حكم الختان .
وقد اختلف العلماء في حكم الختان فمنهم من أوجبه وهو الشافعي ومنهم جعله سنة وهو مالك وأكثر أصحابه [ هذا في الرجال وأما في النساء : فهو مكرمة على ماقالوا ] .
ومن فسر الفطرة بالسنة فقد تعلق بهذا اللفظ في كونه غير واجب لوجهين أحدهما : أن السنة تذكر في مقابلة الواجب والثاني : أن قرائنه مستحبات .
والاعتراض على الأول : أن كون السنة في مقابلة الواجب وضع اصطلاحي لأهل افقه والوضع اللغوي غيره وهو الطريقة ولم يثبت استمرار استعماله في هذا المعنى في كلام صاحب الشرع صلوات الله عليه وإذا لم يثبت استمراره في كلامه A لم يتعين حمل لفظه عليه .
والطريقة التي يستعملها الخلافيون من أهل عصرنا وما قاربه أن يقال : إذا ثبت استعماله في هذا المعنى فيدعى أنه كان مستعملا قبل ذلك لأنه لوكان الوضع غيره فيما سبق لزم أن يكون قد تغير إلى هذا الوضع والأصل عدم تغيره .
وهذا كلام طريف وتصرف غريب قد يتبادر إلى إنكاره ويقال : الأصل استمرار الواقع في الزمن الماضي إلى هذا الزمان أما أن يقال : الأصل انعطاف الواقع في هذا الزمان على الزمن الماضي : فلا لكن جوابه ما تقدم .
وهو أن يقال : هذا الوضع ثابت فإن كان هو الذي وقع في الزمان الماضي فهو المطلوب وإن لم يكن ن فالواقع في الزمان الماضي غيره حينئذ وقد تغير والأصل عدم التغير لما وقع في الزمن الماضي فعاد الأمر إلى أن الأصل استصحاب الحال في الزمن الماضي وهذا - وإن كان طريفا كما ذكرناه - إلا أنه طريق جدل لا جلد والجدلي في طرائق التحقيق : سالك على محجة مضيق وإنما تضعف هذه الطريقة إذا ظهر لنا تغير الوضع ظنا وأما إذا استوى الأمران فلا بأس به .
وأما الاستدلال بالاقتران : فهو ضعيف إلا أنه في هذا المكان قوي لأن لفظة الفطرة لفظة واحدة استعملت في هذه الأشياء الخمسة فلو افترقت في الحكم - أعني أن تستعمل في بعض هذه الأشياء فإفادة الوجوب وفي بعضها فإفادة الندب - لزم استعمال اللفظ الواحد في معنيين مختلفين وفي ذلك ما عرف في علم الأصول وإنما تضعف دلالة الاقتران ضعفا إذا استقلت الجمل في الكلام ولم يلزم منه استعمال اللفظ الواحد في معنيين كما جاء في الحديث [ لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة ] حيث استدل به بعض الفقهاء على أن اغتسال الجنب في الماء يفسده لكونه مقرونا بالنهي عن البول فيه والله أعلم