جواز الجمع و تخصيص بعض الفقهاء له .
هذا اللفظ في هذا الحديث ليس في كتاب مسلم و إنما هو في كتاب البخاري و إما رواية ابن عباس في الجمع بين الصلاتين في الجملة من غير اعتبار لفظ بعينه فمتفق عليه و لم يختلف الفقهاء في جواز الجمع في الجملة لكن أبا حنيفة يخصصه بالجمع بعرفة و مزدلفة و تكون العلة فيه النسك لا السفر و لهذا يقال : لا يجوز الجمع عنده بعذر السفر و أهل هذا المذهب يؤولون الأحاديث التي وردت بالجمع على أن المراد تأخير الصلاة الأولى إلى آخر وقتها و تقديم الثانية في أول وقتها و قد قسم بعض الفقهاء الجمع إلى جمع مقارنة و جمع مواصلة و أراد بجمع المقارنة أن يكون الشيئان في وقت واحد كالأكل و القيام مثلا فإنهما يقعان في وقت واحد و أراد بجمع المواصلة أن يقع أحدهما عقيب الآخر و قصد إبطال تأويل أصحاب أبي حنيفة بما ذكرناه لأن جمع المقارنة لا يمكن في الصلاتين إذ لا يقعان في حالة واحدة و أبطل جمع المواصلة أيضا و قصد بذلك إبطال التأويل المذكور إذ لم يتنزل على شيء من القسمين .
و عندي : أنه لا يبعد أن يتنزل على الثاني إذا وقع التحري في الوقت أو وقع المسامحة بالزمن اليسير بين الصلاتين إذا وقع فاصلا و لكن بعض الروايات في الأحاديث لا يحتمل لفظها هذا التأويل إلا على بعد كبير أو لا يحتمل أصلا فإما ما لا يحتمل فإذا كان صحيحا في سنده فيقطع العذر و أما ما يبعد تأويله فيحتاج إلى أن يكون الدليل المعارض له أقوى من العمل بظاهره و هذا الحديث الذي في الكتاب ليس يبعد تأويله كل البعد بما ذكر من التأويل و أما ظاهره فإن ثبت أن الجمع حقيقة لا يتناول صورة التأويل فالحجة قائمة به حتى يكون الدليل المعارض له أقوى من ذلك التأويل من هذا الظاهر