كتاب الزكاة .
وهي فريضة من فرائض الدين وركن من أركانه وضروري من ضرورياته ولكنها لا تجب إلا فيما أوجب فيه الشارع الزكاة من الأموال وبينه للناس فإن ذلك هو بيان لمثل قوله : { خذ من أموالهم صدقة } و { آتوا الزكاة } كما بين للناس قوله تعالى : { أقيموا الصلاة } ما شرعه الله تعالى من الصلوات التي بينها رسول الله A للناس قال الماتن : وقد توسع كثير من أهل العلم في إيجاب الزكاة في أموال لم يوجب الله الزكاة فيها بل صرح النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في بعض الأموال بعدم الوجوب كقوله : [ ليس على المرء في عبده ولا فرسه صدقة ] وقد كان للصحابة أموال وجواهر وتجارات وخضراوات ولم يأمرهم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بتزكية ذلك ولا طلبها منهم ولو كانت واجبة في شئ من ذلك لبين للناس ما نزل إليهم فقد أوردنا في هذا المختصر ما تجب فيه وأشرنا إلى أشياء من الأموال التي لا زكاة فيها مما قد جعله بعض أهل العلم من الأموال التي تجب فيها الزكاة كما ستسمع ذلك ا هـ .
تجب في الأموال التي ستأتي ببيانها عن قريب واجتمعت الأمة على أن منع الزكاة كبيرة قال ف العالمكيرية : وهي فريضة محكمة يكفر جاحدها ويقتل مانعها قال مالك : الأمر عندنا أن كل من منع فريضة من فرائض الله تعالى فلم يستطع المسلمون أخذها كان حقا عليهم جهاده حتى يأخذوها منه وبلغه أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال : [ لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه ] كذا في المسوى .
وإذا كان المالك مكلفا إعلم أن هذه المقالة قد ينبو عنها ذهن من يسمعها فإذا راجع الأنصاف ووقف حيث أوقفه الحق علم أن هذا هو الحق وبيانه أن الزكاة هي أحد أركان الإسلام ودعائمه وقوائمه ولا خلاف أنه لا يجب شئ من الأربعة الأركان التي الزكاة خامستها على غير مكلف فإيجاب الزكاة عليه أن كان بدليل فما هو ؟ فما جاء عن الشارع في هذا شئ مما تقوم به الحجة كما يروي عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه أمر بالإتجار في أموال الأيتام لئلا تأكلها الزكاة فلم يصح ذلك في شئ مرفوعا إلى النبي A فليس مما تقوم به الحجة وأما ما روى عن بعض الصحابة فلا حجة فيه أيضا وقد عورض بمثله كما روى البيهقي عن ابن مسعود قال : من ولي مال يتيم فليحص عليه السنين فإذا دفع إليه ماله أخبره بما فيه من الركاة فإن شاء زكى وإن شاء ترك وروي نحو ذلك عن ابن عباس وإن قال قائل : أن الخطاب في الزكاة عام كقوله : { خذ من أموالهم } ونحوه فذلك ممنوع وليس الخطاب في ذلك إلا لمن يصلح له الخطاب وهم المكلفون وأيضا بقية الأركان بل وسائر التكاليف التي وقع الاتفاق على عدم وجوبها على من ليس بمكلف الخطابات بها عامة للناس والصبي من جملة الناس فلو كان عموم الخطاب في الزكاة مسوغا لإيجابها على غير المكلفين لكان العموم في غيرها كذلك وأنه باطل بالإجماع وما استلزم الباطل باطل مع أن تمام الآية أعني قوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } يدل على عدم وجوبها على الصبي وهو قوله : { تطهرهم وتزكيهم بها } فإنه لا معنى لتطهير الصبي والمجنون ولا لتزكيته فما جعلوه مخصصا لغير المكلفين في سائر الأركان الأربعة لزمهم أن يجعلوه مخصصا في الركن الخامس وهو الزكاة .
وبالجملة : فأموال العباد محرمة بنصوص الكتاب والسنة لا يحللها إلا التراضي وطيبة النفس أما ورود الشرع كالزكاة والدية والأرش والشفعة ونحو ذلك فمن زعم أنه يحل مال أحد من عباد الله سيما من كان قلم التكليف عنه مرفوعا فعليه البرهان والواجب على المنصف أن يقف موقف المنع حتى يزحزحه عنه الدليل ولم يوجب الله تعالى على ولي اليتيم والمجنون أن يخرج الزكاة من مالهما ولا أمره بذلك ولا سوغه له بل وردت في أموال اليتامي تلك القوارع التي تتصدع لها القلوب وترجف لها الأفئدة .
أقول : وأما إشتراط الإسلام فالراجح أن الكفار مخاطبون بجميع الشرعيات لكنه منع صحتها منهم مانع الكفر فليس الإسلام شرطا في الوجوب بل الكفر مانع عن الصحة والمكلف مخاطب برفع الموانع التي لا يجزيء عنه ماوجب عليه مع وجودها فخذ هذه قاعدة كلية في كل باب من الأبواب التي يجعلون الإسلام فيها شرطا للوجوب وأما إشتراط الحرية فلا ريب أن هذا الإشتراط إنما يتم على قول من قال : أن العبد لا يملك وهي مسألة قد تعارضت فيها الأدلة بما لا يتسع لبسطه وهذه شرطية حقيقة عند القائل بعدم تملك العدم لأنه لا يجب على العبد أن يسعى في تحرير نفسه لتجب عليه الزكاة لما تقرر أن تحصيل شرط الواجب ليجب لا يجب فلا وجوب على العبد حال العبودية بخلاف الكافر فإن الوجوب ثابت عليه في حال كفره ولكنه لا تتم تأدية الواجب إلا بازالة المانع وهو الكفر وما لا يتم الواجب إلا به يجب كوجوبه ومن ههنا يتبين لك الفرق بين هاتين القاعدتين فالأولى تستعمل قبل وجوب ذلك الواجب على الشخص والثانية بعد وجوبه عليه مع ما نع يمنعه عنه ومما ينبغي أن يجعل شرطا في وجوب الزكاة التكليف كما فعل الماتن رح مع أنها مشروعة للتطهرة والتزكية كما نطق بذلك القرآن وهما لا يكونان لغير المكلفين فمن أوجب على الصبي زكاة في ماله تمسكا بالعمومات فليوجب عليه بقية الأركان الأربعة تمسكا بالعمومات .
وبالجملة : فالأصل في أموال العباد الحرمة { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } [ لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيبة من نفسه ] ولا سيما أموال اليتامى فإن القوارع القرآنية والزواجر الحديثية فيها أظهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر فلا يأمن ولي اليتيم إذا أخذ الزكاة من ماله من التبعة لأنه أخذ شيئا لم يوجبه الله على المالك ولا على الولي ولا على المال أمال الأول : فلأن المفروض أنه صبي لم يحصل له فما هو مناط التكاليف الشرعية وهو البلوغ وأما الثاني : فلأنه غير مالك للمال والزكاة لا تجب على غير مالك وأما الثالث : فلأن التكاليف الشرعية مختصة بهذا النوع الإنساني لا تجب على دابة ولا جماد والله أعلم *