قبول خبر الواحد ونسخ الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد .
يتعلق بهذا الحديث مسائل أصولية وفروعية نذكر منها ما يحضرنا الآن أما الأصولية : فالمسألة الأولى منها : قبول خبر الواحد وعادة الصحابة في ذلك : اعتداد بعضهم بنقل بعض وليس المقصود في هذا : أ ن تثبت قبول خبر الواحد بهذا الخبر الذي هو خبر واحد فإن ذلك من إثبات الشيء بنفسه وإنما المقصود بذلك : التنبيه على مثال من أمثلة قبولهم لخبر الواحد ليضم إليه أمثال لا تحصى فيثبت بالمجموع القطع بقبولهم لخبر الواحد .
المسألة الثانية : ردوا هذه المسألة إلى أن نسخ الكتاب والسنة المتواترة هل يجوز بخبر الواحد أم لا ؟ منعه الأكثرون لأن المقطوع لا يزال بالمظنون ونقل عن الظاهرية جوازه واستدلوا للجواز بهذا الحديث ووجه الدليل : أنهم عملوا بخبر الواحد ولم ينكر النبي A عليهم .
وفي هذا الاستدلال عندي مناقشة ونظر فإن المسألة مفروضة في نسخ الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد ويمتنع عادة أن يكون أهل قباء - مع قربهم من رسول الله A وانثيالهم له وتيسر مراجعتهم له - أن يكون مستندهم في الصلاة إلى بيت المقدس خبرا عنه A مع طول المدة وهي ستة عشر شهرا من غير مشاهدة لفعله أو مشافهة من قوله ولو سلمت أن ذلك غير ممتنع في العادة فلا شك أنه يمكن أن يكون المستند مشاهدة فعل أو مشافهة قول والمحتمل الأمرين لا يتعين حمله على أحدهما فلا يتعين حمل استقبالهم قول والمحتمل على خبر عنه A بل يجوز أن يكون على مشاهدة وإذا جاز انتفاء أصل الخبر جاز انتفاء خبر المتواتر لأن انتفاء المطلق يلزم منه انتفاء قيوده فإذا جاز انتفاء خبر التواتر لم يلزم أن يكون الدليل منصوبا في المسألة المفروضة .
فإن قلت : الاعتراض على ما ذكرناه من وجهين أحدهما : أن ما ادعيت من امتناع أن يكون مستندا أهل قباء مجرد الخبر من غير مشاهدة - إن صح - إنما يصح في جميعهم أما في بعضهم : فلا يمتنع عادة أن يكون مستنده الخبر المتواتر .
الثاني : أن ما أبديته من جواز استنادهم إلى المشاهدة : يقتضي أنهم أزالوا المقطوع بالمظنون لأن المشاهدة طريق قطع وإذا جاز إزالة المقطوع به بالمشاهدة جاز زوال المقطوع به بخبر التواتر بخبر الواحد فإنهما مشتركان في زوال المقطوع بالمظنون لأن المشاهدة طريق قطع وإذا جاز إزالة المقطوع به بالمشاهدة جاز زوال المقطوع به التواتر بخبر الواحد فإنهما مشتركان في زوال المقطوع بالمظنون .
قلت : أما الجواب عن الأول : فإنه إذا سلم امتناع ذلك على جميعهم فقد انقسموا إذن إلى من يجوز أن يكون مستنده التواتر ومن يكون مستنده المشاهدة فهؤلاء المستديرون لا يتعين أن يكونوا ممن استند إلى التواتر فلا يتعين حمل الخبر عليهم .
فإن قال قائل : قوله [ أهل قباء ] يقتضي أن يكون بعض من استدار مستنده التواتر فيصح الاحتجاج .
قلت : لا شك في إمكان أن يكون الكل مستندهم المشاهدة ومع هذا التجويز : لا يتعين حمل الحديث على ما ادعوه إلا أن يتبين أن مستند الكل أو البعض خبر التواتر ولا سبيل إلى ذلك