الحديث 175 : قسم غنائم حنين و إعطاء المؤلفة قلوبهم و تطييب قلوب الأنصار .
الحديث السادس : عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال [ لما أفاء الله على رسوله يوم حنين قسم في الناس و في المؤلفة قلوبهم و لم يعط الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا في أنفسهم إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال : يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ؟ و كنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ و عالة فأغناكم الله بي ؟ كلما قال شيئا قالوا : الله و رسوله أمن قال : ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله ؟ قالوا : الله و رسوله أمن قال : لو شئتم لقلتم جئتنا كذا و كذا ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة و البعير و تذهبون برسول الله إلى رحالكم ؟ لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار و لو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار و شعبها الأنصار شعار و الناس دثار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ] .
في الحديث دليل على إعطاء المؤلفة قلوبهم إلا أن هذا ليس من الزكاة فلا يدخل في بابها إلا بطريق أن يقاس إعطاؤهم من الزكاة على إعطائهم من الفيء و الخمس و قوله [ فكأنهم وجدوا في أنفسهم ] تعبير حسن كسي حسن الأدب في الدلالة على ما كان غي أنفسهم و في الحديث دليل على إقامة الحجة عند الحاجة إليها على الخصم و هذا الضلال المشار إليه ضلال الإشراك و الكفر و الهداية بالإيمان و لا شك أن نعمة الإيمان أعلى النعم بحيث لا يوازيها شيء من أمور الدنيا ثم اتبع ذلك بنعمة الألفة و هي أعظم من نعمة الأموال إذ تبذل الأموال في تحصيلها و قد كانت الأنصار في غاية التباعد و التنافر و جرت بينهم حروب قيل المبعث منها يوم بعاث ثم اتبع ذلك بنعمة الغنى و المال و في جواب الصحابة Bهم بما أجابوه استعمال الأدب و الاعتراف بالحق الذي كنى عنه بقول الراوي كذا و كذا و قد تبين مصرحا به في رواية أخرى فتأدب الراوي بالكناية و في جملة ذلك جبر للأنصار و تواضع و حسن مخاطبة و معاشرة .
و في قوله عليه السلام [ ألا ترضون ] الخ إثارة لأنفسهم و تنبيه على ما وقعت الغفلة عنه من عظم ما أصابهم بالنسبة إلى ما أصاب غيرهم من عرض الدنيا و في قوله عليه السلام [ لولا الهجرة ] و ما بعده : إشارة عظيمة بفضيلة الأنصار و قوله [ الأنصار شعار و الناس دثار ] الشعار الثوب الذي يلي الجسد و الدثار الثوب الذي فوقه و استعمال اللفظين مجاز عن قربهم و اختصاصهم و تمييزهم على غيرهم في ذلك و قوله عليه السلام [ إنكم ستلقون بعدي أثرة ] علم من أعلام النبوة إذ هو إخبار عن أمر مستقبل وقع على وفق ما أخبر به صلى الله عليه و سلم و المراد بالأثرة استئثار الناس عليهم بالدنيا و الله أعلم بالصواب