فصل .
وطاعة الأئمة واجبة إلا في معصية الله باتفاق السلف الصالح لقوله تعالى : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } وللأحاديث المتواترة في وجوب طاعة الأئمة منها : ما أخرجه البخاري من حديث أنس مرفوعا [ اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله ] وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عنه A [ من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني ] وفي الصحيحين أيضا من حديث ابن عمر عنه A [ على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ] والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا .
ولا يجوز الخروج بعد ما حصل الإتفاق .
عليهم ما أقام الصلاة ولم يظهروا كفرا بواحا لحديث عوف بن مالك عند مسلم وغيره قال : [ سمعت رسول الله A يقول : خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنوهم ويلعنونكم قال قلنا يا رسول الله : أفلا ننابذهم عند ذلك قال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة إلا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية ولا ينزعن يدا عن طاعة ] وأخرج مسلم أيضا وغيره من حديث حذيفة بن اليمان [ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنسان قال قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك قال : تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع ] وأخرج مسلم أيضا وغيرهم من حديث عرفجة الأشجعي قال : [ سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه ] وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت قال : [ بايعنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان ] والبواح بالموحدة والمهملة قال الخطابي : معنى قوله بواحا يريد ظاهرا وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة عنه A [ من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهلية ] وأخرج نحوه أيضا عن ابن عمر وفي الصحيحين من حديث ابن عمر [ من حمل علينا السلاح فليس منا ] وأخرجاه أيضا من حديث أبي موسى وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وسلمة بن الأكوع والأحاديث في هذا الباب لا يتسع المقام لبسطها وقد ذهب إلى ما ذكرناه جمهور أهل العلم وذهب بعض أهل العلم إلى جواز الخروج على الظلمة أو وجوبه تمسكا بأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي أعم مطلقا من أحاديث الباب ولا تعارض بين عام وخاص ويحمل ما وقع من جماعة أفاضل السلف على اجتهاد منهم وهو أتقى لله وأطوع لسنة رسوله A ممن جاء بعدهم من أهل العلم قال في الحجة البالغة : ثم إن استولى من لم يجمع الشروط لا ينبغي أن يبادر إلى المخالفة لأن خلعه لا يتصور غالبا إلا بحروب ومضايقات وفيها من المفسدة أشد مما يرجى من المصلحة وبالجملة فإذا كفر الخليفة بإنكار ضروري من ضروريات الدين حل قتاله بل وجب وإلا لا وذلك حينئذ فاتت مصلحة نصبه بل يخاف مفسدته على القوم فكان قتاله من الجهاد في سبيل الله انتهى .
ويجب الصبر على جورهم لما تقدم من الأحاديث وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال : [ قال رسول الله A : من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية ] وفيها من حديث أبي هريرة مرفوعا [ أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ] وأخرج أحمد من حديث أبي ذر [ أن رسول الله A قال : يا أبا ذر كيف بك عند ولاة يستأثرون عليكم بهذا الفيء قال والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي وأضرب حتى ألحقك قال : أولا أدلك على ما هو خير لك من ذلك تصبر حتى تلحقني ] وفي الباب أحاديث كثيرة .
وبذل النصحية لهم لما ثبت في الصحيح من أن [ الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين ] من حديث تميم الداري بهذا اللفظ والأحاديث الواردة في مطلق النصيحة متواترة وأحق الناس بها الا .
وعليهم أي على الأئمة الذب عن المسلمين وكف يد الظالم وحفظ ثغورهم وتدبيرهم بالشرع في الأبدان والأديان والأموال وتفريق أموال الله في مصارفها وعدم الإستئثار بما فوق الكفاية بالمعروف والمبالغة في إصلاح السيرة والسريرة وذلك معلوم من أدلة الكتابة والسنة التي لا يتسع المقام لبسطها ولا خلاف في وجوبها جميعا على الإمام وهذه الأمور هي التي شرع الله تعالى نصب الأئمة لها فمن أخل من الأئمة والسلاطين بشئ منها فهو غير مجتهد لرعيته ولا ناصح لهم بل غاش خائن وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث معقل بن يسار قال : [ سمعت رسول الله A يقول : ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلى حرم الله عليه الجنة ] وفي لفظ لمسلم [ ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجتهد لهم ولا ينصح لهم إلا لم يدخل الجنة ] وأخرج مسلم وغيره من حديث عائشة قالت : [ سمعت رسول الله A يقول اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ] وبالجملة فعلى الإمام والسلطان أن يقتدي برسول الله A وبالخلفاء الراشدين في جميع ما يأتي ويذر فإنه إن فعل ذلك كان له ما لأئمة العدل من الترغيبات الثابتة في الكتاب والسنة وحاصلها الفوز بنعيم الدنيا والآخرة وآخر دعوانا أن الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات * .
تم والحمد لله رب العالمين الجزء الثاني من الروضة الندية شرح الدرر البهية للصديق بن حسن بن علي الحسيني القنوجي البخاري ملك بهو بال وبه ينتهي الكتاب