شرط العمل بالحديث الضعيف .
هذا الحديث : يتعلق بالسنن الرواتب التي قبل الفرائض وبعدها ويدل على هذا العدد منها وفي تقديم السنن على الفرائض وتأخيرها عنها : معنى لطيف مناسب أما في التقديم : فلأن الإنسان يشتغل بأمور الدنيا وأسبابها فتتكيف النفس من ذلك بحالة بعيدة عن حضور القلب في العبادة والخشوع فيها الذي هو روحها فإذا قدمت السنن على الفريضة تأنست النفس بالعبادة وتكيفت بحالة تقرب من الخشوع فيدخل في الفرائض على حالة حسنة لم تكن تحصل له لو لم تقدم السنة فإن النفس مجبولة على التكيف بما هي فيه لا سيما إذا كثر أو طال وورود الحالة المنافية لما قبلها قد يمحو أثر الحالة السابقة أو يضعفه وأما السنن المتأخرة : فلما ورد أن النوافل جابرة لنقصان الفرائض فإذا وقع الفرض ناسب أن يكون بعده ما يجبر خللا فيه إن وقع .
وقد اختلفت الأحاديث في أعداد ركعات الرواتب فعلا وقولا واختلفت مذاهب الفقهاء في الاختيار لتلك الأعداد والرواتب والمروي عن مالك : أنه لا توقيت في ذلك قال ابن القاسم صاحبه : وإنما يوقت في هذا أهل العراق .
والحق - والله أعلم - في هذا الباب - أعني ما ورد في أحاديث بالنسبة إلى التطوعات والنوافل المرسلة - أن كل حديث صحيح دل على استحباب عدد من هذه الأعداد أو هيئة من الهيئات أو نافلة من النوافل : يعمل به في استحبابه ثم تختلف مراتب ذلك المستحب فما كان الدليل دالا على تأكده - إما بملازمته فعلا أو بكثرة فعله وإما بقوة دلالة اللفظ على تأكد حكمه وإما بمعاضدة حديث آخر له أو أحاديث فيه - تعلو مرتبته في الاستحباب وما يقصر عن ذلك كان بعده في المرتبة وما ورد فيه حديث لا ينتهي إلى الصحة فإن كان حسنا عمل به عن لم يعارضه صحيح أقوى منه وكانت مرتبته ناقصة عن هذه المرتبة الثانية أعني الصحيح الذي لم يدم عليه أو لم يؤكد اللفظ في طلبه وما كان ضعيفا لا يدخل في حيز الموضوع فإن أحدث شعارا في الدين : منع منه وإن لم يحدث فهو محل نظر يحتمل أن يقال : إنه مستحب لدخلوه تحت العمومات المقتضية لفعل الخير واستحباب الصلاة ويحتمل أن يقال : إن هذه الخصوصيات بالوقت أو بالحال والهيئة والفعل المخصوص : يحتاج إلى دليل خاص يقتضي استحبابه بخصوصه وهذا أقرب والله أعلم وههنا تنبيهات .
الأولى : أنا حيث قلنا في الحديث الضعيف : إنه يحتمل أن يعمل به لدخوله تحت العمومات فشرطه : أن لا يقوم دليل على المنع منه أخص من تلك العمومات مثاله : الصلاة المذكورة في أول ليلة جمعة من رجب : لم يصح في الحديث ولا حسن فمن أراد فعلها - إدراجا لها تحت العمومات الدالة على فضل الصلاة والتسبيحات - لم يستقم لأنه قد صح أن النبي A [ نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام ] وهذا أخص من العموميات الدالة على فضيلة مطلق الصلاة .
الثاني : أن هذا الاحتمال الذي قلناه - من جواز إدراجه تحت العمومات - نريد به في الفعل لا في الحكم باستحباب ذلك الشيء المخصوص بهيئته الخاصة لأن الحكم باستحبابه على تلك الهيئة الخاصة : يحتاج دليلا شرعيا عليه ولا بد بخلاف ما إذا فعل بناء على أنه من جملة الخيرات التي لا تختص بذلك الوقت ولا بتلك الهيئة فهذا هو الذي قلنا باحتماله .
الثالث : قد منعنا إحداث ما هو شعار في الدين ومثاله : ما أحدثته الروافض من عيد ثالث سموه عيد الغدير وكذلك الاجتماع وإقامة شعاره في وقت مخصوص على شيء مخصوص لم يثبت شرعا وقريب من ذلك : أن تكون العبادة من جهة الشرع مرتبة على وجه مخصوص فيريد بعض الناس : أن يحدث فيها أمرا آخر لم يرد به الشرع زاعما أنه يدرجه تحت عموم فهذا لا يستقيم لأن الغالب على العبادات العبد ومأخذها التوقيف وهذه الصورة : حيث لا يدل دليل على كراهة ذلك المحدث أو منعه فأما إذا دل فهو أقوى في المنع وأظهر من الأول ولعل مثال ذلك ما ورد في رفع اليدين في القنوت فإنه قد صح رفع اليد في الدعاء مطلقا فقال بعض الفقهاء : يرفع اليد في القنوت لأنه دعاء فيندرج تحت الدليل المقتضي لاستحباب رفع اليد في الدعاء وقال غيره : يكره لأن الغالب على هيئة العبادة التعبد والتوقيف والصلاة تصان عن زيادة عمل غير مشروع فيها فإذا لم يثبت الحديث في رفع اليد في القنوت : كان الدليل الدال على صيانة الصلاة عن العمل الذي لم يشرع : أخص من الدليل الدال على رفع اليد في الدعاء .
الرابع : ما ذكرناه من المنع : فتارة يكون منع تحريم وتارة منع كراهة ولعل ذلك يختلف بحسب ما يفهم من نفس الشرع من التشديد في الابتداع بالنسبة إلى ذلك الجنس أو التخفيف ألا ترى أنا إذا نظرنا إلى البدع المتعلقة بأمور الدنيا : لم تساو البدع المتعلقة بأمور الأحكام الفرعية ولعلها - أعني البدع المتعلقة بأمور الدنيا - لا تكره أصلا بل كثير منها يجزم فيه بعدم الكراهة وإذا نظرنا إلى البدع المتعلقة بالأحكام الفرعية : لم تكن مساوية للبدع المتعلقة بأصول العقائد