وإذا حلف لا يأكل لحم بقر لا يحنث بأكل لحم الجاموس على الصحيح . وكذا إذا حلف لا يأكل لحم شاة فأكل لحم عنز فإنه لا يحنث وإذا حلف لا يأكل شحما " دهنا " فإنه يحنث بشحم البطن والأمعاء اتفاقا . أما الشحم الذي على اللحم " وهو اللحم السمين " فإنه لا يحنث بأكله على الأظهر . وكذا لا يحنث بأكل الألية " اللية " لأنها لا تسمى شحما كما لا تسمى لحما فإذا حلف لا يأكل لحما لا يحنث بالأكل منها . وكذا إذا حلف لا يشتري لحما فإنه لا يحنث بشرائها وإذا حلف لا يأكل حنطة ففي المسألة ثلاث صور . أحدها من يقول هذه الحنطة ويشير لصبرة من القمح فإنه لا يحنث إلا إذا أكلها بليلة أو مقلاة بالنار أما إذا أكل دقيقها أو سويقها أو خبزها أو أكلها نيئة فإنه لا يحنث إلا إذا نواه فإنه يحنث بالنية . ثانيها أن يقول : هذه بدون لفظ حنطة فإنه يحنث بالأكل من عينها ولو نيئة كما يحنث بالأكل من خبزها لأن الإشارة إذا وجدت بدون تسمية تعتبر فيها ذات المشار إليه سواء بقيت على حالها أو حدث لها اسم آخر .
ثالثها أن يقول : حنطة بالتنكير وفي هذه الحالة يحنث بالأكل من عينها ولو نيئة أما إذا أكل من خبزها أو دقيقها أو سويقها فإنه لا يحنث . وإذا زرعت فإنه يحنث بالأكل من الخارج من زرعها إذا قال حنطة بالتنكير وأما إذا لم يقل ذلك فإنه لا يحنث بالأكل من الخارج منها . وإذا حلف لا يأكل من هذا الدقيق فإنه يحنث بأكل ما يتخذ منه كالخبز والشعرية والمكرونة والكسكسي والعصيدة ونحو ذلك . أما إذا سف الدقيق فإنه لا يحنث على الأصح . وإذا حلف لا يأكل خبزا فإنه يحنث بأكل الخبز المتعارف عند أهل بلده . فإذا كانوا لا يأكلون إلا القمح حنث به بدون غيره فلو أكل خبز الذرة أو الشعير فإنه لا يحنث وبالعكس إذا كانوا لا يأكلون القمح فإن العرف الخاص معتبر في الأيمان ويشمل الخبز الرقاق " أما البقلاوة والسنبوسك والكعك والبقسماط والبغاشة والفطير والزلابية " فإن كل هذه الأمور لا تسمى خبزا في العرف فلا يحنث بأكلها .
وإذا حلف لا يأكل من خبز فلانة فإن أراد الخبز المملوك لها يحنث بالأكل منه ولو خبزه وعجنه غيرها أما إذا أراد الصنعة فإنه لا يحنث إلا إذا أكل من الخبز الذي وضعته في التنور " الفرن " ليستوي أما إذا عجنته وقطعته " أرغفة " ووضعه غيرها في التنور فإنه لا يسمى خبزها فلا يحنث بالأكل منه .
وإذا حلف لا يأكل شواء فإن نوى به كل ما يشوى يعامل بنيته وإن لم ينو ذلك فإن يمينه تنصرف إلى اللحم المشوي فلا يحنث بأكل الجزر " أو البطاطة " أو نحو ذلك . لأن العرف يخص الشواء باللحم المشوي وإذا حلف لا يأكل طبيخا تنصرف يمينه إلى اللحم المطبوخ بالماء فإنه يحنث بالأكل منه ومن مرقه ولا يحنث بأكل غيره مما يطبخ بدون لحم إلا إذا كان العرف يسمي ما يطبخ بدون لحم طبيخا كما في عرف مصر فإنه يحنث بالأكل منه . وإذا حلف لا يأكل طعما فإنه لا يحنث إلا إذا أكل مما يسمى طبخا فلا يحنث بالأكل من الجبن والفاكهة وإن كانت تسمى طعاما لغة لأن العرف خص الطعام بالطبيخ . وإذا حلف لا يأكل رأسا نظر إلى العرف ففي عرف مصر الرؤوس التي تؤكل عادة هي التي تباع في الأسواق كرؤوس الضأن والجاموس والبقر فتنصرف اليمين إليها . فإذا أكل من رؤوس الخيل أو الطيور مما لا يباع نيئا ومستويا في الأسواق فإنه لا يحنث كما تقدم .
