يشترط لانعقاد اليمين شروط منها أن يكون الحالف مكلفا فلا ينعقد يمين الصبي والمجنون . ومنها أن يكون مختارا فلا ينعقد يمين المكره ( الحنفية - قالوا : تنعقد يمين المكره وتجب عليه الكفارة إذا فعل المحلوف عليه ولوأكره على فعله أما إذا فعل المحلوف عليه غيره بإكراهه كما إذا حلف لا يشرب هذا الماءفصبه له غيره في حلقه كرها فإنه لا يحنث أيضا إذا فعل المحلوف عليه ناسيا كما إذا حلف لا يحلف ثم نسي وحلف فإنه تلزمه الكفارة في ذلكوكذلك يحنث إذا فعل المحلوف عليه وهومجنون أو مغمى عليه أما إذا حلف وهومجنون أو مغمى عليه فلا تنعقد يمينه . لأن شرط انعقاد اليمين العقل . وكذلك يقع يمين المخطىئ وهو من حنث ذاهلا عن اليمين .
المالكية - قالوا : لا تنعقد اليمين بالإكراه فإذا انعقدت من غير إكراه فلا يخلو : أما إن تكون على فعل شيء كقوله : والله لآكلن الرغيف ويسمى يمين حنث أو تكون على ترك شيء كقوله : والله لا أدخل الداروتسمى يمين بر فإذا أكره على الحنث في صيغة البر كأن أدخل الدار قهرا عنه لا تلزمه الكفارة ولوأكره من غير عاقل كأن كان راكبا على دابة ثم جمحت به وأدخلته الدار قهرا عنه إذا لم يتمكن من النزول عنها أو إمساكها . أما إذا تمكن من النزول عنها بدون ضرورة أو من إمساك رأسها أو بانشاء رجله عليها ولم يفعل فإنه يحنث وتلزمه الكفارة وكذلك إذا أدخله الدار غيره كرها وتمكن من الخروج منها بدون ضرر ولم يفعل فإنه يحنث وتلزمه الكفارة .
أما إذا أكره على الحنث في صيغة الحنث وهي الحلف على الفعل بأن منعه من الفعل مانع قسري ففيه خلاف فقيل : يحنث وتلزمه الكفارة وهو المشهور وقيل : لا يحنث وهو القياس وإنما لم يحنث إذا أكره في صيغة البر وهي لا أفعل اتفاقا . لأن الحنث فيها يكون بالفعل لأن من حلف لا يدخل الدار يحنث بدخولها بخلاف صيغة الحنث فإن البر فيها يكون بترك الفعل وأساب الترك كثيرة فضيق فيها أما أسباب الفعل فهي قليلة فوسع فيها .
ويشترط في عدم الحنث بالإكراه ستة شروط : الأول أن لا يعلم حال اليمين أنه على الفعل . الثاين أن لا يأمر غيره بإكراهه . الثالث أن لا يكون الحالف على شخص هو المكره له فلوحلف على زوجه أن لا تدخل الدار ثم أكرهها على دخولها حنيث بخلاف ما إذا أكرهها غيره . الرابع أن لا يكون الإكراه شرعيا كما إذا حلف لا يدخل السجن ثم حبس فيه لدعوى شرعية فإنه يحنث وكذا إذا حلف لا يدفع هذا الدين في هذا الشهر فأكرهه القاضي فإنه يحنث . الخامس أن لا تكون يمينه لا أفعله طائعا ولا مكرها أما إذا حلف بأن لا يدخل دار فلان طائعا ولا مكرها ثم أكره على الدخول فإنه يحنث السادس أن لا يفعله بعد زوال إكراهه فإذا أدخل الدار مكرها ثم زال الإكراه فدخلها طائعا حنث وتلزمه الكفارة ويحنث بالنسيان فمن حلف لا يأكل كذا ثم نسي فأكله فإنه يحنث ما لم يقيد يمينه بالنسيان كأن يقول : والله لا آكله ناسيا أو ما لم أنس فإنه إذا أكله في هذه الحالة لا يحنث لأنه قيد يمينه ومثل النسيان الخطأ والجهل فمثال الخطأ أن يحلف لا يدخل دار فلان فدخلها معتقدا أنها غيرها فإنه يحنث بذلك ومثال الجهل أن يحلف ليدخلن هذه الدار الليلة وهو يعتقد جهلا أنه لا يلزم بالدخول الليلة فلم يدخل حتى مضت الليلة فإنه يحنث ولا يعذر بجهله ) ولا يحنث إذا أكره على فعل المحلوف عليه ومثله الناسي والمخطيء فإنهما لا شيء عليهماز ومنها أن يكون قاصدا فلا ينعقد يمين يسبق بها اللسان بدون قصد . ومنها أن يكون المحلوف به اسما من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته على التفصيل الآتي في مبحث صيغ الأيمان .
