- قوله كان بيني وبين رجل خصومة قد تقدم في كتاب الغصب أن الأشعث بن قيس قال إن رجلا م كندة ورجلا من حضرموت اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا وقع في رواية أبي داود وذلك يقتضي أن الخصومة بين رجلين غيره ورواية حديث الباب تقتضي أنه أحد الخصمين ويمكن الجمع بالحمل على تعدد الواقعة فإن في رواية لأبي داود في حديث الأشعث هذا بلفظ " كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فيها " ففي هذا تصريح بأن خصمه كان يهوديا بخلاف ما تقدم في الغصب فإنه قال إن رجلا من كندة ورجلا من حضر موت والكندي هو امرؤ القيس بن عابس الصحابي الشاعر والحضري هو ربيعة بن عبدان بكسر العين وكذلك حديث وائل المذكور ههنا بأن الخصومة فيه بين الكندي والحضري وهما المذكوران في حديث الأشعث المتقدم فلعل الرواية لقصة الكندي والحضري من طريق الأشعث ومن طريق وائل .
وأما المخاصمة بين الأشعث وغريمه فقصة أخرى رواها الأشعث والله أعلم .
قوله : " في بئر " في رواية أبي داود في أرض ولا امتناع أن يكون المجموع صحيحا فتارة ذكرت الأرض لأن البئر داخله فيها وتارة ذكرت البئر لأنها المقصودة .
قوله : " يقتطع بها مال امرئ مسلم " التقييد بالمسلم ليس بأخراج غير المسلم بل كأن تخصيص المسلمين بالذكر لكون الخطاب معهم ويحتمل أن يكون العقوبة العظيمة مختصة بالمسلمين وإن كان أصل العقوبة لازما في حق الكفار .
قوله : " لقي الله وهو عليه غضبان " هذا وعيد شديد لأن غضب الله سبب لانتقامه وانتقامه بالنار فالغضب منه D يستلزم دخول المغضوب عليه بالنار ولهذا وقع عليه في رواية مسلم " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار " ولا بد من تقييد ذلك بعدم التوبة وسيأتي بقية الكلام على هذا في باب التشديد في اليمين الكاذبة .
قوله : " ليس يتورع من شيء " أصل الورع الكف عن الحرام والمضارع بمعنى النكرة في سياق النفي فيعم ويكون التقدير ليس له ورع عن شيء قوله " ليس لك منه إلا ذلك " في هذا دليل على أنه لا يجب للغريم على غريمه اليمين المردودة ولا يلزمه التكفيل ولا يحل الحكم عليه بالملازمة ولا بالحبس ولكنه قد ورد ما يخصص هذه الأمور عن عموم هذا النفي وقد تقدم بعض ذلك ولنذكر ههنا ما ورد في جواز الحبس لمن استحقه فاخرج أبو داود والترمذي والنسائي من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبس رجلا في تهمة قال الترمذي حسن وزاد هو والنسائي ثم خلى عنه وقد تقدم الكلام على حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ولكنه قد روى هذا الحديث الحاكم وقال صحيح الإسناد وله شاهد من حديث أبي هريرة ثم أخرجه ولعله ما رواه ابن القاص بسنده عن عراك بن مالك عن أبيه عن جده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبس في تهمة يوما في وليلة استظهارا وطلبا لإظهار الحق بالاعتراف .
وأخرج أبو داود من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه قام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال جيراني بما أخذوا فاعرض عنهم مرتين لكونه كلمه في حال الخطبة ثم ذكر شيئا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلوا له عن جيرانه فهذا يدل على أنهم كانوا محبوسين يدل أيضا على جواز الحبس ما تقدم في باب ملازمة الغريم فإن تسليط ذي الحق عليه وملازمته له نوع من الحبس وكذلك يدل على الجواز حديث " مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته " لأن العقوبة مطلقة والحبس من جملة ما يصدق عليه المطلق وقد تقدم الحديث في كتاب التفليس وحكى أبو داود عن ابن المبارك أنه قال في تفسير الحديث يحل عرضه أي يغلظ عليه عقوبته يحبس له .
وروى البيهقي أن عبدا كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه فحبسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى باع غنيمة له وفيه انقطاع وقد روي من طريق أخرى عن عبد الله بن مسعود مرفوعا وقد بوب البخاري في صحيحه فقال في الأبواب التي قبل كتاب اللقطة ما لفظه باب الربط والحبس في الحرم قال في الفتح كأنه أشار في هذا التبويب إلى رد ما نقل عن طاوس أنه كان يكره السجن بمكة ويقول لا ينبغي لبيت عذاب أن يكون في بيت رحمة . وأورد البخاري في الرد عليه أن نافع بن عبد الحرث اشترى دارا للسجن بمكة وكان نافع عاملا لعمر على مكة .
وأخرج عمر بن شبة في كتاب مكة عن محمد ابن يحيى بن غسان الكناني عن هشام بن سليمان عن ابن جريج أن نافع بن عبد الحرث الخزاعي كان عاملا لعمر على مكة فابتاع له سجن عارم بمهملتين قال البخاري وسجن ابن الزبير بمكة انتهى ( والحاصل ) إن الحبس وقع في زمن النبوة وفي أيام الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى الآن في جميع الاعصار والأمصار من دون انكار وفيه من المصالح ما لا يخفى لولم يكن منها إلا حفظ أهل الجرائم المنتهكين للمحارم الذين يسعون في الاضرار بالمسلمين ويعتادون ذلك ويعرف من أخلاقهم ولم يرتكبوا ما يوجب حدا ولاقصاصا حتى يقام ذلك عليهم فيراح العباد والبلاد فهؤلاء إن تركوا وخلى بينهم وبين المسلمين بلغوا من الاضرار بهم إلى كل غاية وإن قتلوا كان سفك دمائهم بدون حقها فلم يبق في السجن والحيلولة بينهم وبين الناس بذلك حتى تصح منهم التوبة أو يقضي الله في شأنهم ما يختاره وقد أمرنا الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بهما في حق من كان كذلك لا يمكن بدون الحيلولة بينه وبين الناس بالحبس كما يعرف ذلك من عرف أحوال كثير من هذا الجنس .
وقد استدل البخاري على جواز الرط بما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من ربط ثمامة بن أثال بسارية من سواري مسجده الشريف كما في القصة المشهورة في الصحيح