أما في البلاد التي اعتادت بيع رؤوس الخيل وغيرها فإنه يحنث بالأكل منها فالمعتبر العرف بدون نظر إلى الحقيقة اللغوية على المفتى به . وإذا حلف لا يأكل فاكهة ينصرف يمينه إلى كل ما يطلق عليه اسم الفاكهة في العرف كالتين والعنب والتفاح والبطيخ والمشمش والرمان والرطب والبرتقال والخوخ والسفرجل والكمثرى فإن هذه تسمى فاكهة في عرف أهل مصر بخلاف " الجوز واللوز والبندق " ونحوها فإنها لا تسمى فاكهة في عرفهم بل تسمى " نقلا " .
وإذا حلف لا يأكل حلوا فإنه يحنث بأكل كل ما يتحلى به من فاكهة وغيرها كتين وعنب وكنافة وقطايف ونحوها لأن العرف جرى على أن مثل هذه الأشياء تؤخذ في نهاية الأكل وتسمى حلوا أما الحلوى فإنها اسم لما يطبخ من السكر أو العسل بطحين أو نشاء .
وإذا حلف لا يأكل إداما أو لا يأتدم فإنه لا يحنث إلا بأكل ما لا ينفرد بالأكل وحده كالملح والخل والزيت والعدس المطبوخ والخضر ونحو ذلك من كل ما يغمس فيه الخبز .
أما إذا أكل ما ينفرد بالأكل وحده غالبا كاللحم والتمر والزبيب وسائر الفواكه فإنه لا يحنث .
وإذا حلف لا يتغدى فإنه يحنث إذا أكل ما به نصف الشبع ولا بد أن يتابع الأكل فلو أكل لقمتين وصبر زمنا يعد فاصلا ثم أكل لقمتين وهكذا لا يكون غداء ويحنث إذا تغدى بما اعتاد أن يتغدى به أهل بلده غالبا فلو كان بدويا وشرب اللبن فإنه يحنث لأن عادة أهل البدو التغدي به أما إن كان حضريا فإنه لا يحنث إلا إذا أكل الخبز فلو أكل لحما بدون خبز أو تمر أو أرز أو خضر فإنه لا يحنث لأن هذه الأشياء لا يتغدى بها وحدها غالبا في العرف . ووقت الغداء يبتدئ من طلوع الشمس إلى الزوال في عرف بعضهم وفي عرف أهل مصر : الأكل من طلوع الشمس إلى الضحى يسمى فطورا والغداء من بعد ذلك إلى العصر وكذلك أهل الشام ووقت العشاء من بعد العصر إلى نصف الليل . والسحور من نصف الليل إلى طلوع الفجر والمدار في كل هذا على العرف .
وإذا حلف لا يشربه من شيء يمكن الكرع فيه أي تناول الماء بفمه كالنهر والترعة والحوض فإنه لا يحنث إذا أخذ منه بكفه أو بإناء وشرب وإنما يحنث إذا كرع فيه ما لم ينو عدم الشرب منه مطلقا فإنه يحنث بالشرب منه على أي حال .
الشافعية - قالوا : إذا حلف بالله لا يأكل رؤوسا فإنه لا يحنث إلا بأكل الرؤوس المعتاد بيعها كرؤوس النعم من البقر والغنم ونحوهما . أما رؤوس الطيور والسمك ونحو ذلك فإنه لا يحنث بأكلها إلا إذا اعتاد الناس بيعها . سواء كان ذلك اعتياد أهل بلده أو غيرهم على المعتمد وإذا قال : رؤوسا " بالتنكير " فإنه لا يحنث إلا إذا أكل ثلاثا منها لأنها أقل الجمع أما إذا قال الرؤوس " بالتعريف " . فإنه يحنث إذا أكل واحدة أما إذا أكل بعض واحدة فإنه لا يخنث . وقال الخطيب وابن عبد الحق : يحنث ببعض واحدة ونظير هذه المسألة ما إذا حلف بالله لا يتزوج نساء فإنه لا يحنث إلا إذا تزوج ثلاثا .
وإذا حلف بالله لا يتزوج النساء " بالتعريف " فإنه يحنث إذا تزوج واحدة أما إذا حلف بالطلاق فإنه لا يحنث إلا إذا تزوج ثلاثا وأكل ثلاثا : سواء قال : نساء ورؤوسا بالتنكير أو قال : النساء والرؤوس بالتعريف وإذا حلف لا يتغدى فلا يحنث إلا إذا أكل قبل الزوال لأن وقت الغداء من طلوع الفجر إلى الزوال وقدر الأكل الذي يحنث به في الغداء بما كان فوق نصف الشبع . ولو حلف لا يتعشى لا يحنث إلا إذا أكل بعد الزوال فوق نصف الشبع لأن وقت العشاء من الزوال إلى نصف الليل ومن حلف لا يتسحر لا يحنث إلا إذا أكل بعد نصف الليل .
