باب الجنابة : الحديث 28 : إن المؤمن لا ينجس .
28 - الحديث الأول : عن أبي هريرة Bه [ أن النبي A لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب قال : فانخنست منه فذهبت فاغتسلت ثم جئت فقال : أين كنت يا أبا هريرة ؟ قال : كنب جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة فقال : سبحان الله ! إن المؤمن لا ينجس ] .
الجنابة دالة على معنى البعد ومنه قوله تعالى { والجار الجنب } وعن الشافعي أنه قال : إنما سمي جنبا من المخالطة ومن كلام العرب : أجنب الرجل إذا خالط امرأته قال بعضهم : وكأن هذا ضد للمعنى الأول كأنه من القرب منها وهذا لا يلزم فإن مخالطتها مؤدية إلى الجنابة التي معناها البعد على ما قدمناه .
وقول أبي هريرة [ فانخنست منه ] الانخناس : الانقباض والرجوع وما قارب ذلك من المعنى يقال خنس لازما ومتعديا فمن اللازم : ما جاء في الحديث في ذكر الشيطان [ فإذا ذكر الله خنس ] ومن المتعدي : ما جاء في الحديث [ وخنس إبهامه ] أي قبضها وقيل : إنه يقال أخنسه في المتعدي ذكره صاحب مجمع البحرين وقد روي في هذه اللفظة [ فانبجست منه ] بالجيم من الانبجاس وهو الاندفاع أي اندفعت عنه ويؤيده قوله في حديث آخر [ فانسللت منه ] وروي في هذه اللفظة أيضا [ فانبخست منه ] من البخس وهو النقص وقد استبعدت هذه الرواية ووجهت - على بعدها - بأنه اعتقد نقصان نفسه بجنابته عن مجالسة رسول الله A أو مصاحبته مع اعتقاده نجاسة نفسه هذا أو معناه .
وقوله [ كنت جنبا ] أي كنت ذا جنابة وهذه اللفظة تقع على الواحد المذكر والمؤنث والاثنين والجمع بلفظ واحد قال الله تعالى في الجمع { وإن كنتم جنبا فاطهروا } وقال بعض أزواج النبي A إني كنت جنبا وقد يقال : جنبان وجنبون وأجناب .
وقوله [ فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة ] يقتضي استحباب الطهارة في ملابسة الأمور العظيمة والنبي A إنما رد ذلك لأن الطهارة لم تزل بقول [ إن المؤمن لا ينجس ] لا ردا لما دل عليه لفظ أبي هريرة من استحباب الطهارة لملا بسته A وفي هذا نظر .
وقوله [ سبحان الله ] تعجب من اعتقاد أبي هريرة التنجس بالجنابة .
وقوله [ إن المؤمن لا ينجس ] يقال : نجس ونجس ينجس - بالفتح والضم - .
وقد استدل بالحديث على طهارة الميت من بني آدم وهي مسألة مختلف فيها والحديث دل على أن المؤمن لا ينجس فمنهم من خص هذه الفضيلة بالمؤمن والمشهور التعميم وبعض الظاهرة : يرى أن المشرك نجس في حال حياته أخذا بظاهر قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس } ويقال للشيء : إنه نجس بمعنى أن عينه نجسة ويقال فيه : إنه نجس بمعنى أنه متنجس بإصابة النجاسة له ويجب أن يحمل على المعنى الأول وهو أن عينه لا تصير نجسة لأنه يمكن أن يتنجس بإصابة النجاسة فلا ينفي ذلك .
وقد اختلف الفقهاء في أن الثوب إذا أصابته نجاسة : هل يكون نجسا أم لا ؟ فمنهم من ذهب إلى أنه نجس وأن اتصال النجس بالطاهر موجب لنجاسة الطاهر ومنهم من ذهب إلى أن الثوب طاهر في نفسه وإنما يمتنع استصحابه في الصلاة بمجاورة النجاسة .
فلهذا القائل أن يقول : دل الحديث على أن المؤمن لا ينجس ومقتضاه : أن بدنه لا يتصف بالنجاسة وهذا يدخل تحته حالة ملابسة النجاسة له فيكون طاهرا وإذا ثبت ذلك في البدن ثبت في الثوب لأنه لا قائل بالفرق .
أو يقول : البدن إذا أصابته النجاسة : من مواضع النزاع وقد دل الحديث على أنه غير نجس وعلى ما قدمناه - من أن الواجب حمله على نجاسة العين - يحصل الجواب عن هذا الكلام .
وقد يدعي أن يقولنا الشيء نجس حقيقة في نجاسة العين فيبقى ظاهر الحديث دالا عن أن عين المؤمن لا تنجس فتخرج عنه حالة النجس التي هي محل الخلاف