- قوله ( يميتون الصلاة ) أي يؤخرونها فيجعلونها كالميت الذي خرجت روحه والمراد بتأخيرها عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها فإن المنقول عن الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع وقتها فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع .
قوله ( فإن أدركتها ) الخ معناه صل في أول الوقت وتصرف في شغلك فإن صادفتهم بعد ذلك وقد صلوا أجزأتك صلاتك وإن أدركت الصلاة معهم فصل معهم وتكون هذه الثانية لك نافلة .
الحديث يدل على مشروعية الصلاة لوقتها وترك الإقتداء بالأمراء إذا أخروها عن أول وقتها وإن المؤتم يصليها منفردا ثم يصليها مع الإمام فيجمع بين فضيلة أول الوقت وطاعة الأمير .
ويدل على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية لئلا تتفرق الكلمة وتقع الفتنة ولهذا ورد في الرواية الأخرى ( إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف ) .
وقوله ( فإنها لك نافلة ) صريح أن الفريضة الأولى والنافلة الثانية . وقد اختلف في الصلاة التي تصلى مرتين هل الفريضة الأولى أو الثانية فذهب الهادي والأوزاعي وبعض أصحاب الشافعي إلى أن الفريضة الثانية إن كانت في جماعة والأولى في غير جماعة وذهب المؤيد بالله والإمام يحيى وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي إلى أن الفريضة الأولى وعن بعض أصحاب الشافعي أن الفرض أكملهما .
وعن بعض أصحاب الشافعي أيضا أن الفرض أحدهما على الإبهام فيحتسب الله بأيتهما شاء . وعن الشعبي وبعض أصحاب الشافعي أيضا كلاهما فريضة .
( احتج الأولون ) بحديث يزيد بن عامر عند أبي داود مرفوعا وفيه : ( فإذا جئت الصلاة فوجدت الناس يصلون فصل معهم وإن كنت صليت ولتكن لك نافلة ) وهذه مكتوبة . ورواه الدارقطني بلفظ : ( وليجعل التي صلى في بيته نافلة ) وأجيب بأنها رواية شاذة مخالفة لرواية الحفاظ الثقات كما قال البيهقي وقد ضعفها النووي وقال الدارقطني : هي رواية ضعيفة شاذة .
واستدل القائلون بأن الفريضة هي الأولى سواء كانت جماعة أو فرادى بحديث يزيد بن الأسود عند أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي والدارقطني وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن بلفظ : ( شهدت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجته فصليت معه الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته وانحرف إذ هو برجلين [ ص 428 ] في آخر القوم لم يصليا معه فقال : علي بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما قال : ما منعكما أن تصليا معنا فقالا : يا رسول الله إنا كنا صلينا في رحالنا قال : فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة ) قال الشافعي في القديم : إسناده مجهول لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه ولا لابنه جابر راو غير يعلى . قال الحافظ : يعلى من رجال مسلم وجابر وثقه النسائي وغيره وقال : وقد وجدنا لجابر راويا غير يعلى أخرجه ابن منده في المعرفة .
ومن حجج أهل القول الثاني حديث الباب فإنه صريح في المطلوب ولأن تأدية الثانية بنية الفريضة يستلزم أن يصلي في يوم مرتين وقد ورد النهي عنه من حديث ابن عمر مرفوعا : ( لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ) عند أبي داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان . وأما جعله مخصصا بما يحدث فيه فضيلة فدعوى عاطلة عن البرهان وكذا حمله على التكرير لغير عذر .
وفي الحديث دليل على أنه لا بأس بإعادة الصبح والعصر وسائر الصلوات لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطلق الأمر بالإعادة ولم يفرق بين صلاة وصلاة فيكون مخصصا لحديث لا صلاة بعد العصر وبعد الفجر ولأصحاب الشافعي وجه أنه لا يعيد الصبح والعصر تمسكا بعموم حديث ( لا صلاة ) ووجه أنه لا يعيد بعد المغرب لئلا تصير شفعا .
قال النووي : وهو ضعيف . قلت : وكذلك الوجه الأول لأن الخاص مقدم على العام وهم يوجبون بناء العام على الخاص مطلقا كما تقرر في الأصول لهم واحتج من قال بأنهما فريضة بعدم المخصص بالاعتداد بأحدهما ورد بحديث : ( لا ظهران في يوم ) وحديث : ( لا تصلى صلاة في يوم مرتين )