وإذا حلف لا يأكل لحما فإنه يحنث بأكل ما يحل أكله ولو أكله نيئا أما إذا أكل ما لا يحنث به كأن أكل حيوانا غير مذكى أو أكل وحشا لا يحنث أكله فإنه لا يحنث ويتناول اللحم لحم الرأس واللسان على الراجح والمرجوح لا يتناوله ويقويه الآن العرف أما الكرش والكبد والطحال والقلب والرئة فلا يطلق عليها اسم اللحم لأنها لا تسمى لحما في العرف وكذلك السمك والجراد فإنهما لا يسميان لحما فلا يحنث إذا أكل منهما وهذا كله إذا أطلق اللحم أما إذا نوى به شيئا خاصا فإنه يعمل بنيته كما تقدم .
ويتناول اللحم شحم الظهر والجنب لأنه لحم سمين أما شحم البطن والأمعاء وهو الدهن الذي فوقهما فإنه لا يحنث بأكله لأنه لا يسمى لحما فإذا حلف لا يأكل شحما لا يحنث بأكل شحم الظهر والجنب وإنما يحنث بأكل شحم البطن والأمعاء ولا يتناول الشحم واللحم الألية والسنام فإنهما لا يسميان لحما ولا شحما كما لا يتناول أحدهما الآخر أما الدسم فإنه يتناولها .
فإذا حلف لا يأكل دسما يحنث بأكل الألية والسنام وشحم الظهر والبطن والجنب والأمعاء ودهن الحيوان الخالص من اللحم كالسمن أما دهن غير الحيوان كدهن اللوز والجوز والسمسم فقيل : يشمله الدسم وقيل لا يشمله وإذا حلف لا يأكل " زفرا " فإنه يحنث إذا أكل لحما أو دهن حيوان أو بيضا ولو " بطارخا " ولا يحنث إذا أكل ميتة سمك أو جراد .
وإذا حلف لا يأكل لحم بقر فإنه يحنث إذا أكله أو أكل لحم الجاموس أو بقر الوحش البقر بتناولها إما إذا حلف لا يأكل لحم الجاموس فإنه لا يحنث بأكل لحم بقر وإذا حلف لا يأكل ضأنا أحدهما لا يطلق على الآخر لا لغة ولا عرفا وإن كان يشملهما اسم غنم المقتضي اتحادهما في الجنس وإذا حلف لا يأكل خبزا فإنه يحنث بأكل الخبز بجميع أنواعه . سواء كان مأخوذا من قمح أو الشعير أو الذرة أو الأرز أو الباقلا أو البطاطس أو نحو ذلك ولو كان مصنوعا من نوع غير معهود في بلده فلا يسمى خبزا في عرفه لظهور المعنى اللغوي في الخبز نعم إذا أكله على ظن أن اسم الخبز لا يتناوله فإن بعضهم يقول بعدم حنثه وإنما لم يعمل بالعرف في هذه المسألة مع أنه قد تقدم أن اليمين بالله مبني على العرف لأن العرف الذي ينظر إليه هو العرف المطرد كمسألة الرؤوس والبيض . أما العرف غير المطرد كمسألة الخبز فإنه مختلف في عرف البلاد فيأكل هذه ذره والأخرى قمحا والأخرى بطاطس وهكذا فتحكم فيه اللغة ولم ينظر للعرف . وإذا فت الخبز في مرق وأذابه فيه ثم شربه فإنه لا يحنث . وكذا إذا طبخ واختلطت أجزاؤه ببعضها فصار كالعصيدة وأكل منه فإنه لا يحنث أما إذا بقيت " اللقم " متميزة بعضها عن بعض فإنه يحنث بالأكل منها .
ويتناول الخبز كل ما يخبز أولا ولو قلي بعد ذلك بالسمن والزيت كالكنافة والبقلاوة والقطايف والسنبوسك . أما إذا قليت أولا وهي نيئة قبل أن تشوى قبل القلي فإنها لا تسمى خبزا كالزلابية والقطايف ولقمة القاضي فلا يحنث بأكلها : ويشمل الخبز أيضا البقسماط والرقاق دون البسيس ونحوه .
وإذا حلف لا يأكل طبيخا فإنه لا يحنث إلا إذا أكل ما فيه سمن أو زيت أو دهن .
وإذا حلف لا يأكل هذا الشيء فبلعه من غير مضغ فإنه يحنث نظرا للعرف لأن البلع أكل عرفا أما إذا حلف بالطلاق أنه لا يأكله فبلعه من غير مضغ فإنه لا يحنث لأن الطلاق مبني على اللغة ولا يسمى البلع بدون مضغ أكلا في اللغة كما تقدم .