ومنها أن لا يكون المحلوف عليه واجبا في العقل والعادة أو في العادة فقط فإن كان كذلك فإن اليمين لا تنعقد بل تكون لغوا . فمثال الأول أن يقول : والله هذا الجرم متحيز فهذا ليس يمينا لأن تحيز الجرم واجب عقلا وعادة . ومثال الثاني أن يقول : والله إن الشمس تطلع من المشرق أو والله لأموتن فهذا ليس بيمين أيضا . لأن طلوع الشمس من المشرق واجب عادة وكذلك الموت ومثل هذا ما إذا قال : والله لا أصعد السماء أولا أقلب هذا الحجر ذهبا أولا أرد أمس لأن عدم صعود السماء وعدم قلب الحجر ذهبا وعدم ردم أمس واجب عادة فلا تنعقد به اليمين وينعقد اليمين فيما عدا ذلك وهوأمور أربعة : الأول : أن يكون ممكنا عقلا وعادة كقوله والله لأدخلن الدار في حالة الاثبات . أولا أدخل الدار في حالة النفي فهذا يمين منعقدة لأن دخول الدار ممكن عقلا وعادة . الثاني : أن يكون مستحيلا عادة فقط كقوله : والله لأصعدن السماء أولأحملن الجبل ويحنث في هذا بمجرد الحلف وكذا إذا قال : والله لأقتلن فلانا وهوميت على تفصيل في المذاهب .
( الحنفية - قالوا : إذا كان المحلوف عليه مستحيلا عادة فإنه يحنث بمجرد الحلف إذا لم يوقت اليمين بوقت أما إذا وقته بوقت فإنه لا يحنث إذا مضى ذلك الوقت فلوقال : والله لأصعدن السماء بعد سنة مثلا لا يحكم بحنثه إلا إذا مضت السنة .
الحنفية - قالوا : إذا حلف ليقتلن فلانا وهوميت فلا يخلو : إما أن يكون عالما بموته وقت الحلف أولم يكن عالما فإذا لم يكن عالما بموته وتبين له أنه ميت فإنه لا يحنث لأنه عقد يمينه على حياة كانت موجودة فيه وهو يعتقد وجودها أما إذا كان عالما بموته فإنه يحنث لأنه المحلوف عليه وإن كان مستحيلا عادة ولكنه ممكن في ذاته يصح وقوعه لجواز أن يعيد الله له الحياة بخلاف مسألة الكوز وهي إذا ما حلف ليشربن ماء هذا الكوز بدون أن يقيد بوقت وكان فيه ماء فأراقه الحالف أو غيره أو سقط الإناء وحده فأريق ماؤه فإنه يحنث والفرق بين المسألتين : أن الماء في الصورة الثانية لا يمكن إعادته بعينه أصلا فإن من الممكن عقلا إعادة ماء آخر في الكوز أما الماء الذي اريق وذهب فإنه لا يمكن إعادته عقلا فإذا خلق الله ماء في الكوز ثانيا لم يكن هو المحلوف عليه بل المحلوف عليه ماء مظروف في الكوز وقت الحلف وقد أريق أما الصورة الأولى فإن الحياة إذا عادت فإن ذات الإنسان لم تتغير بل تكون هي الأولى بعينها واعلم أن في مسألة الكوز أربعة أوجه : الأول أن تكون يمينه مؤقتة بوقت ولا ماء فيه كما إذا قال : والله لشربن ماء هذا الكوز اليوم وليس فيه ماء الثاني أن تكون مؤقتة بوقت وفيه ماء ثم صب وهولا يحنث في هذين الوجهين لعدم انعقاد اليمين أصلا في الوجه الأول ولبطلانها بعد الانعقاد في الوجه الثاني لأن اليمين وإن كانت صادفت وجود الماء في الكوز فانعقدت ولكن بإراقة الماء بطل انعقادها .
