العاكفون على المعاصي .
فهذا ما أمكن ذكره في هذا الموضع مع كونه من المشكلات القوية لعدم الضبط فيه بقوانين تقدم ذكرها للسابقين وقد تباين الناس في هذا الباب تباينا شديدا حتى بلغني : أن بعض المالكية مر في ليلة من إحدى ليلتي الرغائب - أعني التي في رجب أو التي في شعبان - بقوم يصلونها وقوم عاكفين على محرم أو ما يشبهه أو ما يقاربه فحسن حال العاكفين على المحرم على حال المصلين لتلك الصلاة وعلل ذلك بأن العاكفين على المحرم عالمون بارتكاب المعصية فيرجى لهم الاستغفار والتوبة والمصلون لتلك الصلاة - مع امتناعها عنده - معتقدون أنهم في طاعة فلا يتوبون ولا يستغفرون .
والتباين في هذا يرجع إلى الحرف الذي ذكرناه وهو إدراج الشيء المخصوص تحت العمومات أو طلب دليل خاص على ذلك الشيء الخاص وميل المالكية إلى هذا الثاني وقد ورد عن السلف الصالح ما يؤيده في مواضع ألا ترى أن ابن عمر Bهما قال في صلاة الضحى إنها بدعة لأنه لم يثبت عنده فيها دليل ولم يرد إدراجها تحت عمومات الصلاة لتخصيصها بالوقت المخصوص وكذلك قال في القنوت الذي كان يفعله الناس في عصره إنه بدعة ولم ير إدراجه تحت عمومات الدعاء وكذلك ما روى الترمذي من قول عبد الله بن مغفل لابنه في الجهر بالبسملة إياك والحدث ولم يرد إدراجه تحت دليل عام وكذلك ما جاء عن ابن مسعود Bه فيما أخرجه الطبراني في معجمه بسنده عن قيس بن أبي حازم قال ذكر لابن مسعود قاص يجلس بالليل ويقول للناس : قولوا كذا وقولوا كذا فقال : إذا رأيتموه فأخبروني قال : فأخبروه فأتاه ابن مسعود متقنعا فقال : من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا عبد الله بن مسعود تعلمون أنكم لأهدى من محمد A وأصحابه يعني أو إنكم لمتعلقون بذنب ضلالة وفي رواية لقد جئتم ببدعة ظلماء أو لقد فضلتم أصحاب محمد A علما فهذا ابن مسعود أنكر هذا الفعل مع إمكان إدراجه تحت عموم فضل الذكر على أن ما حكيناه في القنوت والجهر بالبسملة من باب الزيادة في العبادات .
الخامس : ذكر المصنف حديث ابن عمر في باب صلاة الجماعة ولاتظهر له مناسبة فإن كان أراد : أن قول ابن عمر صليت مع رسول الله A معناه : أنه اجتمع معه في الصلاة فليست الدلالة على ذلك قوية فإن المعية مطلقا أعم من المعية في الصلاة وإن كان محتملا .
ومما يقتضي أنه لم يرد ذلك : أنه أورد عقيبه حديث عائشة Bها : أنها قالت : [ لم يكن النبي A على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر ] وفي لفظ لمسلم : [ ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ] وهذا لا تعلق له بصلاة الجماعة