باب صفة صلاة النبي A الحديث 83 : دعاء الاستفتاح اللهم باعد بني وبين خطاياي الخ .
83 - الحديث الأول : عن أبي هريرة Bه قال [ كان رسول الله A إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ فقل : يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة : ما تقول ؟ قال : أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ] .
تقدم القول في أن كان تشعر بكثرة الفعل أو المداومة عليه وقد تستعمل في مجرد وقوعه .
وهذا الحديث يدل لمن قال باستحباب الذكر بين التكبير والقراءة فإنه دل على استحباب هذا الذكر والدال على المقيد دال على المطلق فينافي ذلك كراهية المالكية فيما بين التكبير والقراءة ولا يقتضي استحباب ذكر آخر معين .
وفيه دليل لمن قال باستحباب هذه السكتة بين التكبير والقراءة والمراد بالسكتة ههنا : السكوت عن الجهر لا عن مطلق القول أو عن قراءة القرآن لا عن الذكر .
وقوله [ ما تقول ؟ ] يعشر بأنه فهم أن هناك قولا فإن السؤال وقع بقوله [ ما تقول ؟ ] ولم بقوله هل تقول ؟ والسؤال بهل مقدم على السؤال بما ههنا ولعله استدل على أصل القول بحركة الفم كما ورد في استدلالهم على القراءة في السر باضطراب لحيته .
وقوله [ اللهم باعد بيني وبين خطاياي ما باعدت بين المشرق والمغرب ] عبارة : إما عن محورها وترك المؤاخذة بها وإما عن المنع من وقوعها و العصمة منها وفيه مجازان : أحدهما : استعمال المباعدة في ترك المؤاخذة أو في العصمة منها و المباعدة في الزمان أو في المكان في الأصل و الثاني : استعمال المباعدة في الإزالة الكلية فإن أصلها لا يقتضي الزوال و ليس المراد ههنا البقاء مع البعد و لا ما يطابقه من المجاز و إنما المراد الإزالة بالكلية و كذلك التشبيه بالمباعدة بين المشرق و المغرب المقصود منها ترك المؤاخذة أو العصمة و قوله : [ اللهم نقني من خطاياي إلى قوله من الدنس ] مجاز كما تقدم عن زوال الذنوب و أثرها و لما كان ذلك أظهر في الثوب الأبيض من غيره من الألوان وقع التشبيه به .
و قوله [ اللهم اغسلني ] إلى آخره يحتمل أمرين بعد كونه مجازا عما ذكرناه أحدهما : أن يراد بذلك التعبير عن غاية المحو أعني بالمجموع فإن الثوب الذي تتكرر عليه التنقية بثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء .
الوجه الثاني : أن يكون كل واحد من هذه الأشياء مجازا عن صفة يقع بها التكفير والمحو ولعل ذلك كقوله تعالى { واعف عنا واغفر لنا وارحمنا } فكل واحدة من هذه الصفات - أعني : العفو والمغفرة والرحمة - لها اثر في محو الذنب فعلى هذا الوجه : ينظر إلى الأفراد ويجعل كل فرد من أفراد الحقيقة دالا على معنى فرد مجازي وفي الوجه الأول : لا ينظر إلى أفراد الألفاظ بل تجعل جملة اللفظ دالة على غاية المحو للذنب