الثالث : أن تكون اليمين غير مؤقتة بوقت ولا ماء في الكوز كما إذا قال : والله لأشربن ماء هذا الكوز ولا ماء فيه وفي هذه الصورة لا يحنث أيضا لأن يمينه لم تنعقد أصلا لعدم وجود الماء ولا يحنث في الصور الثلاث سواء علم أن في الكوز ماء أولم يعلم . الرابع أن تكون اليمين غير مؤقتة بوقت وكان في الكوز ماء كما إذا قال : والله لأشربن ماء هذا الكوز بدون أن يوقت بوقت وكان ف يه ماء كما ذكره في أول المسألة فإنه يحنث سواء علم بوجود الماء أولم يعلم وسواء أريق الماء وحده أو أراقه هو أو غيره ويتفرع على هذا مسائل : .
منها أنه إذا حلف ليقضين حق فلان غدا فمات أحدهما قبل الغد فإنه لا يحنث لبطلان اليمين بعد انعقادها ومنها إذا قال لامرأته : إن لم تصلي غدا فأنت طالق فجاءها الحيض في الغد قبل أن يمضي وقت يمكن أداء الصلاة فيه أو بعدما صلت ركعة فإنه يحنث على الأصح وذلك لأن المحلوف عليه وهي الصلاة يمكن وقوعها مع وجود الدم فحصول الدم لا يبطل اليمين . ألا ترى أن المستحاضة تصح منها الصلاة مع وجود الدم فلا مانع من أن الشارع يمكن أن يشرع الصلاة مع الحيض بخلاف مسألة الكوز فإن المحلوف عليه غير ممكن أصلا فلذا حكم بحنثه . وكذا إذا قال : والله لأصومن من اليوم بعد أن أكل في النهار فإن يمينه ينعقد ويحنث لأن الصيام ممكن مع الأكل كما في حالة النسيان . فإن من أكل ناسيا يعد صائما فيمكن أن يشرع الصيام مع الأكل حينئذ .
ومنها إذا قال لزوجه بعدما اصبح الصباح : إن لم أجامعك الليلة فأنت كذا فإن لم تكن له نية انصرفت إلى الليلة المقبلة وإن نوى الليلة الفائتة فإن يمينه لا تنعقد ولا يحنث وكذا إذا قال بعد طلوع الفجر : والله لا أنام الليلة وهولا يعلم أن الفجر قد طلع فإنه لا يحنث .
ومنهاما إذا قال لامرأته : إن لم تردي المال الذي أخذتيه من مكان كذا فأنت طالق وهي لم تأخذه بل هوباق في مكانه فإنه لا يحنث لأن المحلوف عليه غير ممكن فإن رد المال مع عدم أخذه مستحيل .
ومنها أنه إذا حلف لا يعطي فلانا شيئا إلا بإذن من زيد فمات زيد فإنه لا يحنث إذا أعطاه وإذا حلف ليقضين دينه غدا فقضاه اليوم فإنه لا يحنث . وكذا إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا فأكله اليوم فإنه لا يحنث أو حلف ليقتلنه غدا فمات اليوم فإنه لا يحنث ولوجن الحالف في يومه فإنه يحنث .
المالكية - قالوا : إذا منع مانع من فعل المحلوف عليه فلا يخلو : إما أن يكون عقليا كما إذا حلف ليقتلن فلانا فإذا هوميت . أوليذبحن حمامه فوجده مسروقا . وإما أن يكون المانع شرعيا كما إذا حلف ليطأن امرأته الليلة فوجدها حائضا فالمانع ثلاثة أقسام : عقلي وعادي وشرعي فإن كان عقليا فإن الحالف لا يحنث إلا إذا حصل بعد اليمين ولم يوقت بوقت ولم يفرط في الفعل فإذا قال : والله لأذبحن الحمام فمات الحمام بعد الحلف وفرط في ذبحه فإنه يحنث . أما إذا قال : والله لأذبحنه غدا وجاء فبادر إلى ذبحه فوجده ميتا فإنه لا يحنث . أما إذا حصل الموت قبل اليمين كأن قال : والله لأذبحنه وكان ميتا قبل ذلك فإنه لا يحنث مطلقا سواء وقت أولم يوقت فرط أولم يفرط .
