موضوع سجود السهو .
الثالث عشر : الحديث يدل على السجود بعد السلام في هذا السهو واختلف الفقهاء في محل السجود فقيل : كله قبل السلام وهو مذهب الشافعي وقيل : كله بعد السلام وهو مذهب أبي حنيفة وقيل : ما كان من نقص فمحله قبل السلام وما كان من زيادة فمحله بعد السلام وهو مذهب مالك وأومأ إليه الشافعي في القديم وقد ثبت في الأحاديث السجود بعد السلام في الزيادة وقبله في النقص واختلف الفقهاء فذهب مالك إلى الجمع بأن استعمل كل حديث قبل السلام في النقص وبعده في الزيادة والذين قالوا : بأن الكل قبل السلام اعتذروا عن الأحاديث التي جاءت بعد السلام بوجوه .
أحدها : دعوى النسخ لوجهين : أحدهما : أن الزهري قال إن آخر الأمرين من فعل النبي A : السجود قبل السلام الثاني أن الذين رأوا السجود قبل السلام : متأخروا الإسلام وأصاغر الصحابة .
والاعتراض على الأول : أن رواية الزهري مرسلة ولو كانت مسندة فشرط النسخ : التعارض باتحاد المحل ولم يقع ذلك مصرحا به في رواية الزهري فيحتمل أن يكون الأخير : هو السجود قبل السلام لكن في محل النقص وإنما يقع التعارض المحوج إلى النسخ لو تبين أن المحل واحد ولم يتبين ذلك .
والاعتراض على الثاني : أن تقدم الإسلام والكبر لا يلزم منه تقدم الرواية حالة التحمل .
الوجه الثاني في الاعتذار عن الأحاديث التي جاءت بالسجود بعد السلام : التأويل : إما على أن يكون المراد بالسلام : هو السلام الذي على النبي A الذي في التشهد وإما أن يكون على تأخره بعد السلام على سبيل السهو وهما بعيدان أما الأول : فلأن السابق إلى الفهم عند إطلاق السلام في سياق ذكر الصلاة هو الذي به التحلل وأما الثاني : فلأن الأصل عدم السهو وتطرقه إلى الأفعال الشرعية من غير دليل غير سائغ وأيضا فإنه مقابل بعكسه وهو أن يقول الحنفي : محله بعد السلام وتقدمه قبل السلام على سبيل السهو .
الوجه الثالث في الاعتذار : الترجيح بكثرة الرواة وهذا - إن صح - فالاعتراض عليه : أن طريقة الجمع أولى من طريقة الترجيح فإنه يصار إليه عند عدم إمكان الجمع وأيضا فلا بد من النظر إلى محل التعارض واتحاد موضع الخلاف من الزيادة والنقصان .
والقائلون بأن محل السجود بعد السلام اعتذروا عن الأحاديث المخالفة لذلك بالتأويل : إما على أن يكون المراد بقوله قبل السلام السلام الثاني أو يكون المراد بقوله [ وسجد سجدتين ] سجود الصلاة .
وما ذكره الأولون من احتمال السهو : عائد ههنا والكل ضعيف .
والأول : يبطله : أن سجود السهو لا يكون إلا بعد التسليمتين اتفاقا .
وذهب أحمد بن حنبل إلى الجمع بين الأحاديث بطريق أخرى غير ما ذهب إلي مالك وهو أن يستعمل كل حديث فيما ورد فيه وما لم يرد فيه حديث فمحل السجود فيه قبل السلام وكأن هذا نظر إلى أن الأصل في الجابر : أن يقع في المجبور فلا يخرج عن هذا الأصل إلا في مورد النص ويبقى فيما عداه على الأصل وهذا المذهب مع مذهب مالك متفقان في طلب الجمع وعدم سلوك طريق الترجيح لكنهما اختلفا في وجه الجمع ويترجح قول مالك بأن تذكر المناسبة في كون سجود السهو قبل السلام عند النقص وبعده عند الزيادة وإذا ظهرت المناسبة - وكان الحكم على وفقها - كانت علة وإذا كانت علة : عم الحكم فلا يتخصص ذلك بمورد النص