وإذا حلف لا يأكل طعاما فإنه يحنث إذا أكل قوتا أو فاكهة لأن اسم الطعام يتناولها وأما إذا أكل دواء فإنه لا يحنث . لأن اسم الطعام لا يتناوله في باب الأيمان لبنائها على العرف أما في البيوع فإن الطعام يتناول الدواء لأنها مبنية على اللغة كما سيأتي .
وإذا حلف لا يأكل فاكهة فإنه يحنث إذا أكل الفاكهة الرطبة واليابسة فيحنث بأكل الرطب والعنب والرمان والزبيب والتمر والليمون والنبق والبطيخ والفستق والبندق وتتناول الفاكهة أيضا الحلوى وهي كل ما اتخذ من عسل وسكر من كل حلو ليس فيه حامض . أما العسل وحده أو السكر وحده فإنه لا يسمى حلوى بل الحلوى هي المأخوذة من مجموعها . فمن حلف لا يأكل حلوى فإنه لا يحنث بأكل العسل المطبوخ وحده على النار ولا بأكل النشا المطبوخ بالعسل وإنما يحنث إذا أكل ما تركب من جنسين فأكثر .
وإذا حلف لا يأكل تمرا فإنه لا يحنث إذا أكل اليابس . وإذا حلف لا يأكل رطبا فإنه لا يحنث إذا أكل تمرا وبالعكس . وإذا حلف لا يأكل عنبا فإنه لا يحنث إذا أكل زبيبا وبالعكس . وإذا حلف لا يأكل العنب أو الرمان لم يحنث بشرب عصيره ولا بامتصاصه ورمي ثفله لأنه لا يسمى أكلا .
وإذا حلف لا يأكل بيضا فإنه يحنث إذا أكل بيض أي حيوان سواء كان مأكول اللحم كالدجاج والنعام ونحوهما أو غير مأكول اللحم كالرخم ونحوه ما لم يكن من ذوات السموم الضارة فإنه يحرم أكل بيضه لضرره وإنما يحنث بشرط أن يكون الشأن فيه أن يفارقه الحيوان الذي باضه وهو حي وأن يؤكل البيض منفردا سواء خرج من الحيوان وهو حي أو وهو ميت فإذا لم يكن الشأن فيه ذلك كبيض السمك " البطارخ " فإنه لا يحنث بأكله لأن البطارخ لا يبيضها السمك وهي حي خارج الماء بل تشق بطنه وتخرج منه وكذا بيض الجراد فإنه لا يؤكل منفردا بل يؤكل تبعا للجراد فغذا أكله منفردا لا يحنث وكذلك البيض غير المتصلب الذي يخرج من الدجاج بعد ذبحها فإنه لا يحنث بأكله لأنه لا يمكن أن يفارق الحيوان وهو حي أما إذا تصلب وخرج من الدجاجة بعد ذبحها فإنه يحنث بأكله لأن الشأن فيه أن يفارقها وهي حية .
ولا تتناول الفاكهة القثاء والخيار والجزر والباذنجان فمن حلف لا يأكل فاكهة فإنه لا يحنث بالأكل من هذه الأشياء . وإذا حلف لا يأكل هذا القمح فإنه يحنث إذا أكل منه على هيئته كأن يأكله نيئا أو مطبوخا " بليلة " أو مقليا على النار " فشارا " أما إذا أكله دقيقا أو خبزا أو نحوهما فإنه لا يحنث لزوال اسم القمح عنه حينئذ أما إذا حلف لا يأكل هذا وأشار إلى قمح بدون أن يذكره فإنه يحنث إذا أكل منه على هيئته أو أكل من دقيقه أو خبزه أو أي شيء يتولد معه وكذا إذا حلف لا يأكل هذا الرطب تمرا فإنه لا يحنث ونظير هذا إذا حلف لا يكلم هذا الصبي فكلمه بعد البلوغ فإنه لا يحنث لزوال الاسم عنه .
وإذا حلف لا يأكل من هذه الشجرة فإنه يحنث بما يؤكل منها كثمرها وجمارها فلا يحنث إذا أكل من ورقها وخشبها لأنه لا يؤكل عملا بالعرف . وكذا إذا حلف لا يأكل من هذه البقرة فإنه لا يحنث بالأكل من ولدها ولبنها وإنما يحنث بما يؤكل منها كاللحم والكرش ونحوهما : وإذا حلف لا يأكل معائعا فأكله بخبز فإنه يحنث أما إذا شربه فإنه لا يحنث وأما إذا حلف لا يشرب مائعا فأكله بخبز فإنه لا يحنث .
( يتبع . . . )