التي يظن اللبس فيها . وإذا حلف على زوجه لا تخرج إلا بإذنه فإذا قال : لا تخرجي إلا بإذني فإنه يحنث إلا إذا أذنها وعلمت بالإذن وإذا قال : لا تخرجي إلا إن أذنت فلا يشترط علمها بالإذن فإذا أذن وخرجت بدون أن تعلم فإنه لا يحنث ولا بد من الإذن الصريح فلو خرجت وعلم بخروجها ولم يمنعها لا يعد علمه إذنا .
وإذا حلف لا يأذن لزوجه في الخروج إلا إلى بيت مثلا فأذن لها في ذلك فزادت عليه بأن ذهبت إلى بيت غيره سواء ذهبت إليه قبل ذهابها إلى بيت أبيها أو بعده أو اقتصرت على الذهاب إلى بيت غيره فإنه إذا لم يعلم بهذه الزيارة أو علم بعد أن زادت فإنه لا يحنث . أما إذا علم حال زيادتها ولم يمنعها فإنه يحنث لأن علمه في هذه الحالة يعتبر كإذنه بخلاف المسألة الأولى فإن علمه بخروجها لا يعتبر إذنا لها . وذلك لأن اليمين هناك في جانب البر فيحتاط فيه واليمين في هذه المسألة في جانب الحنث فتقع بأدنى سبب .
وإذا حلف على زوجه لا تخرج إلا بإذنه فأذن لها بالخروج إلى بيت أبيها فزادت عليه وذهبت إلى بيت أختها فإنه يحنث سواء علم بالزيادة أو لم يعلم على المعتمد .
وإذا حلف لا يسكن هذه الدار وهي ملكه ثم باعها لشخص آخر وسكن فيها بالأجرة أو الإعارة إنه يحنث إلا إذا نوى أنه لا يسكنها وهي في ملكه فإنه لا يحنث بسكناها وهي في ملك غيره . وكذا إذا حلف لا يسكن دار فلان هذه فباعها لغيره فسكنها بعد أن اشتراها الغير فإنه يحنث إلا إذا نوى لا يسكنها ما دامت ملكا له فإنه لا يحنث إذا سكنها وهي ملك لغيره . وإنما يحنث في هاتين المسألتين لأنه أتى فيهما باسم الإشارة وهي تفيد التعيين ولا يزول التعيين بانتقال الملك . أما إذا حلف لا يسكن دار فلان بدون اسم الإشارة ثم خرجت عن ملك فلان فإنه لا يحنث إذا سكنها إن لم ينوعينها فيعامل بنيته . وإذا حلف لا أدخل بدخوله أما إذا بنيت بيتا ثانيا فإنه يحنث بدخوله . وإذا مر بخرابها فإنه يحنث مطلقا . وإذا حلف لا يدخل على فلان بيتا فإنه لا يحنث إذا دخل عليه مسجدا لأن المسجد مطلوب دخوله شرعا فأصبح لذلكك كأنه غير مراد للحالف وإذا حلف لا يدخل على فلان فدخل فلان عليه فإن الحالف لا يحنث ولو استمر جالسا معه لأن الحالف لم يدخل عليه في هذه الحالة .
وإذا حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكن فيها فإنه يجب عليه أن ينتقل منها . ويحنث إذا بقي فيها مع إمكان الانتقال ولو ليلا فإذا كان لا يمكنه الانتقال لخوف من ظالم أو سارق فإنه لا يحنث أما البقاء لعدم وجوب بيت يناسبه أو لأنه وجد بيتا أجرته كثيرة فإنه ليس بعذر بل يجب الانتقال ولو إلى بيت من شعر وإلا حنث . وإذا أقام يومين أو أكثر ينقل متاعه مع عدم التأني في النقل عادة فإنه لا يحنث . وكذا لا يحنث إذا بقي لعدم وجود من ينقل له متاعه وإذا خرج منها فإنه يحنث إذا عاد للسكنى فيها ثانيا لأن حلفه بهذه الصيغة على العموم أما إذا حلف لينتقلن من هذه الدار فإنه يجوز له العود للدار بعد الانتقال منها بعد نصف شهر . وكذا إذا حلف لا بقيت في هذه الدار أو حلف لا أقمت في هذه الدار على المعتمد . وإذا حلف بهذه الصيغ فإنه لا يحنث بالبقاء في الدار إلا إذا قيد بزمن فيعامل بحسبه لأنه إذا قال : والله لأفعلن كذ فإن يمينه تكون على التراخي لا على الفور على المشهور .
وإذا حلف لا يساكن فلانا في هذه الدار وكان ساكنا معه فيها لا يبر إلا إذا انتقل أحدهما انتقالا تزول معه اسم المساكنة عرفا أو أقاما بينهما جدارا سواء كان ذلك الجدار قويا كأن كان مبنيا بحجر أو آخر " طوب " أو نحوهما أو كان ضعيفا كأن كان من جريد وأولى إذا قال : لا أساكنه في دار . وإذا حلف لا يساكنه وكانا بحارة فلا بد من الانتقال من هذه الحارة سواء كانت يمينه مطلقة أو قال : لا أساكنه في هذه الحارة .
وإذا حلف لا يساكنه في هذه البلدة فيجب أن يسكن في مسكن يبعد عنه مسافة فرسخ وإذا قصد بيمينه " لا يساكنه " البعد عنه فإنه يحنث بزيارته أما إذا كانت يمينه بسبب نزاع قام بين النساء أو الصبيان فإنه لا يحنث بزيارته ما لم تكثر عرفا فإنه يحنث بكثرتها .
( يتبع . . . )