وإن كان المانع عاديا كما إذا وجد الحمام مسروقا . فإن كانت السرقة حصلت قبل اليمين فإنه لا يحنث سواء فرط في الذبح أولم يفرط وسواء وقت بوقت أولم يوقت أما إن كانت السرقة حصلت بعد اليمين فإنه يحنث مطلقا سواء وقت أولم يوقت فرط أولم يفرط وإن كان المانع شرعيا كما إذا حلف وهي طاهرة ثم طرأ عليها الحيض بعد اليمين واستمر الليلة كلها أو حلف اليمين وهي حائض قبل حلفه . فالمانع الشرعي يوجب الحنث سواء تقدم على اليمين أو تأخر أما إذا حلف ليطأنها ولم يقيد بالليلة ثم وجدها حائضا فإنه ينتظر رفع الحيض ويفعل المحلوف عليه فلا يحنث . فإذا وطئها وهي حائض ففي بره خلاف : فبعضهم يقول : إنه لا يحنث لأنه فعل المحلوف عليه وهو المدلول اللغوي وبعضهم يقول : يحنث لمخالفته للمدلول الشرعي . ومحل هذا الخلاف إذا كانت اليمين بعد الحيض أما إذا كانت قبله وفرط حتى حاضت فإن القياس الاتفاق على حنثه .
الحنابلة - قالوا : إذا حلف ليقتلن فلانا فإذا هوميت فإنه يحنث مطلقا سواء علم بموته قبل الحلف أولم يعلم وكذا إذا قال : والله لأشربن ماء هذا الكوز ولا ماء فيه سواء علم بأن فيه ماء أولم يعلم وكذا إذا حلف ليضربن هذا الحيوان غدا فمات قبل أن يضربه فإنه يحنث ولولم يمض وقت يتمكن فيه من ضربه وكذا إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فتلف قبل الغد فإنه يحنث سواء تلف باختياره أو بغير اختياره وكذا إذا حلف ليشربن هذا الماء اليوم أوليضربن هذا الغلام فتلف الماء ومات الغلام قبل فعل المحلوف عليه فإنه يحنث عند موت الغلام وتلف الماء وكذا إذا أطلق يمينه ولم يقيدها بوقت كما إذا قال . والله لآكلن هذا الرغيف فتلف الرغيف قبل أن يأكله فإنه يحنث عند تلفه وإذا قال : والله لأضربنه غدا فضربه قبل الغد فإنه لا يبر كما إذا حلف ليصومن يوم الجمعة فصام يوم الخميس وإذا مات الحالف قبل الغد أو جن حتى خرج الغد فإنه لا يحنث .
الشافعية - قالوا : إذا حلف ليقتلن فلانا وهوميت فإنه يحنث مطلقا وإذا قال : والله ليأكلن هذا الطعام غدا فتلف الطعام بنفسه أو أتلفه أحد غيره وتمكن منعه عن إتلافه ولم يمنعه فإنه يحنث من الغد إذا مضى زمن يتمكن فيه من الأكل ولم يأكل فمتى مضى ذلك الزمن حكم بحنثه ولوفسد الطعام في آخر يوم وكذا إذا مات من الغد فإنه يحنث متى مضى زمن يتمكن فيه من الفعل قبل موته . فيحكم بحنثه عقب مضي ذلك الزمن وإن مات في آخر النهار . وكذا إذا أتلف الطعام بنفسه قبل الغد فإنه لا يحكم بحنثه وقت الإتلاف وإنما يحكم بحنثه بعد مضي زمن من الغد يتمكن فيه من الفعل وإذا قدم فعل المحلوف عليه أو أخره مع تمكنه من الفعل في الوقت المحدد في يمينه فإنه يحنث فإذا حلف ليقضين حق فلان عند غروب الشمس فقضاه قبل ذلك مع تمكنه من القضاء في ذلك الوقت فإنه يحنث وإذا شرع في مقدمة القضاء من وزن أو كيل ونحوهما قبل الوقت فتأخر القضاء عن الوقت فإنه لا يحنث .
الحنفية - قالوا : إذا كان المحلوف عليه مستحيلا عقلا وعادة فإن اليمين لا تنعقد ولا تبقى منعقدة ) الثالث : أن يكون ممتنعا في العقل والعادة كقوله : والله لأجمعن بين حياة فلان وموته فإن الجمع بين الضدين مستحيل عقلا وعادة . ويحنث فيه بمجرد الحلف . الرابع : أن يكون واجبا شرعا أو ممتنعا شرعا فالأول كقوله : والله لأصلين الظهر . والثاني كقوله : والله لأشربن الخمر وهذه يمين منعقدة أيضا .
( يتبع . . . )