الحديث 64 : استدارة المؤذن للإسماع .
عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال [ أتيت النبي A وهو في قبة له حمراء من أدم قال : فخرج بلال بوضوء فمن ناضح و نائل قال : فخرج النبي A عليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه قال : فتوضأ و أذن بلال قال : أتتبع فاه ههنا و ههنا يقول يمينا وشمالا حي على الصلاة حي على الفلاح ثم ركزت له عنزة فتقدم وصلى الظهر ركعتين ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة ] .
قوله : عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله هو المشهور و قيل وهب بن جابر و قيل وهب بن وهب و السوائي في نسبه مضموم السين ممدود نسبة إلى سواءة بن عامر بن صعصعة مات في إمارة بشر بن مروان بالكوفة و قيل سنة أربع و سبعين و الكلام عليه من وجوه أحدها : قوله فخرج بلال بوضوء بفتح الواو بمعنى الماء و هل هو اسم لمطلق الماء أو بقيد الإضافة إلى الوضوء ؟ فيه نظر قد مر و قوله : فمن ناضح ونائل النضح : الرش قيل معناه أن بعضهم كان ينال منه ما لا يفضل منه شيء و بعضهم كان ينال منه ما ينضحه على غيره و تشهد له الرواية الأخرى في الحديث الصحيح [ فرأيت بلالا أخرج وضوءا فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء فمن أصاب منه شيئا تمسح به ومن لم يصب منه أخذ من بلل يد صاحبه ] .
الثاني : يؤخذ من الحديث التماس البركة بما لابسه الصالحون بملابسته فإنه ورد في الوضوء الذي توضأ منه النبي A .
ويعد بالمعنى إلى سائر ما يلابسه الصالحون الثالث : قوله [ فجعلت أتتبع فاه ههنا و ههنا يريد يمينا و شمالا ] فيه دليل على استدارة المؤذن للاستماع عند الدعاء إلى الصلاة وهو وقت التلفظ بالحيعلتين وقوله [ يقول حي على الصلاة حي على الفلاح ] يبين وقت الاستدارة وأنه وقت الحيعلتين واختلفوا في موضعين : أحدهما : أنه هل تكون قدماه قارتين مستقبلتي القبلة ولا يلتفت إلا بوجهه دون بدنه أو يستدير كله ؟ الثاني : هل يستدير مرتين إحداهما : قوله حي على الصلاة حي على الصلاة والأخرى عند قوله حي الصلاة مرة ثم يلتفت شمالا فيقول حي على الصلاة أخرى ثم يتلفت يمينا ويقول حي على الفلاح مرة ثم يلتفت شمالا فيقول حي على الفلاح أخرى ؟ وهذا الوجهان منقولان عن أصحاب الشافعي وقد رجح هذا الثاني بأنه يكون لكل جهة نصيب من كلمة وقيل : إنه اختيار القفال والأقرب عندي إلى لفظ الحديث : هو الأول .
الرابع : قوله [ ثم ركزت له عنزة ] أي أثبتت في الأرض يقال : ركزت الشيء أركزه - بضم الكاف في المستقبل - ركزا : إذا أثبته و العنزة قيل : هي عصا في طرفها زج وقيل : الحربة الصغيرة .
الخامس : فيه دليل على استحباب وضع السترة للمصلي حيث يخشى المرور كالصحراء ودليل على الاكتفاء في السترة بمثل غلظ العنزة ودليل على أن المرور من وراء السترة غير ضار .
السادس : قوله [ ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة ] هو إخباره عن قصره A ومواظبته على ذلك وهو دليل على رجحان القصر على الإتمام وليس دليلا على وجوبه إلا على مذهب من يرى أن أفعاله A تدل على الوجوب وليس بمختار في علم الأصول .
السابع : لم يبين في هذه الرواية موضع اجتماع بالنبي A وقد بين ذلك في رواية أخرى قالها فيها [ أتيت النبي A بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم ] وهذه الرواية المبينة مفيدة لفائدة زائدة فإنه في الرواية الأولى المبهمة يجوز أن يكون اجتماعه بالنبي A في طريقه إلى مكة قبل وصوله إليها وعلى هذا يشكل قوله [ فلم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة ] على مذهب الفقهاء من حيث إن السفر تكون له نهاية يوصل إليها قبل الرجوع وذلك مانع من القصر عند بعضهم أما إذا تبين أنه كان الاجتماع بالأبطح فيجوز أن تكون صلاة الظهر التي أدركها ابتداء الرجوع ويكون قوله [ حتى رجع إلى المدينة ] انتهاء الرجوع