أبو حنيفة جعل الفاتحة واجبة وليست فرضا .
والذي عينوا الفاتحة للوجوب : وهم الفقهاء الأربعة إلا أن أبا حنيفة منهم - على ما نقل عنه - جعلها واجبة وليست بفرض على أصله في الفرق بين الواجب والفرض اختلف من نصر مذهبهم في الجواب عن الحديث وذكر فيه طرق .
الطريق الأول : أن يكون الدليل الدال على تعيين الفاتحة كقوله A [ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ] مثلا مفسرا للمجمل الذي في قوله [ اقرأ ما تيسر معك من القرآن ] وهذا إن أريد بالمجمل ما يريده الأصوليون به فليس كذلك لأن المجمل ما لا يتضح المراد منه و قوله [ اقرأ ما تيسر معك من القرآن ] متضح أن المراد يقع امتثاله بفعل كل ما تيسر حتى لو لم يرد قوله A [ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ] لاكتفينا في الامتثال بكل ما تيسر و إن أريد بكونه مجملا أنه لا يتعين فرد من الأفراد فهذا لا يمنع من الاكتفاء بكل فرد ينطلق عليه ذلك الاسم كما في سائر المطلقات .
الطريق الثاني : أن يجعل قوله [ اقرأ ما تيسر معك ] مطلقا يقيد أو عاما يخصص بقوله [ لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ] و هذا يرد عليه أن يقال : لا نسلم أنه مطلق من كل وجه بل هو مقيد بقيد التيسير الذي يقتضي التخيير في قراءة كل فرد من أفراد المتيسرات وهذا القيد المخصوص يقابل التعيين و إنما نظير المطلق الذي لا ينافي التعيين أن يقول : اقرأ قرآنا ثم يقول : اقرأ فاتحة الكتاب فإنه يحمل المطلق على المقيد حينئذ و المثال الذي يوضح ذلك أنه لو قال لغلامه : اشتر لي لحما و لا تشتر إلا لحم الضأن لم يتعارض ولو قال : اشتر لي أي لحم شئت و لا تشتر إلا لحم الضأن في وقت واحد لتعارض إلا أن يكون أراد بهذه العبارة ما يراد بصيغة الاستثناء .
و أما دعوى التخصيص : فأبعد لأن سياق الكلام يقتضي تيسير الأمر عليه و إنما يقرب هذا إذا جعلت ما بمعنى لذى وأريد بها شيء معين وهو الفاتحة لكثرة حفظ المسلمين لها فهي المتيسرة .
الطريق الثالث : أن يحمل قوله ما تيسر على ما زاد على فاتحة الكتاب و يدل على ذلك بوجهين أحدهما : الجمع بينه و بين دلائل إيجاب الفاتحة و الثاني : ما ورد في بعض رواية أبي داود [ ثم اقرأ بأم القرآن و ما شاء الله أن تقرأ ] وهذه الرواية - إذا أصحت - تزيل الإشكال بالكلية لما قررناه من أنه يؤخذ بالزائد إذا جمعت طرق الحديث و يلزم من هذه الطريقة : إخراج صيغة الأمر عن ظاهرها عند من لا يرى وجوب زائد عن الفاتحة وهم الأكثرون