على طالب التحقيق في الاستدلال بهذا الحديث ثلاث وظائف .
فهذه الطرق الثلاث يمكن الاستدلال بها على شيء كثير من المسائل المتعلقة بالصلاة إلا أن على طالب التحقيق في هذا ثلاث وظائف .
أحدها : أن يجمع طرق هذا الحديث ويحصي الأمور المذكورة فيه ويأخذ بالزائد فالزائد فإن الأخذ بالزائد واجب .
وثانيها : إذا قام دليل على أحد أمرين : إما عدم الوجوب أو الوجوب .
فالواجب العمل به ما لم يعارضه ما هو أقوى منه وهذا في باب النفي يجب التحرز فيه أكثر فلينظر عند التعارض أقوى الدليلين فيعمل به .
وعندنا : أنه إذا استدل على عدم وجوب شيء بعدم ذكره في الحديث وجاءت صيغة الأمر به في حديث آخر : فالمقدم صيغة الأمر وإن كان يمكن أن يقال : الحديث دليل على عدم الوجوب : وتحمل صفة الأمر على الندب لكن عندنا أن ذلك أقوى لأن عدم الوجوب متوقف على مقدمة أخرى وهو أن عدم الذكر في الرواية : يدل على عدم الذكر في نفس الأمر وهذه غير المقدمة التي قررناها وهو أن عدم الذكر يدل على عدم الوجوب لأن المراد ثمة أن عدم الذكر في نفس الأمر من الرسول A يدل على عدم الوجوب فإنه موضع بيان وعدم الذكر في نفس الأمر غير عدم الذكر في الرواية وعدم الذكر في الرواية إنما يدل على الذكر في نفس الأمر بطريق أن يقال : لو كان لذكر أو بأن الأصل عدمه وهذه المقدمة أضعف من دلالة الأمر على الوجوب .
وأيضا فالحديث الذي فيه الأمر إثبات لزيادة فيعمل بها .
هذا البحث كله بناء على إعمال صيغة الأمر في الوجوب الذي هو ظاهر فيها والمخالف يخرجها عن حقيقتها بدليل عدم الذكر فيحتاج الناظر المحقق إلى الموازنة بين الظن المستفاد من عدم الذكر في الرواية وبين الظن المستفاد من كون الصيغة للوجوب والثاني عندنا أرجح .
وثالثها : أن يستمر على طريقة واحدة ولا يستعمل في مكان ما يتركه في آخر فيتثعلب نظره وأن يستعمل القرائن المعتبرة في ذلك استعمالا واحدا فإنه قد يقع هذا الاختلاف في النظر في كلام كثير من المتناظرين